صباح حزمي الزهيري .
الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 23:33
المحور:
الادب والفن
سنوار والجلجلة :
الجماهيرُ العمياءُ , قوةٌ هادرةٌ , يحرِّكُها نصٌّ , لكنْ قد يُسحقُ هذا النصُّ حينَ تمرُّ به الجماهيرُ , ذلكم هو طريقُ الجُلجُة , بموتك يعني خلاصك , وطريق اورشليم هو طريقُ الموتِ وطريقُ الحياة معاً , والتاريخُ ,عندما لا تقراُهُ بجِدٍّ , يُعيدُنا إلى سبورتِهِ , بصفعاتٍ أشدّ , فلم تكنْ مُرَّةً هذهِ الأرضُ , لكنَّ مَنْ مرُّوا بها , مرَّروها .
وصلنا من يوحنا الإنجيلي بالتفصيل الدليل العظيم على محبة يسوع ورحمته , حيث ذكر: (( لكن عند وصولهم إلى يسوع وجدوه ميتاً , لم يكسروا ساقيه , لكن أحد الجنود طعن جنبه بحربةٍ وعلى الفور تدفق الدم والماء )) ,كان ذلك هو الطريقُ الذى يبدأُ لحظةَ دخولِ المسيحِ إلى مدينةِ أورشليم مثل ملكٍ متوَّج وحولَه الناسُ يهتفون : ((هوشعنا)) أي خلِّصنا , من هناك جاءت تسميةُ أحد الشعانين وهى تعني (( شيعة نان)) , أي يا ربّ خلِّص , هل خلصوا ؟ ألأوغاد بلا حدود .
(( القادمون من الأساطيرِ القديمةِ والكهوفْ , الفاضحون بعجزِهم نقرَ الدفوف , الباحثون عن النياشين القديمةِ في دياجير الرفوف , الماسحون غبارَ نومهم المملّ عن المثالبِ في السيوفْ , المُبْرِزُون غباءَهم ونفاقَهم في شاشة التلفاز والكذبَ السخيف , ابصقْ عليهم ,
ألْقِهم في المزبلةْ , واعبُر صراخَهم المَقيتَ وجهلَهم , دعهم وراءَك يصرخون ويندبون حظوظَهم , ويقلبون أكفهم حيرى , يُغيّبهم دخانُ الجلجلةْ )) .
فلما كانَ لعشرِ خلوان من شهر رجب , سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة , كانَ عيد الشعانين , فمَنعَ الحاكمُ بأمر الله أبو عليّ منصور بن العزيز بالله النصارى من تزيين كنائسِهم , وحَملِهم ِ الخوصَ على ما كانت عادتُهم , وقبَضَ على عدة ممَّن وُجد معه شيءٌ من ذلك , وأمرَ ما هو محبَّسٌ على الكنائس من الأملاك , وأدخلَها في الديوان , وكتبَ لسائرِ الأعمال بذلك , وأُحرِقت عدّةٌ من صلبانِهم على بابِ الجامِع العتيق , هاهم قد أدخلوك الديوان وصادروك ( لم يسلموا رفاتك , رفعت للسماء ؟ ) , انتقلت الصلاةُ داخلَ الكنيسة من أمام المذبحِ إلى الثُلث الأخير من الكنيسة , واستمرت مراسم ألآلام .
في يومُ الإشارة , أشارَ اليهود نحوَ المسيح كي يُصلب , يوم يُعرفُ باسمِ (( التلات بل النبات )) , حيث يتمُّ غمرُ الفولِ والتُّرمسِ في الماءِ حتى ينبتُ لكى يؤكلَ الفولُ , وهو ما يُعرفُ ((بالنابت)) , والترمسُ يؤكلُ يومَ شمِّ النسيم , هكذا استنبتوك ياسنوار , على طريقة (أوزير) الذي نَمى وهو يُبعثُ من الموت , والسنوار صنو المسيح (أوزير) آخر , وجاء (( أربعاء أيّوب)) , عندما شفي النبي أيّوب من أمراضِه بعدَ غسلِ جسدِه وتَدليكِه بنبات ((الرَّعرَع)) , تَذكر الأوجاعَ وآلآلامَ , ولهذا وفي رمزيَّة إلى المسيح , يقومُون بالاستِحمام بنباتِ الرَّعرَع أو النعناع كبديل , وهناكَ من يستحِمُّ في النيل لكي ينالَ الشفاء , في يومِ أربعاء أيّوب أيضا يؤكلُ الفريك , وهو القمحُ الأخضرُ بعد إنضاجِه بالنار ويُصنعُ من السنابل عروسةَ القمحِ تعلَّق على واجهاتِ البيوتِ حتى أربِعاءَ أيّوب القادم , حيث كانَ القدماء يقدِّمون باكورةَ محاصيلِهم إلى المعبود ((مين)) إلهِ الخصوبةِ وذلك فى أيّامِ ((شمّو)) أي شمِّ النسيم , انتبه ياسنوار فبعدَ عصرِ الأربعاء يُمنعُ التصافحُ باليد أو التقبيل حتى نهايةِ يومِ الجمعةِ , وذلك في تذكُّر خيانةِ يَهوذا ومصافحتِه وتقبيلِه المسيح , وهو يبيعُه لليهود , ونحن رأينا كورش قد قام بدور يهوذا.
