بوزان كرعو
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 16:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها الساحة السورية ، تم تسريب مسودة إعلان دستوري مؤقت يُنسب إلى قيادة العمليات العسكرية للثورة السورية. تهدف هذه المسودة إلى وضع الإطار القانوني للمرحلة الانتقالية ، بما يعكس تطلعات الثورة نحو بناء دولة حديثة ، غير أن أي مشروع دستوري ، حتى في طوره الأولي ، يجب أن يخضع لتحليل دقيق ونقد معمق لقياس مدى توافقه مع المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ، فضلاً عن قدرته على تحقيق العدالة والاستقرار لكافة مكونات الشعب السوري. من خلال هذا التحليل ، سيتم استعراض الإيجابيات والإشكاليات في هذه المسودة ، مع تسليط الضوء على التحديات التي قد تعيق تحقيق أهدافها المعلنة.
أولاً : الإيجابيات في الإعلان الدستوري
1. التعددية السياسية وفصل السلطات
يشير الإعلان إلى أن النظام السياسي للدولة يقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة ، مما يعكس رغبة في إقامة نظام ديمقراطي.
2. التزام الدولة بحقوق الإنسان والحريات العامة
يتضمن الإعلان مواد تنص على حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وحماية حقوق المرأة والطفل ، وهي مبادئ ضرورية لأي نظام ديمقراطي حديث.
3. ضمان استقلال القضاء
استقلالية القضاء وعدم التدخل في شؤونه أمر أساسي لإقامة العدالة ، والإعلان يحدد آليات لإعادة تنظيم القضاء بما يضمن النزاهة والعدالة.
4. التوجه نحو دستور دائم واستفتاء شعبي
الإشارة إلى إعداد دستور دائم يعرض على استفتاء شعبي تعزز من شرعية العملية الانتقالية وتمنح الشعب دورًا في تحديد مستقبل البلاد.
ثانيًا : الإشكاليات والتحديات في الإعلان الدستوري
1. التناقض بين مبدأ المواطنة واشتراط الدين لرئيس الجمهورية
رغم التأكيد على مبدأ المواطنة المتساوية ، إلا أن اشتراط أن يكون رئيس الدولة مسلمًا يتناقض مع هذا المبدأ ، حيث يمنع المواطنين من الأقليات الدينية مثل الدروز والإيزيديين والمسيحيين من الترشح لهذا المنصب ، هذا الشرط يقوض مفهوم المساواة الكاملة بين المواطنين ويخلق فئة محرومة من حقوقها السياسية.
2. تغليب الطابع الديني في التشريع
ينص الإعلان على أن "الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع " مع ضمان حقوق غير المسلمين ، لكنه لا يوضح مدى التزام القوانين المدنية بمبدأ المساواة الكاملة.
3. تجاهل حقوق الشعب الكوردي وإلغاء المشاريع العنصرية السابقة
لم يتطرق الإعلان إلى حقوق الشعب الكوردي ، رغم كونه ثاني أكبر قومية في البلاد ، ولم يشمل إلغاء المشاريع العنصرية والشوفينية الاستثنائية التي نفذها نظام البعث في المناطق ذات الأغلبية الكوردية ( الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية ) ، هذا الإغفال يثير مخاوف بشأن استمرار التمييز القومي وعدم تحقيق العدالة التاريخية للكورد .
4. دور الفصائل العسكرية في السلطة التشريعية
منح السلطة التشريعية لمجلس تشريع مؤقت يتضمن ممثلين عن الفصائل العسكرية قد يؤدي إلى عسكرة الدولة ويحد من مشاركة المدنيين وأصحاب الخبرات القانونية والسياسية.
5. الإبقاء على محاكم استثنائية
تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة رموز النظام السابق والمتهمين بالإرهاب قد يثير قلقًا بشأن ضمانات المحاكمة العادلة ، خاصة إذا لم تكن هذه المحاكم مستقلة تمامًا أو ملتزمة بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
6. تمديد المرحلة الانتقالية
رغم تحديد مدة المرحلة الانتقالية بسنتين ، إلا أن إمكانية تمديدها بقرار من الحكومة الانتقالية ومجلس التشريع قد يفتح المجال أمام استمرار الحكم الانتقالي دون سقف زمني واضح.
7. التعامل مع الاتفاقيات الدولية
ينص الإعلان على إلغاء جميع الاتفاقيات المبرمة منذ عام 2011 باعتبارها "اتفاقيات إذعان" ، وهو توجه قد يثير مخاوف دولية حول التزامات سوريا المستقبلية وقدرتها على الحفاظ على الاستقرار القانوني والسياسي.
8. إعلان حالة الطوارئ
فرض حالة الطوارئ لمدة سنة مع إمكانية التمديد قد يفتح الباب أمام تجاوزات محتملة للحريات العامة ، خاصة إذا لم يكن هناك إشراف قضائي صارم على تطبيق إجراءات الطوارئ.
و اخيراً يمثل الإعلان الدستوري المؤقت خطوة مبدئية نحو إعادة تنظيم الدولة السورية خلال المرحلة الانتقالية ، لكنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بموازنة الطابع الديني مع مبادئ الدولة المدنية ، وضمان استقلال المؤسسات بعيدًا عن النفوذ العسكري ، وحماية الحقوق والحريات بشكل لا يسمح بالتراجع عنها.
كما أن عدم التطرق إلى حقوق الشعب الكوردي وإلغاء المشاريع العنصرية السابقة يضعف من مصداقية الإعلان في تحقيق العدالة والمساواة. إن نجاح هذا الإعلان مرهون بمدى توافقه مع تطلعات جميع مكونات الشعب السوري في بناء دولة ديمقراطية حديثة تستند إلى حكم القانون والمواطنة المتساوية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