أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي سعد مخلف العبيدي - مفهومات الحجاج فلسفيا- ادبيا















المزيد.....



مفهومات الحجاج فلسفيا- ادبيا


علي سعد مخلف العبيدي
الدكتور

(Ali Saad Mikhlif Al-obaidi)


الحوار المتمدن-العدد: 7872 - 2024 / 1 / 30 - 23:00
المحور: الادب والفن
    


مما لاشك فيه أن الحُجاج هو احد نظريات علم البلاغة في سياق الخطاب اللساني , وقد اخذ هذا الوصف الاصطلاحي عدة مفاهيم وله مرجعيات وأنواع وأصول , وهو لا يعني (الجدل) كما تفسره بعض الدراسات , لا بل هو ابعد من ذلك . أن الحُجاج في محتواه الدلالي العميق يدل على تفسير وتحليل الخطابات والنظم الفكرية وإعادة النظر إليها بحسب عناصرها , إي وسيلة خطابية تتضمن الرد على الآراء التي تمثل التحديات للذات و معرفة بغية أفكار ما يريد إطرائه الآخر من اجل أنتاج معنى دلالي وصفي دقيق كيفي مؤثر في (المتلقي) .
ولذلك الأداء في الحجاج له عدة سلوكيات مختلفة يتبعها المؤدي لإفهام المتلقي عن طريق المحاكاة أو التقليد وما يحمله الأداء من ارتفاع في الصوت أو السرعة بالحركات لتمثل لغة جسدية أخرى ذو أبعاد تأكيدية لإيصال فكرة الموضوع .
لقد عمد الفلاسفة الإغريق على إيضاح هذا المصطلح تحت مسمى البلاغة الخطابية , إذ اهتموا باللغة اهتماما بالغا وفي جوانبها التداولية , وكيفية صياغة الخطاب على اعتبار اللغة وسيلة أقناع وتأثير في الواقع .
وهم من الأوائل اللذين نظروا إلى الحجاج فقد حرص على دراسة قواعد الاستدلال المنتج في الخطابات محاولا استخراج الوسيلة التي ينتجها الخطيب لإيصال الفكرة وإقناع المتلقي فيها .
اهتم السفسطائيون بالخطابة اهتماما بالغا واستولوا عليها محاولين في ذلك فرض آرائهم ورؤاهم على الجمهور الإغريقي , واجتاحوا من خلال هذه الأطروحات الثقافية بها اغلب فضاءات الفكر والاجتماع , على اعتبارها اداة للتمويه والخداع والإقناع واستهواء الآخر عن طريق التأثير بمشاعره واللعب بأحاسيسه لكونهم يؤمنون بقوة القول وسلطة يقول جورجياس " الخطاب جبار قوي " (1)
فالقول الخطابي عند السفسطائيين يفوق كل المعارف البشرية بما يمتلكه من فعالية في المجتمع وما يرسخ لديهم من اعتقادات فالخطابة في نظرهم هي صناعة إنسانية وهي الصانعة للاقناع , وهي التي تحرك الأفعال في المتلقي , وبالتالي السفسطة حركة حجاجية بالدرجة الأولى لو نظرنا إلى تاريخها وهي حجاج عدل عن معنى الجدل بالحجج من اجل الانتصار على الجدل القائم على التمويه والمغالطة والقياس الخاطئ من اجل التظليل والتغليط وتحقيق سلطة المجتمع .
لقد مارس السفسطائيون الحجاج معتمدين في ذلك على آليات الإقناع والتأثير على مشاعر الآخرين وقد تجسدت هذه الممارسة من خلال الجدل والخطابة ووسائل الإقناع يقول احدهم " أن الخطابة في غنى عن معرفة ماهية الأشياء التي تتحدث عنها أنها قد اكتشفت مقوما صالحا لإقناع , والنتيجة هي انه أمام جمهور من الجهلة تبدو وكأنها تعرف أكثر ما يعرفه العارفون " (2)
لقد كان منهج السفسطائيين يستند على التمويه والتضليل والقياس الخاطئ وما يخالف المألوف دون التقيد بمبادئ القيم والأخلاق وميزان العدل والباطل , إي بعيد عن ضوابط الحوار أو القيود العلمية , كل ذلك من اجل خدمه مصالحهم ومنافعهم وتحقيق أهدافهم .
لقد استند السفسطائيين في الحجاج على مجموعة عناصر منها :
1. التبكيت : هو الإيقاع بالخطأ والدفع إلى مخالفة المشهور واستخدام صيغ لغويه غير مألوفة , ودفع المجيب إلى الكلام الفارغ وذلك بإرغامه على أن يكرر الآمر نفسه مرات عديدة . (3)
فالتبكيت هو استدلال بقياس خاطئ يظن المتلقي انه صحيح , أو مقدمة تبدو صادقة وهي في الواقع كاذبة , وبالتالي الاعتماد على إليه المغالطة الدلالية المتنوعة والتلاعب بالمقدمات بما يخدم مصلحتهم .
2.تناقض الأفكار و التعدد الوظيفي للخطاب :
وذلك بان كل ما يطرح من أفكار وآراء ومواضيع فهي قابلة للمعارضة كونها نسبية ومحتملة وبذلك تكون مفتوحة للنقد والنقاش والدفاع عنها أو نقيضها , ويقصد بالتضليل والتغليط بان يحتج السفسطائي بحجة تكون مقبولة لدى المتلقي في ظاهرها وهو يريد بها غرضا باطنا خفيا , من اجل ان يفقد الخطاب هدفه ويدخل في الشك والحيرة من اجل قلب محتواه " وتسمى هذه الحجج بالسفسطة وستصبح السفسطائية تخصصا دراسيا يعين على أظهار المحاسن والمساوئ في كل موضوع " (1)
3.مبدأ الاختلاف :
يقوم الحجاج عند السفسطائيين أيضا على مبدأ الاختلاف ومخالفة المعروف والمألوف بهدف استمالة المتلقي وإذعانه والتأثير في سلوكه , فالأفكار التي أتوا بها من اجل تحقيق اللذة والنفعية أفضت بهم للتوجه ألحجاجي بحسب مقتضى المقام الذي يدور فيه الحوار وذلك " بتوظيف سلطة القول وفكرتي التوجيه , والتوظيف إذ تعد محطات لها دور بنائي في معظم الحجج المعاصرة " (2)
4. القياس الخاطئ :
استغل السفسطائيين مرونة اللغة حسب رغباتهم كونها المادة الخام الخاضعة للتشكيل , من اجل أن يقوموا بصناعة حجج تهكمية وساخرة , فاقدة للجدية , تضع المتلقي صاحب الحس السليم في شك , للرد عليها من خلال استخدام مقدمة صادقة واضحة ويجعل بينها وبين النتيجة مفارقات لازمة ومحرجة , تجعل المتلقي يدرك في النهاية انه أمام سفسطة وقياس خاطئ يخالف أفق توقعه وواقعه ومثال لذلك : " هذا الكلب لك فهو كلبك . لهذا الكلب صغار فهو اب . فهو اب وهو لك فهو اذن ابوك ! " (3)
لقد أسهمت الحركة السفسطائية في أثراء الأطروحات الفلسفية للحجاج في اللغة , من خلال استخدام الحواس والاستناد الى الأدلة الخيالية من اجل أيهام المتلقي .
وفي هذا السياق ميزوا بين الحجاج الاقناعي القائم على إقناع الاقتناع الذاتي للمتقبل وبين الحجاج ألاقتناعي القائم على حمل المتقبل للاقتناع , اي استطاع التمييز بين نمطن الحجاج الجدلي القائم على التأثير الذهني نظريا , والحجاج الخطابي المرتكز على التأثير في الإرادة " ان هذه الرؤية أفرزت قاعدة ... في الحجاج مفادها ان الحجاج التابع للجدل من ناحية وللخطابة من ناحية أخرى تابعة للجدل الذي يستعمل البرهان وسيلة لتحقيق اليقين عبر الاستدلال (الاستنباط والقياس) في بعده ليحقق الإقتناع الذاتي دون تأثير الموضوعي وتابع للخطابة التي تسعى إلى الإقناع بواسطة تمرير المحتمل إلى الأذهان " (1).
إي لابد للمحاجج (المخاطب ) من مواد لحجاجه (الخطابة) أو ما اصطلح عليه بمصادر الأدلة , وبعد ذلك يعمد المحاج الى تنسيق وترتيب أجزاء القول , ثم يأتي بعد ذلك على التحسينات واختيار اللفظ الملائم للتعبير والذي أطلق عليه الأسلوب .
(يعد أفلاطون) من أشهر تلامذة (سقراط) والذي عرف بمناصرته وتبنيه للمذهب الفلسفي المثالي الموضوعي , إذ قدم مجموعة تصورات ومواقف أثرت البحث البلاغي من خلال أطروحاته (جورجياس) و (فيدر) , إذ أعلن أفلاطون " عدائه للخطابة ومعارضته لها من باب أنها تقوم على مبدأ الرأي والظن " (2) .
أي يعني بذلك الأفكار التي تعتقدها عامة الناس وتتداولها في معاملاتهم , والتي تجسد اجتماعية الإنسان , وهذا الرأي لا يقوم بشكل آني لان الآخرين يسلمون به ويقبلونه في ظل شروط معينة , فيكون بذلك محل أجماع لدى الجماعة ومن ثم يصبح شديد المرونة والتلون بحسب طبقات الناس وأحوالهم .
لقد بنى أفلاطون رفضه للخطابة على هذا الأساس الذي يمثل في نظره جانبا شخصيا ذاتيا لا موضوعيا ,اذ ليس باستطاعته تقديم حقائق صادقة , ذلك لان كل إنسان يرى الواقع كما يشتهيه ويدعوا ما يناسب أحواله الذاتية .
أي أن الخطيب لا يقدم للمستمع المعرفة بقدر ما يسعى إلى إقناعه , ولذلك يقول (أفلاطون) " وفي جميع الأحوال فانه قد لا يستطيع متكلم في الزمن القصير المخول له من إفادة مثل ذلك الحشد , والدفع به إلى معرفة المشاكل الجوهرية " (1)
اي يرى (أفلاطون ) أن البلاغة لا تهتم بإنتاج المعرفة بل بالإقناع .
أن هذا الهجوم على البلاغة مرده إلى نقمة (السفسطائيين) الذين كانوا " يعتمدون الفن الخطابي في نشر الأفكار و تأييدها " (2) .
ومن بين أرائه للبلاغة يرى أنها حشدية أو جماهيرية تعتمد التعبئة في الحلبات من خلال الاحتفالات مثل مجلس القضاء (المحاكم) فهي مرتبطة بالتجمعات الشعبية بطابع التهييج الذي قد يمارسه طرف جماعة ما بغية أقناعهم بقضية معينة .
والواقع أن هذه الحشود هي العنصر الرئيسي في مقام الإغراء الذي تقيمه البلاغة , أي تمثل ضرورة الإقناع المكثف , ولهذا استبعدها (أفلاطون) من ميدان المعرفة أو العلم يقول(سقراط) , حينما يجتمع الناس لأجل اختيار الأطباء , وبناة السفن وإيه مهنه أخرى فهل نلتمس من الخطيب راية في الموضوع؟ لا إذ من البديهي إننا بحاجة إلى اختيار كل اختصاصي في الميدان (1) .
ويكمن السبب الرئيسي في نقده للبلاغة أنها تقوم على الضغط الفكري , إذ أنها تلزم الفرد ا والذات بالإقناع بمجرد أن العامة تساند هذه الفكرة , أما في ميدان المعرفة فلا ينبغي الاحتكام إلى هذه العامة ومن ثم تعد بعيدة عن عالم المعرفة ولذا يقول (سقراط) " تامل جيدا يابولوس تفنيدي إلى جانب تفنيدك اذا قارناهما فأنهما لن يكونا شبيهين في اي شيء , أن تفنيدك يلقي القبول من كل الناس , وانأ الوحيد الذي لا اخصه بهذا القبول , والحال أنني انأ حينما أفندك فاني اكتفي بموافقتك وبشهادتك , ولا اطلب استشارتك أنت وحدك , أما الآخرون فأتجاهلهم " (2).
فمعيار البلاغة هو رأي العامة المساندة للفكرة والرأي , ومن جهة أخرى يأتي ذلك في وجه خطابي إذ يعد مرفوض في الجمهورية الفاضلة لأفلاطون آذ يعد سبب تحامله على ذلك المصطلح هو تمسكه بفلسفة عالم المثل , آي يرى أن البلاغة الحقيقية هي الفلسفة المتميزة بالصدق وتقدم المعرفة الصحيحة , ثم يطور في ضوئها أنموذجا فلسفيا جديدا يحاول أن يجيب عن الأسئلة التي قد تطرحها البلاغة تحت علم جديد اسماه الميتافيزيقيا والذي يعد غير خاضع للصدق , وبعيدا عن النقاش أو الجدل .
وإزاء هذا الوضع المتشدد والمنكر للبلاغة نجده يقر بوجودها في المجتمع لأنها تودي دورا كبيرا في توجيه الجمهور والتأثير عليه يقول من جهة " أن البلاغة ليست بحاجة إلى معرفة ماهية الأشياء التي نتحدث عنها أنها بكل بساطة قد اكتشفت انها أداة للإقناع , والنتيجة هي أنها إمام جمهور من الرعاع وتبدو كأنها تعرف أكثر مما يعلمه العلماء " (1)
وبذلك يلخص (ميشيل مايير) فكرة أفلاطون قائلا " إن الجدل من وجهة نظر أفلاطون نظام من الأسئلة والأجوبة , إلا انه التعبير قبل كل شيء عن هذه الحقيقة الوحيدة , وغير المتلبسة التي ينبغي أن تنبثق من المناقشة التي نفترضها دائما , هذا الانبثاق للمعرفة يستند بعد ذلك النقاش على واقع ثابت متكون من حقائق قائمة سلفا , إي الأفكار التي يخضع لها والتي هي مجرد لحظة تجلي" (2)
أي أن الجدل يبنى على التحاور ومن ثم تكون البلاغة الحقيقية هي الفلسفة محددة بهذه الكيفية والمشاكل الحقيقة لا توضع موضع نقاش بالشكل الذي تقصده البلاغة بهذه الكلمة ولكنها تمثل جزءا من العلم لأنها لا تستسلم إلا لجواب واحد و الاجوبه المتعددة لأتعود إلى العلم .
ويتضح لنا مما تقدم ان أفلاطون له موقفين معارضين الأول يتعلق ببلاغة السفسطة اي المداهنة التي تتسلل تحت قناع التشريق والعدل , والآخر فيقترن بالجدل المتمثل في البلاغة الفلسفية وهي التي يؤلف فيها المتكلم بين الأفكار ثم يحللها , وقد كان له>ين الموقفين تأثير على البلاغة الغربية " هذان الموقفان من البلاغة يحتلان موقعا مهما ضمن أطروحات أفلاطون (جورجياس- فيدر) المعتبرين المصدرين هما لفهم البلاغة الغربية " (1).
وعلى عكسه تماما إذ دعا (أرسطو) الاهتمام بالخطابة – البلاغة من خلال أطروحاته الفلسفية نظرا لأهميتها في المجتمع وتأثيرها عليه , منبها على وجود منطق خفي حياتي إلى جانب المنطق الصوري اذ يتميز بطابع جدلي مرتبط بمعيشة الناس وأحوالهم في الأماكن الشعبية مثل المحاكم حيث يقوم المتهم بالدفاع عن نفسه بواسطة توجيه خطابه إلى القاضي او الحاكم عن طريق الحجج التي يصوغها بغيه إقناعه والتأثير على حكمه , ومثل الاولمبياد الاحتفالية والأعياد الدينية والتجمعات الجماهيرية الحافلة بالخطب الاستشارية والتوجيهية .
لقد شكلت هذه المنابر مناخا ملائما لبروز هذا المنطق الخطابي المتميز بقوة الإقناع والتأثير على أراء الناس وميولهم فهو مقترن بالصبغة الجماهيرية الشعبية ويسميها أرسطو البلاغة , ويسميها (أرسطو) الحجاج أو الخطابة الريطورية آذ هي " قوة تتكلف الإقناع الممكن في كل واحد من الأمور المفردة " (2)
وقد وقف ابن الرشد عند كل كلمة عبر عنها (أرسطو) فقال: ويعني بـ القوة الصناعة التي تفعل في المتقابلين , وليس يتبع غايتها فعلها ضرورة , ويعني بـ تتكلف ان تبذل مجهودها في استقصاء فعل الإقناع الممكن . ويعني بـ الممكن : الإقناع الممكن في ذلك الشيء الذي فيه القول , وذلك يكون بغاية ما يمكن فيه . ويعني بقوله , في كل واحد من الأشياء المفردة , أي كل واحد من الأشخاص الموجودة في مقوله من مقولات العشر (3)
وهذا ما يدل على ارتباط البلاغة بوسيلة الإقناع , وإذا كان الإقناع هو الهدف الرئيسي الذي تنشئه البلاغة فانه أيضا مطلبا لأطراف أخرى اهتمت به خاصة السفسطة والجدل .
لقد أسس (أرسطو) نظرية الحجاج عن طريق مجموعة عناصر إذ لا يتحقق الإقناع لدى الأخر إلا بوجود هذه الخصائص :
1. التشبيه :
استعارة تجمع بين أجناس متباينة في وصفها (بنى مجاورة) أمثلة : يقول أرسطو في وصفه غارة القائد (اخيلوس) " انه وثب وثبة أسد " (1) , فـ أسد تدل على الشجاعة وشدة البطش ,فاستعيرت هذه الصفة لهذا القائد , لكي تضفي عليه الهيبة والمكانة .
فالتشبيه أو الاستعارة بالوصف , يحمل فائدة في الحجاج سواء كان شعرا أم نثرا , وعليه يبقى التشبيه اقل من الاستعارة بالتصور الأرسطي بالنظر لطوله ومن ثمة يقل اهتمام السامع , لان القول يكون حجة حسب سرعة الإفادة والإفهام , ولكنه بالمقابل يفضل نمطا خاصا من التشبيه وهو ما يمكن قلبه على نحو ما سبق في التشبيه التناسبي وعلى الرغم من ذلك " ينبغي عدم فصل التشبيهات عن دراسة الاستعارات لأنهما معا مظهران لنفس الأداة إلا وهي الصورة " (2)
2. الاستعارة :
تعد الاستعارة إحدى عناصر المجاز لأنها ترتكز على النقل والتغيير وتعرف " بنقل اسم الشيء إلى شيء آخر" (3) مما يجعل مفهوم النقل في الاستعارة شاملا لعدد من الوجوه البلاغية .
وقد تناول أرسطو الاستعارة ضمن كتابه (الطوبيقا) حيث حصر مجالها (الاستعارة) في جنسين من الخطاب هما : الخطابي والشعري , وبذلك قسمها إلى مقومين حجاجي (خطابي ) وزخرفي (شعري) هذا التقسيم ناتج عن مقام التواصل اليومي للخطاب وفي هذا الصدد إذا كان الخطاب يهدف إلى الإقناع يكون حجاجياً , وحين يهدف الى المتعة يكون شعرياً , وبذلك يطلق على الاستعارة في الوضع الأول صفة حجاجية وفي الوضع الثاني صفة شعرية لأنها لا تحيل إلا على ذاتها (1)
وبهذا تتجه الاستعارة الحجاجية نحو أحداث التغيير في الموقف الفكري أو العاطفي للمتلقي ويحددها أرسطو الاستعارة هي الشكل الخارجي للخطابة وغايتها اجتذاب السامع ولذلك ينصح الخطباء والشعراء بالاعتناء بها .
ونجد من خلال ( فن الشعر ) ينصح الممثل أو المؤلف من الاعتناء في أسلوبه الخطابي الشعري للسيطرة على الجمهور من خلال التشويق في التلوين عند الإلقاء والأداء الحركي .
3. الألغاز :
تتسم الإلغاز بالمحاج طابع الغموض من خلال استعمال تراكيب معينة تكون غير مألوفة تؤثر على السامع يقول أرسطو" وللسبب عينه كانت الإلغاز لذيذة , أنها تعلمنا أمورا على سبيل المجاز " (2) .
وهي تؤثر على فكر المخاطب وتوجهه , وعلى سبيل المثال يقول أرسطو " سار والأقدام تكسوها الشقوق " (3) وهنا يقصد بان السامع كان ينتظر سماع لفظة الحذاء فإذا به يسمع كلمة شقوق , أي خروج التركيب عن أطار المألوف (المتوقع) لدى المتلقي ليشد اهتمامه ويجذب انتباهه وهذا يعني بان الإلغاز تؤدي دورا حجاجيا عندما توضع بشكل مناسب ضمن الخطة الحجاجية للمتكلم .
ومما تقدم يجد الباحث أن ( أرسطو ) قد أولى أهمية كبرى للخيال من خلال صوره وألوانه المجازية (الاستعارة , والتشبيه ) حيث ابرز إثرها وتأثيرها على الخطبة , خاصة في شقها الأسلوبي , والتي تعد للخطيب الخزان المعرفي وبواسطتها يكتسب عواطف الناس ومشاعرهم " من وسائل الإثارة الخيال في العبارة , وذلك باختيار المفردات والعبارات التي تثير في النفوس أخيله الذكريات وتبعث صور وأفكار ملائمة للموضوع " (1)
أي أن الخطيب أو الممثل يحقق الإثارة عن طريق اختياره للعبارات المجازية التخيلية مثل التمثيل (المحاكاة) التي تحمل قوة وجرأة , وتؤثر على فكر السامع وتوجه اتجاه الموضوع المطروح ومن ثمه تعد عامل استمالة ضروري لنجاح الخطابة , مما يعني أن الإقناع الذي يمثل الهدف الاستراتيجي لا ينتج ألا بوجود عاملين هما :الحجج التي يبرز فيها الإقناع العقلي , وهي الأساس في نظر أرسطو والأسلوب الذي يحقق الاستمالة إذ يعزز بدوره الحجج والبراهين .
وكذلك شدد ارسطو على الإيقاع (النبرات) المرتبط ارتباطا مباشرا بالإلقاء الخطابي الشفوي , حيث يساعد على جذب المستمع واستمالته , حسب طريقة توظيفه ونوع الخطاب سواء كان شعرا أم خطابة .
لان الشعر من وجهة نظره" كلام مخيل موزون " وبناءا على ذلك يعد الوزن أهم سمه للشعر تميزه عن بقية الأجناس الخطابية , إذ يمثل القالب الصوتي للقول مما يساعد المتكلم على استقطاب وشد السامع نحو (القول) ليضفي عليه شاعرية وتفاعل " (2)
ومن وجهة نظر الباحث من صفات الأسلوب الخطابي الرفيع أن يكون موسيقياً رنانا ليكون خفيفا على اللسان ومؤثر في الآذان يقول (أرسطو) " ان الكل يسروا أذا راو النهاية , وهنا تأخذ الصناعة الصوتية أو (الإيقاع ) في الخطابة منزله كبيرة " (1)
وبالتالي يرى الباحث إن الأسلوب ألحجاجي من وجهة نظر (أرسطو) يتشكل من عنصرين هما الخيال (الأفكار) والموسيقى (الإيقاع ) وان هذه العناصر يكونا البلاغة والتي بدورها لا تكون عملية نقل وإيصال المعنى للسامع لتحقق صناعة لفظية تمثل موضع الفضل والتمييز إضافة إلى إفهام المعنى ومراعاة مطابقة مقتضى الحال .
ولذلك يفرض (الحجاج) على الخطيب او الممثل أن يضفي في أسلوبه الادائي التلوين في الإلقاء حتى يتسنى للمتلقي جمال رؤاه وبراعة خياله , مستعينا بعبارات موسيقية تهدهد وترج النفوس إذ تخدر فيها حاسة النقد , بشرط إن تتخللها كلمات فاصلة منتظمة مدعومة بنبرات صوت أو ضربة توقظ الأذهان (2)
وهذا يعني أن الأسلوب يعد عاملا من عوامل الإثارة المرتبط بالجانب الانفعالي السيكولوجي حيث يسعى الممثل (المتكلم) لكسب رهان عواطف مخاطبة بواسطة الأسلوب , ويجب أن يعلم الممثل أو الخطيب أو الشاعر إن عدوه الملل عند المتلقي الذي قد يواجهه ويهدم أقناعه ولذلك يجب أن يكون أسلوبه خير معين على الملل والرتابة عند المتلقي .
وهناك محطة أخرى في الحجاج أساسية تتعلق في كيفية انتظام مواد المخاطبة (الحجاج) من خلال ترتيب أجزاء الحديث الذي يعد ركنا من أركان المخاطبة او المحاجة , إذ يراعي المرء في قوله ثلاث أشياء أولها وسائل الإقناع , والأخرى اللغة التي يستخدمها وأخيرا ترتيب أجزاء القول " (3)
ويقصد بالترتيب " التوزيع أو التقسيم المنظم لأجزاء الخطاب " (1) إي يقوم المتكلم (الخطيب) بتصنيف الأدلة والحجج في مكانها المناسب داخل نسيج الخطابة , ثم تجزئة النص الى وحدات متناسقة تؤدي ادوار حجاجيه متفاوتة بحسب موقعها ضمن الشبكة الخطابية مما تتصف بقوة واستدلال يخدم الإقناع .
ويمكن اعتبار الترتيب بنية عامة تنضوي تحتها الجزيئات التي لا تفهم ألا في حيزها ونطاقها وتهدف الى الإقناع , لذلك غياب عنصر الترتيب في الخطبة يخلق الفوضى ويتشتت الحجاج ولهذا يعدو حضوره إلزاميا لأنه يشبه البناء المتكامل او النظام الذي يقضي على الفوضى بحيث يعمم الوضوح في الخطبة , ومن المعروف إن الرسالة (الخطبة) كلما كانت واضحة عظم تأثيرها وإقناعها للمتلقي كما لا تكون فعالة ألا إذا أدرجت ضمن صياغة غير مناسبة .
وبناء عليه فالترتيب يمثل الخطة الحجاجية التي يسير عليها المتكلم في بناء العملية الاقناعية وفق متطلبات الجمهور ونوعه , إذ يراعي في الانسجام الذي يساعد المتلقي على استقبال البراهين والمعلومات بشكلها الصحيح ولهذا كان محل اهتمام (أرسطو ).
أشار (رولان بارت) بان أول من سن الترتيب (كوراكس) في تقسيمه لأجزاء الخطاب " وهي :
1.الاستهلال
2. السرد أو الفعل (الحدث)
3. المحاججه أو الأدلة
4. الاستطراد
5.الخاتمة " (2)
أما (أرسطو) فقد بنى تصوره للخطاب وترتيبه على أساس ملاحظته للكلام , إذ وجد انه مكون من جزئين هما الحالة (القضية / الموضوع ) ثم البرهنة , ولا يمكن الاستغناء عن احدهم أو تقديم الثاني على الأول لان البرهان يلي مباشرة الحالة التي يراد برهنتها (1)
اي لا يقتصر الكلام في نظره على العرض والدليل بل يتعدى ذلك إلى السؤال والحل , وهنا يتبين للباحث مدى حكمة ومعرفة (أرسطو) في صناعته فن الخطابة اوالمحاججة في الكلام والمنطق البلاغي .
أما عند الفلاسفة العرب ومنهم (الفارابي) فقد نظر إلى الحجاج بوصفه صناعة المنطق وهو يؤمن السلامة للفكر واليقين والابتعاد عن الخطأ إذ أشار " منفعة هذه الصناعة أنها تكسبنا القدرة على تمييز ما تنقاد أليه أذهاننا هل هو حق ام باطل , وذلك إنا متى عرفنا أصناف انقيادات الذهن والأمور التي يسوق واحد ...إلى الانقياد وأي الأمور ساق الذهن إلى ذلك الانقياد أمكننا في كل حكم انقادت له أذهاننا او ذهن غيرنا " (2)
وبعد معرفته للصناعة (الحجاج) ينظر إلى الجدل فيقول " هي الصناعة التي بها يعمل من مقدمات مشهورة , قياسا في إبطال وضع موضوعه كلي , يسلمه بالسؤال عن مجيب يتضمن حفظه " (3)
إما (ابن سينا) فكان يشير من وجهة نظره بان " المنطق عامة يعصمنا من الخطأ في ادراك المعاني ويعطينا تصورا صحيحا , بما يقدم لنا من قواعد الحد الحقيقي , والتفرقة بين الذاتي والعرضي وبين مايقيم الماهية او مالايقيمها , ويعصم الانسان من الخطا في التصور والانتهاء الى احكام باطلة ونتائج غير مسلمة , فيرسم لنا طرائق البرهان الموصل الى اليقين , ويحذر من السفسطة التي تؤدي إلى الغلط والمغالطة " (1)
وعن (ابن رشد) فقد كان يرى الحجاج " الصناعة التي نقدر بها أذا كنا سائلين أن نعمل من مقدمات مشهورة قياسا على أبطال كل وضع يتضمن المجيب حفظه , وعلى حفظ كل وضع كلي يروم السائل أبطالة أذا كنا مجيبين " (2) .
أما (الجاحظ) فقد ورد في نصوصه الحجاج بوصفه البلاغة التي تتضمن بنيه اقناعية اذ يقول " أو البلاغة أن يكون الخطيب رابط الجأش , وساكن الجوارح , قليل الحظ متغير اللفظ , لا يكلم سيد الأمة , ولا ملوك بكلام السواقة ويكون في قوله فضل تعرف في كل طبقة " (3)
أي أن الناس طبقات مختلفة ومقامات ويجب على الخطيب مخاطبة كل طبقه بما يستطيع أن يؤثر أو يقنع بها خلال الوسيلة اللغوية , فقد أولى الأهمية في الفهم والإفهام اوما أطلق عليه (البيان) في بلوغ الإقناع والظفر به .
لقد اهتم (الجاحظ) بالفعل اللغوي , وعده اساس كل عملية بيانية حجاجية , كما كان للحدث الكلامي عنده مكانه عظيمة , فالكلام في نظره لا يمكن تمييزه عن البلاغة , إذ ينهض في حياة الفرد بوظيفتين هما :
• الوظيفة الخطابية وما كل ماله صلة بها من ألقاء وإقناع واحتجاج ومنازعة ومناظرة .
• وظيفة الفهم والإفهام , أو البيان والتبيين (4)
كما التفت ايضا الى مفهوم مقتضيات المقام وما تشمله من أحوال الخطيب وكفاءته اللغوية وهيئته وصفاته الخلقية , وعليه يمكن تصنيف وظائف البيان كما ياتي :
• الوظيفة الإخبارية المعرفية التعليمية (حالة جياد الذات) أظهار الآمر على وجه الأخبار بقصد الإفهام .
• الوظيفة التأثيرية (حالة اختلاف) تقديم الآمر على وجه الاستمالة وجلب القلوب .
• الوظيفة الحجاجية (حالة الخصام) اظهار الامر على وجه الحتجاج والاضطرار (1)
أذا كان الحجاج عند الفلاسفة اليونان والعرب عقليا وجماليا وخياليا فقد اصبح في العصر الحديث عقائديا في ظل هيمنه الدين كمرجعية وتحول الفكر العقلي تابعا له , في مجال ظهور العلوم الجديدة كعلم الكلام والمنطق والخطابة ..الخ, لقد أصبح العصر الحديث في ظل الحداثة وما بعد الحداثة يقدم مقاربة مهمة بآثارها العلمية والإنسانية والثقافية , حتى بات عصرنا حجاجي وبات موضوعا ملفتا للنظر بسبب حضوره الكلي أو الجزئي أو الضمني في مجموعة خطابات سواء كانت فلسفية أو سياسية أو اجتماعية .
وسبب هذا التحول يعود إلى تطور وسائل الإعلام والديمقراطية إلى جانب ظهور الخلاف والتطرف , لان الحجاج سبيل المنطق والاختلاف والتسامح والحوار البناء والجدل وقد أسهمت تلك المظاهر من جعل (الحجاج) أداة لمناقشة الأفكار مهما كانت طبيعتها ومقاصدها حتى اصب حاليه مهمة في محاورة الأطراف المشاركة في عمل التواصل التداولي من اجل تحقيق غرض الإقناع من خلال الآراء المطروحة والتشكيك بها وتفنيدها واقتراح أفكار أخرى من خلالها وصولا إلى جواب مقنع لمجموع قضايا الناس وأسئلتهم .
أن الحجاجية الفلسفية تحاول التوفيق والملائمة بين الجانب الشعري والجانب المنطقي ,. وهي محاولة لعدم السقوط في اعتباطية الشعر أو حسابية الرياضيات الجدية , وهي أشبه بمناظرة يقوم من خلالها الفيلسوف بالدفاع عن قضيته أمام التحكيم التي يعتبرها القارئ محاكمة الفلسفات والمذاهب والاتجاهات (2)
لقد تنوعت اتجاهات مسار تطور الحجاج على يد (شاييم بيرلمان وميشيل مايير وشانييه وغيرهم) من اجل البحث عن فرق الحجج والبراهين والحجج التداولية الذي يتمثل في القضايا الحجاجية الفلسفية التي تتعلق بالإنسان في وجوده الفردي وقضايا المشهورة التي تحظى بالمقبولية الاجتماعية , ومن حيث علاقتها بالمتلقي , وهي ذات طبيعة تداولية تراعي خصوصيات المتلقي اما القضايا البرهانية فمثالها الإعداد والإشكال الهندسية ومقدمتها تتمتع بالإجماع كونها بديهيات يقينية وهي ذو طبيعة غير تداولية وغير شخصية في علاقتها مع المتلقي , تخاطب الناس بغض النظر عن محدداتهم وبهذا توسع المجال للجدل ألحجاجي وبالمقابل تضيق مجالات البرهان وأصبح الحجاج هو الخطاب الطاغي تداوليا في مجال العلوم الإنسانية .
ان للحجاج غاية كل حجاج غايته اين يجعل العقول تذعن لما يطرح عليها او يزيد من دربة ذلك ألاذعان فأنتج الحجاج ...وحدة ألاذعان تقوى درجتها لدى السامعين بشكل يبعثهم على العمل المطلوب نجازه او هو ما وقف على الأقل من جعل السامعين مهيئين لذلك العمل في اللحظة المناسبة (1)
وهنا يتحول مفهوم الحجاج في بعض الدراسات المعاصرة ومنها الأرسطية الجديدة ولزاما تقديم تعريف للحجاج أو مفهوم يمكن الوصول إليه من خلال طرح أسئلة من قبل الباحث وهي , كيف يحصل الإقناع والإذعان في المحاججة ؟ وما علاقة الحجاج بالجدل والخطابة ؟
وهنا الإجابة بوصفها قطيعة للفهم القديم والوسيط فالرؤية الجديدة للحجاج من الممكن رصدها عن طريق التقابل بين الاستدلال والفهم المعاصر " أن الاستدلال لا يكون عنصر اختلاف بين الناس جميعا ولا يثير تأويله أي مشاكل أو مسائل خلافية بينهم ,لكن الحجاج مجاله الخطابة , أو هو اقرب إلى الخطابة في حين الاستدلال مجاله المنطق " (2)
والاختلاف بين الاثنين هو أن الحجاج ليس موضوعا محض ولا ذاتيا بمعنى انه ليس اقناعيا على اعتبارات الإقناع لأنه يكون بمخاطبة الخيال والعاطفة مما لا يترك المجال لإبداع العقل والحرية في الاختيار , إذ مقومات الحجاج عند المؤلفين حرية في الاختيار على أساس عقلي .
أما الإذعان يكون بواسطة الاقتناع, وهنا فرق بين الإقناع والاقتناع من وجهة نظر (شانييه) ان المرء في حالة الاقتناع يكون قد اقنع نفسه , بواسطة أفكاره الخاصة أما في حالة الاقتناع فان الغير هم الذين يقنعونه دائما " (1)
ومن وجهة نظر البلجيكي (بيرلمان) ، حيث يقصد بالحجاج دراسة التقنيات الخطابية التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يُعرض عليها من أطروحات أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم (2)
يشتمل هذا التعريف عل تركيب من المفاهيم التي تتطلب تحليلا و تفكيكا، إن ما يُفهم في الوهلة الأولى هو أن الحجاج أو البلاغة الجديدة-كما يسميها بيرلمان- له علاقة بالبلاغة القديمة لكونهما يرتكزان عل آليات و إجراءات خطابية معينة ترمي إلى التأثير في المتلقي ، و أنهما ينطلقان من مجالين مشتركين هما الخطابة و الجدل ، غير أن بيرلمان م يقف عند حد هذا الاشتراك و المشابهة ، بل جدّد و أعاد صياغة المفاهيم برؤية جديدة ، فهذه البلاغة الجديدة ترتكز عل تقنيات خطابية، تتمثل في مجموعة من البنى الذهنية الاستدلالية و المكونات الحجاجية ، و العناصر الاقناعية المرتبة بطريقة محددة ، و المحكمة بعلاقات ربط و فصل معينة، بحيث تستهدف إنارة ذهن المتلقي و تدفعه إلى ألاذعان و التسليم .
أو بالأحرى الاندماج فيما يُعرَض عليه من أطروحات و قضايا و تصورات ، أو أن تزيد في درجة ترسيخها و انخراطه و تقبله لها، فهي ذات وظيفة تأثيرية إقناعية ، بحيث لا تقتصر عناية هذا الحجاج فقط عل بناء الحقائق لدى المتلقي و إنما ترسيخها في عقله، و تجسيدها في سلوكه ، و وظيفة هذه التقنيات هي " الفعل في المتلقي عل نحو يدفعه إلى العمل أو يهيئه للقيام بالعمل " (3)
فهي قوة دافعه ترمي إلى تحقيق نتائج عملية قابلة للقياس ،أي أن تقييم الحجاج يتوقف على المتلقين . بمعنى أن هذه التقنيات تحمل وظائف ثلاث هي:" الإقناع الفكري/العقلي الخالص، الإعداد لقبول أطروحة ما، الدفع إلى الفعل" (1)
ويضع (بيرلمان ) نوعين من الحجاج : نوع يسميه الحجاج ألاقتناعي بوصفه يهدف إلى " أن يسلّم به كل ذي عقل فهو عام, يوَجَّه إلى المتلقي أو المستمَع الكوني عل حد تعبير و لذلك يعتبره بيرلمان " أساس ألاذعان و أساس الحجاج" (2) ، و نوع هو الحجاج الاقناعي الذي يستهدف متلقيا خاصا فهو حجاج ذاتي و خاص، و مجاله ضيق لذلك لا يُعتَدُّ به في الحجاج ، و بسبب صعوبة التفريق و الفصل بين ما هو وجداني ذاتي ، و ما هو عقلي موضوعي في طبيعة المتلقي اختار بيرلمان تصنيف المتلقي إلى نوعين كما سبق ، فالفرق بين الاقتناع و الإقناع .
كما يرى بيرلمان أن المرء في حالة الاقتناع يكون قد أقنع نفسه بأفكاره الخاصة ، أما في حالة اقتناع فإن الغير هم الذين يقنعونه دائما .(3)
ويمكن القول بأن بيرلمان يرتكز في بلاغته الجديدة عل الاقتناع ،لأنه يناسب مجال الحجاج المبني عل فسح المجال لعقل المتلقي ، و حرية اختياره في خضوعه لما يُعرض عليه من قضايا و أطروحات ، و جعله بمنأى عن الاعتباطية و التسليم الاضطراري الملزم و العنيف .
أما (ميشيل مايير) فقد طرح طرحه الخاص حول الحجاج الذي يعود إلى أصول نظرية مستقلة عن المنطق ممثلة في (نظرية المساءلة) وملخصها أن كل ملفوظ أنما هو إجابة عن أسئلة ضمنية ومن هذا المنطق جاء تعريفه للحجاج من خلال صلته بالضمني قائلا " الحجاج هو دراسة للعلاقة التي تجمع بين الصريح والضمني من الكلام " (4)
وهنا ياتي مفهومه للحجاج في ضوء نظرية المساءلة , وذلك من خلال اشتغاله على محورين : الأول محور الصريح والضمني والثاني محور السؤال والجواب , فالجواب يقارب الصريح والسؤال يقابل الضمني , لكن تبقى إشارته للضمني أهم ما يمكن الاعتماد عليه .
ويأتي تعريفه للحجاج بأنه " المجهود الذي يبذله المتكلم في الإقناع فالمستويات الحجاجية في اللغة الطبيعية يكشف عنها الخطاب الذي يحاول إقناع سامعه " (1)
إذ ركز من خلال ما تقدم على تقنيات الحجاج التي يعتمد عليها المخاطب لإقناع سامعه والتي يكشف عنها الخطاب الذي يتم داخل عمليات التخاطب ألحجاجي .
أن ما هو ضمني في الخطاب تنتجه أدوات لسانية خاصة متمخضة لإخراجه مخرجا حجاجيا , فدعى المخاطب إلى فك شفره هذا الجزء الضمني في حين أن المتكلم ما عليه سوى القصد في استعمال هذه الأدوات حتى يكون خطابه صريحا بعيدا عن
الغموض وتعدد المعنى .
من خلال المنطلقات المعرفية والمرتكزات الفلسفية التي استند إليها استطاع أن يؤسّس منهجا تساؤلي يقوم على مبدأين هما :
1. المبدأ الافتراضي في تحليل الأقوال .
2. مبدأ الاختلاف الإشكالي داخل الأقوال (2)
وهكذا تعدّ نظرية المساءلة بحثا في الانتظار المفتًرض داخل الأقوال وبحثا في الاختلافات الإشكالية التي تجسدها اللغة، فبين الانتظار الافتًراضي والاختلافات الإشكالية ينبع القول للإجابة عن الافتًراض وتقريب الاختلاف وفتح الباب أمام إشكالات تنتج نفسها وانتظار أخرى هي غاية الخطاب ألحجاجي.




المراجع العربية والانكليزية

1. Reboul (Olivier), Introduction a la rhétorique, 4e édition, Paris, P.U.F (Presses Universitaires de France) 2001.p17.
2. محمد مشبال , البلاغة والخطاب , ط/1, (الرباط , دار الامان للنشر -2014 )
3. هشام الريفي , اهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم (تونس , المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية -1998)
4. ليونيل بلينجر , الآليات الحجاجية للتواصل , تر:عبد الرفيق بوركي , الدار البضاء (مجلة علامات العدد 21في 2004)
5. محمد سالم الأمين , الحجج في البلاغة المعاصرة , (بيروت , دار الكتاب الجديد -2008)
6. ) كريستيان , بلانتان , الحجاج , تر: عبدالقادر مهيري , ط/3, (تونس , دار سيناترا - 2010)
7. عبد الله صولة : الحجاج في القران من خلال خصائصه الأسلوبية , ط/1, (بيروت , دار الفارابي للنشر-2007),
8. Platoon , Gorgas :tradition email chambray , ad, Flammarion ,Paris
9. رولان بارت , قراءة جديدة للبلاغة القديمة , تر: عمر اوكان , (تونس , دار رؤيا للنشر والتوزيع-2011)
10. احمد محمد الحوفي : فن الخطابة ,ط/1, (القاهرة , دار العلوم للنشر والتوزيع -1979),
11. الكسندر ماكوفلكسي : تاريخ علم المنطق , تر: ابراهيم فتحي , (القاهرة , دار الفكر -1987)
12. الاستعارة في محطات يونانية وغربية وعربية , ط/2, (عمان , دار المعرفة للنشر – 2015)
13. أفلاطون , محاورة جورجياس , تر: محمد حسين ظاظا , (القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب -1970)
14. Michel Meyer : Logique, langage et argumentation,,(éd) Hachette
15. أرسطو طاليس , الخطابة ,تر: محمد الهلالي وآخرون , (المغرب , دار توبقال للنشر-1978),
16. ابن رشد : تلخيص الخطابة , تحقيق: عبد الرحمن بدوي , (بيروت , دار القلم ناشرون –(ب,ت)
17. فرانسوا مورو :البلاغة المدخل إلى الصور البيانية , تر: محمد والي ,( الدار البيضاء , أفريقيا الشرق للنشر -2003
18. محمد غنيمي هلال : النقد الأدبي الحديث ,( القاهرة , مكتبة النهضة العربية -1977)
19. رولان بارت , لذة النص , تر: محمد خير البقاعي , (الرياض , المجلس الأعلى للفنون -1998),
20. ) الفارابي , الألفاظ المستعملة في المنطق ،ط/2, (بيروت , دار المشرق - 1968 م )
21. جعفر آل ياسين, الفارابي في حدوده ورسومه ، ط/1, (بيروت , عالم الكتب - 1985 )
22. إبراهيم مدكور ، مقدمة على كتاب المدخل لابن سينا ,ط/2, (القاهرة ,نشر وزارة المعارف العمومية ، المطبعة الأميرية -1952)
23. أبن رشد ، تلخيص كتاب الجدل ، ط/1, (القاهرة , الهيئة المصرية العامة للكتاب -1970)
24. الجاحظ , البيان والتبيين, تح: عبد السلام هارون , ج/1, ط/5, (القاهرة , مكتبة خانجي -1970),
25. عبد الله صولة , في نظرية الحجاج – دراسات و تطبيقات-، ( تونس , مسكيلياني للنشر و التوزيع -2011
26. سامية الدريدي ، الحجاج في الشعر العربي القديم من الجاهلية إلى القرن الثاني للهجرة – بنيته و أساليبه ,( عمان , عالم الكتب الحديث للنشر و التوزيع 2010)
27. عبد الجليل العشراوي ،الحجاج في الخطابة النبوية ، ( عمان , عام الكتب الحديث -2012),
28. كمال الزماني ، حجاجية الصورة في الخطابة السياسية لدى الأمام علي رضي الله عنه، (عمان , عام الكتب الحديث -2015),
29. Michel Meyer : Logique, langage et argumentation,,(ed) Hachette
30. عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير، مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج، ( الدار البيضاء, دار إفريقيا الشرق، - 2006)



#علي_سعد_مخلف_العبيدي (هاشتاغ)       Ali_Saad_Mikhlif_Al-obaidi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناص ورواده وتاثيره على النص الادبي


المزيد.....




- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...
- متحف -للنساء فقط- يتحول إلى مرحاض لـ-إبعاد الرجال-
- إيران تقيم مهرجان -أسبوع اللغة الروسية-
- مِنَ الخَاصِرَة -
- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي سعد مخلف العبيدي - مفهومات الحجاج فلسفيا- ادبيا