أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نصير عواد - سماع الكلام أولى من رؤية العمامة















المزيد.....

سماع الكلام أولى من رؤية العمامة


نصير عواد

الحوار المتمدن-العدد: 8141 - 2024 / 10 / 25 - 00:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لطالما فضّل الأوائل العين على الأذن، وقد روي في نهج البلاغة عن الأمام علي بن أبي طالب قوله (الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت ج2 صــ24) ولكن رؤية العمامة قد تحول دون إدراك فحوى الكلام، الأمر الذي يستدعي تقديم الأذن على العين. فلقد علا صوت معمّمو السلطة في رعاية الانقسام المجتمعي والتشكيك بوطنية وإنسانية العراقيين، واستخدموا في ذلك كلمات بذيئة، على الرغم من انهم بلّغوا بقول التي هي أحسن في كلامهم مع الآخرين. والأسوء من ذلك هم فعلوها من على المنابر المقدسة التي من المفترض هي أمكنة للدعوة والإصلاح.
كان التغيير الكارثي الذي احدثه الاحتلال الأمريكي بالعراق قد أدى إلى تغيير الطبقة السياسية برمتها، وأدى تلقائياً إلى تغيير الاسماء والوجوه والخطاب، اندثرت فيها مصطلحات حزبية ثقيلة وانتعشت عبارات غابرة محمّلة بمعاني محمومة، يزداد خطرها في شارع منقسم على نفسه. في أعوامه الأولى حقق الخطاب السياسي الجديد شيئا، أسكت أصحاب الديكتاتور والهى ضحاياه، ولكن سرعان ما انكشفت عيوبه في تقسيمه المجتمع، فانقلب وبالا على الجميع، بمن فيهم أصحاب الخطاب. قبل الاحتلال كانت لغة المتدينين تسمح بالاستعارة والسير جنب المعاني، وبعضهم كانت تخدش آذانهم الكلمات القبيحة كــ (المنافق، الحرامي، الخائن) ولكن بعد الاحتلال وتذوق طعم السلطة تشكّلت لغة ملساء تعمل تراكمياً على إيصال معلومة الورع والتدين وخدمة المواطن، وان لا خلاف ولا اختلاف، وان التزاحم على الموارد والمناصب من بديهيات بناء الدولة الجديدة. لغة ناعمة تخفي غموض وعتق ومقاصد، تسير جنب الانتهاكات ولا تسميها باسمها، تُسمي فيها نهب خزينة الدولة بــ(سوء الإدارة) وصفقة تقسيم البلد وموارده بــ( التوافق السياسي) وإضعاف هيبة الدولة ومؤسساتها بــ(غياب الإرادة السياسية) الأمر الذي أدى بعد عقدين إلى تأزم الصراع ظهور طبقة من السياسيين ورجال الدين الأغنياء إلى جانب شعب فقير جالس على بحر من النفط. وهذا الانقسام الطبقي والمجتمعي صنع نزعة احتقار في الشارع للعمامة والزبيبة وشذر المحابس ومصطلح المظلومية، وأدى إلى خروج تظاهرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن خراب البلد تحت شعار (باسم الدين باگونه الحرامية) ومع ذلك فإن هذا الاصطدام بين الشارع وأحزاب السلطة، على حدته، ليس مبررا كافيا لانفلات الخطاب وشتم العراقيين، فالكلمات لها عواقب، وهي في البيئة المضطربة قد تصب الزيت على النار، ولكن يبدو ان ساسة "العراق الجديد" غير مدركين لفظاظة لغتهم وتأثيرها على استقرار المجتمع. نتذكر حوارات وخلافات من أعوام السبعينات والثمانينات مع مناوئين سياسيين ونتساءل ما الذي حدث اليوم بالعراق وأدى إلى تدهور قدراتنا الثقافية والوطنية، وكيف استطاع السياسيون الجدد اقناع المجتمع بالانزلاق إلى منحدرات دونية في الخطاب. كان الصراع بين الشيوعيين والبعثيين على أشدّه طوال نصف قرن، السجون والاعدامات مستمرة على قدم وساق، وكانت الدولة مسيطرة على العنف مثلما هي مسيطرة على كافة مجالات الحياة الأخرى. ومع ذلك كان الخطاب السياسي المتداول يحفز الصراع لا العنف الاهلي، وكل جهة تحاول اثبات ان مشروعها هو الأفضل، لحين قرار حزب السلطة تحويل الصراع السياسي إلى عنف شامل ضد كل من يعارض حزب البعث، حتى لو كان من بين صفوفه. أردنا القول ان العراق كان على الدوام دولة مضطربة، فيها الكثير من الضحايا والقتلة، وفيها حروب خارجية وصراعات دموية وممارسات شوفينية، إلا انه لم يحدث ان تدنى الخطاب إلى أعراض الناس وشرفهم وإنسانيتهم مثلما حدث على لسان الذين قدموا في عربة بريمر لبناء "العراق الجدد" وطعنوا بشرف الفتيات العراقيات اللواتي تظاهرن في ساحة التحرير للمطالبة بحقوقهن المشروعة بالعمل وبالعدالة الاجتماعية.
