أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - فواز الجابري - الكنز الغالي في مملكة مالي















المزيد.....

الكنز الغالي في مملكة مالي


فواز الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 8112 - 2024 / 9 / 26 - 14:54
المحور: قضايا ثقافية
    


"..... منذ عدة سنوات، قفز اسم تمبكتو إلى العناوين الأولى في الإعلام العالمي عقب الهجمات الشرسة التي تعرضت لها من قبل بعض المنظمات الارهابية مما أدى إلى تدمير جزء لابأس به من تراثها التاريخي والثقافي. هذا التراث يكشف لنا عن ماضي وسط أفريقيا المجيد كمركز ثقافي وديني مهم كانت تمبكتو عاصمته الأسطورية ومركزاً لامبراطوريات عدة في تلك المنطقة. ومن المهم ملاحظة أن الأندلس كانت لها روابط قوية مع تلك المدينة ذات المجد والازدهار العظيمين...."
هذا ما أورده موقع"البيت العربي La casa árabe " الاسباني ومركزه العاصمة مدريد في صفحته على الشبكة العنكبوتية بتاريخ 31 آذار 2016.
لكن، أين تقع "تمبكتو"؟ وماعلاقة الاندلس والتراث الثقافي والإنساني العالمي بها؟
عند سماعه كلمة "صحراء" أو مشتقاتها (صحارى،صحاري،تصحّر....الخ) يتبادر إلى ذهن العربي أن المقصود بها هو أية صحراء على وجه هذا الكوكب بغير تعيين، لكن بالنسبة للمستمع غير العربي – وبالذات الأوروبي أو ذو الثقافة الأنكلوسكسونية – فإن هذه الكلمة بلفظها الأعجمي المُحَوّرْ SAHARA تعني تحديداً الصحراء الكبرى الشهيرة الشاسعة الواسعة والواقعة في النصف الشمالي من قارة أفريقيا حيث أُطلِقَ عليها اسم"بحر الرمال". وعلى التخوم الجنوبية لتلك الصحراء ضمن جمهورية "مالي" حالياً تقع تلك المدينة الأسطورية"تمبكتو"كما وصفها الغرب. فماهي قصة "بحر الرمال" هذا كما يسمونه؟ ولماذا كان هذا التهافت عليه من قبل المستعمرين الأوروبيين و"مستكشفينهم" اعتباراً من نهاية القرن السابع عشر الميلادي وحتى هذه اللحظة؟
في كتابه القيّم" مهَرِّبو كتب تمبكتو" يورد مؤلفه"تشارلي إنجليش Charlie English" في الصفحة 127 خلال وصفه لجهود المستكشف الأيرلندي الأصل "وليام ديزبورو كولي" William Desborough Cooley وهو أحد المستكشفين الاوروبيين في ثلاثينات القرن التاسع عشر في غرب أفريقيا مايلي:
"....كانت استعانة كولي بالنصوص العربية مؤشراً على النهج الذي كان يتّبعه، والذي كان واسع الأفق مقارنة بعصره. كانت الجغرافية الأوروبية من وجهة نظره ضيّقة الأفق؛ وأكدت كتاباته على حقيقة أن الأفارقة السود كان لهم ماضيهم الخاص بهم، وكانت إلى حدّ كبير متحررة من العنصرية التي ظهرت بعده. على سبيل المثال،لم يغفل،عند وصفه لعمليات الإعدام(الهمجية)في بلاط مواتايامفو في شرق أنجولا،عن ملاحظة أن القوانين الجنائية في البلدان الأوروبية كانت شديدة القسوة على نحو مماثل..." انتهى كلام المؤلف.
