أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طه محمد يوسف - تأثير الأوبئة في السلم والحرب














المزيد.....

تأثير الأوبئة في السلم والحرب


طه محمد يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8092 - 2024 / 9 / 6 - 01:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يرصد الروائى البرتغالى جوزيه ساراماغو فى رائعته الأدبية (العمى) معنى أن يفقد الإنسان احساسه بأخيه الإنسان نتيجة لانتشار وباء ما فى المدينة ويبرز معاناة المرأة الوحيدة التى حالفها الحظ فى الإفلات من الجائحة فى حين أن زوجها قد التهمه المرض وقامت بمرافقته فى الحجر الصحى وخلق منها ساراماغو رمزا للتعاطف مع الآخرين حتى يستعيدوا عافيتهم . إن الرسالة التى يوجهها ساراماغو هنا ليس مكمنها الخيال الأدبى فحسب بل واقع تجبرنا الأيام على اكتشافه عمليًا.

إن السلوك الإنسانى يحكمه التباين خاصة إذا تعلق الأمر بالأوبئة فرغم أن تلك الجوائح تقود حياة الإنسان للهاوية بدون تمييز فإنها تعمل على إعادة تشكيل وعى الإنسان وتتحول سلوكياته إلى تعاون أو تنافس ونزاع .فعلى سبيل المثال عمل المستعمر الأوروبى على إقامة مراكز استعمارية توسعية عندما كان يقوم بتقديم يد العون لمكافحة الأوبئة والأمراض المعدية ونجد أيضًا آثار الأوبئة تتجلى بوضوح أثناء الحروب والصراعات المحلية فإما أنها تدفع بالمتناحرين إلى تنحية صراعاتهم جانبا والتركيز على مواجهة هذا التحدى الإنسانى المشترك أو تزيد من حدة إشتعال هذه الصراعات وتسرع من وتيرة الغضب.

دعت الأمم المتحدة فى 23 مارس لوقف اطلاق النار للحؤول دون انتشار كوفيد 19 وامتثلت بعض الجماعات المسلحة فى جميع أنحاء العالم للدعوة إلا أن الأمر لم يدم طويلا فسرعان ما عادت الأمور لنصابها الأول وتجاهلت أطراف الصراعات التحذيرات بشأن خطور الفيرس. وقام المجلس النرويجى لللاجئين وهى منظمة غير حكومية بتقدير عدد الفارين فى الفترة ما بين دعوة الامم المتحدة فى مارس حتى 15 مايو بحوالى 600 ألف فروا من مناطق الصراع معظمهم فى جمهورية الكونغو الديمقراطية .

هناك علاقة ثنائية تطرأ مع تفشى الوباء فقد تُمهد السبيل للهدنة أو تزيد من وتيرة الصراع وترتكز فى ذلك على ثلاثة أعمدة راسخة مفادها أن الصراع أو الجنوح للسلم يتحدد وفقًا لعوامل مادية وأخرى غير مادية . (الأول) ينطوى على مدى تأثير هذا الوباء على القدرات القتالية للأطراف المتناحرة لأنه سوف يقودها للميل إلى إتخاذ خيار عقلانى فى الحالتين ، حالة الحرب لحساب التكاليف ، وحالة السلم لحساب العوائد المفيدة . أما (الثانى) فينطوى على الآثار النفسية للأوبئة على الجماعات المتحاربة فمن الممكن أن تغير المفاهيم حول الوباء العقول وبالتالى السلوك . أما العامل (الثالث) فيتلخص وفقا للأطراف الخارجية إذا قررت الدخول والتورط فى المعترك أو أن تستغل هذا الوباء فى تحويل دفة الصراع وفرض حالة من السلام .
الأوبئة وامتلاك أدوات الصراع ..

