سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8052 - 2024 / 7 / 28 - 13:21
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات
بطاقة جماعية- 1
نسيم وهيام الطوال ونايف الزَّوايدة.. كُلٌّ منهم كان قائداً حزبيَّاً فذَّاً..
سالم قبيلات
تتحدث هذه البطاقة عن رفاق، أصدقاء، وعائلات، ينتمون إلى مدينة تزخر بأسماء المناضلات والمناضلين الشجعان؛ مناضلات ومناضلين قضوا سنوات كثيرة من أعمارهم في النضال في صفوف الحزب الشيوعي الأردني. وفي معمعان النضال، ارتبطوا مع بعضهم البعض بعلاقات رفاقية وثيقة.. علاقات كان يسودها الاحترام والمحبة والصدق والصراحة؛ ومع ذلك، لم يكونوا يغضون الطرف عن أي تجاوز أو خطأ يمكن أن يمس بسمعة الحزب أو يحرف سياسته.. كائناً من كان مرتكبه؛ لكن مع حرصهم على ألا يقودهم ذلك إلى الشقاق أو القطيعة مع رفاقهم الآخرين. ومن هؤلاء الرفيقات والرفاق من قضى عمراً مديداً في النضال، ومنهم من لم يُمنح إلا مقداراً قليلاً من العمر، فغادر هذه الدنيا وهو في ريعان الشباب وفي أوج عمر العطاء. لكن كل واحد منهم كان يُعد من أبرز المناضلين في تاريخ الحركة اليسارية الأردنية المعاصرة.
لقد كان جميع الرفاق، الذين عايشوهم، يعرفون مدى حرصهم الشديد على سلامة الحزب، ورغبتهم الصادقة في أن تسير أموره على أفضل وجه، وبما يطور العمل الحزبي، ويحقق أهدافه، ويجنبه أي ضرر.. مهما كان بسيطاً أو صغيراً. كما تميز هؤلاء الرفاق بعلاقاتهم القوية والواسعة مع فئات المجتمع المختلفة، فكان لديهم الكثير من الأصدقاء والمعارف والمحبين، بل إنهم كانوا مضرباً للمثل في هذا الشأن.
منذ بداياتهم النضالية في خمسينيات القرن الماضي، عندما انضموا إلى الحزب الشيوعي الأردني، واصلوا السير قدماً وبثبات، على درب النضال الوطني والطبقي، من أجل مصالح الطبقة العاملة وحقوقها وأهدافها، ومن أجل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والاشتراكية. وكانوا يبادرون بنشاط في الانخراط في ميادين النضال المختلفة؛ ولم تكن ظروف العمل السري الصعبة تجعلهم يتقاعسون عن ذلك. وعندما كانوا يتعرضون للاعتقال، كانوا يتمسكون بشدة بمبادئهم، ويصمدون، ويصبرون، ويواصلون النضال، في وجه سلطة الاستبداد والقهر والاستغلال، مسطرين أقوى مواقف الشجاعة والثبات المبدئي.
خالد الذكر الرفيق نسيم الطوال – (1935-2002).
ولد الرفيق نسيم الطوال (أبو ثابت) في مدينة مادبا في العام 1935، وترعرع في كنف عائلة أردنية كريمة تتبنى الفكر التقدمي وتناهض التبعية والاستعمار، وتشجع على التعليم، وتتمسك بالثقافة الوطنية الأصيلة، وبقيم المحبة والاحترام في المجتمع. أكمل دراسته الابتدائية في مدارس مدينة مادبا، ثم انتقل إلى مدينة القدس حيث أكمل المرحلة الثانوية هناك. وبعد ذلك، انتقل الى حياة الوظيفة، حيث عمل لدى شركات في قطاع التأمين.
كانت حياة الرفيق أبو ثابت زاخرة بالممارسات النضالية المنظمة، في مواجهة سياسات القمع والاضطهاد والاستغلال والتبعية، والتصدي للآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الضارة.. الناجمة عن هذه السياسات.
ونتيجة لذلك النشاط الشجاع والمثابر، تعرض الرفيق أبو ثابت للملاحقات ثم الاعتقال والتعذيب؛ حيث حُجز في سجن الجفر الصحراوي، من العام 1957 إلى العام 1965..
وفي العام 1966، اعتقل، مرةً أخرى، لمدة عام، في سجن الزرقاء العسكري. وقد أطلق سراحه، مع عدد آخر من الرفاق، بعد هزيمة حزيران في العام 1967.
واعتقل، مجدداً، في العام 1989، إبَّان انتفاضة نيسان الخالدة، فقضى أربعة أشهر في سجن سواقة الصحراوي.
وفي العام 2002، غادر الرفيق نسيم الطوال هذه الحياة؛ غادر وقد حفلت حياته بالنضال من أجل ضمان الحقوق الوطنية والإنسانية لشعبه، ونصرة جميع الشعوب في نضالها من أجل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والاشتراكية.
لقد كان رفيقنا الراحل انساناً صادقاً، وفياً لمبادئه ورفاقه وحزبه وقضية شعبه وبلده. ومسيرته النضالية، ودعمه للعمال والكادحين، واهتمامه بالطلبة والشباب، ودوره في العمل الوطني بعمومه، كانت معروفة لكل من عايشه.
وعلى سبيل المثال، يُذكر، للرفيق نسيم الطوال، بتقدير كبير، إنجازاته التنظيمية، خلال وجوده في براغ كمندوب للحزب في هيئة تحرير مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" وإشرافه على منظمات الحزب في الدول الأوروبية، في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي؛ ولقد لمستُ ذلك بنفسي؛ حيث كنت – آنذاك – موجوداً في صوفيا. وكان إشراف الرفيق نسيم على التنظيم، في تلك المنطقة الواسعة والمهمّة، ملهماً للكثير من الرفاق والأصدقاء الذين عملوا معه؛ الأمر الذي كان يدفعهم إلى العمل الدؤوب والمثمر وإنجاز المهام التي يكلفون بها على أحسن وجه.
وقد ضرب الرفيق نسيم، خلال حياته، أروع الأمثلة في نكران الذات، وفي الحرص على العمل الجماعي الذي كان يؤمن به إلى أبعد الحدود، لأنه كان يعتبره الرافعة الأساسية لتحسين الأداء الجماهيري للحزب وتحقيق النتائج المرجوة منه.
الرفيقة طويلة العمر هيام الطوال (من مواليد العام 1939م)
الرفيقة هيام الطوال، المعروفة بـ "أم إيهاب"، هي شقيقة الرفيق نسيم الطوال وزوجة الرفيق نايف الزوايدة. وُلدت في مدينة مادبا في العام 1939. أكملت المرحلة الابتدائية في مادبا والدراسة الثانوية في مدينة البيرة في فلسطين، وحصلت في العام 1957 على شهادة كلية دار المعلمات من مدينة رام الله الفلسطينية. بعد إكمال دراستها، عادت إلى مادبا وعملت كمدرسة حتى العام 1980.
كانت الرفيقة هيام أممية الروح وقومية النبض، انخرطت في العمل الحزبي وهي في سن مبكرة. وقد اشتهرت بدورها في المظاهرات المناهضة لحلف بغداد، حيث كانت تُحمل على الأكتاف لترديد شعارات المتظاهرين بصوتها القوي الجميل.
بدأت مشوارها التطوعي مع الهلال الأحمر الأردني منذ صغرها، وتدرجت إلى أن أصبحت حالياً مديرة فرع الهلال الأحمر في محافظة مادبا. لم تتوقف نشاطاتها التطوعية عند هذا الحد، بل كانت شعلة متقدة من الحركة، حيث أسهمت في تأسيس العديد من الجمعيات النسائية، وتحملت مسؤوليات قيادية عليا في العديد من الجمعيات الخيرية والنسوية.