واضح هنا أن المستكشف "كولي" قد قفز قفزة نوعية عن باقي أقرانه المستكشفين الأوروبيين في ذلك الوقت باعتماده على المراجع العربية"الموثوقة" و"واسعة الأفق الشاملة والبعيدة عن العنصرية"، وكانت نتائج هذا الاعتماد ثم دراسة ومقارنة المؤلفات العربية الثمينة ببعضها بعضاً أن أثمرت عن كتاب قيّم جداً ألّفه كولي بعنوان " أرض السودان العربية The Negroland of the Arabs" أو "استقصاء تاريخ وجغرافية أفريقيا الوسطى" (قصد به بالطبع السودان الحالي بالاضافة إلى بلدان الصحراء الكبرى وباقي غرب أفريقيا) وقد صدر عام 1841م.
بقراءة سريعة لمقدمة وبعض فصول هذا الكتاب يتضح أن كولي اعتمد مقارنة المراجع العربية القديمة المتعلّقة بتاريخ وجغرافية هذه المنطقة بعضها ببعض ثم استخراج المعلومات الأكيدة والغزيرة عنها، وقد أورد مؤلّفات ثلاثة من عمالقة الرحلات والجغرافية والتاريخ العرب والمسلمين وهم: ابن خلدون، البكري وابن بطوطة بالاضافة إلى الاعتماد على كتابات الرحالة الشهير "الأدريسي" في بعض الأحيان.
إذن، كان الاعتماد على المؤلفات العربية القديمة والمؤلفة من قبل عمالقة العلوم العربية في العصور الوسطى نقطة انطلاق أساسية لاكتشاف وسط أفريقيا من قبل الاوروبيين، ونظراً لأن هؤلاء العماقة الكبار(ابن بطوطة، البكري ، الأدريسي وابن خلدون) قد ولدوا في الاندلس أو زاروها مراراً وتشبعوا بثقافتها تتضح لنا هنا العلاقة بين الاندلس وتمبكتو خاصة وأن هؤلاء المؤلفون قد فصّلوا في وصفهم لكل شيء متعلق بتلك المنطقة ومن جملتها خطوط تجارتها،ثرائها ،حياتها الثقافية ومخطوطاتها، والنقطة الأهم أنهم اتفقوا على أن تمبكتو بشكل خاص ووسط أفريقيا بشكل عام كانت ملتقى تجارة أساسياً بين القارات الثلاث حيث تدفقت عبر طرقها القوافل مُصَدِّرةً الذهب والملح والمعادن الأخرى إلى الأسواق العالمية ومُسْتَوْرِدَةً لمنتوجات الشرق الأقصى والشام ومصر والأندلس وأوروبا إلى باقي أنحاء أفريقيا،فكان من الطبيعي أن تزدهر الحركة الثقافية في تلك المراكز التجارية مع زيادة عدد السكان واستقرارهم فيها حيث تدفقت أيضاً مع البضائع والأموال كتب ومخطوطات غزيرة من البلدان المحيطة (خاصة المغرب والأندلس ومصر) بها ومن ثم تأسست فيها المكتبات والمدارس ووفد إليها المدرسون والعلماء والفقهاء من كل حدب وصوب.
عودة إلى كتابنا الأساسي"مهرّبو كتب تمبكتو" الذي ذكر أن الاسباب الرئيسية ل"تهافت" الاوروبيين على استكشاف وسط أفريقيا وخاصة تمبكتو هو ما سمعوه أو قرؤوه عن ثرائها وذهبها وتجارتها ومخطوطاتها . ففي سياق مشوق لعرض الأحداث، ينتقل بنا المؤلف عبر الزمن وبشكل متناوب بين إرهاصات القرن التاسع عشر عندما بدأ السباق الاستعماري الاوروبي المحموم لاستعمار العالم وبين العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عندما اجتاحت المنظمات "الجهادية"(كما وصفها) مالي وهددت بتدمير تراث تمبكتو الثقافي وخاصة تدمير أضرحة الأولياء فيها ثم تدمير مخطوطاتها. كان التباين واضحاً بين التنافس الاستعماري الاوروبي المحموم لحيازة ثروات تمبكتو المادية والثقافية وبين نية هذه المنظمات المسلحة تدمير هذا التراث. فسّر المؤلف هذا الحرص الأوروبي على حيازة التراث الثقافي بان الهدف منه كان لغرض فهم أكثر لتاريخ المنطقة وحضارتها مما يسهل الاستيلاء عليها والتحكم بمصائر سكانها وثرواتها....!!!(وهذا ماحدث ومايحث لغاية الآن).
