|
إسقاط جنسية شيوعي إسرائيلي يعيش في الخارج لرفضه دعم مذبحة غزة
الدفاع عن الماركسية
الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 20:55
المحور:
القضية الفلسطينية
ننشر أدناه مقالًا أرسله إلينا شاب شيوعي إسرائيلي يعيش خارج إسرائيل. لقد واجه هذا الرفيق الشاب تداعيات شخصية خطيرة بعد رفضه الخدمة في الجيش الإسرائيلي. ولكن بعد اعتقاله خلال احتجاج تضامني مع فلسطين تم إسقاط جنسيته الإسرائيلية وقيل له إنه لن يتمكن بعد الآن من العودة إلى إسرائيل. إن هذا انتهاك فاضح لأبسط مبادئ الديمقراطية.
بغض النظر عن صحة أو خطأ الأفعال التي أدت إلى اعتقال هذا الرفيق الشاب (التي كما هو موضح لم تؤد إلى توجيه تهم جنائية في البلد الذي يقيم فيه هذا الشخص حاليًا) فإن إلغاء حقوق المواطنة لأي شخص هو إجراء قاسٍ بشكل فاضح ويمثل انتهاكًا لأهم مبادئ الديمقراطية.
إن إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ينص بوضوح تام على أنه “لا يجوز حرمان أحد من جنسيته بشكل تعسفي”. إن هذا الإسقاط التعسفي لجنسية الفرد دون اتباع أي إجراء قانوني يُظهر خواء الادعاء المتكرر بأن إسرائيل هي “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”.
إن قيام دولة إسرائيل بحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الديمقراطية الأساسية، ليس فقط في الحصول على وطن بل في المساواة لحاملي الجنسية الإسرائيلية، أمر معروف للجميع. إن استخدام مثل هذه الأساليب غير الديمقراطية والتعسفية في هذه الحالة ضد يهودي إسرائيلي يوضح كيف أنه، بالرغم من ادعائها بتوفير وطن ديمقراطي لليهود، لا توجد ديمقراطية في دولة إسرائيل للمواطنين اليهود بمجرد أن يتجرأوا على الخروج عن النص.
بصفتي مواطنًا إسرائيليًا وشيوعيًا يعيش في الخارج شعرت بنفسي بالضغط الهائل الذي تمارسه الطبقة السائدة الإسرائيلية على العمال اليهود لإلزامهم بطموحاتها الإمبريالية. لقد كانت حياتي صراعًا مستمرًا بين قناعاتي الشخصية والتوقعات المجتمعية التي فرضها عليّ وطني. لطالما كانت رحلتي بصفتي شيوعيًا منظمًا في التيار الماركسي الأممي (IMT) رحلة تحدي وتضحية، مما أدى إلى انفصال مؤلم عن عائلتي ووطني.
إن دولة إسرائيل، مثل أي دولة رأسمالية أخرى، مبنية على أساس الاستغلال والقمع. لقد أصبح من المستحيل لي أن أتجاهل محنة الشعب الفلسطيني الذي تعرض لعقود من الاحتلال والتمييز. لقد فرضت إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 الخدمة العسكرية الإلزامية على معظم المواطنين، بغض النظر عن الجنس، جزءً من أجندتها الإمبريالية. وينص قانون التجنيد على أن يخدم جميع المواطنين اليهود والدروز الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا في الجيش الإسرائيلي، مما يديم السياسات العدوانية للدولة المتمثلة في الترويج للحرب تجاه الفلسطينيين والدول المجاورة في المنطقة.
بطبيعة نشأتي في إسرائيل غمرتني الخطابة القومية وتمجيد الخدمة العسكرية. لقد تأصل فينا منذ الصغر أن الخدمة في “جيش الدفاع الإسرائيلي” ليست مجرد واجب بل وسام شرف.
وكلما تعمقت في النظرية الماركسية بزغ في ذهني إدراك صارخ بالأساليب التي تدعم الدولة الإسرائيلية بواسطتها مصالح الطبقة السائدة. وأصبح من الواضح أن الواجهة النبيلة للخدمة العسكرية كانت في الواقع أداة حاسمة في إدامة قبضة النخبة الحاكمة. إن الدولة الإسرائيلية، مثل غيرها من الدول الإمبريالية، تستخدم أجهزتها العسكرية ليس فقط من أجل “الدفاع” الوطني، ولكن كونها وسيلة لتعزيز وتوسيع هيمنتها داخل حدودها وخارجها.
تعمل الطبقة السائدة عن طريق الخدمة العسكرية على إدامة نزعة العسكرة وثقافة الطاعة، مما يؤدي إلى خنق المعارضة والمقاومة بين المواطنين. وعلى الصعيد الخارجي، تعمل التدخلات العسكرية للدولة الإسرائيلية على تعزيز مصالح الإمبريالية والنظام الرأسمالي العالمي. فمن احتلال الأراضي الفلسطينية إلى التدخلات في البلدان المجاورة يعمل الجيش الإسرائيلي أداة للعدوان لتأمين المصالح الاستراتيجية وتوسيع النفوذ الإمبريالي.
