أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك














المزيد.....

حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 13:57
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يَعُدْ غريباً أن تتحوَّل تفاصيل حياتنا إلى سلعٍ مُعلَّبةٍ تُباع في سوق السوشيال ميديا، فكلُّ ما كان يُعدّ خصوصيةً مقدسةً صار مادةً للعرض والطلب. الأب الذي يَدفع بأطفاله إلى شاشة الهاتف ليُضحك المتابعين، والزوجة التي تتحوَّل حياتها الزوجية إلى فقراتٍ يوميةٍ تُقاس نجاحاتها بعدد "اللايكات"، والأسرة التي تتنازل عن حرمة جدران منزلها لتُصبح مسرحاً مفتوحاً للغرباء... السؤال الذي يفرض نفسه هنا ليس عن أخلاقيات هذه الظواهر فحسب، بل عن طبيعة المجتمع الذي نصنعه حين نُحوِّل القيم إلى "تريندات"، والكرامة إلى مَشهدٍ يختفي وراءه جشعٌ مُقنَّعٌ بِعباءة الشهرة.

ما يَحدث اليوم ليس مجرد انزياحٍ عن المألوف، بل هو زلزالٌ يهزُّ أسسَ التربية والعلاقات الإنسانية. حين يُقدِّم الأبُ أولاده قرباناً لشهوة الظهور، فهو لا يخون دورَه كحامٍ للقيم فحسب، بل يزرعُ فيهم بذورَ اللاانتماء؛ فكيف يُبنى الاحترام في أسرةٍ تتعلم أن قيمة الفرد تُقاس بمدى إمتاعه للآخرين؟ وكيف تُحفظ كرامةُ العلاقة الزوجية إذا صارت مفاصلُها مادةً للتعليقات الساخرة؟ لقد حوّلنا الحميميةَ إلى سلعةٍ رخيصة، والعارضَ (العِرض) إلى مساحةٍ للعبث، حتى صار "الشرف" مصطلحاً غريباً في قاموس الجيل الجديد، واستبدلناه بـ "الڤايرال" كمعيارٍ للنجاح.

الغريب في الأمر أننا نُدرك خطورة ما نفعله، لكننا نستسلم لِسحر المكسب السريع. فـ "الرزق الحلال" الذي كان يُقاس بالتعب والجهد صار في مخيلة البعض رقماً في حسابٍ بنكيٍ يأتي عبر تصوير ابنتهِ وهي تَبكي، أو زوجتهِ وهي تَتقمص أدواراً هزلية. ليست المشكلة في توثيق اللحظات العائلية، بل في تحويلها إلى مسلسلٍ دراميٍ تُحدِّد أحداثَه رغبةُ الجمهور، لا قيمُ الأسرة. هنا يبرز السؤال الأكثر إيلاماً: أيُّ أملٍ يبقى لأجيالٍ تتربى على أن "النجاح" يعني أن تكونَ محطَّ أنظار الغرباء، حتى لو كان الثمنُ تفكيكَ روابطك الإنسانية؟

لا يُمكن اختزال الظاهرة في حُكمٍ أخلاقيٍ سطحي، فهي مرآةٌ لمجتمعٍ يعاني من أزمة هويةٍ حادة. صرنا نعيش في مفارقةٍ غريبة: نَتوقُ إلى الأصالة، لكننا نلهثُ وراء كلِّ ما هو مُبتذَلٌ لِنثبتَ وجودنا. نشتكي من انحدار القيم، لكننا نُبارك لمن يدفعونها إلى الهاوية طالما يحققون "مشاهداتٍ عالية". لقد خسرنا القدرة على التمييز بين الخصوصيةِ والعزلة، بين المشاركةِ والاستعراض، حتى صارت حياتنا كأرضٍ بلا سياج؛ كلُّ مَن هبَّ ودبَّ يستطيع أن يَطأها بأحذيتهِ المُلوثة.

في خضمِّ هذا الضجيج، يبدو السؤال عن "الآليات الإنقاذية" صرخةً في وادٍ. فالحلُّ لا يكمن في منصاتٍ تُضيف خيار "حماية الخصوصية"، ولا في وعظ الأسر بالتمسك بالقيم، بل في إعادة تعريف مفهوم "القيمة" ذاته. كيف نصنعُ قدواتٍ في زمنٍ يَسخرُ من كلِّ ما هو جادٌّ ومُتأنٍ؟ كيف نُعيد للعملِ وللأخلاقِ بريقَهما في عصرِ "النجاح السريع"؟ الجواب يبدأ بخطوةٍ بسيطةٍ وجريئة: أن نرفضَ المشاركة في هذه السيرك، أن نُدرك أنَّ كرامتنا ليست سلعةً، وأنَّ بيوتنا ليست استوديوهاتٍ مفتوحة. فما يُبنى على الشاشات يزولُ بانتهاء البطارية، أما ما يُبنى في القلوب فيَبقى.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- لبنان.. جوزاف عون يطلب من قائد الجيش التصدي لأي توغل إسرائيل ...
- جدل في إسرائيل بعد ترشيح نجل نتنياهو لـ -منصب رفيع- في المنظ ...
- منطقة زابوريجيا الأوكرانية تتعرض لقصف روسي عنيف وسقوط إصابات ...
- فيديو - 50 ألف قطعة أثرية تسرد تفاصيل الحياة في مصر القديمة ...
- -ما هو حجم الردّ الإسرائيلي الكافي لانهيار الهُدنة في غزة؟- ...
- حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
- السودان- مقتل نحو 450 داخل مستشفى بالفاشر وتحذيرات من تفكك ا ...
- أكثر من مئة قتيل في ريو في أعنف تدخل للشرطة في تاريخ البرازي ...
- إسرائيل تقصف لبنان وعون يطلب من الجيش التصدي لأي توغل إسرائي ...
- النواب الفرنسيون يصادقون على مشروع قرار لإلغاء اتفاقية 1968 ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك