أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهيب أحمد صدوق - النظرة الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط وتطورها بعد الحرب الباردة إلى الآن (1)















المزيد.....



النظرة الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط وتطورها بعد الحرب الباردة إلى الآن (1)


مهيب أحمد صدوق

الحوار المتمدن-العدد: 7962 - 2024 / 4 / 29 - 01:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان المتابع لاستراتيجية الشاملة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية يرى بأن القوة هي المبدأ الذي قامت عليه لتحقيق مصالحها في العالم منذ تخليها عن مبدأ مونرو الصادر عام ١٨٢٣ الذي سبق وأن حدد السياسة الخارجية الأمريكية بعدم التدخل في المشكلات التي تكون القارة الأوروبية طرفا فيها ،مع منع الأوروبيين التدخل في العالم الجديد وعلى أثر اندلاع الحرب الباردة في أعقاب الحرب العالمية الثانية تبلورت مجموعة مـن المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، فجاء الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة الحيوية مـن اجل احتواء الاتحاد السوفيتي واستمرار تدفق النفط العربي بأسعار معقولة ودعم المواقف السياسية الإسرائيلية وحفظ أمنها سيادته والحفاظ على الأسواق التجارية في الشرق الأوسط.
لذلك أصبحت القوة الداعمة للمصلحة هي أحد أهم النقاط التي تحكم الإستراتيجية الأمريكية، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 حيث تأكدت صورة الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأولى في العالم،
امام منحها الفرصة لفرض هيمنتها على النظام الدولي وبالتالي تحقيق أهدافها وتأمين مصالحها، وبات الهدف الاسمى الاستراتيجية الأمريكية في العالم يقوم على تثبيت وتعزيز دور القطبية الأحادية بمختلف الوسائل.
إن توظيف نظرية القوة في الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط يقوم على السلوك الاستراتيجي الأمريكي الفعلي في هـذه المنطقة، والذي يمكن الوصول إليه من خلال ملامح الأهداف الأمريكية التي تسعى لتحقيقها في ضوء المصالح الحيوية لهـا في هـذه المنطقة المهمة لما تتمتع به من مميزات إستراتيجية، حيث تنبع كافة المصالح والأهداف الأمريكية مـن هدفها الرئيس المتمثل
بضمان وتأكيد الهيمنة على العامل بأسره، وقد بررت الولايات المتحدة مصالحها في هذه المنطقة بأن لها عدد من الأهداف الإستراتيجية وضمن الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، بحيث جرت عملية صنع وبناء هـذه الأهداف من خلال المؤسسات المسؤولة عن صنع الإستراتيجية الأمريكية .
الناظر لاستراتيجية امريكيا الأخيرة وتحديدا في الفترة الثانية للرئيس أوباما 2012-2016لقد استخدمت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة وفي عام 2015 اعيد مصطلح إعادة التوازن والتركيز على منطقة شرق أسيا والمحيط الهادئ وقواه الاسيوية الصاعدة القوية، فقد تصدرت ھذه المنطقة المرتبة الأولى فى أولويات الوكالات المتحدة، ولكن هذا لا يعنى أن الولايات المتحدة قد حذفت منطقة الشرق الأوسط من
حساباتها فمازالت لديها بعض الاهمية، فقد أشارت وثيقة الأمن
القومي الأمريكي 2015 إلى منطقة الشرق الأوسط فى حديثها
عن قضية الإرهاب والنفط والأمن والاستقرار وقد حددت
الوثيقة أهم أولويات الولايات المتحدة التى تتمثل فى:
*إعادة التوازن فى آسیا والمحيط الهادئ إلى الأمام.
*التأكيد على العلاقات مع أوروبا وحلف الناتو .
*تأمين الاستقرار فى الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
*العلاقات داخل القارة الأمريكية.
كما أكدت الوثيقة على الأهمية الإستراتيجية للصين والمنطقة
المحيطة بالصين، ولكن ھذه الأهمية الاقتصادية قد دفعت
الولايات المتحدة إلى إقامة علاقات أمنية مع العديد من دول
شرق آسیا والمحيط الهادئ من الفلبين إلى استراليا ، وهذا ما عرف
بمحاصرة الصين بعلاقات مع جميع هذه الدول لا سيما الصغيرة منها
الصغيرة فيتنام اندونيسيا وماليزيا ودول كبيرة مثل اليابان
والهند.
وقد وصفت الوثيقة الجديدة علاقة الولايات المتحدة بكل من
الصين وروسيا والهند، فأشارت إلى إمكانية الهند وصعود
الصين وعدوان روسيا، وهذا يشير إلى أن علاقتها مع الهند
إيجابية، فقد سعت الولايات المتحدة لتعزيز الشراكة مع الهند
وهذا ما وضح من خلال زيارة أوباما للهند لتعزيز العلاقات
التعاونية العسكرية، أما علاقتها مع الصين فتحمل معانى إيجابية
وسلبية من حيث الاحتواء والموازنة والضغط ولكن هذا لا يعني
عدم إمكانية تلافي المواجهة مع الصين. وأخيرا فإن علاقتها مع
روسيا قد وصفتها الوثيقة العدوانية وتم إدراجها فى الترتيب
الثانى بعد آسیا وأوروبا مؤكدة على استمرار النهج الأمريكى فى
الهجوم السياسي على روسيا تحت شعار العدوانية الروسية.
كما أوضحت الوثيقة الجديدة معالم العلاقات الأمريكية الشرق
أوسطية فقد أكدت أنها سوف تدعم التحول الديمقراطى، والتقدم
الاقتصادي، والاستقرار،ومحاولة إدارة الفوضى فى منطقة
الشرق الأوسط ومحاولة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني،
كما شددت الوثيقة فى مقدمتها على بحث واشنطن الدائم عن
شركاء جدد وقوى اقتصادية جديدة غير دولية مع تمسك
واشنطن حلفائها التقليدية من أجل ممارسة الولايات المتحدة
دور القيادي .
ولو تتبعنا المركزات الأساسية الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط :
١.الالتزام التام في أمن اسرائيل :والتوافق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل:وهو أمر يتجلى في عدة نقاط من بينها:
- أنه تحت غطاء تأمين الكيان الإسرائيلي فإن الولايات المتحدة قد أبرمت مع إسرائيل عددا مذكرات التفاهم ً من
الاستراتيجي نذكر منها:
- مذكرة التفاهم الأمريكية الإسرائيلية عام 1981 شارون / واینبرجر( والتي وضعت بعد معاهدة السلات المصرية الإسرائيلية.
- مذكرة التفاهم الامريكية الإسرائيلية والتي وضعت بعد
توقيع اتفاق واي بالنتیشن .
- تعد المذكرة الاخيرة بداية لوضع تصور شامل لامن المنطقة
تحقيقا لهدف أساسي في أن تتحول اسرائيل الى قوة عظمى.
- كما دخلت العلاقات الاستراتيجية الأمريكية مرحلة الامن
المتبادل حيث استخدم مصطلح "المظلة" للدفاع عن إسرائيل
بمنع كل من العراق وإيران من استخدم قدراتها الصاروخية ضد
إسرائيل.
- زيادة القدرات الاسرائيلية في مجال الدفاع الردع بحيث
تتمكن إسرائيل من أن توجه الضربة القاضية إذا ما وقمت
بأسلحة دمار شامل أو صواريخ.

٢.تقاطع المصالح الأوروبية الأمريكية حيث سعت الولايات المتحدة الأمريكية في توظيف أوروبا لخدمة استراتيجية الزعامة العالمية
حقيقة أنه لم تمنع التجاذبات في المواقف الأوروبية ومحاولات الطرف الأوروبي السعي وراء الاستقلالية عن الولايات المتحدة
الامريكية ، من التنسيق المتبادل وتبادل الأدوار بخصوص قضايا
المنطقة العربیة ومصالح ھذه القوى فيها متجاوزة الكثير من
الخلافات بينها. فإنه فيما يختص بالمنطقة العربیة فإن للدكتور "
محمد السید سلیم " قناعة في أن هناك ثالثة أبعاد للدور الأوروبي
في علاقته بالدور الأمريكي في إطار الصراع العربي -
ا الاسرائيلي بوجه عام والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على
وجه الخصوص وهذه الأدوار هي:
أ - تسهيل تنفيذ الدور األمريكي:
هناك تقسيم للعمل بين الأوروبيين الأمريكيين في الشرق
الأوسط طبقا لهذا التقسيم حيث يختص الاتحاد الأوروبي "بقضايا
الأمن اللينة"، بينما تتعامل الولايات المتحدة مع "قضايا الأمن
الصلبة"،ففي خطابه الذي ألقاه في الإسكندرية في 13 أكتوبر
2003 قال "رومانو برودى"رئیس المفوضية الأوروبية في ذلك
الوقت أن الاتحاد الأوروبي يتبع سياسة في البحر المتوسط أسماء
"سياسة الاقتراب"وقد عرف "برودة" وهذه السياسة بأنها
"سياسات تجهيز المسرح للاستقرار والأمن الدائمين على نحو
يخلق الظروف الملائمة للتعاون والتفاهم، وهذا ما يسمى "
الأمن اللين" وتتخذ وهذه السياسة شكل العلاقات الاقتصادية
والثقافية وتهتم بالمجتمع المدني والحكم الجيد.
ب - امتصاص الصدمات الناشئة عن الدور الأمريكي:
ويقصد به أن يمتص الدور الأوروبي الآثار السلبية المترتبة على السياسات الامريكية المؤيدة إسرائيل، بحيث الا يبدو الغرب كأنه وحدة واحدة ضد العرب، ومن تلك الآليات التعبير
الأوروبي عن سياسات لفظية أكثر توازنا تجاه الصراع العربي -
الإسرائيلي، وتقديم الدعم الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، كما
يساهم الدور الأوروبي في تنفيس الاحتقان الذي قد يحصل أحيانا
في العلاقات العربیة الأمريكية في إطار المفاوضات، والذي قد
يسببه غياب التجاوب الأمريكي مع متطلبات الوضع أو انشغال
الولايات المتحدة بقضايا بعيدة عن الشرق الأوسط. وبالتالي
يساعد الدور الأوروبي في احتواء كل توتر محتمل بأن يصبح
بمثابة محفز للسياسة الامريكية .
ج - الدعم الكامل للدور الأمريكي في الأزمات الحرجة:
وكمثال لهذا الدور فإنه حينما انخرطت الولايات المتحدة في الهجوم الإسرائيلي على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس وتصور الاوروبيون أن هذا الهجوم يمكن أن ينجح في تحقيق أهدافه بتصفية حماس، بادر الاتحاد الأوروبي بوضع حماس على قائمة المنظمات الإرهابية، مما شكل إشارة خضراء للولايات
المتحدة وإسرائيل بأن الاتحاد الأوروبي يساند التصفية الكاملة لحركة حماس.
3 - سياسة الاحتواء الأمريكية تجاه بعض دول المنطقة:
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد للحفاظ على مصالحها الكبرى في الشرق الأوسط على استراتيجية تقليدية لم تتغير منذ الحرب العالمية الثانية كثيرا بالرغم من التعديلات
العميقة التي طرأت عليها بسبب ما أصابها من نكسات. وكان
الهدف من هذه الإستراتيجية الرئيسي ھو الحفاظ على الوضع القائم، بما يعنيه ذلك من الحيلولة ما أمكن دون حصول تغييرات ذات مغزى داخل كل قطر وعلى المستوى الإقليمي. كما كانت خيارات الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة مرتبطة بتحقيق هذا الهدف .وكان ذلك يعني أولا الحيلولة دون أي تغییر سياسي داخل البلدان العربیة، وبالتالي تبني موقف أو مبدأ الدعم الكامل وغير المشروط لجميع النظم العربیة، مهما كانت طبيعتها وأساليب الحكم التي تتبعها، ومعاملتها لمواطنيها طالما لم تتعرض مصالح الولايات المتحدة إلى خطر أو مس. كما كان يعني أيضا كخيار ثان منع أي تغییر جیوسیاسي يؤثر في معادلات القوة الإقليمية، وبالتالي الوقوف بحزم ضد جميع حركات التغيير الوطنية والقومية العربیة التي عصفت بالمنطقة العربیة خلال الخمسينيات والستينيات والقضاء عليها وعلى الأفكار التي تبثها أو تعيش عليها. وكان يعني كخيار ثالث ايضا حفاظ واشنطن في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي لطويل على تفوق إسرائيل كمصلحة أميركية علیا .
فلو اتينا استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية مع بعض الدول العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط بشكل مختصر :
١.مصر :بعد ابعاد مصر عن حلبة الصراع الاسرائيلي العربي وفق اتفاقية كامب ديفيد وإضعاف الدور المصري رائدة للدول العربية وصياغة معادلة سياسية تتمثل في خدمة المصالح الأمريكية والحفاظ على أمن اسرائيل وتعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن استقرار الأنظمة العربية يعني استقرار منطقة الشرق الأوسط بغض النظر عن الأنظمة العربية ديمقراطية أو شمولية استبدادية
یؤكد نعوم تشومسكي أن الولايات المتحدة لم تكن تسعى إلى
إسقاط النظام المصري، بل لا ترغب في تغييره، إنما دعمه
والضغط عليه للقيام بإصلاحات تطيل عمر النظام، وتقلل حجم
الاحتقان والغضب تجاهه، حيث يقال إن نسبة المعارضة
الشعبية للولايات المتحدة في مصر تبلغ 80% ولذلك فإن
أمريكا وحلفاؤها لا يريدون حكومات تعبر عن إرادة الشعوب؛
فلو حدث هذا فلن تخسر أمريكا فقط سيطرتها على المنطقة،
ولكنها ستطرد منها أيضا بما يعني وفق رأي تشومسكي أن
بقاء النظام المصري يمثل مصلحة إستراتيجية كبرى، سعت
الولايات المتحدة إلى المحافظة عليها، من خلال دعمها
الاقتصادي السخي للنظام المصري، مقابل دعم سياسي
وعسكري قدمه النظام المصري لمصلحة السياسة الأمريكية في
المنطقة وهذا ما يفسر الدور القبيح الذي تلعبه مصر في معركة طوفان الأقصى بالرغم من التصريحات التي تشير أن السيسي يرفض التهجير حتى يتم تلميع صورة السيسي والنظام المصري ويمنع من حلما مظاهرات ضده .
ب – دول الخليج العربي
إن الولايات المتحدة الامريكية تستخدم الوسائل والإمكانات
كافة من أجل إبقاء الدول العربیة ضمن استراتيجيها، لكونها
منطقة ذات أهمية كبيرة من حيث الموقع الاستراتيجي ، فضلاعن امتلاكها الكميات الغزيرة من النفط الذي يشكل نقطةالارتكاز لتعزيز قوة الولايات المتحدة الامريكية، ورافدهاالأساس في مواجهة الأقطاب الكبرى في عصر المنافسات الدول من جهة والتكتلات الاقتصادية متوجهة أخرى .
وقد انصب الإدراك الاستراتيجي الأمريكي على الاهمية الحيوية للعراق، بوصفه البوابة التي تطل من خلالها على إخضاع المنطقة العربیة برمتها لسيطرتها وهيمنتها، لذا لجأت الإستراتيجية الأمريكية إلى اتباع وسائل التهديد والتصدي والمواجهة للعراق، وانتهت باحتلاله فكان من الطبيعي أن شكل احتلال العراق أولى الأهداف الأمريكية في الدول العربیة .
سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتباع سياسة الانفراد بالمنطقة العربیة ولا سيما منطقة الخلیج، بوصفها المنطقة
العربیة الأهم استراتیجیا، وذلك من خلال زيادة وجودها العسكري في تلك المنطقة فضلا عن تعزيز ھذا الوجود بتوسيع وتقوية قواعدها العسكرية فيها. وقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية ان أمن منطقة الخلیج مرتبط بالأمن القومي الأمريكي،
لذا فإن سياسة التفتيت والتجزئة للمنطقة العربیة يساهم كثيرا في ارتماء بعض أنظمة المنطقة العربیة في دائرة الفلك الأمريكي .
وھو ما يتجسد في سياسة دول ما يعرف بمحور الاعتدال العربي بحسب الوصف والتصنيف بما يخدم المصالح الغربیة والأمريكية بالخصوص، حيث تحاول الإدارة الأمريكية والمنظرین لها إظهار السياسة الأمريكية تجاه ھذا المحور وكأنها سياسة تشاركية مبنية على المصلحة المتبادلة والمنفعةالعامة. وهذا ما يفسر دور دول الخليج وبالأخص المالكة العربية السعودية والإمارات القبيح من معركة طوفان الأقصى .
٣.تركيا :باتت تركيا مهمة أكثر بالنسبة للولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة للعديد من الأسباب منها أنها تخدم برنامج الحماية الممكن للقوات الأمريكية كما في حرب الخلیج عام ...1990
فمن قاعدة أنجرليك في تركيا كانت الطائرات الأمريكية البريطانية تحلق فوق كردستان العراق.
لقد كان من الصعوبة بالنسبة للولايات المتحدة أن تتصور كيف يمكن لها أن تساند قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالعراق، وتحرص على تنفيذها بقوة والخاصة بتطبيق نظام الحظر وحماية الأكراد في شمال العراق بدون تعاون تركيا.إن تركيا تختلف عن غيرها من الدول بسبب عضويتها في حلف الناتو من جهة، ولديها اتفاقيات عسكرية وأمنية ثنائية مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، وهي تأخذ مسألة الجانب الأمني بصورة جدية، وحاجتها المستمرة إلى تحديث عسكري لقواتها ذات التجهيز الأمريكي جعلها بحاجة دائمة إلى الدعم العسكري الأمريكي، الذي لا يمكن ضمان استمراره من وجهة نظر أنقرة إلا بتوافق سياساتها مع سياسات واشنطن في المنطقة.
اذن الاستراتيجية التركية تتماهى حد الاندماج في استراتيجية أمريكية غربية ، يكاد التعبير الصافي عنها أن يكون ترجمة عملية لاستراتيجية حلف الأطلنطي ، وهو ما يعني أن هناك تطابقا فوق إحداثيات التوجه بين تركيا الأطلنطي على جانب ، وبينها وبين إسرائيل على الجانب الآخر، وأن هذا التوجه ليس محصورا في بعض وحدات الإقليم ، سوريا والعراق وليبيا، أو في شرق المتوسط فحسب ، إنما يطول البحر الأحمر بجانبيه في القرن الأفريقي ، امتدادا إلى أثيوبيا ، مع دور كبير خفي يتعاظم في اليمن ، ثم بحر العرب والخليج العربي ، وحتى ظلاله الثقيلة في المحيط الهندي .
في الكتاب الشهير لاحمد أوغلو " العمق الاستراتيجي " ممثلا لأسس التوجه الاستراتيجي لتركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية في عام 2002 ، تركيا دولة مركز " ، واصفا دولة المركز بأنها لا تنحصر في منطقة بعينها ، وأن لها سمات معينة أهمها الاستمرارية التاريخية ، العمق الجغرافي ، التأثير الثقافي المتبادل ، الترابط الاقتصادي المتبادل ، وهو تعبير لا علاقة له بتعبير الدولة المحورية ، الذي صاغه " بول كيندي " ولم يصنف تركيا تحت تعريفه ، فهو لم ير في تركيا دولة ينطبق عليها وصف الدولة المحورية .
غير أن ( أوجلو ) يوصف وضع تركيا وتوجهها بالتالي أنها دولة أوربية - آسيوية -بلقانية - قوقازية - شرق أوسطية - متوسطية ،
إن ذلك يبدو أكثر وضوحا في اعتراض أوجلو على فصل تركيا عن المجال الجغرافي التاريخي العثماني ، وحسب ألفاظه ذاتها ، فإنه لا مجال لتركيا كيف تقصر مجال تخطيطها وتفكيرها " الدفاعي " داخل حدودها القانونية ، وعندما تقول التخطيط والتفكير الدفاعي خارج الحدود القانونية ، فإن الحديث يبدو متلازما مع توظيف واستخدام القوة العسكرية بل هو يبدو أكثر اتساعا ومدى ، من حدود نظرية الردع .
وهو ما يبدو - أيضا - أكثر وضوحا في أسباب اعتراضه على اانفصال تركيا عن المجال الجغرافي التاريخي العثماني ، فانفصالها أو ابتعادها عن بيئة الجغرافيا الثقافية للمنطقة العربية تحديدا ، والتحاقها بمحيط حضارة أخرى ، يفقدها التأثير الكافي في البيئة الجغرافية والاقتصادية للمنطقة ، قبل أن ينتهي إلى معادلة بالغة الوضوح والشفافية والدلالة ، تحدد الهدف بعد تحديد الوسيلة ، يقول منطوقها : " إن الجغرافيا الثقافية هي المدخل إلى بيئة الجغرافيا الاقتصادية الغنية في المنطقة" ، أما المعادلة الثانية الأكثر وضوحا فهي " توظيف الروابط الشرقية كسند لتعزيز التوجه الغربي
لقد ظلت حسابات قوة الدولة، والعوامل الأساسية الداخلة في تشكيلها ، مشكلة ملّحة لا يمكن قياسها بوحدات القياس الكمي أو الطولي ، ولذلك صدرت عن مفكرين استراتيجيين عديدين معادلات مختلفة ومتابينة لحساب قوة الدولة ، أو القوة الاستراتيجية لها ، من بينها مثلا معادلة ثلاثية المستويات تبدأ بالأرض ( الموقع الجغرافي - المساحة - القوة البحرية ) وتنتهي بالموارد ( الموارد البشرية كما ونوعا - الموارد المادية ) وانتهاءا بقدرة العمل الجماعي على تحوبل الموارد إلى ثروات سياسية وعسكرية ، ومن بينها مثلا أن قوة الدولة = حاصل تكعيب المنتج القومي للدولة مضروبا في الجذر التربيعي لعدد سكانها ، لكن أحمد داوود أوجلو أسس معادلة جديدة لقوة الدولة ،
في السنوات الأخيرة لاحظنا اننا لسنا أمام مغامرة تركية فردية ، تمشي على قدمين عسكريتين في الفضاء ، ولكننا أمام استراتيجية مشبعة بنزوع إمبريالي استعماري ، تتحرك تحت سقف أيديولوجي بأبعاده الفكرية والثقافية والتاريخية ، تتبنى نظرية جديدة لمجال حيوي أقرب إلى المجال الحيوي للنازية القديمة ، ومع ذلك فليس ثمة تناقض بين أننا في مواجهة إمبريالية إقليمية تعمل لخدمة أيديولوجيتها ولخدمة ذاتها ، بينما تعمل في الوقت نفسه خادمة بالأجر عند استراتيجية استعمارية غربية ، في درجة متدنية من التحالف ، يعبّر عنه دورها كوكيل أمني لهذه الاستراتيجية ، على سبيل العموم ولإسرائيل على وجه الخصوص .

4 - السياسة التصادمية مع الدول المهددة للمصالح
الأمريكية:
- دول خارجة على القانون.
وهي دول تأخذ مواقف سياسية واقتصادية معادية للولايات
المتحدة المتحدة الأمريكية ، وخاصة ما يتعلق بعملية السلام مع الكيان الصهيوني ، وهذا العامل الاخير ھو المرجح في طبيعة تصنيف هذه الدول، وعادة ما تتلقى هذه الدول ضربات عسكرية
وضغوط اقتصادية منها عقوبات ومقاطعة اقتصادية في محاولة
لتغيير سلوكها وتهديد الدول الصديقة من خلالها بطرق غير
مباشرة.
ويبدو أن العنصر الأساسي من خلال التجربة السابقة في
العلاقات المركبة العربیة ھو مدى قبول الدول العربیة بعملية
السلام أو رفضها لها، أي حول رضا إسرائيل عنها، لذا فإن
الدول التي تقبل عملیة السلام ووجود إسرائيل فهي عادة ما تقع
في التصنيف الذي يضمن الرضا الإسرائيلي وبالتالي الأمريكي والعكس غير صحيح،
ثم إن الولايات المتحدة الامریكیة قد تخلت عن تصنيف الدول
"خارجة على القانون" وذلك باستخدام "دول محور الشر" الذي
ابتدعته إدارة بوش الابن، أي موقف الدول من الإرهاب. وھناك
تطابق عملي للدول التي كانت تقع في التصنيف السابق "خارجة
على القانون" مع التصنيف الجديد، والتي تعتبره الآن من دول
محور الشر .
لذا فإن تسارع الكثير من الدول العربیة لدعم موقف الولايات المتحدة الامريكية في حربها على الإرهاب ما ھو الا مؤشر للحفاظ على التصنيف الأمريكي وعلى المزايا المتوخاة منه. ولا توجد نظرية أخرى يفهم بها السلوك الغربي الا هذه النظرية.
وعلى سبيل المثال فإن خطة الرئيس بوش والتي أعلنت في الرابع والعشرين من يونيو/ حزيران عام 2002 تتضمن عدد من القضايا الباطنية منها إرضاء القيادات العربیة في محاولة حل القضية الفلسطينية من أجل ضرب وتدمير العراق. حيث لا
يمكن في تلك الظروف العربیة وخاصة ما يتعلق بالرأي العام
العربي أن تضرب أمريكا في فلسطين وفي بغداد في آن واحد،
فعليها تأجيل العملية السلمية وتبريد الموقف إلى حين آخر، بعد
ثلاث سنوات حتى يتسنى لها ضرب العراق بالطريقة التي
تخفف من الضغوط العربیة – المرتبطة بالرأي العام العربي -
على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولو نظرنا للدول التي تعتبر محور الشر من قبل امريكيا قديما وحاليا نجد :
أ – العراق
لقد كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الحرب على العراق أنها
بمثابة "المفتاح الذهبي" للمشروع الأمريكي المنشود لمنطقة
الشرق الأوسط؛ والذي يتمثل في إطاره العام في بناء إجماع
استراتيجي مؤيد للولايات المتحدة من باكستان إلى البحر
المتوسط، وإنعاش فكرة النظام الشرق أوسطي، لكن ھذه المرة
دعامات أقوى وبشروط نجاح أكثر في مقدمتها حكومة عراقية
موالية للولايات المتحدة، والتي ستوظفها الولايات المتحدة بشكل
كبیر في تحقيق المصالح الأمريكية، وأبرز الأهداف الأمريكية
من احتلال العراق تتمثل في:
- الحفاظ على وجود عسكري استراتيجي امريكي في المنطقة وفي الخلیج العربي يضمن للولايات المتحدة السيطرة على مصادر الطاقة، والتحكم بالاسعاار، وجني فوائد اقتصاديةكبيرة للشركات النفطية الامريكیة.
- المضي في العملية السلمية ب الاستفادة من دروس المرحلة
السابقة، وفقا للخطة الامريكية الجديدة "خارطة الطريق" والتي
بدأت واشنطن بتطبيقها بعد احتلال العراق، وتعتمد على وقف
عملیات إطلاق النار بداية، وتفكيك البنية العسكرية لفصائل
المقاومة الفلسطينية، وعلى اتفاقيات جزئية تمهد الطريق للحل
النهائي، لكن شريطة القيام بإصلاحات فلسطينية سياسية وأمنية.
- الضغط على أنظمة عربية حليفة للولايات المتحدة، ولكنها
تناور في تنفيذ المشروع الأمريكي وهي مصر والسعودية، من
خلال اعتبار العراق أحد الأعمدة الرئيسة للسياسة المرأة
الشرق أوسطية.
- تشديد الحصار على كل من إيران وسوريا لتغيير سلوكهم، بالنسبة لسوريا فلا بد من تغییر سلوك النظام السياسي ابتداء من الموقف من التسوية وانتهاء بالحالة السورية-
اللبنانية، وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية نحو "اللبرلة".
سوريا :
- سياسة الردع: إن العلاقات السورية الامريكية وصلت إلى مرحلة من التوتر غير المعهود في تاریخ العلاقات
الدولية، وتميزت بتصعيد اللهجة الأمريكية ضد سورية وإطلاق
التهديدات في مختلف التصريحات الصادرة عن المسئولين
الأمريكيين، فبعد تصريحات أرمیتاج بإمكانية قيام الولايات
المتحدة الامريكية بعمل عسكري ضد سورية ، أثارت تصريحاته
احتجاجات شديدة اللهجة من قبل الحكومة السورية التي استدعت ممثلة بوزارة الخارجیة السفير الأمريكي بدمشق
"یتودورقطوف" البالغة احتجاجها على تصريحات أرمیتاج،
لكن ھذا الخبر كرر تلك التصريحات بالنسبة إلى حزب الله في
لبنان و إیران، ثم أتت بعد ذلك تصريحات مساعد وزیر
الخارجیة السابق "بولتون" الذي أضاف سورية إلى دول محور الشر عندما تحدث في إحدى محاضراته عن ما وراء محور اللشر.
وهذا ما يفسر الحرب الكونية التي عرفت بالثورة السورية وكان هدفها إيقاظ النظام السوري .
التحولات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط :
اعتقد أن التحولات والإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بدأت منذ الخروج من أفغانستان لذلك فإنني أحسب أن هذا التحول الكبير له ما بعده بالمنطقة
وفق كل الباحثيين الأمريكيين حول دور الرئيس الأمريكي في صنع القرارات في الشؤون الاستراتيجية ما يؤكد أن دوره لا يتعلق إلا عنصرين أثنين في سياق القرار ، هما توقيت اتخاذ القرار ، الصيغة التنفيذية له ، وبالتالي فلا هذا التحول الإستراتيجي من صنع مؤسسات الدولة الأمريكية ومما لاشك فيه أن البنتاجون هو صاحب الدور الأكثر فعالية .
مع ذلك فإن الطريقة التنفيذية للقرار عكست صورة مغايرة جدا لقدرات الجيش الأمريكي ، فقد ظهر خطأ في التقدير والارتباك والخوف ، وبدا الانسحاب هروب اكثر منه عملا سياسي منظم ، وقد كانت أكثر المواقف تعبيرا عن ذلك ، لحظة التفجير على أحد مداخل مطار كابل ، فلم تكن الأعداد الأكبر للقتلى والجرحى المدنيين ناجمة عن التفجير ، وإنما عن رصاص الجنود الأمريكيين الذين فتحوا نيران أسلحتهم الآلية دون تمييز تحت تأثير الصدمة والرعب ، رغم أن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية استندت في كل حروبها خلال العقدين الأخيرين على نظرية عنوانها ( الصدمة والرعب ) .
والحقيقة أن ذلك قد يبدو طبيعيا في حالة الحرب ، كما في الحرب العالمية الثانية عندما كانت تقدم 90% من حاجات الدعم للحلفاء ، الذين غضوا الطرف عن إصرارها الخشن على الإمساك بزمام الموقف كله ، بما في ذلك إنفرادها بالقيادة العسكرية ورسم خطط العمليات ، وقد تكرر ذلك نمطيا في الحروب التالية ، لكن ذلك لا يبدو متسقا مع حالة الانسحاب ومع توجه إستراتيجي يبدو انكماشيا ومستجدا ، لكن الواضح أن الجميع بما فيهم حلف الأطلنطي أحنوا رؤوسهم ، بينما لم ينجح الحليف الأول وهو بريطانيا في زحزحة موعد الانسحاب أياما ، أو في الإبقاء على قوة رمزية حفاظا على عنوان تآكل ، ولم يستطع البريطانيون أن يكظموا غيظهم وإحساسهم بالخذلان وفقدان الإرادة ، فلم يملك ( بن والاس ) وزير الحرب البريطاني نفسه إلا أن يصف الولايات المتحدة بأنها لم تعد قوة عظمى .
غير أن الملاحظ في ذلك مع متغيرات واضحة ، أننا أمام ذات أمريكية منقسمة على نفسها ، رغم ضعفها الواضح مصرّة على فرض رؤيتها على حلفائها وأصدقائها ، حتى بعد أن فقدت قدرتها على توجيه التحولات التاريخية الكبرى ، ورغم ما يمكن أن يترتب على ذلك من مخاطر لدول قد تصل بها إلى حالة الانهيار أو الفوضى ، أو تصل بسلطاتها إلى حالة الانتحار .
ففي أوج انحدار وجودي على قمة النظام الدولي ، مع تدن واضح في القوة والمكانة ، يفرض بدوره انكماشا جائرا ، تبدو أمريكا أكث انانية وعصبية وإنكفاءا على الذات ، وإذا كان ( ترمب ) قد سعى خالصا إلى زرع " جرثومة التفكك " في أوروبا لتبدو الولايات المتحدة في أفق الغرب كوكبا متفردا ، فإن مرحلة قيادة ( بايدن ) تسعى إلى تحويل الحلفاء إلى مفردات طائعة فيما تراه وفيما تريده قسرا وإرغاما .

لقد عبّر بايدن في خطاباته وكذلك وزير الدفاع الأمريكي أمام الكونجرس عن المفاجأة الصادمة وخيبة الأمل الكبيرة في انكشاف الجيش الأفغاني وفي السرعة المذهلة لسيطرة طالبان على أفغانستان ، فهل كانت هناك صدمة مفاجئة وخيبة أمل كبيرة حقا في المستويات القيادية العليا السياسية والعسكرية الأمريكية ؟
دعك من مسألة حسابات بناء الجيش وتسليحه ( 89 مليار دولار ) ، أو حسابات تطوير سلاح الجو بحيث يكون قادرا ومستداما ( 8.5 مليار دولار ) أو حسابات قيمة الأسلحة التي تركتها أمريكا ، سواء كانت صالحة أو غير صالحة ( 85 مليار دولار ) .
لقد تم تشكيل هذا الجيش بنظام المقاولات من الباطن ، وتم بناؤه على نحو نمطي على صورة الجيش الأمريكي بلا عقيدة وطنية ، ولا عقيدة عسكرية تتوافق مع بيئته الخاصة ( معدل الهروب من الخدمة 25% من قوة الجيش سنويا أي أن هذا الجيش تتغير بنيته كاملة كل أربع سنوات ) وقد كان ذلك وحده كافيا لتفككه السريع ، لكن هناك عوامل أخرى مصنوعة ، جعلت عملية التفكك تبدو واضحة .
أول هذه العوامل ، أنه تم منذ عام إجراء تغييرات واسعة في قيادات الجيش ، حيث عينت قيادات من ( الباشتون ) المتعاطفين مع طالبان على رأس القوات في أغلب المحافظات الشمالية والغربية تحديدا ، وقد جرى الأمر نفسه بالنسبة للمحافظين ، في الشمال والغرب ، لأن السيطرة على الشمال والغرب أولا ، تعني السيطرة على أفغانستان ، حيث تتمتع المحافظات الجنوبية والشرقية بأغلبية من الباشتون .
وثاني هذه العوامل أنه منذ عام – أيضا – لم يبق تحت سلطة وزارة الدفاع الأفغانية سوى 18 ألف عنصر فقط ، بينما تم توزيع بقية ال 300 ألف ضابط وجندي على الأجهزة الأمنية والشرطة ، والحقيقة أن رقم ال300 ألف نفسه هو الرقم الذي كان موجودا في جداول المقاولين العسكريين من الجانبين ، لصرف الرواتب ، لكن المصادر الأمريكية نفسها تؤكد أن ما كان موجودا على الأرض لا يتجاوز 1/6 هذا الرقم .
وثالث هذه العوامل أن قاعدة الجيش والأجهزة الأمنية من الجنود والمستويات الدنيا لم يحصلوا على رواتبهم على امتداد الشهور الأربعة السابقة على الانسحاب الأمريكي ، بل لم يحصلوا على مخصصاتهم من الطعام والذخائر .
ورابع هذه العوامل ، أنه مع بدء خطة السيطرة من الشمال والغرب ، تم خداع قادة الطاجيك والهزارة ، فقد تم فتح الطرق لدخول طالبان ، والواقع أنهم منعوا السلاح عن إسماعيل خان وسلموه لطالبان ، بينما فر عبد الرشيد دستم وعطاء محمد نور من مزار شريف عبر الحدود الأزبكية في اللحظات الأخيرة وكان تعليق نور موحيا : " كنا ضحية لخيانة متأصلة نتيجة لمؤامرة كبيرة منظمة وجبانة " .
وخامس هذه العوامل هو استخدام سلاح المال ، فقد وضعت بين يدي طالبان مبالغ طائلة من الدولارات ، منحة من دولة عربية لشراء الولاءات ومقايضة السلاح ، وفتح الطرق المغلقة ، وإغلاق الطرق المفتوحة .
لقد كانت هناك خطة متكاملة لبسط أفغانستان كاملة تحت أقدام طالبان ، وتمكينها منها ، وهي خطة بالغة الإحكام ، تقدم نموذجا لدور دولة أجنبية في بسط نفوذ قوة منظمة بعينها على أراضي الدولة التي تعيش فيها ، ومع ذلك لا مفاجأة في الحديث عن مفاجأة ، فخطة التعمية على خطة التمكين تسللت حتى إلى تقدير مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية ، ففي تقريره العام عن التهديدات لعام 2021 ورد بالنص : " ستكافح الحكومة الأفغانية لكبح جماح طالبان " ، كما تسللت إلى الجنرال ( مارك ميلي ) رئيس هيئة الأركان المشتركة ، فقبل ثلاثة أشهر فقط على الانسحاب ( مايو 2021 ) وفي مؤتمر صحفي معلن ، كان يفيض حماسة وهو يتحدث عن ( نقاط القوة لدى الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني )
ماذا خلّف الأمريكيون من ورائهم ؟
تبدو الطلقة الأخيرة معيارا لما خلفوه ، ففي لحظات الرحيل الفاجعة أطلقوا طلقتهم الأخيرة في صورة طائرة مسيرة ليخلفوا بصمة دموية كبيرة باقية ، فوق أنقاض مبنى اختلطت بأشلاء 6 أطفال وأمرأتين ورجل .
إن المنسحبين دوما بعد أن يسمموا آبار المياه ، ويلغموا أفواه القرى ، وينتجون تلالا من القتلى والمعاقين ، حتى في القبائل الرعوية المتخلفة ، يغطون عورة ما صنعوه في لحظات الرحيل بأوراق الأشجار ، وربما يتركون إشارة إلى بئر ماء حفروه ، لكن الأمريكان أصروا على أن يتركوا وراءهم في اللحظات الأخيرة بصمة كبيرة بالدم .
لقد قالت صحيفة لوموند الفرنسية أنه : " بعد عشرين عاما من التدخل حولت أمريكا أفغانستان إلى دولة مخدرات " ، ورغم أن ذلك صحيح لكن فيه أثر لنمط التحديث الأمريكي ، فقد تدخلوا على جانبين ، تدخلوا لتطوير تكنولوجيا الزراعة لإنتاج محصول أوفر من الأفيون ، وتدخلوا في تكنولوجيا الصناعة لتحويل الأفيون إلى هيروين نقي ، وبالتالي أضافوا إلى اقتصاديات الأفيون والإرهاب في أفغانستان ( قيمة مضافة ) كبيرة ، فقد كان الأفيون يصدر خاما بأسعار زهيدة ، لكنهم أنعموا على الأفغان بمصانع لتحويل الأفيون إلى هيروين (وهي مصانع صغيرة تستخدم حمض الأستيك في إنتاج بلورات الهيروين) ، وقد مثل ذلك جانبا مما أدخله الاحتلال الأمريكي من مظاهر التحديث إلى هناك ، فلم تكن عملية التحديث من أولها إلى آخرها خارج هذا المفهوم، قشرة عصرية فوق جدران جانبية عتيقة ، سرعان ما تطردها عوامل خصوصية البيئة قبل عوامل التعرية ، من النخبة المشتراة بالمال إلى الديمقراطية الشكلية المشتراة بالإذعان ، والتي دهست أمريكا بحذائها الثقيل صورها التي صنعتها بنفسها ، سواء ما اعتبرته رئيسا منتخبا أو حكومة منتخبة أو برلمانا منتخبا ، وذلك لصالح تنظيم مسلح كان تصنيفه في أدبياتها أنه إرهابي .
ثمة دروس كبيرة لا تخطئها العين مثل أن أهم علامات ترنح الإمبراطوريات هو سقوط منظومات القيم الإنسانية والأخلاقية ، بينما يكون ذلك في الوقت نفسه متزامنا مع حالة من التمركز الشديد على الذات ، أما عن النظريات العسكرية والسياسية التي تهشمت فوق جبال أفغانستان وفي تربتها فهي عديدة ، وتكفي الإشارة إل نظريتين الأولى هي (الطلقة والصدى) ، فقد تبين أن الصدى أكثر تأثيرا وبقاءا من الطلقة ، والثانية هي نظرية ( جز العشب ) فقد تبين أن العشب لا يموت بالجز ، وإنما يقوى فكلما جززت طبقة من العشب دون تغيير البيئة يخرج الجديد أكثر قوة وقدرة على التمدد .
قد لا أخطأ إذا قلت أن هناك خطة سياسية اخرى ، على أساس أن الهدف الإستراتيجي للانسحاب الأمريكي ، هو تفجير وسط آسيا وبحر قزوين ، بما في ذلك الصين وروسيا وإيران .. الخ .. وتلك مفردات قد لا تكون بعيدة عن غلاف الإستراتيجية الأمريكية ، لكنها بعيدة عن قلبها .
إن الانقلاب الإستراتيجي هنا في الشرق الأوسط ، وبؤرة الاضطراب الكبير هنا .



#مهيب_أحمد_صدوق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظرة الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط وتطورها بعد الحرب ...


المزيد.....




- -تنصل من المسؤولية-.. وزير خارجية مصر يرد على تصريحات نظيره ...
- السعودية.. شرطة مكة تقبض على مواطن -أساء للذات الإلهية-
- نائب وزير الخارجية الروسي والسفير المصري يؤكدان أن القيام بع ...
- نمط متعارض.. حظوظ بايدن وترامب وحزبيهما تتباين بـ-ولايات مهم ...
- فيديو: في ذكرى النكبة.. فلسطيني مسن يتذكر بأسى الترحيل القسر ...
- الوزير المتطرف بن غفير يطالب بإعادة المستوطنات إلى غزة ومغاد ...
- السعودية.. الملك سلمان بن عبد العزيز يرحب بـ-ضيوف الرحمن- ال ...
- عائلات الرهائن الإسرائيليين: لا احتفال بيوم الاستقلال وأبناؤ ...
- بلينكن: أوكرانيا تمر بلحظة حرجة ولا بد من توسيع نطاق التعبئة ...
- وسائل إعلام إسرائيلية تكشف حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي والمس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهيب أحمد صدوق - النظرة الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط وتطورها بعد الحرب الباردة إلى الآن (1)