أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...8: سلمى (*)















المزيد.....


نحن نقص عليك أحسن القصص...8: سلمى (*)


أمين بن سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8071 - 2024 / 8 / 16 - 00:13
المحور: كتابات ساخرة
    


أخيرا نطقتْ أمي... وبعد سنوات قالتها لأبي مدوية، ودون أي تحفظ: "لقد أخذوا منا ابننا! إلى متى ستسمح بذلك؟!"
مصائب قوم عند قوم فوائد... الدم لا يتحول إلى ماء... الأم تلد... الأم هي الأم التي ربّتْ... أستطيع وجود كل ما أريد لكن الأب الأم الأخ والأخت لا... كلها أقاويل لا أزال أقولها، لكن الحقيقة... حقيقتي قالت العكس، حقيقة لم أستطع حتى مساءلتها والتشكيك فيها لأنها من قبيل البديهيات المسلمات عندي، أشعر بها وأعيشها كل لحظة، وحتى مجرد الكلام فيها وعنها مضيعة وقت...
بدأ كل شيء سنة الباكالوريا، طالب جديد التحق بفصلي، علاء، قيل لنا أنه متفوق، فحفزني ذلك. منذ أول يوم، سأل عني، بعد أن عرف من أكون. كنتُ الأول في قسمي، طيلة أعوام الثانوية، وكان الفارق بيني وبين الثانية كبيرا، الأمر الذي دفع أبواي إلى الرغبة في نقلي إلى فصل آخر، يكون لي فيه منافسين، فيحفزني ذلك على التفوق أكثر، لكني رفضتُ الابتعاد عن أصدقاء عرفتهم منذ سنين.
سعدت أمي أيما سعادة عندما أعلمتها عن حضور علاء في تلك السنة، لأن ذلك سيحفزني على التألق أكثر، بعد سنين طويلة لم أخش فيها من أحد على المرتبة الأولى. منذ يومنا الأول، دعاني علاء للغداء معه والتعرف على عائلته، أبوه سليم، أمه فاطمة، وأخته سلمى الطالبة الجامعية. في العشاء، تعشينا معا عندي، وتعرف على أمي أبي وأختي أيضا الطالبة الجامعية. كان يوما من أجمل أيام حياتي، وربما سميتُ ما وقع مع علاء حبا من أول لحظة، ربما لغياب الأخ عند كلينا، لكن ما شعرتُ به لم يقتصر عليه وحده بل شمل أخته بالدرجة الأولى ثم أمه ثم أباه، أحببتهم أربعتهم منذ ذلك اليوم، ولم يكن ما شعرتُ به أمرا مألوفا، فقد سبق لي قبل ذلك، ومرات، أن تعرفتُ على طلبة جدد ومن الجنسين وعرفتُ عائلاتهم، بل فيهم من عائلتي وعائلته صارتا مقربتين...
في نهاية الأسبوع الأول، غضب مني كل أصدقائي، ووصفوني بالجحود وبأني استبدلتهم كلهم بصاحب جديد. كان عندهم بعض الحق فيما قالوه، لكني لم أهتم كثيرا لموقفهم ولم أعتذر حتى، بل اكتفيتُ بالزعم أن ما قالوه غير صحيح وأنا... العالم بأنه صحيح كل الصحة.
كيف سارت الأمور؟ وهل ساهم فيها أبي وأمي وأختي؟ وهل كانوا معذورين في عدم فهمهم لسنين؟ أسئلة أسألها اليوم لأحتمي وراءها، ولأصد أي شعور بالذنب، وأنفي عن نفسي أي مسؤولية فيما وقع، والأهم من ذلك كله لأجد لنفسي الأرضية الصلبة التي عليها أمشي لأواصل ما أنا عليه دون أي رغبة في تغييره...
