أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - غزة - كَشْف الدّور الخياني للأنظمة العربية وتركيا















المزيد.....



غزة - كَشْف الدّور الخياني للأنظمة العربية وتركيا


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7868 - 2024 / 1 / 26 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من تداعيات العُدْوان على فِلسْطِينِيِّي غزة:

مقدّمة:
أدّت العملية الفدائية المُشتَرَكَة التي نفّذها حوالي ثلاثة آلاف فِدائي من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى قَتْل نحو 1400 مستوطن واحتجاز 240 مستوطن صهيوني وأجانب كرهائن، وفق وسائل إعلام العدو التي وصفت هذه العملية بنقطة تحَوّل تاريخية وباليوم الأكثر دموية في تاريخ كيان الإحتلال منذ تأسيسه سنة 1948
فقدت سلطة أوسلو أي مصداقية وفقدت مؤسسات حقوق الإنسان وحرية الصحافة والدفاع عن الحريات بشكل عام مصداقيتها فقد قُتلت القوات الصهيونية عددا قياسيا من الصحافيين دون رد فعل من زملاء الضحايا، كما ظَهَرَ للعيان فَشَلُ الرّدع العسكري الصهيوني يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 وظهر التّواطؤ الإمبريالي (الغربي) العلني مع العدو الصهيوني، فضلاً عن تواطؤ الرجعيات والبرجوازية الكُمْبرادورية العربية، حتى لما كان العدو يقتل الأطفال ويقصف المستشفيات والمباني السّكنية والمدارس، فضلاً عن الحصار الاقتصادي المفروض، منذ حوالي عِقْدَيْن، من قِبَل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" كما يصفها الإعلام الإمبريالي
اعتادت الإمبريالية (بقايدة الولايات المتحدة) على دعم الكيان الصهيوني علنًا، سواء خلال حرب 1973، حيث وفّرت الولايات المتحدة جِسْرًا جَوِّيًّا لإعادة إمداد الجيش الصهيوني، فضلا عن الدّعم السياسي والإعلامي والدّبلوماسي، وأرسلت وزارة الحرب الأمريكية بعد 13 تشرين الأول/اكتوبر 2023، حاملَتَيْ طائرات ترافقها عشر سفن حربية وعلى متنها 16 ألف جندي وضابط بحرية و300 طائرة، وكل ذلك لردع ثلاثة آلاف فدائي، وسدّدت ألمانيا حوالي مليار دولارا إضافيا ( إضافة إلى معدّل 3,8 مليارات دولارا من المساعدات الألمانية السّنوية للكيان الصهيوني، منذ 1953) بعنوان "دعم المجهود الحربي الإسرائيلي".
يُشكّل الكيان الصهيوني استثمارًا "غربيا" والإستثمار يتم من أجل الحصول على عائد يفوق حجم الإستثمار، وتتكفل الأنظمة العربية العميلة بضمان تدفّق هذا العائد، فيما يتمثل دور الكيان الصهيوني في الرّدع المُسلّح لأي محاولة لتغيير موازين القوى في الوطن العربي، ولذلك عندما هُزم الكيان عام 1973 ( وكذلك سنة 2023) سارعت الدّول الإمبريالية لتقديم الدعم والحماية لهذه القاعدة الإستعمارية، ومع ذلك يُعدّ تطبيع الأنظمة العربية مع الكيان أهم من الدعم الإمبريالي الأمريكي، والدّليل إن قرارات مؤتمر 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 الذي شاركت به 57 دولة عربية وإسلامية (بزعامة آل سعود) لم تتجاوز المناشدة الذّليلة.
في الجانب الرسمي العربي، لم يتضامن (عَمَلِيًّا) أي نظام عربي مع المُقاومة الفلسطينية ومع الشعب الفلسطيني في غزة وثُلُثاه من اللاجئين، وفي المقابل ساهمت المقاومة في لبنان وفي اليمن في مشاغبة العدو عبر مناوشات تجبره على تشتيت قواته وتخصيص جزء منها إلى جبهة جنوب لبنان وميناء أم الرشراش.
كشفت العملية الفدائية ليوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 فشل نظام التجسس "بيغاسوس" وكافّة أنظمة التنصت والتتبع الإلكتروني أمام التقنيات البدائية التي يستخدمها المقاتلون الفلسطينيون في غزة، وبذلك قد تنخفض مبيعات أجهزة التجسس والأسلحة والتجهيزات الإلكترونية التي يُشرف عليها الجيش الصهيوني وتدعمها الشركات ورؤوس الأموال الأمريكية وكانت تُشكل 48% من الصادرات و18,1% من الناتج الإجمالي الصهيوني وتُشغّل أكثر من 8200 مهندس عسكري...