نحن لا نتحدث عن النبرة العالية لصوت "أحمد المدرس" وهو يشكّك بشرف العراقيات، ولا نتحدث عن المعنى الظاهر لكلماته، فهي كلمات مبتذلة ومتداولة في الشوارع الخلفية، ولكننا نتحدث عن إشارات التهديد بين حروفها، نتحدث عن الزي الديني والمنبر المقدس الذي جرى من عليه شتم العراقيين والتشكيك بشرفهم، نتحدث عن السياسي الذي وظف الدين في تهديد الفرد والمجتمع على حد سواء. من نافل القول ان للحزب السياسي متطرفيه وللدين متعصبيه، ولكن هذا لا يقلل من مسؤولية الخطاب. فعندما يطرح السياسي رأيا مغلوطا سيؤثر ذلك على شخصه وحزبه، وعندما يطرح رجل الدين رأيا مغلوطا سيؤثر ذلك على شخصه ودينه، ولا ندري لماذا لا يشعر المتدينون بالغيرة على دينهم عندما يطلق رجل الدين عبارات مسعورة ومخزية؟ والسؤال الأكثر مرارة هو أين القضاء العراقي مما يحدث؟ خاصة وأن عشرات المحامين والناشطين المدنيين تعرضوا للمساءلة القانونية بتهمة الاساءة للدين او التقاليد أو القيم، في حين لم يتعرض أصحاب العمائم للمساءلة عن الفتاوى التي تبرر القتل ونهب المال العام والإساءة إلى أعراض العراقيات. إنّ اعتبار المرء نفسه من "الدعاة وصاحب عمامة" يفترض امتلاكه فهمًا لقيّم الناس واخلاقها وليس فقط لشرح المفاهيم الدينية، فأي اساءة ممكن ان تسقطه من على المنبر. ولا نبالغ بالقول ان خطاب "أحمد المدرس" ومن على شاكلته أضر بأصحابه في المقام الأول ووقف بقوة خلف السخرية من عمائمهم وفي رمي كل الشرور على الدين وفي زيادة نسب الألحاد. لأنه لا يمكن تهديد المجتمع في أكثر من مكان ومحفل وتتوقع ان لا يحدث شيء، وما زالت ماثلة في الذاكرة حكاية ديكتاتور العراق السابق كيف أنهى ذاته بذاته، بعد ان بالغ في إهانة والغاء وتمزيق المجتمع العراقي، كان من أول ضحاياها هو وحزبه ورفاقه وعائلته.
العراق ليس بلدا إسلاميا بعد، إنه أشبه بجمهورية طائفية، يسودها خطاب أحزاب إسلامية لا خطاب دولة، تزعّم ذلك الخطاب معممون ظهروا على غفلة من المجتمع، حوّلوا مركز الدعوة من الدين إلى المذهب. وهو ما أدى إلى اضعاف التدّين الحقيقي الذي يدعو الناس للتآلف وعمل الخير، ووضع العراق ضمن الدول التي تحتوي الكثير من المعمّمين عديمي الفائدة. المضحك ان الخليجيين الذين كان الإعلام المشايع يسخر من لحاهم وتخلفهم ولهجتهم كشفت الاحداث والحقائق على الأرض عن انهم أكثر وعيا وطنيا منّا وأكثر حرصا على شعوبهم، بل وأكثر انفتاحا على العالم والعلم والحضارة. اما معمّمينا الذين لا علاقة لهم بالوطنية والإنتاج والابداع وعمل الخير تجدهم يرتجفون ويكزون على اسنانهم من رؤية فتاة عراقية تتظاهر بساحة التحرير وهي تحمل بيدها علبة " كوكا كولا" وعلى ما يبدو فإن تخوين الوطنيين العراقيين واتهامهم بالعمالة وبـــ "أبناء الرفيقات" لم يكن قويا بما يكفي لتشويه المختلف فكريا وسياسيا، فتفتقت مخيّلتهم عن توتير اللغة والضرب تحت الحزام وتصوير كل معارض للعملية السياسية الطائفية بأنه "لا شرف له" كان الأكثر خطرا فيها تشكيك بعض رجال الدين بأعراض العراقيات من على المنابر المقدسة. اما بالنسبة لنا نحن الوطنيين العراقيين فإن منظر الفتاة العراقية وهي تطالب بحقوقها وتعالج المصابين وتنظف خيام المتظاهرين بساحة التحرير كان مذهلا ووطنيا وإنسانيا، لا يمكن مقارنته بــ "أحمد المدرس" وهو يرتجف ويعدل هندامه ويخرج الشتائم من جيوبه من على المنبر المقدس.



