|
هل من طريق إلى المصالحة؟
سماح هدايا
الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 04:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المصالحة ليست كلمة سهلة، ولا يمكن أن تحصل بالإكراه، تحت ممارسة العنف وحرائق الحروب... أو تحت بساطير الميليشيات العسكريّة والثّقاقيّة المأجورة أو المتسلّطة. هي ليست كمسامحة الأب لابنه المخطيء، أو مسامحة الصديق لصديقه الذي خذله. المصالحة عملية معقدة و طويلة لمعالجة العنف والنزاع، قد لا تخلو من الألم والقسوة على الذات والآخر للاستشفاء والتعافي. فلا تكتفي المصالحة بالحقيقة الظاهرة التي تدين الأطراف بالجرائم المرتكبة، بناء على أحداث وحقائق، وتعيد بناء علاقات جديدة بين المتصارعين...فهذا أمر هشّ؛ إذ لابد من النظر إلى التفسيرات غير الموضوعية لهذا الخلاف التناحريّ وتأويلاته المتناقضة، لادراك المختلف والخلافي بين الأطراف التي تورطت بالعنف وتصرفت في إطار الحرب. يجب فهم هذه الرؤى وتحليلها وإيجاد حلول لها. فما حدث فعلاً في الماضي، مستمرٌ في الحاضر، بالتأويلات والتصورات المتقاتلة، وهو ما سهّل ويسهّل قيام الجماعات الوظيفيّة المتطرّفة وصراعها مع الآخرين. نجاح عملية مصالحة فعّالة، ينبني على الفهم الواقعي لتاريخ الصراع والعلاقات وللقوى الخارجيّة التي تستفيد من إشعال الصراعات، وتعميق الانقسام في المجتمع. ومبنيّ على جود الرحمة وإحساس الاخوة والتّعاطف. وبالمقابل فإنّ الشعارات والمؤتمرات والاتفاقيات والمصالحات الاصطناعية الجارية، لا تقدّم سوى الكلمات والتصورات الفوقيّة والاحاديّة، ولن تغير، ولن توقف دمار الحرب الممتدة على مساحات واسعة ومتسعة مكانيا وزمانيا. فعقودٌ من مؤتمرات وخطابات حول الديمقراطيّة والسلم الأهلي والصلح والتعايش وحقوق الإنسان، لم تقدّم فائدة إلا لمن يديرها ولموظفيها وخدامها. فلا نتائج إيجابيّة على الأرض، والواقع كراهية ونزاع، محاصرٌ في فوهة بركان الحرب والعنف. مشروع الحرية والنهضة تم خنقه، وتحوّلت البوصلة لمسار آخر سخيف تافه من اقتتال مأجور، يقود الجميع إلى هاوية الإذعان لسلطة الامر الواقع بعد الانتهاء من تنفيذ سياسة الارض المحروقة. التاريخ يستمر في الحركة ولابدّ من ابتكار طرق لمواجهة العنف والحرب. لا يمكن البقاء عند حالة الغضب والانتقام مما حصل في التاريخ ويحصل، فالضحايا والأبرياء هم جزء من الحرب، ولن يستردوا الحياة، ولا يمكن الاكتفاء باعتبارهم قرابين وذكرى حزينة مؤلمة، لابد من تغيير زواية النظر ورؤية التاريخ في صالح الأجيال القادمة، ورد الحقوق ببناء السلم العادل والتآخي والتخلص من الجهل والعصبيّات.. فلا يمكن ان تحارب عدوا مسلحا بالعلم والتكنولوجيا والعسكرة واستخبارات ضخمة، بإرثٍ من النزاعات والمشاكل التاريخية ورغبات الثأر والانتقام والطائفية والعرقية المتخلفة...المصالحة قد تكون هي الحل الكاملّ، لكنّها جزء من الحل، ولا تتحقق من دون صفاء نفسي وفكري، يوفّر الرحمة والتعاطف مع كل الضحايا الأبرياء. كما لا يمكن تحقيق مصالحة من دون استقلال الأرض وإدراك تاريخها...المصالحة لا تعني التسوية المذلة لكن تعني فهم الأنفس وفهم الخلاف والنزاع وإيجاد حلول مستدامة عبر الثقافة والمجتمع والتعليم والسّياسة... هل هناك مصالحة مع المحتل..؟ وهل هناك مصالحة بعد سقوط الانظمة الدكتاتورية التي تقمع وتضطهد وتسيء وتعتدي؟ العنف المستمر يعرقل الوصول إلى مصالحة وتفاهم وبناء ثقة...مثلما لا يمكن لاسرائيل أن تفرض شرعية لوجودها الاحلالي الاستيطاني بالبطش والقتل والارهاب والادعاء الديني الصهيوني الخرافي...كذلك لا يمكن للأنظمة الدكتاتورية أن تستمر في الحكم تحت أي شرعية؛ لأن تاريخها هو العنف والقمع والارهاب. ولا يمكن التفاهم مع الأعداء فهذه فكرة في غاية الصعوبة وتشكل تحدياً أخلاقياً وسياسياً . لا يمكن فرض المصالحة من الخارج أو من فوق. فلكل مجتمع خصوصيته ومحليته. ولابد من اكتشاف الاسلوب والحل الملائمين للمجتمع وتاريخه وثقافته. الحقيقة والحقوق والعدالة والإنصاف شروط أساسيّة في بناء المصالحة، فالمجتمع المنقسم بالكراهية والاستغلال لا يمكنه بناء مستقبل مشترك مع الجميع وللجميع في إطار السلام والعدالة. تحقيق المصالحة يبدأ فهم مشاكل الماضي والانقسام والخلاف؛ فمن غير الممكن نسيان الماضي والبدء من جديد تمامًا وكأن شيئًا لم يحدث. لذلك يجب قراءة الماضي لفهمه وادراك التجربة وطبيعة المعاناة والصراع وضمان عدم عودة عنف الماضي وصراعاته. فالمصالحة تعني معالجة قصص الماضي من أجل الوصول إلى المستقبل الأكثر أمنا. لا يهم الاختلاف ولا حتى الخلاف..