أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عكاشة - موال في وداع عدوية














المزيد.....

موال في وداع عدوية


محمد عكاشة
كاتب

(Mohamad Okasha)


الحوار المتمدن-العدد: 8218 - 2025 / 1 / 10 - 02:27
المحور: الادب والفن
    


لم يكن عدوية مجرد مغنواتي كما كانوا يطلقون عليه بل كان صوت القاهرة ببائعيها الجائلين وحرفييها في المناصرة والمغربلين وباب النصر
ومقاهيها التي تفترش أرصفة الزاوية الحمرا
وبوابة المتولي والقلعة والدرب الأحمر
(دا الجميل إللي في حارتنا
إللي ساكن بعد بيتنا)
كان عدوية يمثل لي بملامحه الصريحة جدا والتي تعبر عن الوجع المخفي في ورش النجارة والخراطة والتنجيد بل عن الوجع في روائح غراء الجولة عند الصورماتية ولاصقي الفورمايكا والقشرة الموجنه
(يامدندشة والدندشة غية )
كان حاجبيه حادين كثيفين يحتلان جبهته كمظلة مطعم فول في العتبة حين ينشد( عيلة تايهة تايهة ياولاد الحلال). وكانت عيناه التي يجري في بؤبؤها أتوبيسات هيئة النقل العام من أحمد حلمي مرورا بالوايلي والعباسية حتى مقابر الإمام يطفو على صفحتها لامعان جمالكة الخشب في الدراسة حين يصدح( بالسح الدح إمبو) وكان أنفه ينتفخ كناي معبأ بصفير تروماي عبدالعزيز وصيحات الصنايعية في ورش الحدادين في السيدة عيشة.. وكان فمه مفتوح على الأه في جرحها وشدوها وأنينها.. فم كباب زويلة الذي شهد شنق طومان باي في حسرة وألم.. فم يطلق أوجاع الترسو وسط زحام..(زحمة يا دنيا زحمة... زحمة وماعدشي رحمة.).وانتشار الكاسيت وياقات القمصان العريضة والبناطيل الشلستون والجزمة المورتاني وفتحة القميص حتى السرة وسلسة المفاتيح التي تتدلى في عروة البنطلون العايق أبو رجل واسعة والسوالف الطويلة ونشيده( من فوق شواشي الجبل).. وسط بائعي الطماطم والخضار
وجه واضح لا يتوارى في قناع رغم ندبات الزمن وقهر الأيام وشعر مهوش أسود فاحم يحتل نصف جبهته.. حين يتمايل ثانيا ذراعيه في حركة مرحة وجادة في نفس الوقت فينقلك من الفرح للحزن في لحظة خاطفة
مداعبا مريديه وهم يتمايلون في حضرة مواويله الصادحة الحارقة كشطة خضراء مع طبق فول بالزيت الحار على عربة في باب اللوق
عيناه تشرقان في أمل لا يكل
(أنا اشتكيت لطوب الأرض من حالي)
هو ميكانيكي المحبة واستورجي المشاعر ونقاش الصحبة وترزي المواويل
(ياقلبي صبرك على إللي راح ولا جاشي)
سريح بقدرة فول كل يوم الصبح
وشيال في وكالة البلح
(ياليل ياعين ياليل ليلي ليل ياعين)
مواويله الشامخة بمذاق تمر هندي في ميدان رمسيس أو بفص برثقال حادق يلهب الحنجرة بجلبابه الأسكندراني الضيق وقمصانة المشجرة كلافتات باب الحديد وخطواته المتأنية حول راقصات ناشطات تحس أنهن يذوبن في سمار وجهه ونحافة جسده ويتم حكاياته
وأغانيه التي جمعها راوي سير الغلابة والمشردين( أيه ده كله أيه ده كله.. طب أيه طب أيه إللي واخد عقلي كله)
هذا الصوت المبحوح الموجوع النافر الباكي يجز الفراغ من رقبته وأنت مقدم على الرحيل ويجعل الفرح بكاء وأنت تهرب من أحزانك
يلاحقك وأنت تجري وراء أتوبيس إمبابة ليلحق بك وأنت تقفز على عتبة بابه المزدحم
يرافقك وأنت تائه في شوارع الفجالة بكلمات وله ياااااوله يامنصور...
فأمسى سارينة إسعاف بولاق وكلاكسات أتوبيسات المنيب
وجرس بائع السوبيا وصياح بائع البطاطا في المعصرة
الصوت المزمار الناي الربابة الذي شكل وجدان ملايين المصريين في وقت كانت فيه الحياة تنتفض وتغير من جلدها
وكانت القاهرة كدوامة بعد التحرر تخرج ألامها ومصابيها ليطببها عدوية( بأغراب يادنيا ) وكانت مصر ثكلى بأوجاع الحرب وجروح محبوسة تبغي النزيف وكانت تتمدد وتفتح صدرها لفتاها الشارد الغناء الباكي في رجاء



#محمد_عكاشة (هاشتاغ)       Mohamad_Okasha#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراما الطبيعة وتحرر الشكل في لوحات إيناس مصطفى
- شجرة في قلب ذئب.. ديوان يصور خلايا الروح
- درامية الصورة ورومانتيكية المشهد في نص عذر خاص للشاعرة وفاء ...
- المراوغة بين الغريزة والمنطق في قصص سرير عنكبوت
- دراما التشكيل في لوحات محمد العيسوي
- عبدع رمزي بساطة التعبير وصلابة الحديد
- جماليات المنظور وفلسفة المكان في لوحات عادل ثروت
- زوايا التصوير النفسي والإجتماعي والإلكتروني في رواية بروفة ل ...


المزيد.....




- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...
- جائزة الغونكور الفرنسية: كيف تصنع عشرة يوروهات مجدا أدبيا وم ...
- شاهد.. أول روبوت روسي يسقط على المسرح بعد الكشف عنه
- في مثل هذا اليوم بدأت بي بي سي بثّها الإذاعي من غرفة صغيرة ف ...
- معالم الكويت.. صروح تمزج روح الحداثة وعبق التاريخ


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عكاشة - موال في وداع عدوية