أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - فيان دلي - صرخة كردية في وجه الصمت














المزيد.....

صرخة كردية في وجه الصمت


فيان دلي

الحوار المتمدن-العدد: 8191 - 2024 / 12 / 14 - 01:47
المحور: القضية الكردية
    


اليوم، بعد أن سقط الطاغية مذلّاً ومهاناً، سأروي محنتي ومحنة كلّ كردي اضطُّهِد على أرضه وعُوقِب بسبب هويته ولغته. سأروي لكم عن تلك الندوب التي خلّفها الماضي في أرواحنا، والتي ما زالت تنزف، رغم تبدّل الوجوه والشعارات. أتذكّر يوم وبّخني معلّمي حين وقف أمامي يصرخ: «مرّة تانية إذا تحكي كردي رح قلّعك برّا الصف»، كأن لغتي جريمة، وممارستها ذنب لا يُغتفر. لا أعلم إن كان قد انضمّ لاحقاً إلى صفوف الثوّار، ينادي بالحرّية التي حرمني منها. مَن يدري، ربما أصبح واحداً من أولئك الذين يرفعون شعارات الحرّية، لكنهم عاجزون عن ممارستها بحقّ كلّ مَن يخالفهم.

أتذكّر معلّمة أخرى، يوم مسكت معصمي بقسوة، وانتزعت ألوان علمي الكردي منه. كنت طفلة، ولم أفهم يومها لماذا كانت هذه الألوان تثير كلّ هذا الغضب. أتُراها هي الأخرى انضمّت لاحقاً لصفوف المطالبين بالتغيير؟ ربما، لكنني أشكّ أن روحها عرفت يوماً معنى الحرّية.

هذا القمع، لم يتجسّد فقط في مواقف يومية متفرّقة، بل كان متوغّلاً في كلّ تفاصيل حياتنا:
أغانينا التي كانت خطراً على الأمن.
العصي والهراوات، التي كانت تطال الكردي كلّ عام؛ أثناء دقيقة الصمت، التي يقفها في ذكرى مجزرة حلبجة.
الغازات المسيّلة للدموع، التي كانت تُرمى في أعيننا ليلة عيد نوروز.
رجال الشرطة والجيش، الذين يملؤون الطرقات في كلّ عيد لنوروز.
النار الذي كان يُشعل على الجبال سرّاً كما لو أنها جريمة، لغتنا التي لم يُسمح لنا بتعلّمها إلا خفية، في البيوت المظلمة.
الكتب والجرائد التي خُبِّئت خوفاً من أعين المداهمات الطارئة.
الرعب من عناصر المخابرات، والموافقة الأمنية، التي هدّدت مستقبل وحياة الكثير من الشابّات والشباب الكرد في العمل والتعليم. معتقلو الرأي، مجرّدو الجنسية، مشاريع التعريب التي طالت المناطق الكردية، أسماء قرانا ومدننا التي عُرّبت، وأسماءنا التي حُرِبنا بها وحُرِمنا منها.

كلّ ذلك وأكثر، قد يجعل من الكرد أكثر الفرحين والسعداء بسقوط النظام، الذي مارس في حقّهم القمع والاستبداد بأبشع أنواعه. لكنها سعادة ممزوجة بخوف مبطّن، خوف مما يحمله الغد، خوف ممن يصيحون «الله أكبر»، ويتوعّدون بذبح الكرد وقتلهم. خوف ممن ركبوا موج الثورة، ومَن نادى بحرّيةٍ لا يقوى على ممارستها.

وبينما أسمع أصواتهم تصدح وتتغنّى بالتحرير، أتساءل: أين هم من عفرين وتل أبيض وسرى كانية؟ أين هم الثوّار من نحيب أرضي؟ تلك المدن المنسية التي هُجِّر أهلها باسم الثورة، أين هم من كوباني التي استبيحت وانتُهكت أبشع انتهاك إثر هجمات تنظيم داعش؟ لماذا لم نسمع صوتاً ينصفهم، أو ينادي برفع القهر عنهم؟
على الثائر الحقيقي أن يرفض الظلم في كلّ مكان. على كلّ مَن ينادي بالحرّية ألا يقبل انتهاك حقّ أيٍّ كان، وإلا فالحرّية لن تليق به!

يؤلمني الصمت، و يؤلمني أكثر هذا التعامي عن آلامنا الكردية، لذلك سأصرخ في العالم كلّه، هذا العالم الذي اختار أن يصم أذنيه عن نحيبنا، الذي أدار ظهره عن الألم الصارخ في أعين شعبٍ اتُهِموا تارة بالانفصاليين وتارة أخرى بالملاحدة الكفّار، هؤلاء الذين ذاقوا الأمرّين من كلّ الجهات.