نعنى هنا القدرات والأدوات سواء السياسية أو البشرية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها التى يتعين على المتناحرين امتلاكها لتحقيق أهدافهم ومصالحهم المرجوة فبدون تلكم العوامل سيكون الصراع غير واضح يلفه الغموض ، كما أن ساحات الصراع ومتغيراتها تُلقى بتأثيرها على تلكم القدرات ،مثلا، قد يعانى أحد الطرفين من تشرذمات سياسية أو عسكرية أو نقص فى الموارد الاقتصادية أو عطوب فى الروابط الاجتماعية وبالتالى يصبح الوباء فاقة كبرى يضاف إلى كل ذلك فبسببه تواجه الموارد البشرية معوقات جمة نتيجة الحاجة لإتخاذ تدابير السلامة الاحترازية وتطبيق الحجر الصحى الأمر الذى يجعل كفة الانفاق على النشاط العسكرى تميل لصالح المدنيين بالإضافة إلى تأثير الوباء على المعونات الخارجية خاصة إذا كان الرعاة الأجانب فى خضم الأزمة أيضاً .

وتزداد أهمية هذه العوامل فى كون الأوبئة من المحتمل أن تزيد من تقويض مناطق الصراع نتيجة لهشاشة البنية التحتية والحاجة الملحة للخدمات اللازمة من أجل تقديم الرعاية الصحية فضلا عن وجود أزمات أخرى متعلقة باللاجئين والمشردين . وقد تجلى ذلك أمامنا فى العديد من بلدان الشرق الأوسط مثل سوريا وليبيا واليمن فقد حدث سقوط مدوٍ فى ما يقرب من نصف نظام الرعاية الصحية وبات غير صالح تماما. وأصبح التاريخ خير شاهد على دور الأوبئة فى إلحاق الأضرار الجسيمة بالقدرات القتالية وعرقلة نشاط الأطراف المقاتلة فقد كان الجذام والملاريا من أكبر العراقيل فى طريق حملة الاسكندر الاكبر على الهند فى القرن الرابع قبل الميلاد ولقى العديد من الجنود حتفهم . كما ان الحمى الصفراء ألقت بظلالها المخيفة على توسعات نابليون بونابرت فى بدايات القرن التاسع عشر عندما أصيب جيشه بالعدوى فى منطقة الكاريبى.

نخلص مما سبق أن الوباء له القدرة على العمل فى تغيير وجهة الصراع الذى من شأنه تقليل الخسائر وتحقيق المكاسب فقد تكون هناك هدنة مؤقتة من خلالها يتم وقف اطلاق النار وعدم التصعيد فى العمليات العسكرية استجابة لظروف انسانية فتتمكن مجموعات الإغاثة من القيام بعملها فى توفير الخدمات الطبية . وقد تجلى ذلك في العديد من مناطق الصراع في تسعينيات القرن العشرين وأوائل القرن الـ21، على سبيل المثال في سيراليون وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية والبوسنة ومناطق أخرى. كما استجابت بعض الجماعات المسلحة لدعوة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في بداية وباء كوفيد-19، فى اليمن والكاميرون وأفغانستان والفلبين وكولومبيا ودول أخرى. وكانت حركة طالبان فى افغانستان وهى من أكثر الجماعات الراديكالية أسرع فى تلبية الدعوة.
*
ترجمة لمقال منشور فى الاهرام ويكلى بعنوان Peace and war in epidemics






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -تآكل الإرث التاريخي (1)-


المزيد.....




- هل باتت الأزمة بين إسرائيل وحماس من الماضي؟
- ترامب وزيلينسكي يبحثان الدفاعات الجوية لأوكرانيا وسط تصعيد ر ...
- هل انتهت حقبة العمل عن بعد؟
- موسم اصطياف جديد مهدد في اليونان بسبب حرائق الغابات
- فيديو.. سحابة سامة قرب مدريد وتحذير من مغادرة المنازل
- ليس إرهابيا.. الكشف عن دافع منفذ هجوم الطعن في فنلندا
- حماس تسلّم الوسطاء ردّها على مقترح وقف إطلاق النار
- حرائق ضخمة تدفع السلطات إلى إخلاء قرى في محافظة اللاذقية
- قرقاش: لا مخرج من أزمات المنطقة بالحلول العسكرية
- مصادر: رد حماس على مقترح غزة -مبهم-


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طه محمد يوسف - تأثير الأوبئة في السلم والحرب