وفي العام 1957، تمت خطبتها للرفيق نايف الزوايدة، لكن زواجهما تأجل لمدة عشر سنوات بسبب اعتقال الرفيق نايف، إلى أن أطلق سراحه في العام 1965؛ وبعد ذلك، عمل الرفيق نايف محاسباً في إحدى شركات القطاع الخاص، وتمكنا من الزواج في العام 1967.
ومع الأسف، لم يدم زواجهما سوى 13 عاماً بسبب ظروف الاعتقال التي قاربت عشر سنوات، ووفاة الرفيق نايف المبكرة، وهو في الخمسين من عمره؛ ولذلك، تحملت الرفيقة، "أم إيهاب" الانسانة المثابرة والمبادرة، وحدها، مسؤولية تربية خمسة أطفال؛ واضطرت، بجانب وظيفتها الأساسية في التعليم، إلى القيام بأعمال إضافية وابتكار أعمال تجارية منزلية وحرفية مختلفة، لتحسين مستوى الدخل الشهري لها، من أجل تلبية الاحتياجات المتنامية لعائلتها.
خالد الذكر الرفيق نايف الزوايدة (1930-1980).
ولد الرفيق نايف الزوايدة في مدينة مادبا في العام 1930، وغادر هذه الدنيا في العام 1980، إثر جلطة قلبية حادة لم يحتملها جسمه المنهك من جراء التعذيب. حيث تحتفظ زوجته، الرفيقة هيام الطوال "أم إيهاب"، التي كانت مخطوبة له أثناء اعتقاله، بعدد من الرسائل التي كتبها الرفيق نايف بريش الطيور وبدمه النازف من جراء التعذيب.
لقد كان خالد الذكر، الرفيق نايف الزوايدة، من ضمن ضحايا الهجمة الرجعية الشرسة التي استهدفت الشيوعيين في منتصف خمسينيات القرن الماضي؛ إبّان تلك الهجمة، زُج المئات من أعضاء الحزب في معتقل الجفر الصحراوي من العام 1957 وحتى العام 1965.
تميز خالد الذكر، الرفيق الشجاع نايف الزوايدة، بسعيه الدؤوب لتجسيد قناعاته وتطبيقها في حياته اليومية. ولم ينشغل عن قضايا الناس والمجتمع بالأحاديث النظرية المنفصلة عن الواقع؛ بل إنه سعى دوماً إلى ربط أفكاره وتصوراته بالواقع، واستنباط وسائل وأساليب نضالية من الحياة، لتخدم ما يؤمن به.
ولقد كان الرفيق نايف مثالاً في المبدئية والالتزام، وناضل بشجاعة وجرأة مع العمال والكادحين ضد السياسات الجائرة وممارسات الاستغلال، ودافع بقوة عن الحرية والديمقراطية ومصالح الطبقات الشعبية وحقوقها.
وفي ختام هذه النافذة الجماعية، نقدم أسمى آيات الإجلال والاحترام والتقدير إلى جميع العائلات الشيوعية المناضلة في الأردن بشكل عام، وفي مادبا بشكل خاص، على دورها البطولي الذي لا يُنسى في مواجهة سياسات القمع والاستبداد. ونؤكد، بمزيد من التقدير، على الدور المهم لهذه العائلات المناضلة، التي تركت بصمات مشرقة في العمل الحزبي الشجاع، على درب التقدم الاجتماعي والاشتراكية. وستبقى أسماء بنات وأبناء هذه العائلات المناضلة نبراساً لكل المناضلين الوطنيين والتقدميين الأحرار.
ونحيي، على وجه الخصوص، الرفاق الشجعان: خالد الذكر الرفيق نسيم الطوال؛ وخالد الذكر الرفيق نايف الزوايدة؛ والرفيقة هيام الطوال؛ نحييهم على دورهم النضالي المشرف، وشجاعتهم، وثباتهم، وصلابتهم، المدعمة بروح إنسانية عالية، وبثقافة ووعي سياسي عميقين، ومعرفة بالنظريات الثورية التقدمية، وبتجارب الحركات الثورية العالمية، والتزامهم بأهدافهم النضالية من أجل التقدم الاجتماعي والاشتراكية.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