ما سر عدم انهيار اقتصاد العدو؟
يُشير موقع مجلة فورين بوليسي الأمريكية (تم الإطلاع يوم 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) "أن تكلفة تكاليف حرب لبنان سنة 2006 وغزة سنة 2014، بلغت 0,5% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تُقدّر تكلفة الحرب الحالية التي بدأت يوم 08 تشرين الأول/اكتوبر 2023 بانخفاض نسبته 15% على أساس سنوي، خلال الربع الأخير سنة 2023 بسبب توقف السياحة وحركة النقل الجوي والبحري وسَعْي مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى مغادرة البلاد، خصوصًا من المثقفين وذوي المهارات العالية، وسط الحرب واطلاق الصواريخ اليومية التي تطلقها قوات المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة المحاصر..."، كما أشارات وسائل إعلام العدو خلال الأسبوع الثالث لشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2923 – بعد حوالي ست أسابيع من بداية العدوان المُكَثّف – إلى التّداعيات – حتى ذلك الحين – التي خلّفتها العملية الفدائية للمقاومة الفلسطينية وما تلاها من عدوان وقصف محموم، بدعم من الإمبريالية الأمريكية والأوروبية ومعظم الأنظمة العربية، وتتضمن هذه التّداعيات: تقديرات التكلفة الأولية للعدوان بنحو 51 مليار دولار، أو حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي وركود نشاط مئات الشركات وعطالة نحو 20% من العاملين إثر استدعاء 360 ألف من جنود الإحتياط، ويُنْذِرُ هذا الوضع بانهيار اقتصاد دولة العدو، وفق موقع صحيفة فايننشال تايمز (تم الإطلاع يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2023)، فيما اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية "إن اقتصاد الحرب الإسرائيلي لا يستطيع أن يحافظ على نفسه إلى الأبد، وقد ينزلق إلى الركود في وقت قريب جداً، لأن التعبئة العسكرية الضخمة للنظام من شأنها أن تؤدي إلى انكماش اقتصادي حاد، رغم المساعدات العسكرية الأمريكية التي بلغت – خلال الشهر الأول للعدوان – 14 مليار دولارا وارتفاع احتياطي المصرف المركزي من العملات إلى قرابة 200 مليار دولارا... (فقد تَضَرّرَت) قطاعات النفط والغاز والسياحة والرعاية الصحية وتجارة التجزئة وتطوير التقنيات الحديثة..." وتتوقع وسائل الإعلام الصهيونية والأمريكية ووكالات التصنيف الإئتماني، وجميعها أمريكية، "أضرارًا اقتصادية على المدى القصير والطويل، خصوصًا في حال توسيع رقعة الحرب واستمرارها لعدّة أشْهُر"...
قدّرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” -يوم الأحد 07 كانون الثاني/يناير 2024- تكلفة ثلاثة أشهر من العدوان بما يزيد عن ستِّين مليار دولار، وتشمل التكلفة نفقات الجيش والمساعدات الحكومية للقطاعات الإقتصادية وتعويضات الشركات المتضررة والمجالات الأخرى، وتستنتج الصحيفة إن جيش الاحتلال فشل في تحقيق أهداف الحرب التي دخلت شهرها الرابع…

الدّعم الأمريكي المُطْلق
اعترضت الولايات المتحدة وأوروبا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع قرار لوقف العدوان ولفك الحصار على فلسطينيي غزة، ولما قصفت المقاومة اليَمَنِيّة السفن الصهيونية أو التي تتعامل مع الكيان الصهيوني، والتي تعبر المياه الإقليمية لليمن، ثارت ثائرة الدّول الإمبريالية وصهاينة عرب النفط (عرب أمريكا) ودعت الأمم المتحدة، يوم الثالث من كانون الثاني/يناير 2024، إلى “تأمين خطوط التّجارة الدّولية بالبحر الأحمر”، وكانت القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم)، التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط من قاعدتها العسكرية الضّخمة في البحرين، قد هددت المقاومة اليمنية. وتحدثت المنظمة البحرية الدولية عن الآثار السلبية لتعطيل هذا الممر الملاحي الذي يمثل 15% من التجارة العالمية. أوقفت 18 شركة شحن، بما في ذلك شركات الحاويات العملاقة ميرسك وهاباغ لويد ووان، عملياتها في البحر الأحمر عن طريق إعادة توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى مضاعفة تكاليف تعريفات الشحن للتجارة بين آسيا وأوروبا وتمديد في عشرة أيام على الأقل في أوقات التسليم.
أقرت حكومة الكيان الصهيوني قبل العدوان على فلسطينِيِّي غزة ميزانية العام 2024، وأعادت النظر فيها لتعديلها في بداية سنة 2024، كما أقرت حكومة العدو ميزانية حرب خاصة لسنة 2023 بقيمة 30 مليار شيكل (8,33 مليارات دولار) لتمويل العدوان وتسديد تعويضات للمُستوطنين، وسبق أن نشرت وزارة المالية توقعات تفيد إن الحرب قد تستمر حتى شهر شباط/فبراير 2024، وسوف تكلف ما لا يقل عن 50 مليار شيكل (14 مليار دولار) أخرى سنة 2024 في ظل تأزم الاقتصاد والركود وارتفاع عجز الميزانية إلى نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وقدّرت الأوساط غير الحكومية قيمة الإنفاق اليومي للعدو على الحرب بنحو 260 مليون دولارا، وقُدّر الإنفاق الإجمالي المُتَوقّع بنحو 51 مليار دولارا، وأدّى العدوان إلى انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بنحو 7,3 مليارات دولارا خلال شهر واحد، وتُقدّر تكاليف استدعاء جنود الإحتياط بنحو 1,3 مليار دولارا، ودرست حكومة العدو هذا الوضع خلال جلسة يوم الخميس 11 كانون الثاني/يناير 2024، التي نظرت في ميزانية الحرب للعام 2024، بعد الإتفاق على دعم مالي بقيمة تسعة مليارات شيكل (أو ما يُعادل 2,5 مليار دولار) لجنود الاحتياط وأُسَرِهِمْ، فيما اقترحت وزارة المالية “إغلاق عشر مكاتب وزارية غير ضرورية…
أما عن الخسائر فهي متنوعة حيث انخفض الإستثمار الأجنبي وعائدات السياحة والزراعة وهاجر آلاف المستوطنين، وقد لا تعود نسبة منهم، وعلّقت العديد من شركات الطّيران رحلاتها من وإلى تل أبيب، وارتفعت أسعار تأمين الفضاء الذي تستخدمه وسائل النّقل البحري والجوي والبرّي من وإلى فلسطين المحتلة، حيث تمر نحو 98% من التجارة الخارجية للعدو وتصل نحو 70% من وارداته عبر البحر، وتَراجع نشاط ميناء أم الرشراش بنحو 85%، وارتفعت تكلفة الشحن البحري – من وإلى موانئ فلسطين المحتلة وبين آسيا وأوروبا وأمريكا – بنسبة 173% وفق موقع “فريتوس دوت كوم” وهي شركة متعددة الجنسيات مختصة في عمليات الشحن ورصد البيانات المتعلقة بالنقل البحري، بفعل هجمات المقاومة اليمنية على السُّفُن العابرة لباب المندب والبحر الأحمر، والتي تتعامل مع الكيان الصهيوني، منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وارتفع سعر شحن البضائع في حاوية 40 قدما من آسيا إلى شمال أوروبا من 1600 دولارا إلى أكثر من أربعة آلاف دولارا، وعلقت أكبر شركتين للنقل البحري في العالم: “إم إس سي” و “ميرسك” رحلاتهما التجارية عبر البحر الأحمر منذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2023، لتمُرّ سفنهما عبر رأس الرجاء الصالح بجنوب أفريقيا، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن، كما علّقت شركة “هاباغ لويد” رحلاتها عبر البحر الأحمر وقناة السّويس، وأعلنت “شركة كوسكو” الصينية العملاقة للشحن والمملوكة للدولة إنها عَلّقت رحلاتها إلى موانئ فلسطين المحتلة، وهي رابع أكبر خط ملاحي للحاويات في العالم، وتسهم بنحو 11% من التجارة العالمية، أما الولايات المتحدة فقد أعلنت على لسان وزير الحرب، يوم 18 كانون الأول/ديسمبر 2023، تشكيل قوة عمل بحرية باسم “حارس الازدهار” تضم 10 دول (بعدما أعلن نفس الوزير مشاركة 25 دولة)، بهدف مواجهة المقاومة اليَمَنية، لأن ثلثَيْ صادرات النفط الخليجي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس وكذلك نحو 12% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال، و12% من إجمالي التجارة العالمية، كما تَمُرُّ ثُلُثُ حاويات الشحن في العالم يوميا عبر قناة السويس (193 كيلومترا)، ومن نتائج العدوان كذلك توقُّف رحلات شركة الطيران المجرية “ويز إير” من وإلى فلسطين المحتلة حتى شهر آذار/مارس 2024، وكانت رحلاتها تفوق مائة رحلة أسبوعيا، وألغت العديد من شركات الطيران منخفضة التكلفة رحلات الجوية من وإلى تل أبيب بسبب الحرب، ما اضطر إدارة مطار بن غوريون إلى خفض رواتب ألف موظف وإجبار 600 موظف على الخروج في إجازة غير مدفوعة…
أظهر العدوان الحالي على فلسطينيي غزة والضفة الغربية إن العدو يتمتع بالدّعم المطلق سياسيا وعسكريا وماليا لما لا يقل عن 16 دولة فضلا عن المساندة العسكرية والسياسية المُطْلَقَة لحلف شمال الأطلسي، والمساندة مع بعض النّقد السّطحي لحوالي ثلاثين دولة أخرى، لذا فإن الشعب الفلسطيني لا يُواجه الحركة الصهيونية أو الكيان الصهيوني بل يواجه كافة القوى الإمبريالية وكذلك الأنظمة الرجعية العربية وخصوصًا التي طَبّعت علاقاتها عَلَنًا، وفضلا عن "الحياد" السّلبي للصين والدّعم الرّوسي للكيان الصهيوني والنّفاق التّركي وما إلى ذلك...
إن طول فترة العدوان وكثافة عمليات التقتيل والتّدمير تُؤَشِّرُ على الدّعم المُستمر لجميع القوى المُعادية لنا وتُؤشِّرُ على إرادة استكمال فصول نّكبة 1948 من خلال الإبادة الجماعية والتّهجير والتّجويع، وتتطلب الحرب موارد هامة، وعتاد وسلاح وتعطيل العديد من القطاعات الإقتصادية وتوقف مئات الآلاف من الجنود والإحتياطيين عن العمل، وحَظْر دخول العمال الفلسطينيين وهجرة عشرات الآلاف من عُمال آسيا، ونزوح المستوطنين من جنوب وشمال فلسطين...
أعلن محافظ المصرف المركزي للعدو، بعد مرور ثلاثة أشهر على العدوان إن نسبة النمو فاقت 3% سنة 2023 وبلغت نسبة التضخم 3,7 %، ونسبة البطالة 3,2%، وهناك فائض في الحساب الجاري بنحو 4,2% من الناتج الإجمالي الخام، ولا تزيد الدّيون عن الخطوط التي تُحدّدها مؤسسات بريتن وودز (صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي) في حدود 60% من الناتج الإجمالي الخام، وتجاوزت احتياطات النقد الأجنبي 191 مليار دولار، وعلى سبيل المقارنة، بلغت احتياطيات الجزائر، دولة النّفط والغاز، 194 مليار دولارا خلال ذروة ارتفاع أسعار المحروقات، وقُدِّرَ فائض الحساب الجاري بعد ثلاثة أشهر من العدوان بأكثر من عشرين مليار دولار، بينما لا تزال حركة النقل مضطربة والقطاع الفلاحي شبه متوقف بفعل هروب العمال الآسيويين، ويزال ثُلُث المطاعم والفنادق مُغْلَقًا في ظل توقف حركة السياحة وقدوم السائحين الأوروبيين والأمريكيين والروس، وتوقف العمل لمدة شهر في قطاع الغاز المنهوب من سواحل فلسطين، وهاجر ما لا يقل عن 300 ألف مستوطن، فضلا عن تعبئة أكثر من 360 ألف جندي احتياطي وسحبت سلطات الإحتلال ترخيص العمل لنحو 164 ألف عامل فلسطيني، مما أدّى إلى نقص أكثر من نصف مليون عامل من مجموع أربعة ملايين من السكان العاملين، فانخض النشاط الإقتصادي بنسبة 6% خلال الأسابيع الخمسة الأولى، وفقاً لمحافظ المصرف المركزي للعدو...
لكن من أين تأتي الموارد ليتمكن كيان الإحتلال من مواصلة العدوان للشهر الرابع وعدم الإنشغال بالوضع المالي والإقتصادي؟
طمأَنَ الإحتياطي الإتحادي الأمريكي قادة الكيان الصهيوني، منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 بأنه مستعد لتقديم كل الضمانات لقروض دولة الإحتلال من الأسواق، بل يمكن للإحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تكرار ما فعله خلال عدوان 2008، وخلال الأزمة المالية 2008/2009 - في حالة حدوث مشكلة في الأسواق- وتوفير السيولة للمصارف الصهيونية الكبرى مباشرة، كما سبق أن فعل مع المؤسسات الكبيرة التابعة لحوالي 15 دولة، خلال أزمة 2008/2009، وأَوْرَد المُلحق الإقتصادي لصحيفة هآرتس خبر تكفل مجموعة غولدمان ساكس الأمريكية بجمع ست مليارات دولارا من المؤسسات المدرجة ببورصة وول ستريت بعد انطلاق العدوان، ويندرج ذلك ضمن اكتتاب خاص باليورو والين والدولار، بضمانة من غولدمان ساكس وبدعم قوي من الإحتياطي الإتحادي الأمريكي، وأعلنت الحكومة الأمريكية استعدادها لتمويل ما لا يقل عن ثُلُثِ احتياجات التمويل الصهيونية المُقدّرة ب 48 مليار دولار في فترة 2023/ 2024، أي حوالي 16 مليار دولارا، في شكل أسلحة وعتاد ومعدات عسكرية مختلفة، وبذلك يتم إطلاق الكيان الصهيوني لكي لا يواجه أي ضغوط مالية قد تضطره الى تغيير سياسته، والدّليل الدّعم الأمريكي والغربي المُطلق ماليا وإعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا (بالأمم المتحدة) وعسكريا، وبذلت القوى الإمبريالية جهودًا كبيرة لضمان التفوق الصهيوني عسكريا وكذلك تقنيا، حيث أصبح قطاع التكنولوجيا العالية أحد أهم محركات الإقتصاد الصهيوني بأكثر من خمسمائة شركة متعددة الجنسيات تعمل في فلسطين المحتلة، ودرّبت المهندسين والفنّيّين الصهاينة الذين أسسوا ما لا يقل عن مائة شركة في مجال التقنيات الحديثة والتكنولوجيا، ما جعل من هذا القطاع يُشغِّلُ نحو 14% من قُوة العمل ويُساهم بأكثر من نصف قيمة الصادرات، وعمومًا تتعامل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والإتحاد الأوروبي مع الإقتصاد الصهيوني كجزء من اقتصادها، وكان المستشار الألماني قد أعلن بوضوح شديد: "إن انهيار إسرائيل يعني نهايتنا"، ولهذه الأسباب، يُستبْعَدُ انهيار الإقتصاد الصهيوني، فالولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، ودول حلف شمال الأطلسي أعلنت استعدادها لتغطية العجز المحتمل في المالية العامة الصهيونية، الذي قد يرتفع من 4,6% سنة 2023 إلى 10% من إجمالي الناتج المحلي سنة 2024، وتغطية تكلفة الحرب المُقدّرة بنحو 270 مليون دولار أسبوعيا، وتعويض الأسلحة والمعدات وقطع غيار الطائرات والأسلحة الأخرى والقنابل التي تستخدمها الطائرات العسكرية والتي يتم استيرادها من الولايات المتحدة أو بريطانيا المملكة المتحدة، ومساعدة الكيان الصهيوني على تأمين رواتب من تم استدعاؤهم كجنود احتياط وحاجيات أُسَرِهِم، ومحاولة تجنب الإجراءات التقشفية وزيادة في الضرائب وخفض المساعدات والإعانات، كما تدعم الولايات المتحدة والجمعيات الأمريكية والمؤسسات الخاصة والمجموعات الدّينية تمويلات استثنائية بقيمة تفوق 16 مليار دولارا، للإنفاق على بناء وإدارة وتسيير المدارس الدينية والمستوطنات في الضفة الغربية وغيرها من الأنشطة الإستعمارية الإستيطانية...

دور الأنظمة العربية وتركيا
أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوغاريك يوم 19 كانون الثاني/يناير 2024 أن عدوان الجيش الصهيوني "تسبب في نزوح نحو 85% من السكان، وإنه (جيش العدو) يواصل منع دخول المساعدات الإنسانية و المعدات الحيوية وأجهزة الإتصالات إلى قطاع غزة، ما يهدد بشدة عمليات الإغاثة..." وأعلنت منظمة الصحة العالمية "إن نصف الضّحايا من النّساء والأطفال، وإن أكثر من 50% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من حالات الإسهال ويفتقرون إلى المياه النظيفة، وإن غالبية سكان غزة لا يحصلون على الأدوية المستخدمة لعلاج الأمراض الشائعة..."
أزْعَجت عملية "طوفان الأقصى" نظام الإخوان المسلمين في تركيا الأطلسية والأنظمة العربية، وبالأخص الأنظمة المُطَبِّعَة عَلَنًا، من المغرب إلى الإمارات، مرورًا بالسودان ومصر والأردن ورام الله، ولم تهب الأنظمة العربية لنجدة الشعب الفلسطيني، بل تُشارك في حرب الإبادة بأشكال مختلفة، فالنظام المصري يُشارك مباشرة في حصار الفلسطينيين ومنع دخول الغذاء والدّواء ويَحْظر خروج المُصابين للعلاج، أما الأنظمة الحاكمة بالإمارات والأردن فهي تُساعد حكومة الكيان الصهيوني بشكل مباشر من خلال توريد حاجيات العدو – زمن الحرب المُكَثّفَة – وإعادة إرسالها إلى فلسطين المحتلة انطلاقًا من موانئ الإمارات، عبر البَرّ إلى فلسطين المحتلة، وخصوصًا منذ أعلنت المقاومة اليمنية قطع طُرُق التجارة البحرية، بالبحر الأحمر، عبر باب المندب، من وإلى فلسطين المحتلّة، في حين تمنع أنظمة مصر والأردن والعدو الصهيوني دخول الغذاء والدّواء إلى غزة والأراضي المحتلة سنة 1967، وهو موقف (وممارسة) مُعَبِّر عن متانة العلاقات بين صهاينة العرب بالخليج ومصر والأردن والكيان الصهيوني، وعن درجة عداء الأنظمة العربية للمقاومة الفلسطينية والعربية، ويظهر ذلك جلِيًّا في محتوى ما تبثه قنوات الأجهزة الإعلامية التي يسمح لها العدو ببث مراسلات مباشرة من فلسطين المحتلة من سُمُوم ومن بينها الجزيرة و سكاي نويز عربية و العربية...
لم تبدأ الأنظمة العربية خياناتها سنة 2023، بل تأسّس معظمها على العمالة للمُستعمِر والإمبريالية فكانت السعودية سباقة إلى دعم تأسيس الكيان الصهيوني، وكان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود ( 1876 – 1953) مؤسس الدّولة التي سُمِّيت على اسمه (السعودية) في جزء من الجزيرة العربية، كان منذ ما قبل تأسيس دولته عميلا لبريطانيا التي خصّصت له مُرتّبا شهريا بقيمة 500 جنيه استرليني آنذاك، من ميزانية الإستخبارات البريطانية، كما كان عميلا للولايات المتحدة التي أدْركت أهمّيّة النفط، فساعدته على تأسيس دولته، وتعهّدت بحمايته وحماية أسرته ودولته، مقابل مساندة مخططات الإمبريالية الأمريكية التي بدأ دورها يتعاظم بنهاية الحرب العالمية الأولى، ومساندة مخططات بريطانيا التي أطلقت ما سُمِّيَ "وَعْد بلفور" سنة 1917 واتفقت مع فرنسا سنة 1916 على تقاسم الوطن العربي، واستجاب عبد العزيز آل سعود لطلب "السِّير برسي كوكس"، مندوب بريطانيا في مؤتمر العقير سنة 1922 وكتب بخَطّ يده التّعهُّد التّالي: " بسم الله الرحمن الرحيم، أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الفيصل آل سعود (...) أقر وأعترف ألف مرة لسير برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى: لا مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم كما تراه بريطانيا التي لا أَخْرُجُ عن رأيها حتى تصبح الساعة" (أي إلى قيام الساعة أو إلى يوم القيامة)، وساهمت السعودية في التّآمر على ثورة الشعب الفلسطيني من 1936 إلى 1939، وفي خيانة الشعب الفلسطيني سنة 1948، وطلب الملك فيصل بن عبد العزيز، قُبَيْل عدوان 1967، من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون طَرْدَ القوات المصرية التي كانت تدعم الثوار الجمهوريين في اليمن، وكانت الحملات الإعلامية ضد نظام مصر وسوريا في ذروتها في المغرب وتونس والسعودية قبل عدوان 1967، وكان العداء ضد المقاومة الفلسطينية جَلِيًّا خلال حرب الإبادة التي نفّذها الجيش الأردني سنة 1970 و 1971، وكذلك خلال غزو لبنان سنة 1982، حيث اغتنم آل سعود الفُرصة لتقديم مشروع استسلام جماعي – باسم الأنظمة العربية وجامعتهم – قبل أن تجفّ دماء شهادء مخيمات صبرا وشاتيلا، وتكرّرت الخيانات الموصوفة والإصطفاف وراء العدو خلال عدوان 2006 على لبنان أثناء انعقاد قمة بيروت حيث دعمت حكومة فؤاد السنيورة (لبنان) والإمارات، بوضوح موقف الولايات المتحدة الدّاعي إلى استمرار العدوان الصهيوني إلى حين القضاء على المقاومة في لبنان، وكانت نفس الأنظمة العربية، وخصوصًا الخليجية، وجامعتها "العربية" (العِبْرِيّة في واقع الأمر) قد ساهمت مباشرة، بقرار سياسي وبالمال والسلاح والمرتزقة، في العدوان على العراق وليبيا وسوريا وعلى شعب اليمن، خدمة لمصلحة الإمبريالية – بزعامة الولايات المتحدة – والكيان الصّهيوني، وتُساهم الأنظمة العربية (خصوصًا حُكّام مصر والأردن وشيوخ الخليج) في حصار الشعب الفلسطيني وقطع الماء والغذاء والدّواء والكهرباء والاتصالات، فضلا عن التّدْمِير المُمَنْهَج...
نموذج للعمالة الصّامتة (غير الصّاخِبَة)
مثَّل العُدْوان الصهيوني الحالي على فلسطينِيِّي غزة مناسبة أخرى لكَشْف عمالة وخيانات الأنظمة العربية، باعتبارها جُزْءًا من ثالوث أعداء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وكافة التّقدّمِيِّين، والمتمثل في الإمبريالية التي خلقت العَدُو الآخر (الكيان الصهيوني) الذي تمكّن من تعزيز احتلاله لوطن الشعب الفلسطيني ولأوطان الشعوب المُجاورة (سوريا ولبنان والأردن ومصر...) بتواطؤ من العدو الثالث، أي الأنظمة العربية، وتتناول الفقرات الموالية، أحد هذه الأنظمة التي لا تُثير الإنتباه (مثل السعودية أو مصر أو المغرب) غير إن دورها التخريبي ضخم وهام، خصوصًا خلال هذه الفترة، حيث أصبحت سلْطَنَة عُمان - المُحاذية لليمن – وقواعد البحريْن والإمارات مراكز للتّجسّس ومُنطَلَقًا للعمليات العسكرية العُدْوانية للجيوش الأمريكية والبريطانية وحلفاؤهما من عرب وعَجَم.
تُشير الفقرة الموالية إلى نظام عربي لا تظهر خياناته للعموم، كما تظهر خيانات آل سعود وأبناء زايد أو آل ثاني أو آل خليفة، غير إنه ضالع في المؤامرات منذ القِدَم، وهو نظام عُمان الذي استعان بقوات شاه إيران (وآل بهلوي) لقصف ثوار إقليم ظُفار، وتُؤْوِي البلاد قواعد عسكرية ضخمة، تستخدمها بريطانيا والولايات المتحدة للتّجسّس على رقعة واسعة من آسيا (ومنها المشرق العربي) والسواحل الشرقية لإفريقيا، لذا تُعتَبَرُ سَلْطَنَة عُمان، بؤرة عمالة وتجسس، وإن لم تكن تتصدّر أخبار العُملاء وعرب أمريكا وبني صهيون.
تقع سلطنة عُمان ( حوالي 5,4 ملايين نسمة، من بينهم حوالي 2,2 مليون عامل مهاجر) على موقع استراتيجي، بين مضيق هرمز والخليج العربي ولها حدود مع الإمارات والسعودية واليمن وهي ثاني أكبر دولة مِساحةً في الجزيرة العربية بنحو 312 ألف كيلومتر مربع، وتمتد سواحلها على مسافة 3165 كيلومتر، وتُطل على بحر العرب وخليج عُمان والخليج العربي، حيث كان ميناء مسقط أحد أهم موانئ التجارة بين المحيط الهندي وإفريقيا وغربي آسيا، لمّا كانت عُمان ذات نُفوذ – بين القرنَيْن الخامس عشر والتاسع عشر – يمتد من زنجيبار (تنزانيا الحالية) في السواحل الشرقية لإفريقيا، إلى باكستان، واحتلت البرتغال جزءًا منها، منذ بدايات القرن السادس عشر، ثم بريطانيا، منذ القرن السابع عشر، وتمثلت هيمنة القوى الأجنبية في احتلال بعض المواقع الإستراتيجية البحرية لتأمين تجارتها مع جنوب وشرق آسيا، وبعد هزيمة البرتغال منتصف القرن السابع عشر سيطرت بريطانيا على سلطة القرار بأشكال مختلفة، ولا تزال تمتلك قواعد ضخمة ( راجع فقرة أخرى ) ودعمت القوات العسكرية البريطانية والإيرانية جيش عُمان لقَمع الثورة التّقَدُّمِيّة المُسلّحة التي كانت تُسيطر على إقليم ظُفار حتى سنة 1976...
أدّى افتتاح قناة السويس (1869) إلى انخفاض أهمّية موانئ عُمان، بفعل مرور السّفن عبر قناة السّويس نحو أوروبا، غير إن عُمان لا تزال تُعَدُّ منتجًا متوسّطًا للنفط والغاز، ويُشكّل العُمّال الأجانب (آسيون ) قرابة 40% من العدد الإجمالي للسّكّان، فيما استَمَرّت الروابط الوثيقة بين سلطات عُمان وبريطانيا، ويُعتبر نظام الحكم بالسلطنة حليفًا مخلصًا، بل عَميلاً، لبريطانيا وللولايات المتحدة، ولذلك تستضيف عمان منشآت عسكرية بريطانية على أراضيها، منها "مقر الاتصالات الحكومية"، وهو إسم مُخادع لا يعكس طبيعة عمل هذا المركز الذي أسسته بريطانيا منذ سنة 1919، قبل أن يتطور عمله ليصبح المسؤول عن الاستخبارات الكهرومغناطيسية وأمن أنظمة المعلومات والتجسس على جميع الاتصالات ومتابعتها وفك تتشفيرها، وبقي وُجُودُه سِرِّيًّا حتى سنة 2014 حيث كشفت تسريبات "إدوارد سنودن" وجوده وطبيعة عمله، وتم نشر مقتطفات من الوثائق من قِبَل وسائل الإعلام البريطانية.
يتمركز ما لا يقل عن ألف جندي بريطاني في عُمَان، وهي مستعمرة بريطانية سابقة، تتمتع حاليا بالإستقلال الشّكلي، ويحتفظ مركز اتصالات الجيش البريطاني ( GCHQ ) بثلاثة مواقع مراقبة، إحدها على الساحل الجنوبي، بالقرب من مدينة صلالة، على بعد 120 كيلومتراً من اليمن، وكانت سرية ومعروفة باسمها الرمزي (كلارينت)، وتم الكشف عن وجودها سنة 2014 بفضل تسريبات إدوارد سنودن " (موظف متعاقد سابقًا مع وكالة الإستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي الأمريكيتَيْن)، ونشر موقع ( Declassified ) منذ سنة 2020 صورًا وأخبارًا عن توسيع الجيش البريطاني مراكز تجسسه في المشرق العربي ومن ضمنها "توسيع مرافق محطة التتبع في مركز اتصالات الجيش، في الشرق الأوسط تحسبا للحرب مع إيران"، وتظهر صور الأقمار الصناعية أنه تم تنفيذ سلسلة من أعمال البناء في قواعد عُمَان، نظرًا لموقعها الإستراتيجي، بين إيران واليمن، وتستخدمها بريطانيا والولايات المتحدة والكيان الصهيوني حاليا للتجسس على إيران ولمواجهة المقاومة اليمنية وفق وزير الحرب البريطاني، وأظْهرت الوثائق التي نشرها موقع (Declassified ) صور قاعدة (Clarinet ) وقُبَّة الرادار الخاصة بها، ثم تم توسيع القاعدة بين سنتَيْ 2021 و 2023، لتضم مباني جديدة بحجم ستة ملاعب تنس وتتكون من عدة طوابق، ضمن محيط الموقع الذي يبلغ 1,4 كيلومترًا، وتتضمن الواجهة البحرية للقاعدة شبكة من الكابلات البحرية التي تسمح بمراقبة الاتصالات الرقمية بين القارات، وباختراق الشبكة الإلكترونية، ويجري حاليا مَدُّ كابل اتصالات جديد بطول عشرة آلاف كيلومتر، بين ميناء "صلالة" في عُمَان وميناء "بيروث" في أستراليا، وادّعت أستراليا في البداية إنه مشروع تجاري تُشرف شركة "سوبكو" الأسترالية على تنفيذه، إلا أنه يمر في الواقع عبر القاعدة العسكرية الأمريكية البريطانية في جزيرة دييغو غارسيا المرجانية في المحيط الهندي، ودفع الجيش الأمريكي 300 مليون دولار لإعادة توجيه الكابل عبر دييغو غارسيا، في عملية أطلق عليها اسم "الموجة الكبيرة"، ودييغو غارسيا جزء من جزر تشاغوس، التي قام المستعمرون البريطانيون بترحيل سكانها الأصليين خلال ستينيات القرن العشرين لإقامة قاعدة أمريكية، مقابل خصم على شراء غواصات نووية، وكانت القاعدة نقطة انطلاق رئيسية للقوات الأمريكية التي احتلت العراق وأفغانستان، ويهدف تركيب كابل الألياف الضوئية عدم اعتماد القاعدة العسكرية الأمريكية على اتصالات الأقمار الصناعية للتواصل مع البر الرئيسي، كما أصبحت مدينة بيرث وميناؤها، في غرب أستراليا والتي تستضيف الطرف الآخر من الكابل، قاعدة استراتيجية ضخمة للجيوش الأمريكية والبريطانية، ضمن اتفاقية "أوكوس" أو العيون الخمسة، وتستضيف غواصات نووية، وأصبحت القاعدة مُنْطَلَقًا