أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حجة المعقولية، حد فاصل بين اسرائيليتين















المزيد.....

حجة المعقولية، حد فاصل بين اسرائيليتين


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 7847 - 2024 / 1 / 5 - 04:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"حجة المعقولية" حد فاصل بين اسرائيلتين
أصدرت محكمة العدل العليا الاسرائيلية مساء يوم الاثنين الفائت قرارًا ألغت بموجبه تعديلًا على "قانون اساس القضاء الاسرائيلي"، كانت الكنيست قد أقرته في شهر تموز - يوليو المنصرم، منعت بمقتضاه القضاة، خاصة قضاة المحكمة العليا، من التدخل في "معقولية " أي قرار تتخذه الحكومة أو رئيس الحكومة أو أي وزير من وزرائها. وكما جاء في التعديل المذكور، يشمل هذا المنع حجب سلطة القضاة عن امكانية الغاء أي قرار اداري يتخذه هؤلاء، حتى لو كان في عرف "العدل والقانون" مجحفًا، او حجب سلطتهم بالزام هؤلاء بتنفيذ أي قرار اداري لم يتخذوه حتى لو كان عليهم في عرف "العدل والقانون " اتخاذه.
يشكل قرار المحكمة سابقة في تاريخ القضاء الاسرائيلي، لا بسبب تبعاته القانونية المستقبلية وتأثيره المأمول على توازن القوى بين سلطات الحكم الثلاث في اسرائيل وحسب، بل لدوره المحتمل في عرقلة خطة الانقلاب القضائي التي باشر بتنفيذها اقطاب حكومة بنيامين نتنياهو بعد الانتخابات الاخيرة مباشرة. أقول عرقلة هذه المساعي وليس افشالها بالتمام كما سأوضح.
في اشارة لأهمية الحدث قررت رئيسة المحكمة، القاضية استر حيوت، عقد جلسة في الثاني عشر من ايلول سبتمبر المنصرم، بمشاركة كامل هيئتها وعددهم خمسة عشر قاضيا وقاضية. وقررت كذلك نقل وقائع المناقشات على الهواء مباشرة واتاحة مشاهدة مجرياتها لكل راغب ومهتم، سواء داخل اسرائيل او خارجها.
وللتذكير بأهمية القضية، علينا ان نرجع إلى تداعيات الاسابيع الأولى من عمل حكومة نتنياهو وعزمها أولا، على ضرورة تقليص دور المحكمة العليا، كسلطة قضائية لها حق مراقبة عمل وقرارات السلطتين، التشريعية والتنفيذية، وثانيًا، على تغيير طريقة انتخاب القضاة والتحكم في هوية القضاة المنتخبين من خلال سيطرة الحكومة على لجنة تعيين القضاة. وفي سبيل تأمين الهدف الأول بادرت الحكومة الى ادخال التعديل المذكور على "قانون اساس القضاء" فأقرته الكنيست برفقة حملة تهديد واضحة ادّعت حسبها بعدم وجود سلطة لقضاة المحكمة تخولهم مناقشة تعديل القانون لأنه يحمل صفة "قانون اساس" مما يضعه فوق سلطة انتقاد المحكمة.
قوانين الاساس في اسرائيل، بخلاف القوانين العادية، هي عبارة عن مجموعة من التشريعات، التي بدأت الكنيست في سنها منذ العام 1958، بهدف تحويلها تدريجيا عبر السنين الى ما يشبه الدستور الاسرائيلي. لن أشغل القراء بالتفاصيل القضائية الدقيقة حول مكانة هذه القوانين في منظومة التشريعات الاسرائيلية وموقف المحاكم حيالها؛ ولكن يكفي ان نعرف ان العقبة الاولى التي كان على القضاة مواجهتها كانت جوهرية مبدئية وتمحورت حول السؤال فيما اذا كانت المحكمة تملك سلطة تخوّلها مراجعة ونقد القوانين الاساسية او أي من بنودها؟ ثم اذا كان موقف المحكمة ايجابيا ازاء هذه المسالة، يأتي دورها لتقرر اجازة التعديل المجرى على قانون اساس القضاء، او ابطاله. جاء موقف الحكومة والكنيست طبعا حيال المسألتين متوقعا، فنفت وجود سلطة للمحكمة العليا تخولها مراجعة ونقد أي قانون اساس، وكذلك بعدم وجود سلطة للقضاة تمكنهم من مراجعة ونقد التعديل المذكور لان الكنيست، وهي ممثلة الشعب، اجازته بأغلبية كافية لاضفاء الشرعية عليه. فتدخل المحكمة والغاء قرار السلطة التشريعية يحوّل المحكمة عمليا الى سلطة عليا تقف فوق الحكومة وفوق الكنيست، وهذا أمر لا يجوز في نظام "ديمقراطي" يعتمد آلية الانتخابات كوسيلة لفرز سلطات الحكم.
رفضت هيئة المحكمة ادعاءات الحكومة والكنيست واقر اثنا عشر قاضيًا حق المحكمة بمراجعة جميع القوانين ونقدها وبضمنها، بشروط معينة، قوانين الاساس؛ بينما عارض هذا الرأي ثلاثة قضاة. أما بخصوص تعديل القانون فقد قبل ثمانية قضاة الالتماسات المرفوعة ضده وقرروا الغاءه واعادة المكانة والاعتبار لحجة المعقولية كأداة رقابية قضائية يجب أن تخضع لميزانها جميع القرارات الادارية الحكومية والوزارية والسلطوية، وتخضع لها كذلك نصوص القوانين جميعها. لجأ القضاة في تعليل قرارهم الى ضرورة المحافظة على مبدأ فصل السلطات في الدولة السليمة وابقاء حالة التكامل والتوازن بينها، وقرروا انه في حالة حرمانهم من نقد القوانين والغاء حجة المعقولية لن تبقى في الدولة اية سلطة تقوم بمهمة الرقابة على قرارات الكنيست والحكومة ومؤسساتها من اجل حماية المواطن من تعسف اجهزة الدولة، والمحافظة على حقوق المواطنين الاساسية. ولقد حذر القضاة انه في غياب سلطة الرقابة المذكورة سوف تتحول الدولة الى دكتاتورية تحكمها الاكثرية بقدرة مطلقة؛ وعليه نوّهوا الى أهمية الحفاظ على سلطة القانون كسلطة عليا يُخشى ان تداس اذا استثمرت الاكثرية المنتخبة قوتها المطلقة في الكنيست وبدأت بصرفها كقرارات نفعية لا تخضع لاية رقابة، كما كان سيحدث لو نجح اصحاب الانقلاب القضائي بمخططهم.
قد يتساءل البعض عن اهمية كتابتي عن هذا القرار في زمن لا يرى فيه معظم القراء اسرائيل الا كآلة حرب متوحشة منفلتة ينفذ جيشها ابشع حرب على الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة ايضا. وقد لا يعني هذا القرار شيئا للبعيدين عن عالمنا ، نحن الذين سنبقى في القفص الاسرائيلي بعد انتهاء الحرب على غزة، وأخص اولئك الذين يعيشون في دول العالم الثالث والرابع التي لا تعرف فضاءاتها معنى الديمقراطية البرلمانية الغربية/ الانتخابية ولا مكانة الحقوق الدستورية الفردية او الجماعية او ليس فيها أي دور للقضاء في الدفاع عن حقوق المواطنين الاساسية او في الغاء أي قوانين سلطانية جائرة او اردات ملكية هوائية سامية.
قرار المحكمة يهمنا نحن، المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، لأنه قد يؤدي الى افشال الانقلاب القضائي الخطير المخطط، ولو مؤقتًا؛ فنحن كفلسطينيين مواطنين في اسرائيل كنا اول من سيدفع ثمنا باهظا جراء تحييد دور المحكمة العليا وتجريدها من سلطة مراجعة ونقد معقولية قرارات الحكومة ومؤسساتها بحقنا في واقع اسرائيلي جديد سيتحول فيه، كما بدأنا نشعر، التنكيل العلني بنا وملاحقتنا من قبل اجهزة الدولة نهجًا "قانونيا" معتمدًا، لا مجرد معاناة جراء سياسات حكومية عنصرية كانت تضبطها احيانًا كوابح قضائية هشة، كما كان في زمن الحكومات السابقة قبل صعود اليمين المؤمن بفوقيته اليهودية التوراتية.
لا توجد أية ضمانة أن يوقف هذا القرار الزحف اليميني الاهوج الذي انعكست قوته الخرقاء في نتائج انتخابات الكنيست الاخيرة، بل تنذر معظم المؤشرات السياسية والاجتماعية القائمة، بأن الآتي سيكون علينا أسوأ. مع هذا فقد يتحول القرار، اذا حصلت متغيرات سياسية مستقبلية، الى ناقوس يدق على أبواب مجتمع يهودي مرهق بدأت قبل السابع من اكتوبر، بعض مكوناته تشعر بالخطر على معاني وجودها في دولة مختلفة عن تلك التي كانوا يحلمون بها.
لا توجد ضمادات تقينا من نيران المستقبل الا تلك التي نخيطها نحن بمسلاتنا، ولا دروع واقية غير التي نسبكها في محاددنا؛ لكننا نعرف، من تجاربنا، ان التاريخ لن يتوقف عند السابع من اكتوبر كما انه لم يبدأ به، ونعرف كذلك ان العدل لم يبدأ مع قرار المحكمة العليا كما انه لن ينته به ، لكنه يبقى قرارا لافتا، رغم محدودية تآثيره المباشر علينا، ففي سطوره سنجد الاسرائيلتين، تلك التي تفتش عن خلاص دنيوي يحيا في ذاكرة الضحية والثانية موقنة ان خلاصها مقدر لها لا محالة فهو وعد الهي لا يقايض ولا يبارز .
القضية، اذا، لا تتوقف عند حجة المعقولية واهميتها في نظام حكم يصر دهاقنته انهم يستمدون قوتهم وحقهم مباشرة من الرب، ولا تتوقف عند سلطة "محكمة عدل عليا" لم تنصفنا حين كنا امامها نحن الضحايا. صحا قضاتها ليجدوا سلطتهم تحت نعال جيوش الرب فأفاقوا لينهروا غفاة البشر، عساهم ينزلون من شرفة السماء الى وحل الارض. القضية مدفونة في هذه التفاصيل جميعها واكثر؛ فحياتنا، كمواطنين تقف على قرن الزمن، بوجود هذا القرار افضل لأننا، بخلاف من عاشوا في الزبد أو وفق طبائع الاستبداد، نفتش عن حريتنا في حقول خاننا نواطيرها ذات صيف.
لن يضمن لنا قرار المحكمة وحده مستقبلا واعدا في دولة يغرق مجتمعها في مشاعر الخوف والعنصرية واعتبارنا أعداءً للدولة، لكنه قرار شكّل، في توقيته وحيثياته وتأثيره المحتمل على تداعيات المستقبل، ومضة بارزة في ليل فاحم ثقيل.
يسأل بعض العالم ماذا بعد الحرب في غزة وبعد قرار المحكمة؟ بينما في اسرائيل كثرت، بعد ثمانين يوما من الحرب على غزة وحصدها لأرواح عشرات آلاف القتلى والجرحى الغزيين، التساؤلات حول كيف تكون الهزيمة وما النصر وماذا لو نام ربنا مرة اخرى، كما حصل في السابع من اكتوبر؟ ونحن، المواطنين في اسرائيل، نعرف أنه ليس بعدل محكمة اسرائيل ستكون نجاتنا.
أما غزة وحدها لا تسأل الا عن قمر يلملم الليل عن عيون اطفالها الخائفة وتعرف الا بعد ولا قبل، لان الموت وحده صار في غزة ازلا ورمز "معقولية" هذا العالم المجرم.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد تحت الركام، ليس بالدين وحده يحيا البشر
- هل واجهت اسرائيل في اليابع من أكتوبر خطرا وجوديا ؟
- من يشفينا من هذا الشلل؟
- صفقة برسم الجغرافيا ، الفلسطينية حينًا والاسلامية حينًًا
- من لا زيتون له فلا قبر له ولا وطن
- كنت أريد أن أبكي ليراني يقول ابن الضحية.. كنت أريد أن أعيش ل ...
- ماذا بعد أن تنتهي الحرب على غزة؟
- ليل غزة نار ودموع وليل الفلسطينيين طويل
- الفلسطينيون في اسرائيل، بين صمت-مثالي- وخوف عاقل
- بين طوفانين، البحر أمامنا وخيال نكبة وراءنا
- من سيحمي الصليب والمسيحيين في الأراضي المقدسة؟
- مقاطعة انتخابات المجالس المحلية، كفرياسيف أولا !
- هل ما زالت اسرائيل واحدة؟
- همسات محام، جليلي في القدس ومقدسي في الجليل
- كي لا تسقط قلعة الاحرار، قلعة الحركة الأسيرة
- لا دين للظلم ولا لضحاياه
- محمود درويش في حضرة الندم
- التطبيع، التباسات فلسطينية: آمال المثلوثي ونادي الوحدات
- النووي الاسرائيلي، والنبي ايليا في ظل حكومة توراتية
- طريقنا الثالث يمر في -قصبة كركور-


المزيد.....




- هل تنجح إدارة بايدن في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ...
- -ديلي تلغراف-: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا ...
- صحيفة أمريكية: المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة في ...
- رسالة هامة من الداخلية المصرية للأجانب الموجودين بالبلاد
- صحيفة: الولايات المتحدة دعت قطر لطرد -حماس- إن رفضت الصفقة م ...
- حسين هريدي: نتنياهو يراهن على عودة ترامب إلى البيت الأبيض
- ميرفت التلاوي: مبارك كان يضع العراقيل أمام تنمية سيناء (فيدي ...
- النيابة المصرية تكشف تفاصيل صادمة عن جريمة قتل -صغير شبرا-
- لماذا تراجعت الولايات المتحدة في مؤشر حرية الصحافة؟
- اليوم العالمي لحرية الصحافة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حجة المعقولية، حد فاصل بين اسرائيليتين