عندما بلغت سن الخدمة العسكرية اتخذت قرارًا بعدم تأدية الخدمة العسكرية. لم يكن هذا قرارًا اتخذته بسهولة. باعتباري شيوعيًا معزولًا، كما كنت أفكر، كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي كنت استطيع بها تحدي الدولة والروابط التي تربطني أنا وملايين آخرين بقوة بالطبقة السائدة. واعتبرتها خطوة نحو بناء عالم أفضل، نحو عالم خالٍ من أغلال القمع والاستغلال. في نظر تلك الطبقة السائدة يُنظر إلى رفض الخدمة العسكرية على أنه عمل من أعمال الخيانة وتهديدًا لسلطتها وامتيازاتها.
وكانت عواقب قراري وخيمة. وبطبيعة تصنيفي على أنني “مواطن إسرائيلي يقيم والداه في الخارج” قد وفرت لي حالة المواطنة تلك في البداية بعض المرونة في التعامل مع هذه الالتزامات. حيث يمكنني تأجيل خدمتي خلال إقامتي في الخارج وزيارة إسرائيل دون أن أجبر على تأدية الخدمة العسكرية أو المخاطرة بفقدان جنسيتي. إلا أن الشروط المرتبطة بهذه الزيارات كانت بمثابة شكل من أشكال النفي العملي من المجتمع الإسرائيلي.
لقد أصدرت وحدة التجنيد في الجيش الإسرائيلي، والمعروفة باسم ميتاف (تترجم بشكل تقريبي إلى “الأفضل” أو “الأقصى”)، وثيقة لجميع من في الشتات عبر السفارات المختلفة. لقد حددت هذه الوثيقة شروط زياراتنا إلى إسرائيل: يمكننا العودة مدة 10 أيام فقط كل شهر، أي ما يصل إلى 120 يومًا في السنة. ومع ذلك، أدت القيود الإضافية التي تتعارض مع هذا الشرط إلى تفاقم التحديات. لقد طُلب منا الإقامة خارج إسرائيل لمدة 60 يومًا على الأقل قبل وبعد كل زيارة. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الزيارات لا يمكن أن تتم إلا مرة واحدة في السنة.
تخلق هذه الأنظمة الصارمة والمتناقضة والمربكة فرصًا معقدة ونادرة لما يُسمى بـ”العائدين”، مما يجعل معظم الأشخاص في وضعي يقومون بعدد قليل من الزيارات إلى إسرائيل حتى لا يقعوا في خطأ.
لا يمكن المبالغة في تقدير الأثر العاطفي والنفسي لهذه اللوائح. لقد نجحوا في قطع العلاقات بيننا وأحبائنا وبيوتنا. تصوروا الحزن العميق والندم لعدم قدرتكم على توديع أحد أحبائكم في جنازة، أو الإحباط الناتج عن تفويت التجمعات العائلية السنوية. كما ضعوا في اعتباركم حزن التغيب عن المناسبات العائلية المهمة مثل حفلات الزفاف والولادات والتخرج بسبب هذه القوانين.
إن هذه ليست مجرد مضايقات: إنها أحداث تصنع الحياة وتكمن في قلب روابطنا وتقاليدنا العائلية. لقد تُركنا نشعر بالانفصال والعزلة والإقصاء فعليًا عن جذورنا وتراثنا الثقافي وعائلاتنا.
ومع ذلك، لم تكن هذه نهاية التدابير القمعية التي اتخذتها الدولة. فبالرغم من “المرونة” المفترضة الممنوحة لأفراد الشتات الإسرائيلي في الوفاء بالتزاماتهم فيما يخص الخدمة العسكرية، فإن حقيقة وضعنا أصبحت واضحة بشكل مؤلم عندما حضرت مظاهرة تضامنية مع الشعب الفلسطيني نتيجة للمذبحة الجماعية في غزة التي تنفذها طبقتنا السائدة حاليًا. ولسوء الحظ، دخلت في مشاجرة مع الشرطة وتم القبض علي. لم يتم اتهامي وتم إطلاق سراحي بتحذير. لكن تم إخطار السفارة الإسرائيلية وهنا أخذت الأمور منحى مظلمًا.
لقد تم استخدام اعتقالي ذريعة لاتخاذ أكثر الإجراءات قسوة ضدي، حيث تم تجريدي من حقوقي الديمقراطية مع إسقاط جنسيتي بشكل شبه فوري ورفض دخولي إلى إسرائيل. إن هذا الطرد المفاجئ من وطني يُظهر إلى أي مدى يمكن أن تذهب الدولة الإسرائيلية لإسكات المعارضة والحفاظ على قبضتها على السلطة. لقد أخبرتنا الطبقة السائدة الإسرائيلية ومؤيدوها من الإمبرياليين الغربيين أن إسرائيل هي “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. ولكن أي نوع من الديمقراطية تلك التي تُسقط جنسية شخص ما لمجرد الاحتجاج؟
وبالرغم من ترهيب الدولة فإن تصميمي أقوى من أي وقت مضى. وأنا أكثر تصميمًا من أي وقت مضى على مواصلة التضامن مع المضطهَدين أينما كانوا. إن طردي من إسرائيل يمثل اعتداءً على مبادئ العدالة والديمقراطية.
يُقال لنا بصفتنا إسرائيليين أن الدولة تدعم حقوقنا الديمقراطية وتضمن أمننا. إن هناك خوف واضح في المجتمع الإسرائيلي، هو إحساس بأننا محاطون بالأعداء ويجب علينا الدفاع عن أنفسنا. وهنا تتقدم الدولة الإسرائيلية إلى الأمام في دور “حاميتنا”.
ولكن ما الذي تفعله دولة إسرائيل فعليًا؟ إن نتنياهو لمجرد البقاء في السلطة وخارج السجن يحتاج إلى إبقاء هذه الحرب مستمرة إلى أجل غير مسمى. وتعمل الحكومة الإسرائيلية بتصرفاتها على زعزعة استقرار المنطقة عمدًا. إن جبهات جديدة تهدد بالانفتاح على الحدود اللبنانية وأماكن أخرى. وقد نزح آلاف الإسرائيليين من منازلهم على طول الحدود.
وبدلًا عن ضمان حياة سلمية ومزدهرة وآمنة لليهود الإسرائيليين فإن هذه الدولة تخلق قدرًا متزايدًا من عدم الاستقرار، في حين تستمر الطبقة الرأسمالية في إثراء نفسها عن طريق نهب واستغلال الأغلبية. إن عقلية القلعة المحاصرة التي يخلقونها عمدًا في المجتمع الإسرائيلي تصب بالكامل في صالح الطبقة السائدة والعناصر الأكثر رجعية في المجتمع الإسرائيلي. وبسياساتهم الوحشية فإنهم يغذون العداء في المنطقة برمتها تجاه الإسرائيليين، ومن ثم يستخدمون هذا العداء لحشد الطبقة العاملة الإسرائيلية حول أنفسهم.
وأخيرًا، وفي إظهار ازدرائهم الساخر للإسرائيليين العاديين، عندما يجرؤ أي منا على استخدام الحقوق الديمقراطية التي يُفترض أن الدولة الإسرائيلية هي الضامن لها فإنهم يديرون ظهورهم لنا على الفور. إنهم يجردوننا من الجنسية ويسجنوننا ويسكتوننا.
إنني أدعو كل الطبقة العاملة الإسرائيلية إلى رفض سياسات الدولة القمعية والعسكرية، ورفض التواطؤ في القمع المستمر والذبح المباشر للفلسطينيين، والوقوف ضد العنف المنهجي الذي ترتكبه طبقتنا السائدة والحكومة التي تخدمها. فقط فدرالية اشتراكية إسرائيلية-فلسطينية، جزءً من فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط، هي وحدها القادرة على تهيئة الظروف لعيش سلمي ومتناغم ومزدهر لجميع شعوب هذه الأراضي.
ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:
Israeli communist living abroad stripped of citizenship for refusing to support Gaza slaughter
#الدفاع_عن_الماركسية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بنغلاديش: الإطاحة بالشيخة حسينة! كل السلطة للجان العمال والط
...
-
انطلاق المؤتمر التأسيسي للأممية الشيوعية الثورية!
-
البرازيل: لولا يفوز بفارق ضئيل والمعركة ضد البولسونارية مستم
...
-
روسيا: منظمة الشباب الشيوعي تطرد معارضي الحرب على أوكرانيا
-
الحماس الثوري في المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي 2014
-
حركة العمال والطلبة تهزم اليمين
-
المغرب تحت القناع الديمقراطي للملك يكمن وجه الديكتاتورية الو
...
المزيد.....
-
بلينكن يعلن شروط الولايات المتحدة للاعتراف بحكومة جديدة في س
...
-
كيف ستمنع تركيا تقسيم إسرائيل لسوريا؟
-
هل يستطيع ترامب أن ينهي الحق في الجنسية بالولادة كما وعد؟ وه
...
-
إسرائيل تقصف سفنا سورية وتعتزم إنشاء منطقة حدودية منزوعة الس
...
-
أسماء الأسد غير مرحب بها في بريطانيا.. هل تُسحب منها الجنسية
...
-
استئناف محاكمة نتنياهو بتهمة الفساد بعد تأجيل بسبب حرب غزة
-
-جبهة التغيير والتحرير- المعارضة تنتقد -الاستئثار بالقرار- ف
...
-
البيت الأبيض: قادة مجموعة السبع يعتزمون بحث ملفي أوكرانيا وس
...
-
دبلوماسي فلسطيني يكشف عن -سرقة كبرى- لإسرائيل من مدينة القدس
...
-
سوريا.. إدارة الشؤون السياسية لفصائل المعارضة تعقد اجتماعا م
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|