نحلم إكراما لمدننا

ابتسام الحاج زكي

الحوار المتمدن-العدد: 8076 - 2024 / 8 / 21 - 18:11
المحور: سيرة ذاتية
    

في البداية كانت حلما بذلوا قصارى سعيهم للتشبث به، فلعلّه يمنح آمالهم الباحثة عن مستقر لحياة حملوها معهم بآلامها وحرمانها، يمنحها أمانا أضاعوه في زحمة خطواتهم النازحة بحثا عن الحياة الكريمة، فكان أن احتضنتهم بقعة على أطراف عاصمتهم المنعمٌة، لتبدأ معها معاناة لانهاية لها، فإن يشعرك أحدهم بالدونية وأنك دخيل على واقع عيشه المدني والمرفَّه!... ، قد يبدو الأمر نوعا ما طبيعيا إذا ما عُدَّ هذا التوجه حالة فردية يلتمس لها العذر وأحيانا التبرير ولو كان على مضض، لكن أن يأتيك الرفض من المجتمع المؤسساتي بأسره، فهنا ينبغي التوقف تأملا لما سيقود إليه هذا الاستعلاء على شريحة أرغمتها ظروف الحياة وقسوتها وقتذاك على اتخاذ مثل هذا القرار القاسي والمصيري، فلا يمكن أن نتخيل مجرد التخيل أن يجرأ أحدنا على اقتلاع جذوره بيده، ويكافح بحثا عن تربة حانية تحتضنها وترعاها ولا يقابل حينها إلا بالرفض؟!، وما دام الأمر كذلك كان لا بد من المثابرة وبذل قصارى الجهد لانتزاع اعتراف بحقك في الحياة ولو بأقل من القليل، فنشأت مدينتنا وبفضل الله تعالى متعافية بأهلها وإصرارهم على إثبات الوجود وحقَّهم في الحياة، على الرغم من الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردّية والوضع المأساوي لأغلب العوائل في بداية تأسيسها، ولأن غالبية سكانها ينحدرون من جنوب مبتلى، فقد رافقتهم روح الجنوب المتوهجة حبا وطيبة وكانت كفيلة بصنع الجمال، فتميزت بعلاقات أهلها الوطيدة، ومواقفهم الإنسانية إزاء بعضهم البعض، نعم ربما قد تتخلها أحيانا بعض المشاكل والخلافات، لكنها سرعان ما تتلاشى أمام أي أمر جلل يقع لأحد طرفي النزاع، هذا وغيره الكثير مما لم يرق لسلطة البعث ومرتزقتها، فقد عملوا بمنتهى الانحطاط على تعكير صفو حياتنا البسيطة والقانعة، وأحالوا ليالي أهلنا الوادعة إلى حالة من الخوف والقلق وترقب المجهول، فبين مطاردات واعتقالات وإعدامات، وبين الزج بشبابها إلى محرقة حرب شاء مزاجهم الدموي إيقادها، وما قادت إليه من ويلات وخراب، ووجدنا أنفسنا نودّع الأحباب قوافل تلو القوافل، ولتتشح بعدها مدينتنا بسواد لافتات تنعي حياة لم تشهق بعد، وتبكي أعمارا مأسوفا على شبابها...! وليغدو النحيب والعويل السمة الأبرز ليومياتها المفجوعة بفقدان أحبّة لا يُعوَّض غيابهم، لكن ولأنها مدينتنا العاشقة للحياة والجمال، والعصية على الطغاة ستظل تحلم بغد آت يمحو سيئات الماضي ويليق بجمال نفوس أهلها وإن طال انتظاره.

#ابتسام_الحاج_زكي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل