أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ع. عيسى بن ضيف الله حداد - نموج عن نظام روما في عصرها















المزيد.....

نموج عن نظام روما في عصرها


ع. عيسى بن ضيف الله حداد

الحوار المتمدن-العدد: 7988 - 2024 / 5 / 25 - 12:44
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


نموذج عن نظام روما في عصرها //
اقبل أن نلج في البعد الثاني عبر المسار نحو الانحدار/ نلقي نظرة على ظاهرة نيرون/ و سنكتفي من مسلسل نيرون هو حريق روما العظيم، لكونه [هذا الحريق] يمثل نيرون بحد ذاته، ويمثل بذات الوقت روما في سيرها نحو الهاوية/ ولعل تلك الرواية تلقي الأضواء على روما كحياة ومجتمع. [ كملخص مستمد من موسوعة المعرفة ]
Ancient graffiti portrait of Nero found at the Domus Tiberiana. أشهر التهم الموجهة له على الإطلاق كانت حريق روما العظيم الشهير سنة 64 م حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمده أسبوع في أنحاء روما ، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر، وبينما النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفى وسط صراخ الضحايا، كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذى خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة. وهلك في هذا الحريق الألاف من سكان روما واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسيين تشير إليه إلى أنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه، وأصبح يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب وكان أمامه اختيار اما اليهود أو المسيحية الحديثة في روما، ولكن كان اليهود تحت حماية بوبيا سبينا إحدى زوجات نيرون، فألصق التهمة بالمسيحيين، وبدأ يلهى الشعب في القبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في الستاديوم وفى جميع انحاء الإمبراطورية حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين، وسيق افواج من المسيحيين لإشباع رغية الجماهير في رؤية الدماء، وعاش المسيحيين في سراديب تحت الأرض وفى الكهوف ما زالت كنائسهم وامواتهم إلى الآن يزورها السياح .
وكان، وهو كما يزعم إله وفنان، يضايقه ما في القصور التي ورثها من عيوب، ولذلك صمم بناء قصر جديد لنفسه. ولكن تل البلاتين كان مزدحماً بالقصور وكان في أسفله المضمار الأكبر من ناحية، والسوق الكبرى من ناحية أخرى، والأكواخ القذرة الحقيرة من بقية النواحي، وكان يحزنه أن يرى رومة قد نشأت على غير نظام موضوع، بدل أن تخطط تخطيطاً علمياً كالإسكندرية وأنطاكية، ولذلك كان يحلم بأن يعيد بناءها من جديد، وأن يكون هو منشئها الثاني، وأن يسميها نيروبوليس / مدينة نيرون..
وحدث في اليوم الثامن عشر من شهر أيلول 64 أن شبت النار في المضمار الأكبر، وانتشرت سريعاً، وظلت مشتعلة تسعة أيام حتى التهمت ثلثي المدينة، وكان نيرون غائباً في أنتيوم Antium حين شبت النار، فلما وصله النبأ أسرع بالعودة إلى رومة فبلغها في الوقت الذي استطاع فيه أن يرى القصور القائمة على تل البلاتين تلتهمها النيران. وكان البناء المعروف بالدومس ترنستوريا (بيت المرور) الذي أقامه منذ زمن قريب ليربط به قصره بحديقة ماسيناس، وكان هذا البناء من أوائل ما تتهدم من الأبنية. ونجت أبنية السوق والكبتول من الحريق كما نجت أيضاً الأحياء الواقعة في شرقي نهر التيبر. أما سائر أجزاء المدينة، فقد دُمر فيها ما لا يُحصى من البيوت والهياكل والمخطوطات النفيسة والتحف الفنية. وهلك آلاف من السكان بين أنقاض المباني المتهدمة في الشوارع المزدحمة، وهام مئات الآلاف على وجوههم في الطرقات أثناء الليل لا يجدون لهم مأوى يبيتون فيهِ وقد ذهب الرعب بعقولهم، وهم يستمعون إلى الشائعات القائلة بأن نيرون هو الذي أمر بإشعال النار في المدينة، وأنه ينشر المواد الحارقة فيها ليجدد ما خبا منها، وبأنه يرقبها من برج ماسيناس وهو ينشد على نغمة القيثارة ما كتبه من الشعر عن نهب طروادة. وقد قام بجهود كبيرة في قيادة المحاولات التي بذلت لحصر النيران أو التغلب عليها، وإغاثة المنكوبين، وأمر بأن تُفتح جميع أبواب المباني العامة والحدائق الإمبراطورية ليلجأ إليها المعدمون، وأقام مدينة من الخيام في ميدان المريخ، وأمر بالاستيلاء على الطعام من الإقليم المجاور للمدينة، ووضع الخطط الكفيلة بإطعام الأهلين(80). وصبر على ما ووجه إليه الشعب الهائج الحانق من تهم وطعون. ويقول تاكيتوس/ وهو الرجل الذي يجب ألا ننسى قط تحيزه لأعضاء مجلس الشيوخ/ إنه أخذ يتلفت حوله ليجد من يستطيع أن يلقي عليه التهمة حتى وجده لدى المسيحيين:
ولجأ نيرون إلى أساليبه المعهود في الحيل، فعثر على جماعة من الفخار والسفلة الأراذل، وأغراهم بمختلف الوسائل على أن يعترفوا بأنهم هم مرتكبو الجريمة النكراء؛ وبناء على اعتراف أولئك السفلة أدين عدد من المسيحيين، ولم يصدر الحكم عليهم على أدلة واضحة تثبت أنهم هم الذين أشعلوا النار في المدينة، بل أدينوا لأنهم يكرهون الجنس البشري كله. واستخدمت في إعدامهم أفانين من القسوة المتناهية، ولم يكتف نيرون بتعذيبهم، بل أضاف إلى هذا التعذيب السخرية منهم والازدراء بهم، فألبس بعضهم جلود الوحوش وتركوا تلتهمهم الكلاب، وسمر غيرهم في الصلبان، ودفن الكثيرون منهم أحياء، ودهنت أجسام البعض الآخر بالمواد الملتهبة وأشعلت فيها النيران، ولتكون مشاعل في الليل.. وفي آخر الأمر أفعمت هذه الوحشية قلوب الناس جميعاً رأفة ورحمة، ورقت هذه القلوب أسى على المسيحيين(81)." تاكيتوس. ولما أزيلت الأنقاض أخذ نيرون يعيد بناء المدينة كما صورتها له أحلامه والغبطة بادية في أسارير وجهه. وطلب إلى كل مدينة في الإمبراطورية أن تقدم معونتها لها الغرض، أو أرغمت على تقديم هذه المعونة، واستطاع الذين دمرت بيوتهم أن يبينوا لهم بيوتاً جديدة بعد أن أمدهم بالمال المتجمع من هذه المعونة. وشقت الشوارع الجديدة مستقيمة متسعة، وشيدت واجهات المنازل الجديدة وطبقاتها الأولى من الحجارة، وجعلت بينها وبين غيرها من المباني المجاورة لها فواصل تمنع انتشار النار من بناء إلى آخر. وشقت تحت الأرض مجار تنساب فبها مياه العيون السفلى إلى خزان يحتفظ فيه بالماء ليُستعان به على إطفاء النار في المستقبل. وشاد نيرون من أموال الخزانة الإمبراطورية عقوداً ذات عمد على جانبي الشوارع الرئيسية في المدينة، لتكون مداخل مسقوفة ظليلة لآلاف من البيوت. وأسف المولعون بالقديم، كما أسف الشيوخ المسنون، على ما كان في المدينة القديمة من مناظر جميلة خلع عليها الدهر هالة من الرواء والتقديس ، ولكنهم لم يلبثوا أن أجمعوا على أن رومة جديدة قد خرجت من بين اللهب أصح وآمن وأجمل من رومة القديمة.
ولو أن نيرون أعاد تنظيم حياته كما أعاد تنظيم عاصمته لغفر له الناس جرائمه، ولكن بوبيا ماتت في عام 65 في الأيام الأخيرة من حملها، ويقال إنها ماتت من ركلة في بطنها. وراجت بين الناس شائعة فحواها أن هذه الركلة كانت عقاباً لها على عودتها متأخرة من السباق(82) وخزن نيرون حزناً شديداً على موتها، لأنه كان ينتظر على أحر من الجمر وجود وارث له من صلبهِ، وأمر أن تحنط جثتها بالأفاوية النادرة وتدفن بموكب مهيب وأبنها بنفسه. ثم عثر على شاب يدعى أسبورس Sporus عظيم الشبه ببوبيا، فأمر بخصيه، وتزوجه في احتفال رسمي و "استعمله في كل شيء كما تستعمل النساء"، وقال في ذلك أحد المتفكهين إنه يتمنى لو أن والد نيرون قد عثر على مثل هذه الزوجة (83). وشرع في السنة نفسها يشيد بيته الذهبي، وكان إسرافه في زينته، كما كانت تكاليفه الباهظة ومساحته الواسعة- فقد أقيم على رقعة من الأرض كانت تشغلها من قبل آلاف من بيوت الفقراء-كان هذا كله سبباً في إثارة سخط الأشراف عليه وارتياب العامة فيه من جديد.
وأقبل جواسيس نيرون فجاءة يبلغونه نبأ مؤامرة واسعة النطاق تهدف إلى إجلاس كالپرنيوس پيزو Calpurnius Piso على العرش (65)؛ وقبض صنائعه على عدد من الشخصيات غير الكبيرة متهمين بتدبير المؤامرة، وانتزعوا منهم بالتهديد تارة وبالتعذيب تارة أخرى اعترافات تدين، بين من تدين من الشخصيات المعروفة، الشاعر لوكان Lucan والفيلسوف سنكا Seneca، وتكشف الخطة التي كان يرمي إليها الإمبراطور وأعوانه شيئاً فشيئاً. وبلغ انتقام نيرون درجة من الوحشية لم يسع رومة معها إلا أن تصدق ما شاع وقتئذ من أنه أقسم ليبيدن طبقة الشيوخ عن آخرها. ولما تلقى سنكا الأمر بأن يقتل نفسه شرع يجادل ساعة من الزمن ثم أطاع، وقطع بعض أوردته ومات وهو ينشد أبياتاً من شعره. وأغرى تجلينس Tigellinus بالمال عبداً من عبيد پترونيوس Petronius فتقدم بالشهادة على سيده، لأن تجلينس كان يحسد هذا الرجل الأبيقوري على منزلته عند نيرون فأغراه بقتله. ومات بترونيوس ميتة بطيئة بأن قطع أوردته ثم سدها، وأحذ يتحدث مع أصدقائه حديثاً لطيفاً كمألوف عادته، ويقرأ لهم أبياتاً من شعره. ثم تنزه وأغفى بعض الوقت وفتح أوردته مرة أخرى وفارق الحياة في هدوء واطمئنان(84). وأدين ثراسبابيتس زعيم الداعين إلى الفلسفة الرواقية في مجلس الشيوخ، ولم تكن التهمة التي وجهت إليه أنه اشترك في المؤامرة، بل كانت تهمة عامة يمكن أن توجه إلى أي انسان وهي حماسته للإمبراطور، وعدم استمتاعه بغنائه وتأليفه كتاباً في حياة كاتو أثنى عليه فيه. واكتفى بنفي هلفيديوس برسكس Helvidius Priseus زوج ابنته، ولكن رجلين آخرين أعدما لأنهما متبا يمتدحان پرسكس وصهره. ونفى موسونيوس روفس Musonius Rufus أحد الفلاسفة الرواقيين وكاسيوس لونگينوس Cassius Longinus أحد علماء القانون، وحكم على أخوين لسنكا وهما أنيوس ميلا Annaeus Melaوالد لوكان وأنيوس نوفاتس Annaeus Novatus-وهو جليو Callio الذي أطلق سراح القديس بولس في أثينة - هذان حكم عليهما بأن ينتحرا.
