أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟














المزيد.....

كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 00:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سؤال يستحق التأمل العميق: كيف وصلت نسبة سكان العرب إلى 431 مليونًا، بينما ذابت شعوبٌ عريقة مثل الأمازيغ، الأقباط، الكورد، السريان، الآشوريين وغيرهم في بحر العروبة؟
الإجابة لا تكمن فقط في العامل الديمغرافي الطبيعي، بل ترتبط بمنظومة تاريخية وسياسية وثقافية تمتد عبر قرون، حيث لعبت عوامل عديدة دورًا جوهريًا في تعريب هذه الشعوب وإضعاف هوياتها الأصلية.
1. الفتح والاستيطان: مع الفتوحات الإسلامية، لم يكن التأثير مقتصرًا على الدين فقط، بل ترافق مع سياسات استيطانية ممنهجة، حيث استقرت القبائل العربية في المناطق المفتوحة، وفرضت ثقافتها ولغتها على الشعوب الأصلية.
2. القوة السياسية والدينية: هيمنت الأنظمة العربية المتعاقبة على الحكم في بلدان المشرق والمغرب، مستخدمة سلطتها في فرض العربية كلغة رسمية، وإقصاء اللغات والثقافات الأخرى، كما حدث مع الأمازيغية والكوردية والقبطية والآرامية وغيرها.
3. التهميش والقمع: تعرضت الهويات غير العربية إلى سياسات قمعية، فمنعت لغاتها، وتم طمس معالمها الثقافية، وأحيانا أُجبر سكانها على تبني هوية عربية لضمان البقاء في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
4. التأثير الديني: الإسلام بحد ذاته لا يفرض التعريب، لكنه استُغل سياسيًا من قبل السلطات، فتم ربط الهوية الدينية بالهوية اللغوية، حيث اعتُبرت العربية لغة مقدسة، وجرى الترويج لها على أنها جزء لا يتجزأ من الانتماء الديني، مما دفع الكثير من الشعوب غير العربية إلى تبنيها على حساب لغاتها الأصلية. على سبيل المثال، كشفت إحصائية رسمية حول الانتماء القومي والعرقي لسكان شمال إفريقيا أن نسبة العرب الأصليين لا تتجاوز 4% من سكان تونس، وتتراوح بين 10-15% في الجزائر والمغرب وليبيا، في حين أن الأغلبية الساحقة من السكان تنحدر من الأمازيغ، والبربر، والطوارق. ومع ذلك، فقد تعرضوا لعملية تعريب ممنهجة، سواء تحت غطاء الدين عبر ربط اللغة العربية بالقرآن الكريم، أو من خلال سياسات السلطة التي فرضت العروبة كهوية ثقافية وسياسية رسمية، مما أدى إلى تآكل الهويات الأصلية لهذه الشعوب بمرور الزمن.
5. العولمة القسرية والتحديث المشوّه: مع دخول مفاهيم القومية في العصر الحديث، رُبط مفهوم الدولة القومية بالوحدة اللغوية، فتم تعزيز العروبة كنظام سياسي وثقافي، وأُعيدت كتابة التاريخ ليتلاءم مع هذه النزعة الإقصائية، ما جعل الكثير من الأجيال الجديدة تنشأ ضمن هوية عربية مفروضة، دون وعي بجذورها الأصلية.
النتيجة هي ما نراه اليوم: شعوبٌ امتلكت حضارات عظيمة، وتاريخًا يمتد لآلاف السنين، لكنها انصهرت في بوتقة العروبة بفعل عوامل سياسية وثقافية واقتصادية ممنهجة، بينما بقيت القلة صامدة تحاول الحفاظ على هويتها في وجه هذا المد الجارف.
ولكن، هل يمكن أن تستمر هذه الحالة إلى الأبد؟ أم أن إحياء الهويات الأصلية لهذه الشعوب سيُعيد التوازن إلى الخريطة الثقافية المتباينة والمتصارعة في المنطقة، ليصبح عاملًا من عوامل الاستقرار والتقدم والازدهار؟ هذا السؤال ليس مجرد طرح فكري، بل هو جوهر الصراع القائم اليوم بين الدول التي تُسمى جدلًا بالعربية، باستثناء الدول والممالك العربية الأصيلة في الجزيرة العربية. بل إن هذا الصراع يمتد حتى داخل الدولة الواحدة، كما هو الحال في سوريا، حيث تتداخل العوامل التاريخية والجيوسياسية في رسم ملامح مستقبلها.
إن سوريا التي يجب أن تكون لكل السوريين لا يمكن بناؤها على أساس القومية الواحدة أو الحكم المركزي القسري، فالتاريخ أثبت أن محاولة إذابة التعددية القومية والدينية في بوتقة واحدة لم تؤدِّ إلا إلى صراعات مستمرة وتهميش هويات أصيلة، من هنا، تبرز الحاجة إلى نظام فيدرالي لا مركزي، مثبت بالدستور، يضمن حقوق جميع المكونات، ويخلق الثقة بين شعوبها.
مثل هذا النظام لن يكون مجرد حل إداري، بل عاملًا أساسيًا في استقرار المنطقة، فهو سيمكن المكونات المختلفة من إدارة شؤونها بحرية، مع الحفاظ على وحدة البلاد ضمن إطار سياسي متوازن يراعي المصالح المتبادلة ويؤسس لنهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
17/2/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يتهافت الكورد على دمشق بدل فرض شروطهم من قامشلو؟
- الحرب النفسية والدعاية السوداء كيف تستهدف تركيا استقرار غربي ...
- ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية
- ميلاد كوردستان بداية الاستقرار والتعايش في الشرق الأوسط
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- إعادة تشكيل الشرق الأوسط هل هو مخطط خارجي أم نتيجة بنية داخل ...
- مؤتمر الحوار الوطني السوري تهميش للكورد ومخطط لإقصاء الحراك ...
- من متطلبات المرحلة تصعيد دور القيادة السياسية في الإدارة الذ ...
- آن الأوان لفصل المسار السياسي عن العسكري في الإدارة الذاتية
- تيه بين العدم والخلود
- كيف تُدار الحرب ضد الكورد بوجوهٍ بلهاء وألسنة مأجورة؟
- قراءة في انسحاب المجلس الوطني الكوردي من الائتلاف السوري
- تنازل المجلس الوطني الكوردي عن مطلب الفيدرالية، تراجعٌ سياسي ...
- لماذا نشرت قناة NBC الخبر الكاذب حول احتمالية سحب إدارة ترام ...
- الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا، دعاية مضللة بغايات ...
- الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل ...
- الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل ...
- خطب الكراهية في ساحة الأمويين
- في سوريا المنتصر لا يجادل بل يفرض قدره
- سوريا من قبضة الأسد إلى مخالب الإرهاب


المزيد.....




- إسرائيل تعلن شنها غارات -واسعة النطاق- على مواقع عسكرية في إ ...
- الحرس الثوري يعلن استهداف مركز استخبارات إسرائيلي رداً على ا ...
- +++ دخول الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران يومها الرابع++ ...
- إذاعة -يوم القيامة- تبث رسالة جديدة غامضة وسط الصراع الإسرائ ...
- إيران.. الدفاعات الجوية تسقط مسيرات إسرائيلية في مناطق مختلف ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية تصب الزيت على نار الحرب المدمرة بين ...
- الجيش الإسرائيلي يشن هجمات استباقية على منصات صواريخ إيرانية ...
- مستشار خامنئي يهدد بحرمان دول المنطقة من استخدام المنشآت الن ...
- إيران: هذا شرطنا للعودة إلى الدبلوماسية
- هجمات ليلية جديدة.. غارات إسرائيلية وصواريخ إيرانية


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - كيف ابتلعت العروبة شعوبًا وحضاراتٍ بأكملها؟