يشهد ((خميس العهد)) العشاءِ الأخير لك مع الحواريّين , ها انت تدشن أعظمِ سرٍّ من أسرارِ القضية ألا وهوَ التناولُ المقدَّس , سيقومُ كاهنُ الكنيسةِ بغسلِ أرجلِ المصلّينَ من النساء والرجال والأطفالِ كما فعلَ المسيحُ مع تلاميذِه , أمّا يومُ الجمعة , فهو جمعةُ الصلب أو الجمعة العظيمة , تبدأُ الصلاةُ من أوّل ساعاتِ النهار حتّى مغيبِ الشمس , وهذا اليوم هو يومٌ جنائزيٌّ جدّاً , و سيُرتَّل في الكنائس مديحٌ أو ترتيلٌ شعبيٌّ , يُمثَّلُ دراما لِما حصلَ للمسيحِ على لسانِ أمِّه مريم التي تَبكيه بمرارةٍ في هذا اليوم , ويقومُ كاهنُ الكنيسة في نهايةِ اليوم بدفنِ أيقونةِ الصلب في محاكاةٍ لما حدث بعد إنزالِ المسيحِ من على الصليبِ وتحنيطِهِ ودفنِه , كما يضعُ الكاهنُ الزهورَ حولَ القبرِ الرمزي الذى يجهَّزُ فوقَ المذبحِ ويرتِّلُ لحنَ الدفنِ ويُسمىَّ ((غولغوثا)) , وهوَ من أكثرِ الألحانِ حزناً في الكنيسة, ويظهرُ في النواحِ بكلماتٍ ملائمةٍ لهذا المشهد , لتقول نائحة نزار : ((قتلناكَ.. يا حُبّنا وهوانا , وكنتَ الصديقَ , وكنتَ الصدوقَ , وكنتَ أبانا , وحينَ غسلنا يدينا, اكتشفنا بأنّا قتلنا مُنانا , وأنَّ دماءكَ فوقَ الوسادةِ كانتْ دِمانا , نفضتَ غبارَ الدراويشِ عنّا , أعدتَ إلينا صِبانا , وسافرتَ فينا إلى المستحيل وعلمتنا الزهوَ والعنفوانا , ولكننا حينَ طالَ المسيرُ علينا وطالتْ أظافرُنا ولحانا , قتلنا الحصانا , فتبّتْ يدانا , فتبّتْ يدانا , أتينا إليكَ بعاهاتنا , وأحقادِنا , وانحرافاتنا , إلى أن ذبحنكَ ذبحاً بسيفِ أسانا ,فليتكَ فى أرضِنا ما ظهرتَ.. وليتكَ كنتَ نبى سِوانا )) .
تخرج في الليلِ عاريا مِن الأفكار, وأنتِ ترتعش ,أغطيك بالكلماتِ , وأغلقُ عليكِ الكتابَ وأنتِ تلهث , في الرياحِ مِن عناءِ الرحيلِ باحثاً عن طريقٍ مستحيلٍ , ناديتُ الضباعَ عندَ أبوابِ الجحيمِ قائلاً اسمَك , قتلك الحُبّ الرجيمْ , وصارعتُ في الصراعِ وحدك الوحشَ المريعْ بحُلْمِ موتِك وبظلِّك البديعْ , حاولتُ معَ الجراحِ كما كنا نحاولُ مع العقيقْ كانَ عبثُك وفي عينيك كانَ البريقْ , ماهذه العصا ؟ , ولمن تلوح , تلك صرخة لا محلّ لها منَ الإعراب , فألى متى يظلُّ الإنسانُ الصادِقُ ضميراً مُستتَرِا ؟ وتظلُّ الأقَزامُ المُشَبَهَة بالأفَعالِ تنصِبُ وترفعُ مَا تشَاءُ , متى تشَاءُ ؟ اطمئن فالشعوب الراسخة تبقى , ولملوم اللقطاء إلى زوال .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