أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين














المزيد.....

بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8231 - 2025 / 1 / 23 - 22:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في ليلة من ليالي الشتاء العاصفة، اشتعلت النيران في قلوب العالمين، لكنها التهمت أكثر من مجرد الأخشاب والبشر؛ التهمت مفاهيمنا وأسقطت الأقنعة عن وجه الإنسانية الحائر. على ضفتي عالم متشابك، نشبت كارثتان، تختلفان في جغرافيتهما، لكنهما تشتركان في عنفوان الرياح ومرارة الخسائر.

في الغرب الأمريكي، كاليفورنيا تحديدًا، اشتعلت الغابات، وغدت السماء رمادية مثقلة بالدخان. لم تكن الرياح هناك رحيمة، بل ساعدت في تفاقم الكارثة، حيث حملت ألسنة اللهب من شجرة إلى أخرى، كأنها تلاحق حلمًا بالدمار. ورغم الخسائر البشرية التي بلغت 28 ضحية حتى اللحظة، إلا أن البنية التحتية الهائلة وآليات التدخل السريع التي وضعتها الولايات المتحدة، حدّت بشكل كبير من حجم الكارثة المحتملة.

وفي الشرق، في قلب منتجع كارتالكايا التركي، اندلع حريق في فندق “جراند كارتال”. لم تُمهل النيران زواره، فسقط 76 ضحية، وامتلأت المشافي بالمصابين. كانت الرياح، التي يُفترض أن تحمل البرد وتُنعش المتزلجين، ذاتها التي أعاقت السيطرة على النيران. لكن هنا، بدا المشهد أكثر حزنًا، ليس فقط بسبب عدد الضحايا، بل بسبب هشاشة الاستعدادات وغياب التدابير الوقائية التي كان يمكن أن تُنقذ الأرواح.

ما الذي يجعل هذه الفجوة الهائلة بين الكارثتين؟ هل الأمر مجرد اختلاف في الإمكانيات؟ أم أن هناك جذورًا أعمق في طريقة التفكير والتعامل مع الأزمات؟

في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، يُلاحظ تناقض لافت في قراءة المآسي. ففي حين يفسر البعض الكوارث التي تضرب دولًا غير مسلمة، مثل حرائق كاليفورنيا، على أنها “غضب إلهي” أو “عقاب رباني”، لا يحملون النظرة ذاتها تجاه كوارث تضرب دولًا مسلمة. عندما تندلع حرائق في الغرب، يتسابق البعض إلى تفسيرها بأنها نتيجة “غضب الله”، متغافلين عن الضحايا كأفراد لهم حقوق في التعاطف والمواساة. في المقابل، حين تكون الكارثة في دولة مسلمة، يتحول الخطاب إلى الإقرار بأنها “ابتلاء من الله”، وأن على الضحايا الصبر والتضرع.

هذا التناقض يعكس أزمة في التكوين الفكري والإنساني للعقل العربي والمسلم. فالتشفي من الآخر لا يعبر عن قوة إيمان، بل عن ضعف في استيعاب مفهوم الإنسانية، الذي يجعلنا نرى الإنسان أولًا، بغض النظر عن هويته أو دينه.

في المقابل، نجد العالم الغربي يتعامل مع الكوارث بروح إنسانية شاملة. فحين اندلع حريق تركيا، لم نسمع أصواتًا غربية تتحدث عن “عقاب إلهي”، بل رأينا تعاطفًا واسعًا. هذا الفرق الجوهري في رد الفعل يعكس عمق الأزمة الفكرية التي نعيشها، وضرورة إعادة تشكيل رؤيتنا للأحداث.

ليس حريق كاليفورنيا وحريق تركيا وحدهما ما يعكسان هذه الفجوة في التفكير، بل هناك حوادث أخرى تبرز هذا التباين. حرائق أستراليا 2019-2020، على سبيل المثال، أظهرت تعاملًا احترافيًا مع الكارثة، بينما تركزت ردود الأفعال الإنسانية على التضامن مع الضحايا. حريق نوتردام في باريس 2019 أثار تعاطفًا عالميًا تجاوز الخلفيات الدينية. زلزال هايتي 2010 أظهر تفاوتًا في التعامل مع الكوارث، بين دعم البعض وتفسيرات الآخرين الغيبية.