وبعد أن طهر نيرون مؤخرته على هذا النحو سافر في عام 66 ليتبارى في
الألعاب الأولمبية ويطوف ببلاد اليونان في رحلة موسيقية، لأن "اليونان" على حد قوله "هم الشعب الوحيد الذي له آذان موسيقية "(85). واشترك في أولمبيا في سباق العربات واساق فيها بنفسه مركبة ذات عجلتين تجرها أربعة جياد في صف واحد أفقي مستعرض Quardriga وسقط من العربة في حلبة السباق وكاد يقضي عليه، ولما أعيد إلى العربة واصل السباق وقتاً ما، كله انقطع عنه قبل نهاية الشوط. وكان المحكمون يفرقون بين الإمبراطور والرجل الرياضي، فقدموا له تاج النصر. وتملكته نشوة الفرح حين رأى الجماهير تصفق له طرباً فأعلن من فوره أن بلاد اليونان كلها لا أثينة وإسبارطة وحدهما ستكون من تلك الساعة حرة طليقة- أي أنها لن تعطي الجزية لرومة. وكان جواب المدن اليونانية على هذا الكرم أن أقامت الألعاب الأولمبية والبيثية Pyth an والنيميائية Nemean والبرزخية Ishmian أفام واحد. ورد هو على ذلك بأن اشترك فيها جميعها مغنياً، وعازفاً، وممثلاً، ومتبارياً في الألعاب الرياضية. وقد حرص أشد الحرص على إطاعة قوانين المباريات، وكان شديد المجاملة لمنافسيه، ومنحهم حق المواطنية الرومانية تعزية لهم على تفوقه عليهم جميعاً. وتلقى في أثناء رحلته أنباء بأن الثورة شبت نارها في بلاد اليهود، وأن لهيبها اندلع في الغرب كله. وكان كل ما فعله أن تنهد وتحسر ثم واصل رحلته. ومن أقوال سوتنيوس في التعليق على هذه الرحلة أنه كان إذا غنى في ملهى " لا يسمح لأحد بالخروج منه، ولو كان ذلك لعذر شيد يحتم عليه الخروج؛ وكان من نتائج ذلك أن ولدت بعض النساء وهن في الملهى، وأن تظاهر بعض الرجال بالموت حتى يحملوا إلى الخارج "(86). ولما جاء إلى مضيق كورنثة أمر أن يبدأ العمل في شق قناة ي هذا المضيق كما كان قيصر ينوي أن يشقها؛ وبدئ العمل فعلاً، ولكنه وقف في أثناء الاضطراب الذي حدث في العام الثاني. وارتاع نيرون أنباء الفتن والمؤامرات فعاد إلى رومة (67) ودخلها في موكب رسمي، وعرض في هذا الموكب غنائم نصره، وهي الجوائز التي ظفر بها في بلاد اليونان والبالغ عددها 1808 جائزة. وكانت المآسي جادة مسرعة في أعقاب هذه المهازل. ومن ذلك أن يوليوس فندكس Julius Vindex حاكم ليون الغالي أعلن استقلال بلاد الغال في شهر مارس من عام 268، ولما عرض نيرون جائزة قدرها 2.500.000 سسترس لمن يأتيه برأسه أجاب فندكس عن هذا القول: " أن من يأتيني برأس نيرون سيأخذ في مقابل ذلك رأسي" (87). وأخذ نيرون يعد العدة لملاقاة هذا العدو الشديد البأس في الميدان، وكان أول ما عني به أن اختار العربات لينقل عليها آلاته الموسيقية وأدوات المسرح (88). وبينما هو يعد العدة إذ جاءته الأنباء في شهر إبريل بأن جلبا Gelba قائد الجيش الروماني في أسبانيا أنضم إلى فندكس في ثورته، وأنه يزحف على رومة. وسمع مجلس الشيوخ أن الحرس البريتوري يتأهب للخروج على الإمبراطور طمعاً فيما يناله رجاله من أجور عالية، فنادى بجلبا إمبراطوراً. فما كان من نيرون إلا أن وضع بعض السم في صندوق صغير، وبعد أن تسلح بهذا السلاح الفتاك من بيته الذهبي إلى الحدائق السرفيلية الواقعة في طريق أستيا. وطلب قبل فراره إلى من كان في القصر من الضباط أن يرافقوه، فرفضوا جميعاُ طلبه، وأنشد له أحدهم بيتاً من شعر فرجيل يقول فيهِ: "وهل من الصعب على الإنسان إذن أن يموت؟ ". ولم يكن في مقدوره أن يصدق أن قد فارقه فجاءه ذلك السلطان القاهر الذي كان سبباً في القضاء عليهِ، فأخذ يرسل النداء تلو النداء إلى الكثيرين من أصدقائه يطلب إليهم النجدة، ولكن أحداً منهم لم يرد على رسالة من رسائله، فذهب إلى نهر التيبر يريد أن يغرق نفسه فيه. حتى إذا بلغه خارت قواه، وعرض عليه فاؤون أحد معاتيقه أن يخفيهِ في بيته القائم على طريق سلاريا، ورحب نيرون بهذا الاقتراح، واجتاز في ظلال الليل على ظهر جواد أربعة أميال من وسط المدينة إلى بيت فاؤون. وقضى تلك الليلة في مخزن الطعام، وعليه جلباب قذر، يتلوى من الجوع، ولم يطف بجفنه النوم، ترتعد فرائصه فرقاً في كل صوت يقع على أذنيهِ. وجاء رسول فارون يبلغه أن مجلس الشيوخ قد نادى بأن نيرون عدو الشعب وأمر بالقبض عليهِ، وقرر أن يعاقب "حسب السنة القديمة ". وسأل نيرون عن ماهية تلك السنة فقيل له: " إن الرجل المذنب يجرد من ثيابهِ، ويصلب جسمه في عمود بمسمار ذي شعب يُدق في عنقهِ، ثم يُضرب حتى يقضي نحبه. وارتاع من هول هذا العقاب، فحاول أن يطعن نفسه طعنة تقضي عليهِ، ولكنه أخطأ إذ جرب سنان الخنجر اولاً ووجده حاداً لا يطيقه فنادى قائلاً: " أي فنانا يموت موتي!".
وسمع في مطلع الفجر وقع حوافر الخيل، فأدرك أن جنود مجلس الشيوخ قد أدركوه، فأنشد بيتاً من الشعر يقول: " استمعوا؛ ها هي ذي أصوات الساعين إلي َّ تقع على أذني"- ثم طعن نفسه بخنجر في حلقه، ولكن يده اضطربت ووهنت فأعانه إبثروديتس أحد معاتيقه على أن يدفع سن الخنجر إلى نهايته. وكان قد طلب إلى من حوله قبل موتهِ أن يحولوا دون تشويه جسمه، وأجابهم رجال جلبا إلى ما طلبوا. وقامت مربياته العجائز وأكتى عشيقته السابقة بدفن جثته في قباب القصر دومتيوس (68) وابتهج كثيرون من العامة بموتهِ، واخذوا يطوفون بأحياء رومة وعلى رؤوسهم قلانس الحرية. ولكن الذين حزنوا كانوا أكثر منهم لأن سخاءه على الفقراء لم يكن يقل عن قسوته الشديدة على العظماء، وأصغوا إلى ما أشيع وقتئذ من أنه لم يمت بـحق، بل إنه يقاتل أعداءه في طريق رومة، ولما أن رضوا آخر الأمر بأن يصدقوا نبأ موته، ظلوا شهوراً كثيرة يحجون إلى قبرهِ وينثرون الأزهار أمامه/89.
ولعل هذا المجرى بحذافيره أتى كبداية أو كرمز ينبئ لمسار تدهور روما نحو المجهول.. [ والقول لي ]



#ع._عيسى_بن_ضيف_الله_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ما حقيقة -الوقفة التكتيكية- للقتال في غزة التي أعلنها الجيش ...
- شاهد: قوات الأمن الروسية تحرر رهائن وتقتل محتجزيهم في مركز ا ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر رغم -الهدنة التكتيكية- وبايدن يرسل ...
- شاهد: الشرطة الألمانية تطلق النار على رجل هدد عناصرها بفأس و ...
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 6 مسيرات في 3 مقاطعات
- غروسي: واشنطن تدرك أن حظر استيراد اليورانيوم الروسي غير واقع ...
- الولايات المتحدة و-القمع- من أجل الحرب!
- حادث تصادم بين قطاري ركاب وبضائع في الهند (فيديوهات)
- -واشنطن بوست- تكشف عدد السجناء الذين يخدمون حاليا بالجيش الأ ...
- دعوة صينية للعالم للتحرك معا دفاعا عن حقوقه في وجه القيود ال ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ع. عيسى بن ضيف الله حداد - نموج عن نظام روما في عصرها