أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تومر حروﭫ - سامي ميخائيل صارَعَ دولة إسرائيل لسنوات طويلة، وفي النهاية انتصر















المزيد.....

سامي ميخائيل صارَعَ دولة إسرائيل لسنوات طويلة، وفي النهاية انتصر


تومر حروﭫ

الحوار المتمدن-العدد: 7943 - 2024 / 4 / 10 - 23:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



وفاة سامي ميخائيل تزامنت مع نقطة حزينة للغاية في التاريخ الإسرائيلي واليهودي، لكن الآن بالذات تجدر العودة إلى مؤلفاته ـ ليس من أجل المتعة والتثقّف فحسب، بل من أجل التقدم، أيضاً، نحو المستقبل الأفضل الذي حاول تشكيله في خياله


كان سامي ميخائيل، مثلما وصفه روﭬـيك روزنطال في كتابه "حدود الريح"، "متفائلاً في المبدأ، لكن متشائماً في الواقع". في هذا الكتاب السميك، الذي هو عبارة عن مقابلة مطوّلة حول رؤيته بشأن المجتمع الإسرائيلي، أوضح ميخائيل أن "الواقع يتطور ببطء ونحن بشرٌ نودّ رؤية الواقع الآخر بأعيننا، في حياتنا. التاريخ لا يسير بالوتيرة التي نرغب نحن في أن يسير بها".

لو كان بالإمكان التحكّم بوتيرة التاريخ، حقاً، لكان من الحريّ أن نطلب منه أن يحث الخطى وأن يُسرع، من أجل سامي ميخائيل بشكل خاص. 97 هي سنّ الحياة المكتملة، لا سيما لمن سكب فيها محتوىً غنياً جداً، إلا أنّ توقيت وفاة ميخائيل قد ضبط التاريخ الإسرائيلي واليهودي في نقطة حزينة للغاية. العالم الممتلئ بالرحمة والطيبة، الذي حاول ميخائيل أن يخلقه لنا في الأدب، هو عالم لا يخشى التحديق في الشرّ وما فيه من تعقيدات، ثم مواجهتها، وربما يكون قد دُفن تحت الأنقاض التي انهارت عليه يوم السابع من تشرين الثاني. ربما كان ميخائيل مُحقّاً والتاريخ يخطو نحو الاتجاه الصحيح، بل سوف يخلّص نفسه ويخلّصنا من الحرب الملعونة، من زعماء تُعساء فاقدي الأهلية والكفاءة، من القتل، من الجوع، من المعارك ومن المعاناة التي لا طائل منها، إطلاقاً. لكن هذا الرجل بالذات، الذي قدّم في مؤلفاته ونشاطاته هذا الكمّ الكبير جداً من شارات التنبيه إلى دوائر العنف اللانهائي، لم يعد قادراً على رؤية هذا في حياته.

بصفته خرّيج سنوات الحرب العالمية الثانية، كان ميخائل يعرف بعض الأشياء عن نهاية الإيديولوجيات وعن الإنسان الذي بقي مُجرَّداً، ليس من وطنه فقط، بل أيضاً من الأفكار القديمة والجديدة التي لا توفر العلاج الشافي لأوجاعه. دولة إسرائيل، التي وصل إليها ميخائيل بعد أن فرّ هارباً من العراق بسبب نشاطه السياسية، طالَبَتْهً ـ كما طالبَتْ مهاجرين آخرين ـ "بخنق اللاجئ الذي في قلبه وتمجيد الصهيوني الذي في روحه"، غير أن ميخائيل لم يكن قادراً على الإذعان لذلك. وبدلاً من هذا، خلق لنفسه طريقاً خاصة به. في الفيلم الوثائقي Forget Bagdadتحدث ميخائيل عن المصاعب الشخصية في العثور على هوية ذاتية لا تنحني أمام القواعد المعيارية التي طولِبَ المهاجرون إلى إسرائيل بالامتثال لها. "حين وصلت إلى إسرائيل قررتُ إقامة دولة تُسمّى دولة سامي ميخائيل"، قال من منزله المُطلّ على خليج حيفا، "كانت هنالك حرب طويلة بين دولة إسرائيل ودولتي. كلتاهما كانت تريد الانتصار. لكنني أستطيع اليوم القول إنني أنا الذي انتصرت".


حياة مشتركة

كان ميخائيل على حقّ. التاريخ شاهدٌ على انتصاره، لكنّ النضال من أجل إنشاء دولة سامي ميخائيل كان متواصلاً وعنيداً. لقد عاش في إسرائيل 27 عاماً قبل أن يبدأ الكتابة وإصدار الكُتُب باللغة العبرية. كان يكتب في صحف عربية، عن حياة المهاجرين في "المَعبِروت" بشكل أساسي (المَعْبَروت، جمع مَعْبَراه، هي مخيمات أقيمت لاستيعاب اليهود المهاجرين إلى إسرائيل في خمسينات القرن العشرين، وخاصة المهاجرين من الدول العربية ـ المترجم)، إلى جانب عمله في "سُلطة المياه". وسيحكي بعد سنوات أنه من خلال عمله هذا وقع في حُب المناظر الطبيعية في البلاد، والتي وصل إليها بحُكم متطلبات عمله.

بالإمكان رؤية تفجّر شغفه بالكتابة في كتابه الأول الذي نُشر في العام 1974. "متساوون ومتساوون أكثر" كُتب بسَخط مكبوت، أقرب إلى كونه عاموداً صحفياً. يُستهَلّ بحرب الأيام الستة ويُطلق فيه ميخائيل الكلمات على عواهنها دون أية قيود. من الصفحة الأولى، يطرح موقفاً مسالماً يسعى إلى تقويض الأسلوب المتشدد وذي النزعة القتالية الذي كان مهيمناً على الأدب العبري ويعتمد تقسيم أعضاء الفريق في العربة المجنزرة، التي يقاتل فيها البطل أيضاً، إلى أشكنازيم وشرقيين. ثم يتفرغ ميخائيل، لاحقاً، لتوصيف المَعْبَراه: كريهة الرائحة ومليئة بالذباب والحشرات. وكما في غالبية كتبه، يجيد ميخائيل وصف كيف تأخذ السيادة لنفسها القوة اللازمة لإقصاء كل من لا ترغب فيه إلى خارج حدود القانون. وعندما يموت والدا دافيد، بطل الرواية، من جرّاء احتراق التخشيبة القماشية التي يقيمان فيها، ترفض الشرطة الدخول إلى المَعْبَراه خوفاً من اندلاع أعمال شغب بين السكان.

واليوم، بينما يسود الكذب وتجري الحرب في ظله ورعايته، يجب أن نُطالب من فوق كل منبر متاح بالعمل والسعي من أجل الحقيقة والسلام. وكما صاغ ذلك ميخائيل: "سأنتفض دائماً ضد كل ما من شأنه أن يقودنا إلى الهاوية، لأنني جئتُ من هناك".

في كتابه الثاني، أيضاً، يصوّر ميخائيل نظاماً يتخلى عن مواطنيه. "عاصفة بين النخيل"، هو كتاب للشباب، يعود إلى أيام الفرهود في بغداد. الاعتداءات، التي نُفِّذت بحق اليهود خلال أيام "عيد البواكير" ("عيد الأسابيع"/ " شـڤـوعوت ") الثلاثة في العام 1940، تحت سمع وبصر الجيش البريطاني الذي كان يحاصر المدينة من جميع الجهات، هي (الاعتداءات) في مركز الكتاب وفي صراع نوري، بطل الرواية الرئيسي، مع مسألة الهوية اليهودية تحت حُكم أجنبيّ. ويمثّل وصف الاعتداءات بين دفَتيّ الكتاب إعلاءً لصوت اليهود العراقيين الذين حملوا في قلوبهم صدمة الفرهود حتى مغادرتهم العراق وهجرتهم إلى إسرائيل، إلا أن ميخائيل لا يصف الفظائع والأهوال فحسب، وإنما هو يصف أيضاً الحياة المشتركة والمركّبة بين اليهود والمسلمين، كما يصف أيضاً حالات من الشجاعة وتوفير الحماية والملجأ المتبادلين، مسلمين ينقذون يهوداً والعكسُ أيضاً صحيح.

يشكل طلب اللجوء موضوعاً مركزياً في كتب ميخائيل التي تعرض حالات عديدة يقوم فيها شخص بالدفاع عن شخص آخر أو شخصية تختبئ في بيت شخص آخر. يستخدم ميخائيل الملجأ بغية إنتاج لقاء بين شخصيات تحمل هويات مختلفة: نساء ورجال، أشكنازيم وشرقيين، مسلمين ويهود. إنه انعكاس أيضاً لقدرته على الكتابة البارعة ـ ليس فقط في التوصيفات الغنية وفي الجوانب السينمائية التي تميّزها، وإنما أيضاً في القدرة على كتابة شخصيات من عوالم مختلفة. في "عاصفة بين النخيل"، ولكي يخلّص نفسه من الجمهور الغاضب، يتظاهر نوري بأنه فتى مسلم يركض سوية مع المعتدين ويهتف "اذبح اليهود" حتى يجد هو وشقيقته ملاذاً يأويان إليه. إنه الانتقال الذي يستطيع ميخائيل القيام به في جميع كُتبه ـ وهو ما يسعى إليه في منظوره السياسي أيضاً: رؤية الآخر، ليس انطلاقاً من موقف أخلاقي وإنما من موقف براغماتيّ. وإلا، فكيف يمكن أن يكون ثمة حوار؟


ليس ثمّة عربيّ كهذا

من المستحسَن العودة إلى الكثير من كتب سامي ميخائيل في هذا الوقت، لكنّ "ملجأ" ("حَسوت") قد يكون الأكثر ملاءمة من بينها كلها الآن، وهو الذي يخوض في كيف تؤدي حرب يوم الغفران ورُعب الإبادة إلى تعليق العلاقات الإنسانية. يعرض الكتاب صورة مركّبة عن العالم تعترف بالاختلافات بين الثقافات، بل وتشير وتوجّه النقد إلى الفشل في تحقيق أي نوع من الشراكة بين الشعوب، لكن في ذلك النقد ذاته، بالذات، يمك للمرء أن يجد العزاء والراحة أيضاً. إمكانية إنهاء الصراع سوف تتهيأ عندما ينظر كلا الشعبين أحدهما إلى الآخر ويرى ما هو الموجود هناك فعلاً دون أن يحاولا الوقوع في حب بعضهما البعض، مثلما حصل في رواية أ. ب. يهوشواع "العاشق"، التي صدرت في السنة ذاتها التي صدرت فيها رواية ميخائيل أيضاً. هذه نظرة بالغة إلى العالم تسعى لأن ترى العرب واليهود كما هم تماماً وليس إحاطتهم بهالة أخلاقية خيالية وموهومة.

"حينما وصلت إلى إسرائيل قررتُ إقامة دولة تُسمّى دولة سامي ميخائيل. كانت هنالك حرب طويلة بين دولة إسرائيل ودولتي. كلتاهما كانت تريد الانتصار. لكنني أستطيع اليوم القول إنني أنا الذي انتصرت".

سامي ميخائيل
"لم أكن مستعداً، وما زلتُ غير مستعد الآن أيضاً، للكتابة عن العربي كمخلوق بمثابة أمنية. أمنية بأن يكون إنساناً طاهراً، جميلاً، لطيفاً، دمثاً"، أوضح ميخائيل بعد صدور الكتاب، "أنا لا أكتب بهذه الطريقة لسببين اثنين: الأول، أنه ليس ثمة عربي كهذا كما أنه ليس ثمة يهودي كهذا. والثاني، من أجل صنع السلام مع العرب فليس من الضروري أ، أصنع السلام مع عرب أطهار وأنقياء".

في العديد من كلمات الرثاء لسامي ميخائيل، تكرر الحديث عن قضية عدم فوزه بجائزة إسرائيل، رغم أن أشخاصاً كثيرين قد رشّحوه للفوز بها مرات عديدة. طبقاً لما قاله أشخاص مقربون منه، ربما يكون الأمر قد أشغله هو أيضاً، إلا أن الحقيقة هي أن جائزة إسرائيل، بصيغتها الحالية، لا تستحق سامي ميخائيل. الجائزة التي تقدمها حكومة تسعى إلى التضييق على ميخائيل وعالمه، إنسانيته، مطالَبَته بالمساواة والحرية لجميع الشعوب، ليست جائزة مرغوب فيها هذه الأيام. القضية ليست أن المؤسسة الرسمية رفضته تماماً واليوم في حصص تدريس الأدب في الجامعات ثمة محاضرون يتعاملون معه ومع إبداعاته بصورة مناسبة واحتوائية؛ كتب بحثية ترافق، وسوف ترافق، مجموعة أعمال ميخائيل وفي المدارس ما زالوا يدرسون بعض مؤلفاته، لامتحانات البجروت أيضاً. لكن من الجدير، وخاصة في هذه الأيام بالذات، أن يعود إسرائيليون كثيرون إلى كتاباته، ليس من أجل المتعة والتعلّم فق، وإنما من أجل التحرك أيضاً. التحرك نحو ذلك المستقبل الأفضل الذي سمح ميخائيل لنفسه بأن يتخيّله لنا.

في "ماء يعانق الماء"، وهو كتاب أشبه بسيرة ذاتية، يطرح ميخائيل إمكانية الحياة المتناغمة بين الشرقيين والإشكنازيين، لكنه يطالب بالاعتراف بها، من خلال كشف الحقيقة. كان ميخائيل مُبدعاً خيالياً وفيّاً للحقيقة، حتى حين لم تكن مريحة: للإشكنازيين، للشرقيين، للصهيونيين، للعرب. كان يؤمن بأنه هو أساس المصالحة. اليوم، بينما يسود الكذب وتجري الحرب في ظله ورعايته، يجب أن نُطالب من فوق كل منبر متاح وفي زاوية كل شارع بالعمل والسعي من أجل الحقيقة والسلام. وكما صاغ ذلك ميخائيل: "سأنتفض دائماً ضد كل ما من شأنه أن يقودنا إلى الهاوية، لأنني جئتُ من هناك".



#تومر_حروﭫ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قط بري ضخم يقتحم ملعب غولف ويفاجئ اللاعبين.. شاهد ما حدث
- حزب الله يدّعي إطلاق 60 صاروخا على شمال إسرائيل
- بوتين: تسوية القضية الفلسطينية تكتسب أهمية خاصة في ظل التصعي ...
- الحرب على غزة| قصف إسرائيلي على أنحاء القطاع ومحكمة العدل ال ...
- -يلقبونني بالشهيد الحيّ-.. ناجٍ من مجزرة دير ياسين يروي تفاص ...
- لدفع إسرائيل إلى وقف اجتياح رفح... جنوب إفريقيا تتجه مجددًا ...
- من حضر قمة البحرين ومن تغيب عنها من الزعماء العرب؟
- هربوا من الشرطة فباغتهم الموت.. مصرع 4 مهاجرين بحادث اصطدام ...
- بوتين يلتقي رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ
- ماسك يعقد مقارنة بين منازلته مع زوكربيرغ ومناظرة بايدن وترام ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تومر حروﭫ - سامي ميخائيل صارَعَ دولة إسرائيل لسنوات طويلة، وفي النهاية انتصر