في فصوله المخصصة للقرن الحادي والعشرين يروي لنا "أنجليش" كيف تأسس في تمبكتو معهد "أحمد بابا" لحفظ التراث الثقافي في مكتبات تمبكتو العامة والخاصة وكيف تمكن أمناء هذا المعهد ومسؤولي المكتبة العمومية وأصحاب المكتبات الخاصة بالتعاون مع منظمات دولية غير حكومية من "تهريب" ماتحت أيديهم من مخطوطات أثرية جنوباً إلى عاصمة مالي "باماكو" قُدِّرَ عددها بأريعين ألف مخطوطة عربية اللغة تغطي معظم حقول المعرفةفي الفقه،التاريخ،الجغرافيا،التربية،الفلك،الرياضيات،الفيزياء،الطب،علم النفس،القانون وأصول الحكم في الإسلام ماعدا بالطبع كتب تفسير القرآن وكتب الأحاديث النبوية وتفسيرها. أما صاحبنا "أحمد بابا" هذا الذي سُمِّيَ معهد التراث فهو من أبرز علماء وكتّاب تمبكتو في القرن السادس عشر الميلادي وله حوالي ستين مصنّفاً في مختلف بحور العلوم من أبرزها كتاب"نيل الابتهاج في تطريز الديباج".
أخيراً ، أثمرت جهود "مهربو" مخطوطات تمبكتو هؤلاء عن إنشاء موقع الكتروني مجاني لتصفح هذه المخطوطات الأربعين ألفاً حسب موضوعاتها أومؤلفيها....!!!!
مابين وفاة "أحمد بابا التمبكتي" عام 1627م واليوم مايقارب الأربعمائة عام دُفِنَتْ خلالها تلك الكنوز العقلية "العربية"في مقابر النسيان وأهيل عليها تراب الجهل والتخلف والغيبيات والتعصب بكافة أشكاله، ثم أفلح الاستعمار الغربي-ولمصلحته الخاصة بالطبع- ممثَّلاً في المستكشف الألماني "هنري بارث" في نفض الغبار عنها من جديد عام 1853م كأول أوروبي يدخل تمبكتو في العصر الحديث، ثم أفلح "أعاجم آخرون" في تهريب تلك المخطوطات من محرقة محاكم تفتيش القرن الحادي والعشرين ونشرها على الشبكة العنكبوتية ليستفيد منها الجميع، فماذا -نحن الناطقون بلغة تلك الكنوز- فعلنا من أجلها وفاعلون؟
قال الله تعالى في أول كلمة من أول آية نزلت من محكم التنزيل:
" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" ....صدق الله العظيم.
فهل نحن فعلاً بقارئين؟؟!!






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- زيلينسكي يكشف عن مباحثات مع ترامب لعقد -صفقة ضخمة- تشمل طائر ...
- دبلوماسيون غربيون كانوا على مقربة من وزارة الدفاع السورية لح ...
- عشائر بدوية تشن هجوما بالسويداء واتهامات لمجموعات محلية بارت ...
- لماذا أصبح النوم عزيزا رغم توفر وسائل الراحة؟
- محللون: ما يجري بالمنطقة تفكير جنوني بطور التنفيذ وهذه خيارا ...
- محافظة السويداء.. معقل الموحدين الدروز في جنوب سوريا
- الرئاسة السورية: قطر والسعودية وتركيا أكدت للشرع دعم وحدة سو ...
- رئيس البرازيل لـCNN: ترامب -لم يُنتخب ليكون إمبراطور العالم- ...
- الولايات المتحدة: عارضنا الضربات الإسرائيلية في سوريا
- تنديد أممي بمقتل عشرات المدنيين في كردفان


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - فواز الجابري - الكنز الغالي في مملكة مالي