أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خضير النزيل - قصة بلا عنوان














المزيد.....

قصة بلا عنوان


خضير النزيل

الحوار المتمدن-العدد: 8060 - 2024 / 8 / 5 - 10:24
المحور: الادب والفن
    


[الى كريم… لِنُسَمّها، المرأة التي كانت تُدّخّن في صيفِِ مُمْطِرِِ، تَحْتَ وابلِِ من نظراتِ المارّة]
ما تراءى له شبحاَ، لم يكن غير زنكَي ، زنكَي الأسود، بخطىً ميتة، يَجرّ نَعْله الذي تَآكلَتْ جِلْدته من الأسفل، يهبط القنطرة البيضاء في خفق متواصل، وبمثل تلك المَشية النّاطة التي يَهتَزّ لها رأسه، بينما هو يتأرجح إلى الخلف وكأنّه يَمشي عائداً، وكان هذا وحده كافياً لكي يتعرّف عليه من بعيد، في مثل هذه الساعة المٌتأخرة من الليل، يحدّق في قناة النّهر، قبل أن ينحرف متباطئاً بإتجاه المحطّة القديمة لسكّة بغداد، على القنطرة ، مَكاريّ من القرية، يسوط بغالاً صفراء متعبة، تحتَكّ في هبوطها المُرتبك بآجر القنطرة ومناراتها المائلة.
لم يتعرّف على وجهه، ولم يلاحظ غير قدميه الحافيتين، في المحطّة، يتَجمّع السكارى، وهو الوقت الذي تكون فيه البيوت القليلة الكابية لرأس القرية، قد فقدت حرارتها خلال الليل، ويعرف أنّه في أحد هذه البيوت الطينية الواطئة، تنام هي، برموشها الضاربة الى الحمرة، ويتخيّلها عاريّة ، ظلّها ينطرح على النافذة التي تركتها مفتوحة على مصراعيها، بينما هو يتراجع في حذر من أجل أن لا تكتشفه هناك، تحمل يديها الى نهديها المتوحدين، مُتمسكة قبل أن تسقط بإطار النافذة وأكثر مما ينبغي لكي تتحمّله زوجة رجل سكير، صار كالثور الأسود أمام عينيها، منذ أن أخذت الحرب منه ذلك الشيء الذي ماعاد ينفع لتحقيق رغباتها، وغير عابئة بما كان يظنه بها، وكأنّها كانت تنتظر منه أن يفعل شيئاً غير أن يسحب ذلك الكرسيّ المخلّع الى الظل، ويبدأ في مراقبتها كل يوم، أنّها تخونه، قال لنفسه كمن أختلطت عليه أدوار حياته ، مسكينة هذه العاهرة التي لا تنام ليلها أبداً، فلقد كانت تعتبره لعبة وأكثر ممّا يعتبرها مجرد تسلية,وكان عليه أن يُخبره بذلك(اسمع يبنادم، عندي كلمتين أقولهما لك بحق فلانة…) ، ثم أخبره بكل شيء، بكل ما كانت تفعله في غيابه.
المحطّة شبه خالية، يظهر بضعة أشخاص، نفس أولئك الذين يلتقي بهم كل يوم من ذوي العاهات ، سكارى، ينادون على بعضهم البعض، دون ما رغبة، ينظر إلى ساعته، أنّها الثانية بعد منتصف الليل، وهو مازال يتسكّع، منذ أن تركته، وهو يفعل ذلك، عائداً يتلمّس الجدران إلى منزله المٌتداعي، لقد رحلت ، تركته هكذا، دون أن يعرف، أين أنتهت بها الأيام، ومنذ حينها وهو يتحاشى رؤيته، كلّما وقعت عليه عينه، إلتَفتَ جانباً، مُتخذاً أسهل الطُرق ، وكأنه على عجلة من أمره من أجل أن يَبتَعدَ عنه، ولقد اعتاد هو على مثل هذه الإهانة في البداية ، حتى أنه نَسي مع الأيام ما صار بينهما، أو إذا ما كان هو السبب في ذلك، إنه يراه الآن ، متخذاً أقصر الطرق للإبتعاد عنه، ولقد كان من الصعب عليه أن لا يلاحظ أنّه قد ضعف كثيراً، ولا يمكن لأذنه الخبيرة أيضاً، أن تخونه في مثل هذه الحالات، هو الذي مازال يعتقد من أن للشيطان موجات طويلة مثلما للصمت والضوء ، ويستطيع أن يبثّ اهتزازات ، ويتكلّم مع شيطان آخر، أنه يصغي، مُتحجراً في مقعده القديم، المٌتهدّم، من غير أيّة حركة أو حتى ظل بسيط على النافذة التي تُركتها له، مفتوحة على مصراعيها، وكأنّما لم يعد لها وجود بعد الآن، مجرد دمدمة أخيرة ووقع خطى لا تكاد تُسمع، تَنطّ فيها بغال المَكاريّ في شحيج مُتَقطّع، وهي تلوك حبال بعضها البعض ،وقد تخلّصت من أحمالها الثقيلة، مندفعة بإتجاه الليل.

من (خمس قصص قصيرة إلى نفسي، وحكاية واحدة إلى القاريء.)



#خضير_النزيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيدرو بارَّامو ملاحظات عن بلدة مليئة بالأصداء
- ما الذي يجعل من -مائة عام من العزلة- رواية استثنائية ؟
- إيرين نيميروفسكي : الكاتبة التي استعادت حياتها برواية مُهرّب ...
- تابوت شاعر : تعليق على كتاب سيرينا فيتالي(زرُّ بوشكين)
- إعدام جندي
- الوقوع على الجهات البعيدة


المزيد.....




- -دليل الهجرة-.. رحلة جاكلين سلام لاستكشاف الذات بين وطنين ول ...
- القُرْنة… مدينة الأموات وبلد السحر والغموض والخبايا والأسرار ...
- ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية
- كلاكيت: معنى أن يوثق المخرج سيرته الذاتية
- استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم ...
- سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات ...
- -الريشة السوداء- لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة الت ...
- العراق يستعيد 185 لوحا أثريا من بريطانيا
- ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
- الخلافات تهدد -شمس الزناتي 2-.. سلامة يلوّح بالقضاء وطاقم ال ...


المزيد.....

- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خضير النزيل - قصة بلا عنوان