مأساة عفرين المستمرّة:
ربما كانت لعفرين نصيبها الأكبر من الانتهاكات التي طالت الكرد. لكني لن أسرد هنا قصص الماضي عندما اقتُلِعوا من جذورهم بحجة «التحرير والثورة»، ولا عن شجرة الزيتون اليتيمة الوحيدة بعد أن اقتُلِعت أخواتها لتُترَك هناك هزيلة ومريضة، شاهدة على الخراب. ولا عن شواهد القبور التي حُطِّمَت وخُرِّبَت... لن أحكي قصص العنف الدامي، التي أنهكت الصغير والكبير منذ ستّ سنوات وأكثر.
بل أريد أن أصرخ في وجه الصمت وأروي مشاهد لقصص حيّة، نازفة، لأناس مُغيّبين ومَنسيين في مخيّمات الشهباء، الذين وجدوا أنفسهم بين المدفعيات والبندقيات الهائجة، ليواجهوا هجرتهم الثانية نحو مناطق – لا أدري إن كانت حقّاً آمنة – وتُركوا لرياح المجهول. عن أرتال وقوافل طويلة هربت من رعب الإبادة على الهوية خلال معارك التحرير. عن دواليب سياراتهم وجرّاراتهم، التي تفجّرت على الطرقات، ورحلة الهروب رغم الدواليب التالفة، عن افتراش الطرقات. أريد أن أروي قصص أطفالٍ ماتوا برداً وجوعاً ومرضاً، ورجل انتحر بعد أن وجد نفسه محاصراً بين مجموعة من المسلحين، ووجع امرأة وضعت طفلها على الطرقات، عن موته ونزفها الطويل، قصص عوائل تشتّت وأطفال ضاعوا وتشرّدوا.

قد تطول القصص وتكثر، لكن صوتي يتقطّع؛ إذ تعجز كلّ كلمات الدنيا عن التعبير أمام مشهد رجل مسنّ يبكي كرامته التي أُذِلّت وأُهينت. أو طفلة في الخامسة من عمرها، تُطعِم إخوتها الأيتام خبزاً جافّاً، وهي تجيب المذيعة ببراءة ولغة كردية: "Tûnene"، عندما تُسأَل عن والديها المفقودين: «غير موجودين».

قد تبدو هذه القصص بلا نهاية، وسط الفوضى الأمنية العارمة في البلاد، وقد يكون الخوف رفيق الكرد الدائم، وسط فضاء مدروس ومخطّط من الفتن الطائفية والعرقية وخطاب للكراهية والإقصاء أصبح ينتشر أسرع من النار في الهشيم، وقد يصبح المستقبل دامٍ أكثرَ من ذي قبل إن لم يقف الجميع وقفة حقّ أمام صرخات كلّ الأطياف التي ذاقت مرّ العذاب، ومنها صرخات شعبي الذي يشدو الأمان، الكرامة، ويبحث عن حقّ بسيط في الحياة.

لكن رغم كلّ هذا الألم، ما زلت أؤمن.
أؤمن بأن الإنسانية يمكن أن تعود إلى بلادي. أؤمن بالتعايش، بالسلام والمحبّة، بالقبول رغم اختلافاتنا. أؤمن بأن القلم، مهما بدا ضعيفاً، يستطيع أن يصل إلى قلوب مَن يسمعون.
هذه صرختي، لكلّ مَن يملك قلباً ينبض. لعلّ الحقيقة تُسمع ولو تأخّر صداها، لعلّ الغد يحمل لنا شيئاً من الأمل، لعلّنا نتذوّق طعم الحرّية بعد أزمان طويلة من الحرمان.



#فيان_دلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدركْتُ معنى الحياة من خلال الموت


المزيد.....




- اعتقال 87 عميلاً للكيان الصهيوني في محافظة لرستان غرب ايران ...
- منظمة المحامين الأوروبيين: إسرائيل ترتكب جرائم حرب بغزة وتمن ...
- -حصيلة كبيرة- للقتلى والنازحين جراء الاشتباكات في السويداء
- اليونيسف: الوضع في غزة كارثي وغير مسبوق... والأطفال يموتون ج ...
- صحفيون أجانب بأميركا يتخذون احتياطات واسعة خشية الاعتقال وال ...
- الأمم المتحدة: تقليص الدول المانحة للمساعدات يهدد نحو 12 ملي ...
- أحدث دراسة عن المهاجرين في تونس : مالذي تكشفه؟
- في لحظة واحدة .. أصبحت وحيدًا بلا أبناء ولا زوجة
- الأمم المتحدة تستنكر ترحيل ألمانيا القسري لعشرات الأفغان
- الجنائية الدولية: اعتقال ليبي متهم بارتكاب جرائم ضد الإنساني ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - فيان دلي - صرخة كردية في وجه الصمت