أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هادي معزوز - نهاية إنسان الأزمنة الحديثة














المزيد.....

نهاية إنسان الأزمنة الحديثة


هادي معزوز

الحوار المتمدن-العدد: 8066 - 2024 / 8 / 11 - 02:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




تأملوا معي هذه السلسلة اللامتناهية التي نقوم بها آلاف المرات دون وعي او انتباه منا، وإن كانت تشكل مجمل حياتنا:
نستيقظ صباحا على صوت المنبه الذي نَنفُرُ منه، وفي نفس الوقت نكون حريصين جدا على ضبطه ثانية بثانية.. نلعن الدراسة أو العمل الذي كان سببا في هذا الاستيقاظ غير المرغوب فيه، والضروري في الآن نفسه، لكن وفي مقابل ذلك لا يمكن تصور حياتنا دون الحصول على وظيفة قارة تجنبنا عديد الأهوال.. نختار ملابسنا بعناية كبيرة إرضاء لنظرة الآخرين أو بدافع موضة العصر، ثم نجلس على مائدة الأكل لتناول فطور الصباح وقراءة الجرائد وشرب القهوة السوداء، وبين الفينة والأخرى نقلب معاصمنا حيث عقارب الساعة التي كلما قطعت ثانية كلما قضمتها من حياتنا.
منا من يتوجه إلى عمله عبر سيارته الخاصة، حيث لا يفوته طقس المذياع وخصوصا التجسس على أخبار الآخرين.. أخبار لا تخرج عن القتل والحروب والوقوف على فضائح المشاهير وأسرارهم! على النقيض من ذلك نجد من يستعمل وسائل النقل العمومية، والتي تكفي للحصول عل نظرة شاملة تلخص حال عالمنا هذا: الأغلبية الساحقة غارقة في هواتفها الذكية، منهم من يلعب، ومنهم من يبحر عبر وسائل الاتصال الاجتماعية ولا شيء غير ذلك، فئة أخرى تتقن التلصص في وجوه الآخرين والوقوف عند ما يظهرونه، وفئة أخيرة لازالت تعيش تلك الحالة غير المستقرة بين النوم واليقظة.
نقضي بياض يومنا أمام الحواسيب، والآلات، وعديد الطقوس التي لا تنتهي دون دراية بأنها مجرد حيلة وقد نالت معنى ما، بل إننا نقوم بأشياء كثيرة في لحظة واحدة: ننقر على أزرار الحاسوب.. ننتظر في الآن نفسه رسالة إلكترونية.. أما اليد الأخرى فإنها تمسك سماعة الهاتف الذي نتواصل به مع أشخاص آخرين في زمان ومكان مختلفين، لو قلنا ذلك لأجدادنا الأوائل لما صدقوا ما وصلنا إليه، ولقالوا عنا أننا بدائيون بالطبيعة.
بعد أن تصل عقارب الساعة إلى موضع معين أو بالأحرى متفق عليه، نتوصل برسالة عُرفية تعلن موعد الغذاء. نتوجه بسرعة إلى المطاعم أو منازلنا، نتناول ما تيسر كل حسب انتماءه الطبقي، دون أن يكف دماغنا على الاشتغال: نتبادل خبرا ما.. نتحدث عن العمل.. نشاهد نشرات الأخبار التي لا تكف على التشهير بالجثث والفضائح الكاذبة منها والصادقة، دون أن تكون لها الجرأة على تسمية الأشياء بمسمياتها.. نعود إلى العمل بعد ذلك متمنين لو أتيحت لنا هنيهة نمارس فيها القيلولة، هي أمنية وانتهى الأمر. لكن وكتعويض عن هذا العذاب نلعن العمل ونسبه، ثم نتراجع عن ذلك إذ لا يمكن تصور شرط وجودنا دون عمل.
الذين ذهبوا في الصباح إلى الدراسة أو الشغل يعودون مساءً ـ مثل القطيع الذي يذهب إلى المرعى صباحا ثم يعود إلى حظيرته بعد انزلاق قرص الشمس في الأفق البعيد ـ يأخذون لأنفسهم حماما طلبا لانتعاش وهمي، يتناولون وجبة عشاءهم ثم يجلسون أمام شاشاتهم كل حسب اختياره ولا أحد حرا، بعد ذلك تقصد هاته الشخصيات الآلية غرف نومها.. ينتهي المشهد كي يتكرر في اليوم الموالي دون انقطاع يذكر.. يتكرر من جيل لآخر وكأن ما حدث بعد الثورة الصناعية هو نفس ما يحدث اليوم دون تغيير وإن بدا لنا عكس ذلك.
عندما نتأمل كل الحركية التي تطبع ربوع العالم، نتساءل بدهشة وبشجاعة أيضا: لماذا نقوم بكل ذلك؟ لماذا نصنع الأسلحة؟ لماذا نهرع إلى متاجر الموضة كلما عرضت إشهارا جديدا لمنتوج جديد؟ لماذا ننشر صورنا ولحظاتنا الحميمة في مواقع التواصل الاجتماعي؟ لماذا تحتل دول دولا أخرى؟ ما الذي نريده من كل ذلك ومن كل ما سيأتي؟ وهل يمكن للوجود أن يسقط إذا غابت كل هاته الأشياء..؟ الخطأ الكبير الذي نقترفه، يتجلى في الاعتقاد بتطورنا وإن نسينا أنه تطور يُعَقِّدُ الأشياء أكثر دون التخلص من معضلاتها. والمشكلة الأكبر حينما نتهم أجدادنا بالبدائية بكل ثقة في النفس. لكن أكبر بدائية هي التي نعيشها حيث لا عنوان لهذا الوجود، ولا معنى لحياة بدون معنى.



#هادي_معزوز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخبار الحمقى والمغفلين ومن صاحبهم من المهرجين
- أسئلة الشرطي وأسئلة الفيلسوف
- عصا الفقيه وعصا رئيس الأوركسترا
- تأملات في جسدي الذي لا أملكه.
- نحو عيش اللحظة بتفاصيلها
- ميتافيزيقا الانترنيت المكتملة


المزيد.....




- غزة: مقتل 10 أشخاص جراء غارة جوية إسرائيلية وسط -تطويق- مخيم ...
- تظاهرات داعمة لفلسطين تعبر شوارع نيويورك وتدعو لوقف إطلاق ال ...
- بوتين يبحث مع أردوغان الوضع في الشرق الأوسط
- -حزب الله-: الجيش الإسرائيلي يستخدم قوات -اليونيفيل- دروعا ب ...
- وزير الخارجية الفرنسي من القدس: القوة وحدها لا يمكن أن تضمن ...
- لماذا ينبغي خلع الجوارب قبل النوم؟
- إيران لمصر: لا نسعى وراء الحرب.. و-حزب الله- جاهز للمواجهة ا ...
- احذروا.. -خطر خفي- وراء التهابات المسالك البولية
- عاجل | هيئة البث عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: البحرية ا ...
- لماذا يعد -شات جي بي تي- سيئا جدا في الرياضيات؟


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هادي معزوز - نهاية إنسان الأزمنة الحديثة