كل هذه الحوادث تقدم لنا درسًا مشتركًا حول كيف أن العقل الجمعي يتفاعل بشكل مختلف بناءً على الثقافة والدين والجغرافيا، وكيف أن التفسير الغيبي لا يقدم حلولًا عملية أو إنسانية.

إن الأزمات تتطلب فهم الأسباب العملية لها، بدلًا من الغرق في التفسيرات الغيبية. حرائق كاليفورنيا وحريق تركيا ليسا مجرد كوارث طبيعية، بل هما مرآة تعكس حالة العقلين. ففي حين يركز العقل الغربي على استخلاص الدروس والعمل على تحسين المستقبل، يظل العقل العربي والإسلامي محاصرًا بين أسئلة القدر ومشاعر التشفي.

لا يمكن للعقل الجمعي أن ينهض إلا إذا تخلص من ازدواجيته، وبدأ في النظر إلى الكوارث باعتبارها مسؤولية جماعية. المطلوب ليس التخلي عن الإيمان، بل الموازنة بين الإيمان والعمل، والتعلم من الأزمات كيف نحولها إلى فرص للتغيير والتحسين.

في نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن مستعدون لترك التشفي والانغلاق الفكري، والانتقال إلى عقل جديد يؤمن بأن الإنسانية هي ما يجمعنا جميعًا في مواجهة الكوارث والتحديات؟



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في عالم متغير: نحو نظام عالمي جديد بين التحديات والطموحات
- العقل العربي بين قيود الماضي وأحلام المستقبل
- الحضارة الغربية بين القيم والانتقادات: رؤية متوازنة
- من هزيمة المغول إلى كسر أوهام الشرق الأوسط الجديد: مصر مقبرة ...
- المستقبل في ظل الاعتماد على الروبوتات: العالم بين الابتكار و ...
- لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغ ...
- العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة
- مجدي يعقوب: أيقونة الإنسانية والعلم في مسار نحو نوبل وجامعة ...
- الأسرى في ظلال الكهف: رحلة العقل من القيود إلى النور
- العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبا ...
- العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري
- أصداء الرعب: كيف تتحطم الأمم تحت وطأة الديكتاتورية
- العرب والمسلمون بين أسطورة الماضي وسراب الحاضر
- الإنسان المغترب: قراءة في فكر إريك فروم وأبعاد الاغتراب في ا ...
- انتظار الحلول الغيبية: هروب من الواقع أم أمل زائف؟
- ما الذي يدفع العقول المتعلمة إلى رفض العلم لصالح الوهم؟
- احترام الأديان والتعايش السلمي: رؤية نقدية لسلوكيات تسيء للإ ...
- سوريا على مفترق طرق: تساؤلات حول انهيار الجيش وتحديات المرحل ...
- فرحة بمرض نتنياهو أم هروب من مواجهة الواقع؟
- الثورة الإدراكية: قفزة الإنسان العاقل نحو السيادة على الأرض


المزيد.....




- من سوريا إلى ألمانيا .. العنف الطائفي وصل الشتات السوري
- صحيفة سويسرية: الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بين التهديد ...
- حركات يهودية مناهضة للصهيونية تتحدى إسرائيل من أوروبا
- وفاة شاب في الجامع الأموي.. السبب يشعل مواقع التواصل
- الأردن.. النيابة تستدعي -متسترين- على أملاك جماعة الإخوان
- مقتل الشاب يوسف اللباد بعد اعتقاله بالجامع الأموي يثير جدلا ...
- النيابة الأردنية تستدعي متهمين -بالتستر- على أملاك جماعة الإ ...
- مكتبة الفاتيكان.. صرح تاريخي وإرث معرفي يمتد لقرون
- فلسطين.. ملثمون يعتدون بالضرب على رئيس بلدية الخليل أثناء خر ...
- سوريا: وزيرا الداخلية والعدل يتعهدان بمحاسبة المتورطين في حا ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين