أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة45 بامرني 1985














المزيد.....

التاريخ يتكلم الحلقة45 بامرني 1985


كاترين ميخائيل

الحوار المتمدن-العدد: 1763 - 2006 / 12 / 13 - 11:23
المحور: سيرة ذاتية
    


شتاء 1985 . الطقس شديد البرودة، والثلج يتساقط بغزارة ليغطي قمم الجبال وسفوحها وقد وصل ارتفاعه احيانا، اكثر من نصف متر. وسط تلك العاصفة الثلجية وذلك الهواء الذي ينفذ في عظامنا وكأنه حافة آلة جارحة، غادرنا كلي هصبة متوجهين الى بامرني الساعة الثالثة بعد الظهر، انا واخي ازاد والرفيق ابو نزار والشهيد ابو فؤاد. تجهيزاتنا وملابسنا ما كانت تحتمل ذلك الزمهرير، فاحذيتي صيفية وليس لدي قفازات البسها. كنا نسير وسط سهوب من الثلج لا نهاية لها، وبصعوبة بالغة، فكنا تارة نسقط على الارض واخرى نتدحرج. كان ابو نزار يعاني من الربو والريح تسفع وجوهنا وتعيقنا بعواصفها المدمرة عن التقدم الى الامام. تخلف ابو نزار بسبب وضعه الصحي عنا، اذ كانت نوبات الربو التي يقطعها السعال الحاد بسبب صعوبة استنشاق ذلك الهواء المتجمد، تضطره الى التوقف، احيانا. لكننا مصممين على الصراع مع الطبيعة، فلا رجعة الى المقر بل مواصلة التقدم. الرفيق ابو نزار يناشدنا التقدم على امل اللحاق بنا، لكن كيف نتركه وهو لا يقوى حتى على حمل بندقيته، ولا يسمح لاخي ازاد ان يحملها بدلا عنه؟ كنت احس ان اوصالي قد تجمدت؛ اقدامنا مبتلة، كذلك ثيابنا.
الآن وصلنا قمة جبل متين. لقد كانت حقاً، مسيرة شاقة. تزحلقنا وسقطنا عشرات المرات، لكن دون شكوى او تذمر او تردد، لا تعيقنا قسوة طقس ولا خوف من كمين، وكنا طافحين بالحقد على الطاغية صدام حسين، فهو السبب في اضطرارنا الى العيش وسط تلك الظروف الصعبة.
كان علينا بعد اجتيازنا القمة، الانحدار نحو السفح، كان النزول من الجبل في الظروف العادية اسهل من تسلقه اما وسط تلك الثلوج فقد كان ذلك يسبب لنا السقوط والتعثر، وقد يلقى الانسان مصرعه اذا وضع قدمه في غير موقعها الصحيح، خاصة وان العاصفة والريح جعلتنا نفقد السيطرة على خطواتنا. كان اخي ازاد يشعر بما أعانيه من البرد ولكن ماذا باستطاعته ان يفعل؟ وهكذا واصلنا الطريق الى بامرني، كنا نقطعه في الظروف العادية في ساعتين، ولكن هذه المرة استغرق ذلك منا خمس ساعات عصيبة.
دخلنا بامرني وقد ادركنا الاعياء والبرد، نجرجر اشلاؤنا المعلقة بخيط رفيع من الحياة. توجهنا الى بيت مام صوفي ابو صبحي وطلبنا تهيئة المدفأة الخشبية، والاهتمام بابونزار الذي يحتاج الى قدر اكبر من الرعاية. استلموا اسلحتنا فورا، وتقدمت الشابة الصغيرة حليمة لتساعدني وهي تتألم لما اعانيه. كانت آثار البرد واضحة علي، فالشفاه مزرقة وارنبة انفي محمرة وكذلك وجنتاي، لا احس بأنامل يدي التي لم اكن قادرة على تحريكها، قدماي مبللتان والجواريب والسروال (التراكسوت) والقمصلة كلها منقوعة. خلعتها جميعا عندما حضروا لي ملابس نسائية كردية، كان علي ان اخرج بعد ساعة لموعد في دار اخرى. وصل ابو نزار فاحضروا له الملابس ليتخلص من ملابسه المبتلة وكذلك حذائه والجواريب. كانوا يكنون مزيدا من الحب والاحترام لابونزار. اما ابوفؤاد واخي ازاد فقد كانا يحتضنان المدفأة يجففان الملابس التي رفضا ان يغيراها. قدموا لنا وجبة العشاء التي كانت الرز والفاصوليا اليابسة، ثم تناولنا الشاي باقداح كبيرة ثم الشاي مع الدارسين وهو عادة يقدم للذين يعانون من البرد والنزلات الصدرية والقشعريرة (وهي وصفة شعبية كردية)، وحين نعمنا بقليل من الراحة والدفء، ذهبنا الى زيارة بيت اخر كنت على الاكثر ارافق ابو فؤاد الا في زيارة ابو فؤاد الثانية لهم اسقوه شاياً ذوبت فيه مادة الثاليوم السامة فاصيب على اثرها بالتسمم، وكاد ان يفارق الحياة لولا نقله الى طهران في ذلك الشتاء البارد للعلاج. انكشفت خيوط العملية حيث اتضح ان احد الاشخاص من بامرني وضع له الثاليوم في الشاي مدفوعا من السلطات الامنية، هذا ما عرفته حينه وهو من بامرني اثناء التحقيق معه فاودع السجن لعدة اشهر. ويبدو ان سوء الطالع رافق ابو فؤاد حتى النهاية، فبعد عودته من طهران اصيب بالكيمياوي في مقر بهدينان واستشهد على الاثر. اما الشخص المرتكب الجريمة فقد اطلق سراحه، وما زلت وآخرين نتساءل حتى هذه اللحظة، لماذا وكيف اطلق سراحه؟ كم اتمنى ان اعرف السبب. كان يمكن ان نكون، انا والرفيق ابو نزار، ضحيتان ايضا، لولا الصدفة، ثم انكشاف تواطأ الشخص مع جلاوزة النظام للتخلص من المناضلين. كنت اتميز غيظاً على البعثيين فوالدتي في غياهب السجون البعثية وقد اقض ذلك مضجعنا انا واخي ازاد، ولكن ما باليد حيلة، فماذا كان بامكاننا ان نفعل؟
في الليلة ذاتها، ووسط عواصف الثلج والبرد والريح العاتية، عدنا الى مقرنا في كلي حصبة، متسلقين الجبل وكانت معاناة الرفيق ابو نزار الشخصية الاثورية المحبوبة ، اشد وطأة بسبب وضعه الصحي. اين انت الآن ايها الرفيق الذي اعتز به؟ لقد عملنا في سوح النضال لسنين طويلة، تجمعنا الذكريات بالرغم من خلافاتنا في العمل احيانا، الا ان صلتنا الرفاقية كانت وثيقة الاواصر، ولا زلت افتخر بها ووفية لذكراها.




#كاترين_ميخائيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاريخ يتكلم الحلقة 44 من هو المثقف العراقي ؟؟؟؟؟؟؟
- التاريخ يتكلم الحلقة 43 - نامي جياع الشعبي نامي حرستك الهة ا ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 42 نحن مكفوفين
- التاريخ يتكلم الحلقة 41 الكيمياوي
- التاريخ يتكلم الحلقة 40 المثقف العراقي ونضال المراة العراقية
- التاريخ يتكلم الحلقة 39 العبور الى سوريا
- التاريخ يتكلم الحلقة 38 الهروب من معسكر ماردين
- التاريخ يتكلم الحلقة 37 المعونات الدولية للاجئين
- التاريخ يتكلم الحلقة37 مخيم ماردين
- التاريخ يتكلم الحلقة34 _ من حياتي
- التاريخ يتكلم الحلقة 33 اين المثقفون العراقيون ؟؟؟؟؟
- التاريخ يتكلم الحلقة 32 اتراك الجبل
- التاريخ يتكلم الحلقة 31 معسكر سلوبيا
- التاريخ يتكلم الحلقة 30 تركيا تستقبلنا لاجئين
- التاريخ يتكلم الحلقة 29 ,الفلاح يودع حيواناته
- التاريخ يتكلم الحلقة 28 ضحايا الانفال على الاراضي التركية
- التاريخ يتكلم الحلقة 27 كاترين على الاراضي التركية
- التاريخ يتكلم الحلقة 26 المراة الكردية تقود المسيرة الى تركي ...
- التاريخ يتكلم الحلقة 25 الانفال في بهدينان
- التاريخ يتكلم الحلقة 24 ام سربست


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كاترين ميخائيل - التاريخ يتكلم الحلقة45 بامرني 1985