أحمد زكرد
باحث في مجال الفلسفة و العلوم الانسانية
(Ahmed Zakrad)
الحوار المتمدن-العدد: 8180 - 2024 / 12 / 3 - 22:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ظهور الفلسفة المعاصرة، بما تحمله من عمق وتوتر فكري، ليس سوى انعكاس لاضطرابات عصرها المترع بالتحولات الجذرية التي أعادت صياغة العالم والإنسان على حد سواء. فالظهور الرأسمالي، كقوة محركة للمجتمعات الحديثة، لم يقتصر على تغيير الأنماط الاقتصادية، بل ألقى بظلاله على الوجود الإنساني ذاته، حيث اختُزلت العلاقات إلى معاملات، والقيم إلى منافع. جاءت الثورة الصناعية لتعزز هذا النزوع المادي، فصنعت عالماً ميكانيكياً يتسابق نحو التقدم، لكنه يفرّغ الإنسان من معناه ويقحمه في دوامة الإنتاج والاستهلاك.
ثم جاءت الحرب العالمية لتكشف هشاشة الحضارة التي بُنيت على وهم التقدم المطلق، فغدت آلة الدمار الجماعي شاهداً على فشل العقلانية الغربية في حماية الإنسان من ذاته. في هذه الأجواء المتوترة، جاء تأثير نظرية داروين في التطور ليزعزع التصورات التقليدية عن مكانة الإنسان في الكون، محولاً إياه من مركز الوجود إلى حلقة في سلسلة الطبيعة. كما أن نظرية النسبية لأنشتاين هزت مفاهيم الزمان والمكان المطلقة، ما أدى إلى فقدان العالم معناه الثابت وجعل كل يقين موضع شك.
وفي خضم هذا المشهد المتصدع، أطلق نيتشه صيحته المدوية بـ"موت الإله" وقلبه للقيم، معلناً انهيار الأسس الأخلاقية والدينية التقليدية، وداعياً إلى إعادة بناء الإنسان على أنقاض ما مضى. هذه الأحداث المتشابكة دفعت الفلسفة المعاصرة إلى مواجهة واقع يعاني من اغتراب الإنسان عن ذاته وعن العالم، لتصبح مشروعها الأساسي هو إعادة الاعتبار للإنسان ككائن متناهٍ يحمل داخله قوة المعنى والمسؤولية.
هذا العمق المأساوي هو ما جعل الفلسفة المعاصرة تسعى جاهدة إلى استعادة الإنسان من ضياعه بين العدمية والاغتراب، محاولةً التوفيق بين وعيه بمحدوديته وقدرته على تجاوز ذاته نحو أفق جديد من الحرية والوجود الأصيل.
#أحمد_زكرد (هاشتاغ)
Ahmed_Zakrad#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