علاقتي بعلاء كان قوية جدا، لكنها، في أصلها، لم يكن فيها أي شيء فريد، طالبا باكالوريا اشتركا في التفوق الدراسي وفي هوايات معينة، وبما أنهما كانا في نفس الفصل، وكل منهما يسكن في نفس المدينة، كل الظروف سمحت بأن يكونا معا كل الوقت... لكن شيئا آخر ساهم في أن تكون أكثر أوقاتنا في منزل علاء، وهو أن أبويه كانا في عطلة طوال تلك السنة، لسببين: الأول إعادة النظر في علاقتهما معا وإصلاح ما لم يكن جيدا فيها، والثاني باكالوريا علاء وتوفير كل الظروف لنجاحه بامتياز. أبي وأمي يعملان، نلتقي عند الغداء بسرعة، وكثيرا ما يُتَّصل بهما فيغادران دون اتمام الغداء... العشاء نفس الشيء، وكثيرا ما يغيب أحدهما في الليل أو الاثنان... أما أختي، فكانت مشغولة بدراستها وبرفاقها، ولم يكن لي معها كلام كثير وأحيانا ما نتبادل ثلاث جمل فقط كل اليوم: صباح الخير في الصباح، تصبح على خير في الليل، وعند الغداء "أهلا"...
حدث أول وقع مع سلمى كان رغبتها الشديدة في التعرف على أختي، اقترحت أن نفاجئها بالذهاب إلى كليتها أنا هي وعلاء، أختي كانت تعرف علاء لكنها لم تر سلمى. كان التوفيق بين وقت ثلاثتنا صعبا، ووجدنا أمسية الخميس سانحة لذلك برغم أن سلمى غابت عن محاضرة لتستطيع الذهاب معنا لمفاجأة أختي والتعرف عليها. لكن اللقاء لم يتم مثلما توقعتْ، كانت أختي مع رفاقها، فسلمتْ على ثلاثتنا نفس السلام، قبلتان لكل منا، ثم... قالتْ أن عليها الذهاب مع رفاقها لأنهم عندهم لا أدري ماذا... وانتهى اللقاء، برغم أني قلتُ لها أننا تعبنا لنستطيع إيجاد الوقت المناسب لنزورها، وأن سلمى حضرتْ خصيصا لتتعرف عليها...
بقيتُ أنظر لأختي وهي تمشي مع رفاقها، وتتكلم معهم، وكأن شيئا لم يكن... حتى توارتْ وتواروا... وعندما التفتُّ، كانت سلمى تبكي، وعلاء ينظر لي مبتسما ابتسامةً فيها حرج قال الكثير. هرعتُ إليها وحضنتها وأنا أنظر لعلاء، قلتُ لها عندي فكرة أحسن ما رأيكِ؟ فلم تجب، أومأتُ لعلاء بشفتي كاقتراح وسؤال في نفس الوقت "الماناج؟" فأشار أن نعم...
كنتُ أتنقل على سكوتر، لبعد المعهد عن المنزل... ويومها ذهبنا ثلاثتنا عليه... كنتُ أقود، سلمى ورائي وعلاء وراءها... تمنيتُ أن يعترض طريقنا شرطي لأهرب منه وأسلّي عنها فلم يعترضنا أحد.
كانت سلمى أكبر منا بثلاث سنوات، وكانت وهي بيننا كطفلة صغيرة غاضبة، وما إن وصلنا مبتغانا حتى اكتشفتُ أنها ليست وحدها الصغيرة بل علاء كان مثلها وأكثر... أمضينا وقتا طيبا، لعبنا فيه، أكلنا، شربنا، ضحكنا، غنينا، رقصنا... وسعدنا. والغريب أني عندما أوصلتهما لمنزلهما بعد ذلك، طلبتْ مني سلمى أن أنام عندهم أحسن... نعم، قالت لي سلمى أمام أمها وأبيها وأخيها: "ابق معنا، نتعشى معا، ثم نسهر وتنام عندنا أحسن!"، قالتها سلمى بنبرة فيها غضب... غضب سببه موقف أختي منها، وكأنها قالت لا تعد إليها تلك التي لا تستحق!
لم يرد أحد عليها، ولا حتى أنا... ربما لرغبتي في البقاء وإمضاء الليلة عندهم، لكني لم أكن أستطيع لعلمي أني يجب أن أكون مع أختي في المنزل تلك الليلة لتغيب أبي وأمي...
صادف بعد أيام أن جمعي بأم علاء، فاطمة، كلام... حدثتني عن ابنيها، وأعربتْ عن سعادتها بعلاقتهما المثالية... قالت أنها لم تكن لتطلب أكثر من أن يحب ابناؤها كل الآخر وأن يهتم كل للآخر مثلما علاء وسلمى... كانت ليلة، دعاني فيها علاء مع أمه وأبيه، وكان مع سلمى من تكفلا بتحضير العشاء، والحلويات... كان عيد زواجهما، وكنتُ مدعوا مثلهما، لكني لم أمتثل لعدم المشاركة وساهمتُ بما حضر في ذهني بعد العشاء وقبل الحلويات... بعض الأزهار التي حصلتُ عليها بعد جهد أنا وسلمى التي رافقتني... كان الوقت ليلا، ولم نجد بائع زهور، ومررنا بجانب منزل أعرفه فيه حديقة جميلة، فاقترحتُ على سلمى أن أقفز على السور وأسرق بعض الأزهار فأبت واقترحتْ أن نسلك الطريق المتحضر، ففتح لنا الباب رجل سمع ما نريد، ثم أدخلنا ودعا زوجته لترافقنا واخترنا أربعتنا أجمل الأزهار... ثم غادرنا.
كانت سلمى ورائي تمسكُ بالباقة، وكنتُ أقود بسرعة وسط الأنهج والأزقة، حتى أوقفتني لأنها أسقطتْ الأزهار... توقفتُ، وأسرعتُ أجمعها وأنا أعاتبها وأصرخ، كنتُ غاضبا منها وزاد غضبي وقوفها دون فعل شيء! وما إن جمعتُ كل الأزهار، عدتُ بسرعة مواصلا لومي عليها لإسقاطها لها ولعدم مساعدتي في تجميعها، كنتُ أنظر للأزهار وأنفخ عليها دون النظر لسلمى حتى وقفتُ أمامها مباشرة وعندما رفعتُ رأسي ونظرتُ لها وجدتها تضحك فصرختُ في وجهها... لم تجبني وقتها، لكن عندما وصلنا وقبل فتح الباب، قالت أنها لم تساعدني وضحكتْ لأنها بقتْ تنظر لي مستغربة لأنها رأتْ علاء في جسد آخر: "لو كان مكانكَ، كان فعل وقال نفس الشيء!"
بعد الحلويات والأزهار، تكلم علاء... قال أشياء جميلة لأمه وأبيه. ثم تكلمتْ سلمى، وقالت أشياء أجمل، ثم ختمتْ كلامها ونظرتْ لي: "أنا سعيدة وفخورة بعائلتي التي أشعر أن أخا ثانيا صار منها".
منذ تلك الليلة حصل تغيير جذري في علاقتي بعلاء، ودخول سلمى فيها غيّرها جوهريا، وذلك التغيير لم يتوقف عند سلمى بل بعد مدة قصيرة طال أبوي علاء...
عادة سلمى عندما تعود إلى المنزل، تُقبّل أمها وأبيها، ثم تذهب مباشرة إلى غرفة علاء، فتبقى معه قليلا ثم تمر إلى غرفتها، فتغيّر ملابسها، ثم تتعشى أو تساعد أمها في تحضير العشاء... ثم بعد ذلك، تدرس في غرفتها، وقبل النوم تمر على أبويها ثم علاء فتُقبّل الجميع وتتمنى لهم ليلة سعيدة... أحيانا كثيرة ما تشتري شيئا لعلاء، أي شيء... لباس، كتاب، أسطوانة أغاني، شيئا يؤكل حلويات أو غيره، بطاقة بريدية تكتب فيها كلاما تختمه بـ "أحبكَ"... وقع مرات عديدة أن نامتْ سلمى مع علاء في فراشه، يكون ذلك عادة أيام السبت، حيث يسهران لأخر الليل يتسامران، يتكلمان، يضحكان، أو يشاهدان أفلاما... وكثيرا ما تستيقظ سلمى قبل علاء، فتحضر له الفطور وتحمله له حتى سريره... لم يتغير أي شيء من كل ذلك، عند دخولي عالمها، وخصوصا ثلاثة أشياء: الأول القُبل، سلمى كانت تقبلني مثلما تقبل علاء تماما. الثاني: البطاقات البريدية وختمها بـ "أحبكَ"، الثالث: أن ننام معا ثلاثتنا في سرير علاء ونسهر حتى الصباح. شيء رابع وقع مني، وغضبتْ منه ماما كثيرا... كان من النادر أن نجتمع في الويكاند معا، أنا أختي ماما وبابا، وذلك الأحد كان في مواعيد ماما يوم كامل مع زوجها وابنيها، حضّرت أشياء لذلك وكانت سعيدة... لكن علاء اتصل بي وقال أن سلمى أفسدتْ عليهم ذهابهم إلى إحدى الغابات المجاورة ورفضتْ مرافقتهم لأنها ظنتْ أني سأكون معهم... فسألته عن المكان وقلتُ له أني سألتحق بهم، فطلب مني أن أكلمها لتتأكد ففعلتُ... قالت سلمى أنها ستغضب مني لو كذبتُ عليها ولم ألتحق بهم فأكدتُ لها ما قلته لعلاء... ثم فعلتُ. قلتُ لماما أني ذاهب لعلاء وسلمى وخرجتُ بسرعة حتى لا أسمع صراخها. عندما وصلتُ ورأتني سلمى من بعيد، جرتْ نحوي وحضنتني، ثم أخذت بيدي، وأجلستني بجانب علاء، وطلبتْ من أمها أن تصورنا، صورة وهي تخرج رأسها بيننا وتحضننا من خلفنا، أخرى وهي تجلس بيننا وتضع كل يد على كتف أحدنا، والأخيرة ونحن نقبلها معا كلٌّ من خد. كان يوما جميلا، كنتُ فيه سعيدا، كلنا كنا سعداء وكل شيء حصل كان عاديا وبديهيا عند خمستنا... أي شخص بجانبنا ذلك اليوم كان سيقول عائلة فيها رجل وامرأة وأبناؤهما الثلاثة. قلتُ ذلك أنا أيضا حتى اللحظة التي غادرتُ فيها، وقت تذكرتُ ماما وغضبها... لكني لم أكترث وقلتُ أنها ستفهم.
بعد أيام من ذلك الأحد، كنا في غرفتي ندرس أنا وعلاء، فوصلتني رسالة SMS من سلمى: "افتح الباب" فظنناها مزحة لأن الوقت كان ليلا ومنزلي بعيد بعض الشيء عن منزل علاء... لكنها لم تكن! وعندما فتحتُ الباب، كان في يدها حلويات، وضعتها في يدي وعادتْ بسرعة للتاكسي الذي كان ينتظرها... وعندما عدتُ للغرفة وعلم علاء، سعد بذلك، وقال ما لم نقله حتى تلك اللحظة...
- سلمى متعلقة بكَ كثيرا...
- أنا أيضا
- ماما وبابا أيضا
- أنا سعيد بذلك
- سلمى ليست سهلة وربما تتعبكَ...
- سلمى رائعة وأحبها كثيرا... ستتعبني في ماذا؟
- أرجو ألا ترى ذلك تجاوزا منها لكن...
- لكن ماذا؟
- لا أعلم هل قالت لك أم لا، لكنها لا تريدكَ أن تدرس خارج المدينة السنة القادمة...
- لم تقل لي
- لا تقل لها أني أعلمتكَ إذن... سلمى تراك أخاها الثاني، وأظنكَ لم تفهم جيدا معنى ذلك حتى الآن...
- لم أفهم ماذا؟
- مثلما تفعل معي، ستفعل معكَ... كل كبيرة وصغيرة يجب أن تعرفها وأن تكون موجودة فيها، وإلا كل شيء يُظلم في عينيها...
- يسعدني كل ذلك
- لا تزال لم تفهم... لنفرض أنك لن تبق هنا السنة القادمة، هل تعرف ماذا يعني ذلك؟
- وماذا سيحدث؟ ستغضب قليلا وسأرضيها وتنتهي المسألة، ثم نحن نتكلم يوميا وكل مرة أعود فيها سأراها...
- إذن أنت لم تفهم أي شيء حتى الآن... لا تعلمها أني قلتُ لكَ وانتظرها حتى تكلمكَ في الموضوع وستتذكرني وقتها... فقط عليك أن تعلم أنها لن تسألك لن تكلمك، لن تناقشك، بل ستأمركَ!
- ستبقى هنا السنة القادمة إذن؟
- نعم، الكلية التي أريد موجودة هنا، وحتى إن لم تكن موجودة، كنتُ سأختار غيرها... لا أستطيع الابتعاد عنها.
- لكن الرهان هنا مستقبلك...
- لا مستقبل دون سلمى، وإذا ابتعدتُ عنها، حتى للدراسة، لن تستطيع وسيحطمها ذلك...
- أرى أن هذا كثير، لكن ربما أمرره معك أنتَ وأنتَ أخوها، لكن كيف قلتَ أن ذلك ينطبق عليّ؟
- وأنتَ ماذا بالنسبة لها؟
- تريد أن تقنعني بأنها ستتأثر لو لم أدرس هنا السنة القادمة؟!
- لم أقل ستتأثر، قلتُ سيحطمها ذلك...
- إذا كان ما تقوله صحيح، أكون بحق لم أفهم أي شيء... سلمى بحق الأختُ التي تمنيتها، قارن لترى الفرق فيما حدث منذ قليل... أعرف أن سلمى تخاف من الخروج وحدها ليلا، لكنها فعلتْ. كانت تستطيع أن تطلب من أمك أو أبيك أن يرافقاها إلى هنا لكنها لم تفعل! وأبت إلا أن تأتي وحدها... في ثوان وضعتْ في يدي الحلويات وغادرتْ، قارنها بأختي التي لم تأتِ حتى لتُسلّم عليكَ وهي في غرفتها على بعد أمتار منا!
- أريد أن أقول شيئا آخر، وركز معي لتفهمني... لم أكن أتوقع أن تتعلق بكَ سلمى هكذا، والمشكلة أن ماما وبابا وافقاها!
- ما المشكلة في ذلك؟
- المشكلة أن سلمى لم تنظر يوما لأي أحد... كنا نظن أنها مثلية لكنها ليست كذلك.
- لم أفهم.
- تعلقها الكبير بأخيها قطع كل طريق على أي رجل آخر، الآن وفي المستقبل تعلقها سيزيد وليس بأخ واحد بل بإثنين...
- وماذا تريدني أن أفعل؟ ألا أكلمها؟ يستحيل أن أفعل ذلك! ثم أنا أيضا متعلق بها وأحبها أكثر حتى من المصيبة التي بجانبنا الآن، لكن عندي صاحبة ولم يمنعني حبي لسلمى من رغبتي في إقامة علاقات مع بنات؟!
- ذلك أنتَ، وهو ما يجب أن يكون، لكن سلمى ليستْ مثلكَ أو مثلي... ألم تلاحظ أنك لم تر أيا من أصدقائها كل المرات التي كنتَ فيها عندنا؟
- لم أتساءل أي مرة عن ذلك، لكن صحيح لم يحدث أن رأيتُ أحدا... لكن ذلك لا يعني أنها بلا أصدقاء!
- لا عندها، لكن لا أحد فيهم مقرّب لدرجة أن يأتي أو تأتي معها إلى منزلها... هل فهمتَ؟
- نعم، لكن أوضح أكثر؟ وما المطلوب مني؟
- سلمى عاطفية جدا، ورقيقة إلى أبعد الحدود، لا أحد يهمها في كل حياتها إلا أخوها وأبوها وأمها، ومنذ مدة والأمر يستفحل كل يوم: أنتَ! نحن في وسط السنة الآن، وأين ستدرس السنة القادمة عندنا معه مشكلة في المنزل، لأنكَ لو ابتعدتَ سيضر ذلك بها... لا تأكل، لا تكلم أحدا بل ربما لن تدرس! ومن المؤكد أنها لن تكون سعيدة وذلك سيدمر كل العائلة! هذا ونحن نعرف بعضنا منذ أشهر فقط، هل تتخيل معنى ذلك بعد أعوام؟ أردتُ منذ مدة أن أكلمكَ في الموضوع ولم تسنح الفرصة، لكن وبما أنه وقع الآن، أرجو أن تفهم وتعي جيدا ما قلته لكَ. لا أحد يرفض شيئا لسلمى في المنزل، لا أحد يغضبها، لا أحد يجرحها بأي شيء مهما كان تافها، ولا يعني ذلك أنها تطلب أشياء لا تُطلب أو يشجعها أحد على الخطأ... سلمى لا تخطئ في أي شيء، تحب بنقاء وفناء، ولا تطلب شيئا غير أن تُحب بنفس الدرجة... عندما أقول لك أن سلمى تراكَ أخاها الثاني عليكَ أن تفهم جيدا أنكَ مطالب بأن تكون سلمى أختكَ الأولى وليس الثانية وهذا لن يتغير غدا... سلمى ستبقى في حياتك إلى الأبد! إذا فهمتَ جيدا، وكنتَ تعلم أنكَ لن تستطيع توفير ما يلزم فعلينا أن نتصرف منذ الآن...