المهم حل المشاكل الناجمة عن الاختلاف والخلاف. أي إدارة الصّراع في النّقاش والجدل ضمن احترام الرأي ووجهات النّظر المختلفة او المتعارضة للتعاون في بناء التّعايش والسّلم وعدم اللجوء للعنف التّناحري. بعد انهيار الأنظمة المسبّبة للعنف لا بد من الإعمار، والإعمار لا يكون إلا بالمصالحة، والمصالحة تنشأ من مراجعة ماحدث في الماضي ومعالجة مشاكله. ليس بتسويات حل سريع مصطنع، كما حصل سابقا في التجربة اللبنانية أو العراقية. الأمر يحتاج صبرا وعملا مشتركا بمنهجية واضحة تقوم على مواجهة الحقيقة ومعالجة مشاكلها في مسعى الحق.. وتؤسّس للمصالحة في مسار الديمقراطية من ناحية التمثيل والعدالة والانصاف والمشاركة وحقوق الإنسان اعتمادا على الثقافة المحلية والقيم العليا. مصالحة تنطبق على الجميع؛ فهي ليست مجرد عملية لأولئك الذين عانوا، وأولئك الذين تسبّبوا في المعاناة، بل هناك المواقف والتحيّزات والصور النّمطيّة السّلبيّة التي يطوّرها كل فريق حول العدو؛ لأن تعريف العدو لا يقتصر عموما على السياسيين أو المقاتلين، بل يشمل مجتمعًا كاملاً، أو نظامًا وكل مؤيديه، أو معارضة وكل حاضنتها. فيمكن للمعتقدات القديمة من عصبيّات الماضي وثقافة الكراهية العنصرية أن تعيق عملية المصالحة إذا تُرِكَت من دون معالجة. عملية واسعة وشاملة، تستوعب الصراع العنيف الماضي والحاضر وتأثيره على مجموعات اجتماعية مختلفة، مثل المعتقلين والمعذبين والنازحين المشردين، والمعوقين والأيتام والنساء. فالصراعات كلها تحتاج إلى معالجة من أجل خلق سلام مستدام وأمن ومجتمع ديمقراطي. الاعتراف بالجرائم المرتكبة ضد الجميع ومعالجة العواقب، مثل جريمة النساء المغتصبات، والأطفال غير الشرعيين، والأذى الجسدي والنفسي الناجم عن الإساءة. العدالة شرطٌ حيويّ لشفاء الجروح وبها تنشأ المصالحة، وللتربية والثقافة والتعليم أدوارٌ مهمّة في تحقيق المصالحة، بالتركيز على قيم أساسية مثل الاحترام والمساواة والتعددية الثقافيّة في الهويّة. ويرافق ذلك إيجاد جهات فاعلة وطنيّة متنوّرة عاقلة ترعى عمليّة المصالحة بالعدالة والحقيقة. فالديمقراطيّة المصطنعة لا تعيد بناء السياسة السليمة والأوطان، لابد من إعادة بناء الفرد والمجتمع وتحرير الرأي والفعل من إرهاب الاستبداد بمختلف أشكاله. د. سماح هدايا
#سماح_هدايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعنى الحقيقي للحياة يكمن في محاربة الشر
-
الانتماء إلى أمة مسألة مصير
-
للحظةٍ ثوريّةٍ جديدةٍ
-
في تذكُّرِ من تأبَّى الذلَّ والظُّلمَ
-
-حتّى لا تيبسُ عروقُ الكبرياء-
-
للسوريين عبرة في مأساة فلسطسن
-
سوريا التّضليل والتّقسيم
-
ثورات معلقة
-
المهجر..بين تحديات وخيارات
-
هل يتأثر التعلّم وتحصيل المعرفة باستخدام اللغة؟
-
بين دولة وثورة عقيدة
-
لماذا انفجر الشعب السوري بهذا الشكل؟
-
والشعب إذا حكى...
-
فرائس وفخاخ وقناصّة
-
صرخة ضد الهزيمة
-
الحل السحري
-
سوريا من قضة وطنية محقّة لقضية صراع دولي
-
ثورة -سنوات الدم-..لا -شهر عسل-
-
تحديات الذات في هيجان الثورات
-
نظرة في الخطاب ما بعد الثورة
المزيد.....
-
مصر.. أول تعليق لقناة السويس على سماحها بعبور السفن الحربية
...
-
الجزائر تحيي ذكرى الثورة التحريرية
-
صربيا: انهيار سقف محطة قطار في نوفي ساد يخلّف 13 قتيلا
-
بيان أميركي بشأن محاولات التأثير الروسية على الانتخابات الرئ
...
-
ما هي رسائل الجزائر من الاستعراض العسكري الضخم؟
-
حماس: نقبل ما يوقف الإبادة بغزة نهائيا وإسرائيل تقدم أفكارا
...
-
هل شلت إسرائيل قدرات إيران الدفاعية وحزب الله الصاروخية؟
-
بسبب كوريا الشمالية.. بريطانيا تحسم أمرها بشأن إرسال قواتها
...
-
هل هناك جنودٌ من كوريا الشمالية تم نشرهم في أراضي روسيا؟
-
لأول مرة.. بنك حكومي مصري يعتزم فتح أبوابه في الصومال قريبا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|