لدوريات الغواصات الأمريكية والأطلسية بالقرب من الصين، وتم تطوير تجهيزات قاعدة "كلاينت" بميناء مدينة صلالة وتوسيع صلاحياتها لكي تلتقط تجهيزاتها التّجسّسية الاتصالات التقليدية (كابلات الهاتف والوصلات الكهرومغناطيسية) عبر نظام ECHELON، أو نشاط حسابات Facebook وGoogle وYahoo عبر نظام PRISM أو مُجَمّعات الشبكات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وبيانات الشبكة الإلكترونية عبر نظام TEMPORA الذي يلتقط الاتصالات عبر الألياف الضوئية البحرية، ضمن شبكة تبادل البيانات العالمية التي شكلتها وكالة الأمن القومي الأمريكية ونظيراتها الكندية (CSTC) والأسترالية (ASD) والنيوزيلندية (GCSB) تطبيقًا لمعاهدة التعاون الموقعة بينهما سنة 1943 والتي لا تزال سارية المفعول، وتمر بجزيرة دييغو غارسيا المرجانية التي تُعْتَبَرُ محطة مهمة للولايات المتحدة وتَضُمُّ قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة وبها إحدى المحطات العالمية الثلاث التابعة لـ SPACE AIR COMAND (القيادة الفضائية، وتقع الإثنتان الأُخْرَيان في جزيرة هاواي وفي الولايات المتحدة نفسها) وهي القاعدة التي تستخدمها وزارة الحرب الأمريكية لعسْكَرَة الفضاء والإشراف على مراقبة ما يجري على ارتفاع يتراوح بين 10 و 37 كيلومترًا حيث تدور العديد من الأقمار الصناعية والتي يمكن من خلالها إطلاق الصواريخ الباليستية لخصوم الولايات المتحدة المُفْتَرَضِين والحقيقيين، وتُراقب الولايات المتحدة وبريطانيا، من خلال منشئات ( GCHQ ) بعُمَان كل ما يحدث في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، ضمن عملية مُنسّقة بين مختلف القواعد (عُمان والبحرَيْن وقَطَر والعراق ودييغو غارسيا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان...) ولجزيرة دييغو غارسيا المرجانية اهمّيّة خاصة فهي جزء من أرخبيل اعترفت به محكمة العدل الدولية مؤخرًا على أنه تابع لموريشيوس ( مستعمَرة بريطانية سابقة على الساحل الجنوبي الشرقي لإفريقيا) التي رفضت دائمًا قُبُول الأمر الواقع ولم تسمح أبدًا بإقامة هذه القاعدة، لأن بريطانيا اقتطعتها – قبل الإستقلال – من جزيرة موريشيوس، ثم وهبتها للولايات المتحدة لإنشاء قاعدة ضخمة على أراضيها، وقامت بريطانيا بترحيل جميع سكان الأرخبيل، لكي يتمكن الجيش الأمريكي من إرساء الغواصات النووية بالموانئ والقواعد البحرية واستقبال القاذفات الاستراتيجية وتجربة أسلحة الدّمار الشامل وممارسة جميع أصناف الأعمال العدوانية والتّجسّسية دون مراقبة...

دَوْر نظام تركيا الأطلسية المُتَصَهْيِنَة:
لم تُدِن الحكومة التركية العملية التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتُدِين الحكومة التّركية ظاهريًّا “الأعمال التي ترتكبها إسرائيل في غزة”، ويُصَرّح الرئيس التّركي وأعضاء حكومته وحزبه “العدالة والتنمية” (إخوان مسلمون) بضرورة إحالة ملف الإحتلال الصّهيوني إلى المحكمة الجنائية جرّاء الجرائم التي يرتكبها جيش الإحتلال في غزة (وليس في الأراضي الفلسطينية الأخرى؟)، وَشَّبَه الرئيس أردوغان علنًا “نتنياهو” بهتلر بسبب “جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في غزة”، غير إن الوقائع تُكَذِّبُ التّصريحات العَنْتَرِية لرجب طيب أردوغان وصَحْبه، فقد ارتفعت قيمة صادرات تركيا نحو الكيان الصهيوني، سنة 2023، بنسبة 34,8% من 319,5 مليون دولار خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى 430,6 مليون دولار بنهاية كانون الأول/ديسمبر 2023، وبينما دعا “بلال”، أحد أبناء أردوغان إلى مُقاطعة الكيان الصهيوني، كان شقيقه ( بوراك) يعقد الصفقات التجارية مع الصهاينة وكانت سُفُنُه تحمل السلع التركية إلى فلسطين المحتلة، بدون انقطاع، وتواصلت العلاقات التجارية والسياحية والعسكرية حيث شحنت السفن التركية، انطلاقًا من ميناء “جيهان”، أسلحة إلى الجيش الصهيوني، ودافع وزير الحرب التركي “هاكان فيدان” خلال تصريح علني يوم 01 كانون الأول/ديسمبر 2023، عن “فوائد التجارة الثنائية بين تركيا وإسرائيل، التي لا تضر بالقضية الفلسطينية”، وقَدَّرَ معهد الإحصاء التركي (TurkStat) صادرات الأسلحة التّركية إلى الكيان الصهيوني، خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، بقيمة 105 آلاف دولار، وبلغت القيمة المُعْلَنَة لهذه الصادرات الحربية طيلة سنة 2023، بأكثر من 823 ألف دولارا
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحظى بشعبية كبيرة لدى العرب بسبب توجيهه خطابًا شديد اللهجة إلى رئيس وزراء العدو (شمعون بيريز آنذاك) بشأن جرائم الحرب في غزة سنة 2008، وذلك قبل انطلاق دورة قمة دافوس لسنة 2009، وكرّر ذلك من خلال إصدار أوامره للمسؤولين الأتْراك بمقاطعة المنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2024 "بسبب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة " وفق وسائل الإعلام التركية التي استولى عليها النظام بعد محاولة الإنقلاب الفاشل والمشبوه سنة 2016، وقد يتبادر إلى ذِهْن من لا يعرف الدّور التّخريبي لنظام تركيا الأطلسي (منذ أكثر من سبعة عُقُود)، في منطقة تمتدّ من جنوب أوروبا (اليونان وقُبْرص وحتى بلغاريا ) إلى آسيا الوُسْطى (جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق) وخصوصًا في الوطن العربي، في ليبيا والعراق وسوريا، وكذلك في فلسطين، (يتبادر إلى ذهن من يجهل ذلك) إن نظلم تركيا – الذي يحكمه حاليا حزب إخوانجي – بطل منهضة الإمبريالية والصهيونية، وبطل الدّفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ووصف الرئيس التركي العدوان الصهيوني، بعد عملية "طوفان الأقصى، يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، بأنه "عمل إرهابي وعملية إبادة جماعية"، ليس عن قناعة وإنما بسبب ارتفاع درجة التّعاطف الشعبي مع الفلسطينيين (الضعيف عادة في تركيا)، بما في ذلك المعارضة "العلمانية" ( وريثة فكر أتاتورك المُعادي للعرب وللعروبة) رغم علاقات تركيا الراسخة مع الكيان الصهيوني ، منذ 1949، وحلف شمال الأطلسي، غير إن الوقائع والأرقام تُكذّب مضمون الخطاب الديماغوجي "الشّعْبَوي" للرئيس التّركي أردوغان، زعيم الإخوان المسلمين بتركيا والوطن العربي، حيث حافظ نظام تركيا (وأُسْرة وأبْناء أردوغان) على علاقات تجارية مزدهرة مع الكيان الصهيوني، إذ بلغت الصادرات التركية إلى كيان الإحتلال 408,3 مليون دولارا، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، 430,6 مليون دولارا مُعْلَنَة، بنهاية شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، بزيادة نسبتها 34,8% وتُشكل تركيا مسلكًا لعبور إمدادات الغذاء ونحو 4% من احتياجات الكيان الصهيوني من النفط، القادم من أذربيجان عبر تركيا، وللتذكير فإن أذربيجان دولة صديقة لتركيا وتضم قواعد عسكرية وقواعد تجسس أمريكية وصهيونية، وتستفز إيران باستمرار، وتتجاوب بالإيجاب مع المشروع التركي لتحويل تركيا إلى مركز حيوي لعبور الطاقة من غرب آسيا إلى أوروبا، بواسطة خط أنابيب "إيست ميد" الذي يربط ميناء حيفا باليونان، ثم أوروب،ا وخط أنابيب بطول 300 كيلومتر يربط حقول الغاز الفلسطينية المحتلة في شرق البحر الأبيض المتوسط بمنشأة لتسييل الغاز في قبرص، وخط أنابيب تحت الماء يربط تركيا بحقول الغاز الطبيعي في فلسطين المحتلة، فضلا عن الغاز الرّوسي، ولذلك فإن الأحزاب الرئيسية في تركيا، ومن بينها حزب الإخوان المسلمين الحاكم منذ بداية القرن الحادي والعشرين، ترى إن الموقع "الطبيعي" للبلاد يقع ضمن محور "الغرب" وأوروبا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والكيان الصهيوني...
رابط المُداخلة بالفيديو يوم الجمعة 26 كانون الثاني/يناير 2014، بداية من الساعة السابعة مساء بتوقيت تونس والجزائر وباريس
https://www.youtube.com/watch?v=nTWbmMmwnmo



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إفريقيا- بعض خصائص اقتصاد القارّة
- مأزق الدُّيُون
- سَلْطَنَة عُمان، بؤرة عمالة وتجسس
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والخمسون، بتاريخ العشري ...
- الجانب الثقافي والإستعمار -اللَّيِّن-، بَوّابة المشاريع الإس ...
- الهجرة خلال حقبة الإمبريالية
- التبغ واستغلال عمل الأطفال
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرابع والخمسون، بتاريخ الثالث ...
- الرأسمالية والإستعمار وأزمات المناخ
- الولايات المتحدة والصّين: منافسة في كافة القطاعات
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والخمسون، بتاريخ السادس ...
- دور المسيحية البروتستنتية في الإيديولوجية الصّهيونية وجُذُور ...
- الأرجنتين
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والخمسون، بتاريخ الثلاث ...
- دور ألمانيا في فلسطين
- من كواليس العُدوان الصهيوني الطاهر المعز
- تونس على مشارف سنة جديدة
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد والخمسون، بتاريخ الثالث ...
- همّية كافة أشكال المُقاومة والدّعم - مداخلة سمعية/بصرية
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخمسون، بتاريخ السّادس عشر من ...


المزيد.....




- بريكس منصة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب
- رئيس الأركان الأوكراني يقر بأن الوضع على الجبهة -تدهور- مع ت ...
- ?? مباشر: وفد حركة حماس يزور القاهرة الاثنين لمحادثات -وقف ...
- منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سب ...
- استمرار الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأميركية ...
- بلينكن ناقش محادثات السلام مع زعيمي أرمينيا وأذربيجان
- الجيش الأميركي -يشتبك- مع 5 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر
- ضرب الأميركيات ودعم الإيرانيات.. بايدن في نسختين وظهور نبوءة ...
- وفد من حماس إلى القاهرة وترقب لنتائج المحادثات بشأن صفقة الت ...
- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - غزة - كَشْف الدّور الخياني للأنظمة العربية وتركيا