- عدنا!
- سلمى ليست أختَ صديقكَ... سلمى أختكَ وحتى صديقكَ لم يعد له أي وجود الآن فهي لا تحتاج وجودي لتصل إليكَ... أنسيتَ يوم البيكنيك؟ قالت لن أخرج معكم إذا لم تأتِ ولم تفعل إلا بعد أن كلمتَها... أتذكر كم كانتْ سعيدة؟
- نعم، كان يوما من أروع أيام حياتي...
- لا أتكلم عنكَ الآن، وأراك لم تفهم حتى الآن!
- ... !
- ربما أعادت سلمى نفس ما فرضته تلك المرة... كل مرة! هل تفهم الآن؟
- نعم، ولا مشكلة عندي! أسعد أيام عشتها في حياتي كانت هذه السنة! أنا سعيد منذ أول يوم كلمتني فيه! وسعادتي زادت مع سلمى! ويوم البيكنيك كانت ماما قد حضرت أشياء هنا وظنت أنه يوم ستمضيه مع عائلتها لكني خرجتُ ولم أندم! نعم كان ذلك من أجل سلمى، لكن من أجلي أيضا! كانت سلمى سعيدة، كلكم كنتم سعداء، لكني كنتُ سعيدا! ثم، ماذا ستطلب سلمى غير أن نكون معا؟ ذلك سيسعدها سيسعدكَ وسيسعدني، فلماذا تظن أن ذلك سيسبب مشاكل لي أو سأفعل شيئا ما مُكرها؟
- سعيد أننا تكلمنا، وسعيد بما سمعتُ... هناك أشياء كثيرة وقعتْ منذ أول السنة، وربما لم ترها جيدا برغم أنك عشتها، لا أريد أن تندم على أي شيء...
- ...
- أعلم كيف كنتَ مع أصحابك قبل سنتنا هذه... كل وقتكَ معي الآن، نحن لا نفترق... أنا استحوذتُ عليكَ وتقريبا قطعتُ علاقتك بكل أصدقائك وهم الآن كمجرد أشخاص تعرفهم لا أصدقاء مثلما كانوا... تعي ذلك؟
- نعم
- لا فرق بيني وبين سلمى... نحن أخوة!
- وأنا أحب ذلك ووافقتُ عليه...
- سأفترض المستحيل الآن، ومنه سأطلب منك أن تعدني بشيء ما...
- قل
- لا أعلم ماذا يخبئ لنا المستقبل، لكن مهما حدث ومهما كان، عدني ألا تتركَ سلمى أبدا؟
- كلامكَ كأنكَ جندي خارج للحرب، ولا يعرف هل سيعود أم لا!
- ...
- و... أعدكَ بالتأكيد! واعلم أنه ليس من أجلكَ ولا من أن أجلها فقط، بل من أجلي أيضا! وأستطيع أن أرانا الآن ونحن عجائز وأبناؤنا وأبناؤهم يلعبون أمامنا!
نقاش سريالي؟ كلام شباب أقرب منه لأتفه كلام يُسمع في فيلم أمريكي أو مسلسل مصري؟ ربما... لكنه وقع...
قبل امتحان الباكالوريا بشهر، كنتُ واقفا عند ضوء أحمر وورائي علاء... استيقظتُ بعد شهرين الثالثة صباحا، أول من رأيتُ سلمى نائمة على كرسي بجانب سريري، وبجانبها أمها على كرسي آخر... أردتُ الكلام فلم أستطع، لكني استطعتُ بعد جهد تحريك عيني فلم أر أحدا غيرهما. حاولتُ الحركة لم أستطع، لكني استطعتُ اخراج أنين لا يُفهم منه شيئا، وكان كافيا لتستيقظ سلمى ثم أمها...
بعد شهرين في غيبوبة، وبعد أيام من استيقاظي، كلفوا سلمى بإعلامي... الذي صدمنا من الخلف تسبب في وفاة علاء لحظتها، وفيما حصل لي بعد ذلك... يوم مغادرتي المشفى كان الجميع يظن نفس الشيء إلا سلمى، التي ارتمت على كرسيي المتحرك وقالت لي: "لن أترككَ، ستعود معي، أنا من ستهتم بك!"... الحرج كان كبيرا، ورفض ماما ظهر تعاطفا في البدء لكنه تحول إلى غضب ثم إلى صاعقة عندما تدخل أحد الأطباء وساند سلمى في مسعاها... لم أغفر لها غضبها، لم يكن حبَّ أم بل كان تملكا، الحب كان عند سلمى وأمها وأبيها... السكوتر كان ملكي، وعلاء كان ورائي، ولو لم أكن، ما صدمه أحدهم وما مات! لكنهم وبسرعة لا يفسرها إلا الحب، تجاوزوا ألمهم لفقدان ابنهم وقرروا مساعدة صديقه الذي بدوره فقد صديقه وخسر سنته الدراسية تلك وقد كان الأول في فصله...
غادرتُ الكرسي المتحرك آخر صيف تلك السنة، منذ خروجي من المشفى بقيتُ في منزل علاء، كانت رحلة قاسية عشتها حتى لحظة استعادتي خطواتي... كثيرون أعانوني، ذلك الطبيب الذي وقف مع سلمى ضد ماما يوم مغادرتي المشفى، كان له دور كبير وكان قد فقد ابنة له في حادث أيضا، ماما بابا وأختي كان لهم بعض دور، لكن الأهم في كل ما حدث كانت سلمى... إحدى الليالي أيقظتني من النوم وقالت لي: "ليس لأن علاء غاب، بل لأنكَ أخي وأحبكَ سأطلب منكَ ألا تغادر أبدا!"، فحكيتُ لها الكلام الذي وقع مع علاء ووعدي له بخصوصها، وأعدتُ نفس وعدي الذي لم ولن أخلفه... "لن أترككِ أبدا!"
____________________________________________________________
(*) ليس ضجرا من ملاك، وقصتها طويلة لا يزال فيها الكثير، لكن أردتُ أن أحدثكم عن امرأة أخرى، وفي نفس المحور... وقد حُبّب إلي من الدنيا النساء ومن الموقع هذا المحور.



#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-11
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-10 ملحق
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-10
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-9
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-8
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-7
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-6
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-5
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-4
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-3
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-2
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 13-1
- ترامب وصورة القرن: ارحموا عقولكم وعقولنا يا قوم!
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 12
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 11
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 10
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 9
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 8
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 7
- نحن نقص عليك أحسن القصص...7: ملاك 6


المزيد.....




- تابع بجودة عالية احداث المؤسس عثمان الحلقة 174 Kurulus Osman ...
- ترجمة أعمال الشاعر جوان مارغريت إلى العربية في صحراء وادي رم ...
- أحداث مسلسل قيامة عثمان الحلقة 174 مترجمة علي قناة الفجر الج ...
- -كل ثانية تصنع الفرق-.. فنانون سوريون يطلقون نداءات لتسريع - ...
- مواقف أبرز الفنانين السوريين بعد سقوط حكم الأسد
- حين يكون الشاعر مراسلا حربيا والقصيدة لوحة إعلانات.. حديث عن ...
- الروائي السوري خليل النعيمي: أحب وداع الأمكنة لا الناس
- RT Arabic تنظم ورشة عمل لطلاب عمانيين
- -الخنجر- يعزز الصداقة الروسية العمانية
- قصة تاريخ دمشق... مهد الخلافة الأموية


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أمين بن سعيد - نحن نقص عليك أحسن القصص...8: سلمى (*)