#نصير_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التشوّهات الطبقية في العراق
- عندما يخسر التلْفاز موقعه
- في تحوّل المنضمات المسلّحة إلى -الجريمة المنظمة-
- لماذا نردّد كلمات دون غيرها؟
- الدعوة لانتخاب -ترامب-
- لن يمروا، باقٍ ويتمدد، وحدة الساحات..
- هل الغرب الامبريالي فقط هو سبب مشاكلنا؟
- الاغلبية العراقيّة بين السكوت والصمت
- ديموقراطية الفوضى، خمسمائة حزب عراقي
- في انتصار الأحزاب على العراق
- السلاح الموازي متعدّد الاستعمالات
- الاغنية -السبعينيّة- سيدة الشجن العراقيّ
- حضور الجنس وغياب الحب في رواية (الحُلْو الهارب إلى مصيره)
- النّاس هم الأغنية
- خبراء خارج قائمة المطلوبين
- ثلاث روايات عراقيّة تُصّور جحيم تجربة الثوار في الجبل
- دور العزلة في التشدّد الإيرانيّ
- محترفو المعارضة
- معتدلو -الشيعة- بالعراق
- صفحات هدم الذاكرة العراقيّة


المزيد.....




- إلعب إلعب ياسـلام.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على الأ ...
- الأزهر يوجه رسالة للدول العربية والإسلامية لوقف تمدد إسرائيل ...
- صار عنا بيبي صغير ??.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي ...
- -الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط-.. منظمة ألم ...
- تفاصيل الجلسة المغلقة لمجلس الشورى الاسلامي بحضور اللواء سلا ...
- حميدو الولد الشقي.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ...
- من بينهم باسم يوسف وإليسا وفضل شاكر.. هكذا علّق نجوم عرب على ...
- أردوغان بعد سقوط نظام بشار الأسد: نقف إلى جانب السوريين بكل ...
- اسلامي: إيران تحظى بقدرات متكاملة في صناعة الطاقة النووية
- ما هو موقف حركتي الجهاد الاسلامي وحماس من تطورات سوريا؟


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نصير عواد - سماع الكلام أولى من رؤية العمامة