أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى مانا محاضر - آليات الخطب المنبرية وأثرها في تكوين الخطيب فن الالقاء وهز الشعور تحت اشراف البروفسور أمينو محمد















المزيد.....



آليات الخطب المنبرية وأثرها في تكوين الخطيب فن الالقاء وهز الشعور تحت اشراف البروفسور أمينو محمد


عيسى مانا محاضر

الحوار المتمدن-العدد: 7974 - 2024 / 5 / 11 - 14:13
المحور: الادب والفن
    


SUMMARY
The searcher talked about conversation on the stage discourse mechanism and its impact on the searcher’s composition. Thereby, he started by presnting the acquiered qualities of a preacher through studying, flexibility and innate talent. He focussed on many things such as the holy book, a visionary’s eloquent discourse, contemplative oratory in terms of influence and secret of good expression. The preacher needs methods and different styles of one sense in order to reach the audience. Impact of sentence, one’s ozn ideas, conscience, ear aare active, lessons are widened and hearts are opened. The preacher is obliged to avoid wading into void. In conclusion, prestige is lost, what stop benefits of acceptance, in this case the preacher would take elements on the sources of islam, pedagogic social and cultural writing.
Key words : preacher attribute, sermon source, art of speech, elements of sermon.
الملخص: تكمن أهمية البحث في تحقيق غرضين أساسيين وهما: الاول" تجسيد آليات الخطب المنبرية وأثرها في تكوين الخطيب، والثاني: إبراز مدى تأثير فن الإلقاء لدى مشاعر المستمعين. وتهدف الورقة البحثية: إلى ابراز آليات الخطب المنبرية بصورة فنية موجزة ومختصرة ، وقد واتبع الباحث: المنهج التحليلي الوصفي في دراسته لهذا الموضوع، و أخيرا تركزت الدراسة في تناولها للمحاور الرئيسية الآتية: صفات الخطيب وتشعب الخطابة الوعظية وعناصر بناء الخطب المنبرية والخصائص التي ينبغي أن تشتمل عليها الخطبة ثم خلاصة تشتمل على نتائج وتوصيات.
الكلمات الأساسية: أليات ــــ الخطب المنبرية ـــــ الأثر ـــ فن الإلقاء ـــــ الشعور.
أ: المقدمة: يبدوا آليات الخطب المنبرية وتكوينها للخطيب لها أثرها في المجتمع العربي والإسلامي وغرس المعتقدات والمبادئ الأخلاقية، ولها دورها الحضاري للأمة الإسلامية في ترسيخ في وجدانها، وذالك لارتباطها بواقع الأمة المجتمعات أكثر، وتبرز آليات الخطب المنبرية وتكوينها للخطيب للاعتناء بالخصوصية الحضارية للأمة الإسلامية، وتكوين المجتمع على عقيدة صحيحة ومنهج قوي ومتين، متربيا تربية أخلاقية بعيدة عن شوائب أفكار الهدامة وتعظيم قيم الأخوة الإنسانية تتمثل في التعايش بين الأجناس البشرية، والتعريف بقيم لإسلام والصفات الحميدة التي كثيرا ما ينالها الخطيب بالدراسة والمرانة والموهبة الفطرية ويتركز في عدة مسارات منها: علوم القرآن والسنة النبوية أوالإكثار من الاطلاع على الكلام البليغ والنظر في أقوال البلغاء متأملا في مناحي التأثير وأسرار البلاغة متذوقا جمال الأسلوب وحسن التعبير، فالخطيب يحتاج إلى عبارات وأساليب متنوعة للمعنى الواحد ليتمكن من إيصال المعنى لطبقات السامعين، فيلقي جملا تثير خيال النفس، وتهز مشاعر الوجدان، فتنشط الأسماع وتشرئب الأعناق وتتفتح القلوب للعبارات المحكمة والمعاني المتقنة، وينبغي للخطيب تجنب الخوض فيما لا يعلم فإن هذا موقع في الارتباك والحديث غير المفهوم، فتضيع الهيبة والوقار وهو مما يمنع الاستفادة والقبول، يتم إعداد عبر جمع عناصرها من المصادر والمراجع
ب: منهج الدراسة : اعتمدت الدراسة الحالية على المنهج التحليلي الوصفي ، وشملت الدراسة بالتحليل التدقيق للعناوين لها صلة بالموضوع ومع ذكر المصادر والمراجع الهامة التي ارتكز عليها البحث مع وصف االمميززات الفنية التي تتسم بها الآليات لفن الخطابة في هذا العصر المعاصر.
أولا: صفات الخطيب: الخطيب كغيره من المربين والموجهين (يحتاج إلى عقل راجح يقوده إلى البحث المركز، والملاحظة الدقيقة، وحسن المقارنة، والمعرفة بطبائع الأشياء، وسلامة الاستنتاج، مع يقظة حية وبديهة نيرة يضم إلى ذلك الجرأة والشجاعة والثقة بالنفس ورباطة الجأش وهذه الصفات تتوثق مع قوة التكوين العلمي وجودة التحضير وطول الخبرة1
من صفات الخطيب: الصفات المكتسبة وهي صفات ينالها الخطيب بالدراسة والمران والدربة ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي: 1 - القراءة والاطلاع والتحصيل الكافي من العلم: لا بد للخطيب صاحب الموهبة الفطرية من تهذيب فطرته وصقلها بالعلم والدراسة ويتركز ذلك في عدة مسارات: (أ) علوم القرآن والسنة: وهذا هو لب بضاعته، والسبيل إلى تحقيق عنايته، ينضم إلى ذلك إلمام بالسيرة وتاريخ الأمة وأئمتها ودراية بأحكام الشريعة، وقد تحسن العناية بأنواع من العلوم التي تفيد في معرفة أحوال الأمم وسنن الله في التغيير كالعلم بمناشئ الأمم ومراحل التاريخ وعلم الأخلاق والنفس والاجتماع.
1..صالح بن عبد الله بن حميد، منهج في إعداد خطبة الجمعة، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ـ ص 31
(ب) الإكثار من الاطلاع على الكلام البليغ والنظر في أقوال البلغاء متأملا في مناحي التأثير وأسرار البلاغة متذوقا جمال الأسلوب وحسن التعبير، فهذا مما يشحذ القريحة ويذكي الفطنة. (ج) تحصيل ثروة كثيرة من الألفاظ والأساليب، فالخطيب يحتاج إلى عبارات وأساليب متنوعة للمعنى الواحد ليتمكن من إيصال المعنى لطبقات السامعين ورفع السآمة عن نفوسهم، ولا يخدمه في ذلك إلا ثَرَّة لغوية ثرة من أجل أن يأخذ بنواصي البيان، فيلقي جملا تثير خيال النفس، وتهز مشاعر الوجدان، فتنشط الأسماع وتشرئب الأعناق وتتفتح القلوب للعبارات المحكمة والمعاني المتقنة، وبهذا ينطلق اللسان، ويظهر البيان، وتتشنف الأسماع. 2 - الدربة والمران: الخطابة ملكة لا تتكون في دفعة واحدة بل إنها معاناة وممارسة ومران، وإذا كانت الخطابة فكرة وأسلوبا وإلقاء محكما فإن المران ينبغي أن ينتظمها كلها. وفي باب الأسلوب -كما سبق- الإحاطة بالقول البليغ وحفظ كثير من عيونه وحسن استخدامها. أما الإلقاء -فكما سبق أيضا- يجمل بالخطيب إجادة الدقة في مخارج الحروف وحسن أدائها بترسل وتخير نبرات الصوت الملائمة انخفاضا وارتفاعا غير هياب ولا وجل)1 إضافات هذه أساسيات التحصيل العلمي والدربة وهناك ملاحظات متعلقة بها يحسن بالخطيب رعايتها، منها: تجنب الخوض فيما لا يعلم: على الخطيب الابتعاد عن الخوض فيما لا يعلم فإن هذا موقع في الارتباك والحديث غير المفهوم، فتضيع الهيبة والوقار ويصبح محل التندر مما يمنع الاستفادة والقبول وينفر الجمهور.
مخاطبة الناس بما يعرفون: من الخطأ وقلة الفقه في خطاب الناس الخوض في دقائق العلوم والمعارف، وتفاصيل المباحث إثباتا أو نفيا ونقاشا علميا والغوص في الخلافات العلمية والفقهية مما مجاله حلق العلم وقاعات الدراسة، ناهيك بمن يخوض في العلوم التجريبية والعلوم البحتة من طب وتشريح وفلك وجيولوجيا ودقائق خلق الإنسان والحيوان ومكونات الأرض والصخور مما لا تدركه فهوم عموم المستمعين فهذا يمنع الفائدة ويُجَرِّئ على الاستهانة بالخطيب وموضوعه. مراعاة مقتضى الحال وأحوال السامعين: لكل مقام مقال، ولكل جماعة لسان، فالحديث إلى العلماء غير الحديث إلى الأغنياء، والحديث إلى العامة غير الحديث إلى العلية، وخطاب الأميين غير خطاب المثقفين، والكلام في حالات الأمن يختلف عنه في حالات الخوف، وقل مثل ذلك في اختلاف الظروف وتقلبات الأحوال من غنى وفقر وصحة ومرض ورخاء وجدب، ومخاطبة الثائرين غير مخاطبة الفاترين، فالثائر يقمع والفاتر يستثار2 والمتكلم المجيد يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار السامعين وأقدار الأحوال، فيجعل لكل طبقة كلاما ولكل حال مقاما، فيقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني وأقدار المعاني على أقدار المقامات، ناهيك بمراعاة الفروق بين خطاب أهل القرية النائية والمدينة المكتظة فصخب المدينة وأحداثها غير عزلة القرية ومحدوديتها3
مصادر الخطبة: مصادر الخطبة يتم إعداد الخطب المنبرية وجمع عناصرها من المصادر والمراجع الإسلامية، والكتابات الاجتماعية والتربوية والثقافية، وإليك استعراض إجمالي لبعض هذه المصادر وكيفية الاستفادة منها: 1 - القرآن الكريم وتفسيره: ويمكن أن تكون الاستفادة في تقديري على طريقين:
أحدهما: باستعراض النصوص القرآنية وجمعها وحسن ترتيبها، وهذا يكون في موضوعات الخطب التي عرض لها القرآن بتفصيل واسع، كالإيمان والتوحيد والتقوى وأحوال القيامة
2..صالح بن عبد الله بن حميد، منهج في إعداد خطبة الجمعة، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ـ ص 31
3. نفس المرجع، ص 31
واليوم الآخر والجنة والنار وقصص الأنبياء وأشباه ذلك، فجمع الآيات واستعراضها يعطي تكاملا وشمولا وبيانا لدى السامع، قد لا يدركه لو قرأ الآيات في مواضعها من المصحف. ويتبع الجمع الاطلاع على تفسير هذه الآيات ألفاظا وإجمالا، ومن ثم الربط بين هذه الآيات، ومن المعلوم أن حسن الربط يعطي مزيد إيضاح وبيان حتى كأن السامع لم يقرأ الآيات من قبل. ثانيهما: إذا كان موضوع الخطبة مما لم يرد تفصيله في القرآن الكريم ولكن ليستدل له بآيات من القرآن، فهذه يفيد فيها استعراض المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ليكون الاستيعاب أتم وأوفى، فاللفظة ترد في القرآن الكريم على وجوه وتصريفات متعددة، ومن المفيد جدا استعراض هذه الوجوه وتدقيق النظر فيها وربطها بنظائرها، ومراجعة أقوال أهل العلم من المفسرين وغيرهم، ولسوف يجد الخطيب إشارات قرآنية بليغة وفهوما للعلماء دقيقة وأسرارا من المعاني عميقة تجعل خطبته تحتل مكانا مرموقا لدى سامعيه ومتابعيه. وغني عن البيان أن كتب التفسير تتنوع في تناولها وطرائق تفسيرها، فمنها ما يهتم بالمأثور ومنها ما يعتني بالرأي وفيها اللغوي والإجمالي وغير ذلك من أنواع التفسير في كتب التفسير قديمه وحديثه5
ثانيا: تشعب الخطابة الوعظية : الوعظ الديني هو الأمر بالمعروف في الدين والنهي عن المنكر فيه، وقد أجمعت عليه الشرائع، وهو القطب الأعظم في الدين، والأدلة على لزوم الأمر بالمعروف، والنهي عن المذكر كثيرة في الشريعة الإسلامية؛ حتى لقد عُدَّتْ -بحق- شريعة التواصي بالحق، والتناهي عن المنكر.
5صالح بن عبد الله بن حميد، منهج في إعداد خطبة الجمعة، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ـ ص ، ص 31
تتشعب الخطابة الوعظية إلى أربع شعب وهي: خطب الدعوة إلى الإسلام أو الدفاع عنه: يجب على من يتصدى لهذا النوع من الوعظ أن يكون مرنا على الجدل، قوى الحجة، ناهض الدليل، خبيرا بشئون الجماعات ملما بالملل والنحل والعقائد القديمة والحديثة؛ ليستطيع الموازنة بين صحيح العقائد وسقيمها، وحقها وأكلمها، فإذا دعا أو جادل كان على بينة من أمره، وعند دعاية قوم إلى الإسلام يبين لهم من مبادئه ما يكون أحب لقلوبهم، والإسلام غني بالمبادئ التى تألفها الجماعات وتحبها؛ إذ هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، ففيه مبادئ الحرية، وفيه مبادئ الشورى، وفيه مبادئ المساواة، وفيه مبادئ التعاون، وفيه مبادئ السلام، وفيه مبادئ الرحمة والعطف الإنساني، وكل جماعة ترضى ذلك وتألفه، فليقتبس الداعي إلى الإسلام قبسة من ذلك النور يتخذ منها مصباح دعوته؛ ليستضيء به في دياجير الضلال، وإذا آنس الداعي ممن يدعوهم إلفا ورغبة في التعرف بعد ذلك، بين لهم حقائق الإسلام كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وعرفهم أسرارها وحكمها وصلاحها، وتاريخ الذين أقاموها. وإذا اعترض معترض على الإسلام فهاجمه في إحدى شرائعه أو مبادئه، وأراد الواعظ أن يرد عليه اعتصم بالمنطق في أشكاله وأقيسته فإنها هي التي تبين ما في الكلام من باطل، وعليه أن يوازن بين الإسلام وبين غيره من العقائد وخصوصا عقيدة الشخص الذي يدعوه أو يناقشه، وليكن ذكر الواعظ لما يعتقد غيره من غير سب، ولا لعن، حتى لا يحنق خصمه، فيندفع في الطعن في الإسلام، وتنتقل المجادلة من مناقشة عقلية إلى سب للعقائد ومعتنقيها، وفي هذه الخطب الجدلية التي تشتمل على دعوى إلى الهداية المحمدية يتحرى الخطيب أن يتكلم بلغة من يدعمهم؛ ليستطيع أن يضع أفكاره في الألفاظ التى تدل عليها دلالة محكمة من غير احتمال لغيرها؛ ولتكن عباراته واضحة القصد بينة المقصد؛ لا التباس ولا غموض ولا إبهام، ولتكن بأسلوب رائق جذاب، وألفاظ تثير الخيال وتجتذب النفس6
1..عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ص 26
ب- خطب التعليم الديني للعامة:
هذا النوع من الخطب دروس دينية يلقيها الواعظ على العامة، يعرفهم فيها أصول دينهم والأحكام الشرعية العملية التي يدعو إليها،
الخطابة في صدر الإسلام: إن الإسلام نهضة عامة شاملة، لم يعهد لها من قبل في العالم مثيل، وكانت الخطابة عماد هذه النهضة وأداة فعالة من أدواتها، وكانت هذه النهضة دينية في روحها وأساسها، والدين فيض من النور الإلهي والرحمة الربانية، يمتد من السماء إلى الأرض، يضيء ظلماتها، ويبدد غياهب الجهالة فيها، ويؤدي رسالته الأولى في إصلاح المجتمع البشري، وتحقيق أسباب السعادة له في حياته، وليس الإسلام دين جمود، فيقف عند المطالب الأخروية، بل جاوزها إلى تحقيق المصالح الدنيوية فكان لا بد له من أن يتعرض لكل ما به صلاح أمور البشرية، في العقيدة والتشريع والمعاملات والحكم والسياسة والاجتماع والأخلاق والفكر، ولم يدع مجتمعا إلا حض عليه، وأقام من شأنه، وطلب فيه من القول ما هو ضروري له، كخطبة الجمعة والعيدين وموقف عرفات وغيرها، ولذلك كان صاحب هذه الدعوة يمثل الإمام الهادي، والفيلسوف المشرع، والحاكم العادل، والزعيم السياسي، والقائد الحربي، والمصلح الاجتماعي، والرائد الفكري، وكذلك كان خلفاؤه من بعده.
وقد جالت خطابة هذا العصر في هذه الميادين جميعا، وإن كانت وجهتها الرئيسية وجهة دينية، وكان غرضها الأساس إقامة عمود الدين، ورفع منار الإسلام، فكانت هناك خطب دينية، شملت العقائد والدعوة إلى الإسلام، والتشريع بما فيه من تبين الحدود وإقامة معالم الحلال والحرام، والوعظ والإرشاد بما فيه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحث على مكارم الأخلاق، وتبشير وإنذار7
7.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ، ص 31
الطابع العام للخطابة في صدر الإسلام:
1- ظهور الطابع الديني: من دعوة إلى الإسلام، ودفاع عنه، وبيان للعقائد، كوجود الله ووحدانيته وقدرته وخلقه الكائنات، والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وسائر الغيبيات، وسن الشرائع والأحكام المفيدة للناس، المنظمة للحياة الشخصية وللمعاملات بين الناس، المبينة للفرائض، الموضحة للحلال والحرام، ووعظ للعامة، وحث لهم على التزام حدود الشرع الحنيف، وقصص فيه عبرة وزجر. 2- اختيار خطب ذات أهداف إنسانية عامة، وغايات كريمة سامية، من تحرير النفوس والعقول والأرواح . من قيود الشرك والضلالة، وإخراجها من ظلمات الوثنية والجهالة. 3- اتساع مجال الخطابة الاجتماعية، فقد أخذت دائرتها تتسع، وتتجه في نواحي الحياة العامة وجهات مختلفة نافعة، وتعرضت من التعاليم والآداب والشئون العامة إلى ما لا غنى عنه للناس في مجتمع يتحضر. 4- اتساع دائرة الخطابة، والخروج بها إلى مجال التعبير عن الأغراض السامية والفكر الراقي، في الكون وقيامه، والوجود ونظامه، والمجتمع وعوامل بقائه وارتقائه، وما ينبغي أن يقوم عليه من أسباب، ويسوده من آداب، والبعد بها عن الإسفاف بالانحصار في مطالب العيش الرخيصة، فكان انقلابا كبيرا أن ترتفع الخطابة لتعبر عن الحياة الإنسانية في صراعها الأدبي والعقلي والعاطفي المحتدم حول المبادئ والمعتقدات والآراء، ولا تسف لتصور الحياة الحيوانية، في صراعها الدموي حول لقمة العيش وتنازع البقاء، وإن تسعى سعيها؛ ليقوم الحق والخير والبر والفضيلة مقام الباطل والشر والإثم والرذيلة8
8.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ص 32
1.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ص 32
خطابة الرسول صلى الله عليه وسلم: إن محمدا -صلى الله عليه وسلم- قبل كل شيء جاء؛ ليبلغ رسالات ربه، فمهمته الأولى هي الرسالة والتبليغ، وما هذه المهام الكثيرة التي تولاها إلا فروع لتلك المهمة الكبرى، ومعينة عليها، نبتت على حواشيها، ونشأت في خدمتها، والرسالة والتبليغ لا يتم إلا ببلاغة وبيان؛ لأن البلاغ والتبليغ إيصال الكلام للسامعين على أحسن صورة، وبما به يكون الإفهام وإلإقناع، فلكل كلام وزن، وكل قول بمقدار، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1، وقال سبحانه عن نبيه داود: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} 2، ولهذا قال موسى لربه: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} 3، فإذا كانت الفصاحة والبلاغة مطلوبة في دعوة موسى وغيره من الأنبياء، فرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- أولى وأوجب، ودعوته أعم وأرحب، وقومه فرسان البيان، وأئمة القول9 لهذا كان من أبرز صفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأجلى آيات عظمته البلاغة البليغة، وأنه في الذروة العليا من البيان وفصاحة اللسان، وأن التبليغ البليغ كان السمة المشتركة بين أفانين قوله كله، وما كان لنا أن نقول في هذا المقام بعد أن قال تعالى عنه ما قال، وقال هو عن نفسه: "أعطيت جوامع الكلم" نشأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- نشأة قرشية بدوية خالصة، واسترضع من بني سعد بن بكر، فاجتمعت له فصاحة اللسان واللغة، واللهجة الجميلة الوقع، يستريح لها السمع، والمنطق العذب المفصل، تجد النفوس حلاوته. كما اجتمعت له القدرة على تأليف القلوب، وتحصيل الثقة، إلى قوة الإيمان بدعوته، وغيرته البالغة عليها، وحرصه الشديد على نجاحها، فاجتمع له بذلك كل أسباب البلاغ للرسول،
9.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ص 32
والنجاح للخطيب، وثقة القوم بصدق الداعي أو الخطيب أساس إجابته، وشرط لنجاح دعوته، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قومه مثلا للأمانة والصدق، حتى لقبوه فيما بينهم "الصادق الأمين" هذه هي الخطوط الأساسية العريضة البارزة التي تشير إلى شخصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتومئ إلى نزعاته، وقد بقي أن تصل بينها وبين خطابته، وتنظر آثارها فيها10
ثالثا: عناصر بناء الخطب المنبرية :عناصر البناء من المعلوم مما سبق ويتأكد فيما سيأتي أن الخطبة وسائر الأعمال العلمية والأدبية تحتاج إلى أسس ثلاثة:
قلب مفكر، وبيان مصور، ولسان معبر، فالأول يكون به إيجاد الموضوع وابتكاره وتوليده، وبالثاني تنسيقه وترتيبه ورصه، وبالثالث عرضه والتعبير به، وهذا بسط لهذه العناصر.
الإيجاد والابتكار: (القلب المفكر) وقد يعبر عنه بالاختيار (اختيار الموضوع) .
من المعلوم أن بواعث الاختيار متعددة، والخطيب كلما كان صادقا في قصده، مهتما بجمهوره وسامعيه، جادا في طرحه محترما لنفسه، فسوف يحسن الاختيار، ويقدح زناد فكره بجدية نحو الابتكار وحسن الاختيار، يضاف إلى ذلك الظروف المحيطة، والأحوال المستجدة، والأغراض الباعثة التي تستدعي الحديث عن بعض الوقائع والتعليق11 الأسلوب: للأسلوب سلطان لا يضعفه العقل وأثر لا يمحوه الدليل، الأسلوب ألفاظ وجمل ينطق بها المتكلم ويتحدث بها الخطيب لا تكاد تخرج من فيه حتى تعلو الهيبة وجوه السامعين وتمتد الأعناق له احتراما، ألفاظ وجمل تثير في النفوس صورا لا حد لها ولا انحصار، محفوفة بالإكبار والتقدير، إذا كان هذا هو بعض أثر الأسلوب وتأثيره فكيف يكون الشأن في المعنى
10..عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ص 32
11..صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 10
المحكم وقد كسي بلفظ جميل وألقي بلفظ منسجم وعبارات تثير في النفس أخيلة وأماني؟ وينبغي أن يلحظ أن ثمت فرقا بين أسلوب الخطابة وغيرها من ألوان الكتابة والآداب، فالمستمع يتوجه نحو الخطيب بسمعه وذوقه وفكره فللكلمات أثر على السمع، وللجرس في النفس وقع، وللعقل فيه إدراك، ومن أجل هذا فينبغي أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها فلا تتقارب مخارجها ولا تتباعد، كما ينبغي أن تكون ذات جرس خاص يهز النفس ويثير الشعور، وتكون الجمل ذات مقاطع قصيرة كل جملة كاملة في معناها12إن من أهم خصائص الأسلوب الخطابي عنصر الشعور والوجدان والإثارة والتشويق، وإذا فقد ذلك فقد فقد أكبر خصائصه، أسلوب التكرار والتفنن في التعبير عنصر في الخطابة هام، فالخطيب محتاج إلى تكرار فكرته ومغايرة تصويره، فمرة بالتقرير ومرة بالاستفهام وأخرى بالاستنكار ورابعة بالتهكم، أما فن الإيجاز والإطناب فيختلف من حال إلى حال، أما ألفاظ الخطبة وعباراتها فينبغي أن تتسم بالوضوح والبيان لتكون سهلة الإدراك من السامعين سريعة الإيصال إلى المقصود بعيدة عن الوحشي والتكلف، وفي ذات الوقت تبقى محترمة غير مبتذلة تحفظ للخطيب وخطبته الهيبة والوقار وللموقف مكانته وجلاله، فهي ألفاظ منتقاة في غير إغراب في أسلوب سهل ممتنع يفهمه الدهماء ولا يجفو عنه الأكفاء13
ومن الحذق في المعرفة أن يدرك الخطيب أن خطاب الحماس غير خطاب التألم، وحديث الترغيب غير حديث الترهيب، وأسلوب تعداد المفاخر وزرع الثقة غير أسلوب التواضع وذم الكبر والمتكبرين، والخطيب المتمرس هو الذي يضع كل نوع في موضعه ويختار لكل كلمة قالبها
12..صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 10
13..صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 10
وميدانها، أما السجع فيجمل منه ما ليس بمتكلف قصير الفقرات، سهل المأخذ يخف على السمع، ويحرك المشاعر بحسن جرسه، ويكون خفيفا سهلا إذا سلم من الغثاثة وجانب الركاكة، اللفظ فيه تابع للمعنى وليس المعنى تابعا للفظ، ذلك أن السجع حلية والحلية لا تحقق غرضها في الجمال ما لم تكن قليلة غير متكلفة حسنة التوزيع تبرز المحاسن ولا تغطيها، ويرتبط بالسجع رعاية المقاطع والفواصل فتكون جملا قصيرة نظرا للفائدة عند الوقوف في آخرها، والجملة إذا طالت وتأخرت إفادتها للسامع أدركه الثقل والملل.
اللسان المعبر: ويقصد به الإلقاء وحسن الإجادة فيه، وقبل أن نبسط القول فيه يحسن التطرق لحديث مقارنة بين الارتجال والكتابة. الارتجال والكتابة: كثير من الكاتبين والناقدين يستحسنون في الخطيب أن يلقي خطبه ارتجالا، فهذا عندهم أعظم أثرا وأكثر انفعالا وأقدر على إعطاء الموقف متطلباته من خفض ورفع وتهدئة وزجر، وقد يدون المرتجل عناصر مقولته في كلمات أو جمل يعاود النظر إليها بين فينة وفينة. وقد يوجد في الخطباء من يعد الخطبة ويحسن تحبيرها ثم يحفظها حفظا عن ظهر قلب. والارتجال بأنواعه وطرقه لا يكون مؤثرا ما لم يسبقه إعداد محكم وحبك للعناصر في النفس على نحو ما سبق في الكلام على الأسلوب.
وثمت فئة من الناس تكتب الخطبة وتلقيها من القرطاس وهو مسلك مقبول، ولكن ذلك لا يؤتي ثمرته ولا يحقق غايته ، ما لم يكن الخطيب أحسن الإعداد وتأمل فيما كتب وأعاد النظر فيه تأملا وقراءة وإصلاحا وتخيرا للألفاظ وانتقاء للعبارات، بحيث يكون في إلقائه متفاعلا مع ما يقول مستوعبا لما يلقي ليحرك المشاعر ويثير العواطف ويستحسن أن يكون في قراءاته وإلقائه مشرفا على السامعين بنظره بين فترة وأخرى ليعرف حالهم ويسبر مشاعرهم14
14صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 16

الإلقاء: هو الغاية التي ينتهي إليها الإعداد والبناء، وهو الصورة التي يتلقى بها السامع حصيلة ما جاد به خطيبه، فلا يبقى للخطبة أثرها ولا لحسن الأسلوب وقعه ولا لجودة التحضير ثمرته ما لم يصب في قالب من الإلقاء يحفظ الجهد ويبقي المهابة ويشنف الأسماع، ومن أجل تحقيق ذلك يحسن مراعاة ما يلي:
جودة النطق: فيخرج الحروف مخارجها من غير تشدق أو تكلف فيلقيها حسنة صحيحة واضحة في يسر وترفق وتدفق. مجانبة اللحن: ينبغي للخطيب أن يعتني عناية تامة باللغة العربية صرفا ونحوا فينطق لغة عربية صحيحة فصيحة، فاللحن يفسد المعنى ويقلب المقصود، وإذا فسد المعنى أو التبس ذهب رونق الخطبة وبهاؤها وحسن وقعها، إضافة إلى فساد المعنى من حيت يدري أو لا يدري)15 التمهل في الإلقاء: النطق السريع المتعجل يفقد المتابعة كما أنه قد يشوه إخراج الحروف فيختلط بعضها ببعض وتتداخل المعاني وتلتبس العبارات، وقد يؤدي به التعجل إلى إهمال الوقوف عند المقاطع ورعاية الفواصل، ومن جهة أخرى فإن التمهل والترسل في الأداء من أول الدلائل على رباطة الجأش فيجمع للخطب الهدوء في الكلام، والأناة ، والجزالة في الصوت. وهذا التمهل الذي ندعو إليه لا ينبغي أن يقود إلى هدوء بارد وتثاقل مميت، ولكنه تمهل لا يعارض ما يطلب من الخطيب من خفض ورفع وعلو نبرات مما يبعث على الحياة وحسن المتابعة ودفع السآمة.الحركات والإشارات: للإشارات والحركات أثرها أثناء الحدث والخطابة، ومن هذه الحركات ما هو لا إرادي فالغاضب يقطب جبينه ويعبس وجهه، وذو الحماس تنتفخ أوداجه وتحمر عيناه، ومنهم من تنقبض أصابعه وتنبسط، ومنهم من يبكي خشوعا ورقة ويعلو صوته حماسا
15. صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص ص 16
وتفاعلا. وبعضها إرادي من إشارات توجيهية يحتاج إليها في تنبيه لبعيد أو قريب، إشارات تعكس الانفعال والمشاعر وتعين على مزيد من المتابعة والتوضيح، وينبغي أن تكون إشارات منضبطة بقدر معقول وانفعال غير متكلف ومتساوقة مع الشعور الحقيقي)1
أوائل الخطب، أول خطبة خطبها بمكة حين دعا قومه: حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعا ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا، وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا ،التعليق: إن الدين الإسلامي قد احتضن المثل والفضائل كلها وعانق حياة الناس من جميع أطرافها بحيث أصبح الدين والخلق توأمين لا ينفصلان، وإذا كان الدين والخلق على هذا النحو توأمين، فإن التقوى هي العروة الوثقى التي تربط بينهما، وهي الروح التي فيها يشتركان وإذا كان هذا هو جوهر الدين الجديد فإن من الطبيعي أن يؤكد الرسول عليه الصلاة والسلام على هذه المعاني التي تجمع بين الدين والأخلاق. وأن يقرن هذا بأوائل خطبته التي أكد فيها صدق رسالته ووثوق مصدرها ووجود الله سبحانه وتعالى، وحقائق الموت والبعث والثواب والعقاب، ولذلك جاءت هذه الخطبة معبرة عن هذه المعاني، وعن معني الإيمان به رسولا وبرسالته من الله، فكان ذلك نقطة البدء ومنطلقا لكل القيم والمثل في دعوته الجديدة، ولذلك تتفق معاني هذه الخطبة مع معاني السور المكية، وقد استخدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ألفاظا جزلة، وعبارات قوية، رائعة التقسيم، تسمع فيها صوت البشير النذير، يؤكد قوله بألوان من التأكيد، وصور أخاذة، متنوعة، متتابعة، وتآلف بين اللفظ والمعنى، في إيجاز هو الإعجاز، مع الوضوح والسلاسة16
16. صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 21
عوامل مساعدة للخطيب: في التحاميد المقتسبة من القرآن: الحمد لله ذى الأسماء الحسنى والمثل الأعلى لا يؤوده حفظ كبير ولا يعزب عنه علم صغير يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، الحمد لله خلق الأشياء كلها على غير مثال وأنشأها على غير حدود ودبر الأمور بلا مشير، وقضى في الدهور بلا ظهير، و أمسك السماء بقدرته، وبناها بإرادته وأسكنها ملائكته الذين اصطفاهم لمجاورته وجبلهم على طاعته، ونزههم عن معصيته، وجعلهم سكان سماواته، وحملة عرشه، ورسله إلى أنبيائه، الحمد لله الذي خلق السماء بأيده فرفعها، ودحا الأرض بقدرته5 فبسطها، وبث فيها من كل دابة، وهو على جمعهم إذا يشاء قدير، الحمد لله الذي قدر فسوى، وخلق فهدى، ولم يترك خلقه سدى، ولكنه امتحنهم وابتلاهم، وأمرهم ودعاهم لما يحييهم، وندبهم إلى ما ينجيهم، الحمد لله المعز المذل، المرشد المبطل الذي يزهق الباطل بنعمائه17
رابعا: الصفات والخصائص التي ينبغي أن تشتمل عليها الخطبة، الصفات والخصائص التي ينبغي أن تشتمل عليها الخطبة كثيرة ونحصره فيما يلي: - يحسن الاقتصار على موضوع واحد غير متشعب الأطراف ولا متعدد القضايا، إذ إن ذلك في الغالب يشتت الأذهان وينسي بعضه بعضا، فمهما كانت العبارة بليغة، والأسلوب منمقا، والفكر متدفقا، فإنه لا يستطيع مع الإطالة وتنوع الموضوعات إعطاء صورة متكاملة مجتمعة الأفكار واضحة المعالم. - ينبغي عدم التعرض لذكر الخلاف في الفروع، والانطلاق من المسلمات في الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، وفي ذلك متسع ثر في الوعظ والإرشاد والتوجيه، وبهذا تؤدي الخطبة دورها في جمع الكلمة والتمسك بشعب الإيمان، وما أكثر الفضائل والعزائم التي تناسب ميادين التوجيه والتذكير والمواعظ. - الحرص قدر الإمكان أن يلائم موضوع الخطبة الأحداث الجارية 18
17.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود الخطابة الإسلامية، 2006 ص 36
18. نفس المرجع، ص 104
والملابسات الواقعة في دنيا الناس ومخاطبة جماهير السامعين. وإن مما يزري بالخطيب أن
تكون الخطبة في واد والناس والزمان في واد آخر، وإن في نزول كتاب الله منجما ما ينبه إلى ذلك. - مجاراة الأحداث والتمشي مع الواقع لا ينافي المطالبة بأن يتخول الخطيب جمهوره بالتذكير بفرائض الإسلام ترغيبا، وبمحرماته ترهيبا، من الصلاة والزكاة والصوم وحقوق الوالدين والجوار ووجوه البر وأنواع الصلات وتحريم الزنا والخمر والسرقة وأكل أموال الناس بالباطل وأمثالها، وتعطير أسماعهم بين فينة وفينة بذكر سير السلف الصالح بدءا بالقدوة الأولى والرحمة المهداة نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صحابته من بعده والتابعين لهم بإحسان، وذكر أمجاد المسلمين والتنبيه إلى ينابيع الحضارة الإسلامية اليانعة المتجددة، ففي ذلك زرع للفقه في النفوس وربط للمستقبل المأمول بالماضي المجيد وتأكيد للإيمان بالرسالة العالمية وتأصيل للهوية الإسلامية - يحتاج الخطيب في بعض الظروف والأحوال والمجتمعات إلى تنبيه المسلمين إلى الأخطار الإلحادية والفلسفات الأجنبية والنزعات المنحرفة والنحل الباطلة، وفي هذا الباب والمسلك يحسن بالخطيب أن يتوجه إلى بيان حقائق الإسلام بقوة من غير خوض في أسلوب جدلي عقيم أو تجريحي مبلبل، ففي نصاعة الإسلام وقوته -بحمد الله- ما يكفي لدحر الباطل وافتراءات أهله. - الخطيب طبيب فعليه قبل وصف الدواء تشخيص الداء، فيتعرف على العلل والأمراض الشائعة ويشخص الداء ويعرف الأعراض، فإذا استبان له ذلك رجع إلى الكتاب والسنة فوضع الدواء، وكلما دق التشخيص سهل العلاج ومعلوم أن الواعظ غير المتبصر سيأتي بما لا يناسب، وإذا أخطأ في تحديد العلة فقد تكون الخطبة لغوا على الرغم من شمولها على نصوص صحيحة. - اهتمام الخطيب بخطبته وعنايته بالتحضير الجيد دليل على احترامه لنفسه وسامعيه ومنبره. - الحرص على الإيجاز قدر الإمكان، والقدرة على ذلك تنبع من عمق الثقافة وقوة التحصيل ووضوح الصورة والإدراك التام لما يريد الحديث عنه والنفس البشرية لا تزكو فيها المعاني إلا إذا أمكن تحديدها وتقويمها، أما كثرة الكلام وبعثرة الحقائق فتحول التسامح إلى شبه إناء قد امتلأ وبدأت تسيل منه الكلمات مهما بلغت نفاستها، ومن الخطأ الفادح أن يظن الخطيب أن عليه أن يقول ما عنده وعلى الناس أن ينصتوا طوعا أو كرها، وبعد فهذا ما تيسر جمعه وتدوينه سائلا المولى جلت قدرته وعز شأنه أن يهدي للتي هي أقوم من العمل، والأحسن من القول، ويوفق للإخلاص في القول والعلم والعمل، وما كان من صواب هنا فمن الله وما كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، ورحم الله من أهدى إليَّ عيوبي، ولا عدمت أخا يدمح زلة، وينبه على الخطيب في العصر المعاصر أن يقوم بتوطيد علاقة التعايش والصلة بين الناس ونشر الثقافة وحسن الجوار، والاهتمام بالقيم الأخلاقية، وأن يحث المجتمع على خلق الحوار والتعايش. 19
خامسا: الخلاصة : ينبغي أن يتحلى الخطيب بصفات عديدة، وأن يهتم بالدراسة والمران والدربة المتركزة على القراءة والاطلاع والتحصيل الكافي من العلم و الموهبة الفطرية ويتركز ذلك في عدة مسارات منها علوم القرآن والسنة، ينضم إلى ذلك إلمام بالسيرة وتاريخ الأمة وأئمتها ودراية بأحكام الشريعة، وقد تحسن العناية بأنواع من العلوم التي تفيد في معرفة أحوال الأمم وسنن الله في التغيير كالعلم وعلم الأخلاق والنفس والاجتماع، والإكثار من الاطلاع على الكلام البليغ والنظر في أقوال البلغاء متأملا في مناحي التأثير وأسرار البلاغة متذوقا جمال الأسلوب وحسن التعبير، و تحصيل ثروة كثيرة من الألفاظ والأساليب، فالخطيب يحتاج إلى عبارات وأساليب متنوعة للمعنى الواحد ليتمكن من إيصال المعنى لطبقات السامعين ورفع السآمة عن نفوسهم، ولا يخدمه في ذلك إلا ثَرَّة لغوية ثرة من أجل أن يأخذ بنواصي البيان، فيلقي جملا تثير خيال النفس، وتهز مشاعر الوجدان، فتنشط الأسماع وتشرئب الأعناق
19. صالح بن عبد الله بن حميد، منهج في إعداد خطبة الجمعة، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 31
وتتفتح القلوب للعبارات المحكمة والمعاني المتقنة، وبهذا ينطلق اللسان، ويظهر البيان، وتتشنف الأسماع، والدربة والمران،
ويجد الباحث : والخطابة ملكة لا تتكون في دفعة واحدة بل إنها معاناة وممارسة ومران، وتجنب الخوض فيما لا يعلم: على الخطيب الابتعاد عن الخوض فيما لا يعلم فإن هذا موقع في الارتباك والحديث غير المفهوم، فتضيع الهيبة والوقار ويصبح محل التندر مما يمنع الاستفادة والقبول، ويعتمد على مصادر الخطبة وجمع عناصرها من المصادر والمراجع الإسلامية، والكتابات الاجتماعية والتربوية والثقافية، وأن يجيد الموضوع وابتكاره وتوليده، وبالثاني تنسيقه وترتيبه ورصه.
سادسا نتائج البحث: توصلت الدراسة إلى ما يلي: 1. يحتاج الخطيب إلى آليات الخطب المنبرية، لكثرة الانحرافات والتضليل حيث صارت الأمة الإسلامية متحيرة في أمر دينها لأن الغلو والتطرف انتشر في أقطار المعمورة . 2. آليات الخطب المنبرية وتكوينها للخطيب تد من جهود مستند إلى الفكر والثقافة الإسلامية . 3. آليات الخطب المنبرية وتكوينها للخطيب تنبع التوعية الإسلامية بمخاطر تحديات العصر.
وتوصي الدراسة بالتالي: يجب الاهتمام بالخطب المنبرية والتركيز على مضامينها بدلا من الاستماع والتذوق بالصوت الجهوري او غيره ممن ليس له علاقة بالفنيات.
كثيرا من الخطباء بحاجة إلى الالمام بفن الالقاء وكيفية تأثير الخطيب على الجمهور .
نطالب بإقامة دورات مكثفة للرفع من مستوى الأئمة والدعاة والمرشدين في هذا الجانب.

الهوامش
1.صالح بن عبد الله بن حميد، منهج في إعداد خطبة الجمعة، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 31
2.نفس المرجع، ـ ص 31
3. نفس المرجع، ص 31
4. نفس المرجع، ص 31
5. نفس المرجع، ص 31
6.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود، الخطابة الإسلامية، 2006 ص 26
7. نفس المرجع، ص 31
8. نفس المرجع، ص 32
9. نفس المرجع، ص 32
10. نفس المرجع، ص 32
11.صالح بن عبد الله بن حميد، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 10
12. نفس المرجع، ـ ص 16
13. نفس المرجع، ص 16
14. نفس المرجع، ص 16
15. نفس المرجع، ص 16
16. نفس المرجع، ص 21
17.عبد العاطي محمد شلبي، عبد المعطي عبد المقصود الخطابة الإسلامية، 2006 ص 36
18. نفس المرجع، ص 104
19. صالح بن عبد الله بن حميد، منهج في إعداد خطبة الجمعة،الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية 1419 هـ ص 31



#عيسى_مانا_محاضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كواليس مثيرة لأشهر -خناقة- هذا العام في مهرجان كان (فيديو)
- مصر.. الفنان سعد الصغير يكشف حجم ثروته
- بيلا حديد تخطف الأنظار بفستان مستوحى من الكوفية في كان (فيدي ...
- -التركيز على الجودة-... مهند البكري شخصية العام العربية السي ...
- عيد مع أحبابك “محمد امام” و “احمد عز” .. أفلام موسم عيد الأض ...
- بعد إعلانه الخضوع للعلاج الكيماوي.. الفنان السعودي محمد عبده ...
- الدويري: حديث غالانت عن تعزيز قواته بغزة ترجمة لعدم تحقق أهد ...
- روسيا تؤكد صلة أوكرانيا -المباشرة- بهجوم المسرح
- سماعة الترجمة لملك البحرين وصعوبة ارتدائها خلال لقاء بوتين.. ...
- مصر.. -حكم نهائي- على الفنانة منة شلبي بعد إدانتها بحيازة مخ ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى مانا محاضر - آليات الخطب المنبرية وأثرها في تكوين الخطيب فن الالقاء وهز الشعور تحت اشراف البروفسور أمينو محمد