مجلة العربي القديم عدد خاص عن غزة

حسام الدين الفرّا

الحوار المتمدن-العدد: 7830 - 2023 / 12 / 19 - 18:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

صدر الشهر الماضي العدد الخامس من مجلة "العربي القديم" المستقلة، والمنتظمة في صدورها أول كل شهر، وهذا العدد خاص بغزة، بعنوان "غزة كبرياء التاريخ"، وذلك تضامناً مع هذه المدينة الصامدة التي تُركت وحدها، تحت القصف الهمجي للاحتلال الإسرائيلي.
جاء العدد في اثنتين وثلاثين صفحة، واشترك فيه كتّاب سوريون وفلسطينيون لا يملكون سوى سلاح الكلمة، لفضح وتعرية آلة الحرب الإسرائيلية. وكان رئيس تحرير المجلة الناقد والكاتب محمد منصور قد قدّم لهذا العدد الخاص بكلمة قال فيها: "نقدم هذا العدد الخاص من مجلة (العربي القديم) تحية من كتاب وأدباء ومثقفين سوريين للمدينة التي تواجه حرب إبادة وحشية على مرأى ومسمع من العالم، فتمضي قوافل الشهداء على دروبها المدمرة يومياً، لتخطّ فوق كل هذا الدم والدمار ذاكرة للشرف الرفيع الذي يرتقي بأرواح أبنائها إلى مراقي الخلود، ويهبط بالعالم المتفرّج إلى مهاوي العار".
بُدئ العدد بقصيدة للشاعر الراحل نزار قباني، من ديوانه "ثلاثية أطفال الحجارة" الصادر عام ١٩٨٨، والقصيدة تتحدث عن أطفال غزة، وبطولاتهم إبان الانتفاضة الأولى، يقول فيها:
"يا تلاميذ غزّة
علّمونا بعض ما عندكم، فإنّا نسينا
علّمونا بأن نكون رجالا، فلدينا الرّجال، صاروا عجينا
علّمونا كيف الحجارة تغدو، بين أيدي الأطفال، ماسًا ثمينا
كيف تغدو درّاجة الطفل لغمًا
وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصّاصة الحليب، إذا ما حاصروها، تحوّلت سكينا".
في مواد العدد الغني ومقالاته هناك مادة مستعادة ومعبرة، لرئيس بلدية غزة فهمي الحسيني الذي تولّى رئاسة البلدية عام ١٩٢٨، وكان أول رئيس بلدية منتخب، والمادة تتحدث عن تسمية شارع في غزة باسم البطل عمر المختار تكريماً له، وهو الطاعن في السن، والذي أعدمه الاحتلال الإيطالي.
يقول فهمي الحسيني في مقالته المنشورة في مجلة (هنا القدس): "إن مجلس بلدية غزة يعتبر هذا الشهيد الذي حارب إيطاليا سنين طويلة مثالاً في الذود عن وطنه، وقد ضحّى بحياته في هذا السبيل، مستحقّ لكلّ تمجيد وتخليد".
ومن المواد المستعادة من أرشيف وتاريخ غزة، نُشرت مادة لرئيس بلدية غزة كذلك رشدي الشوا، وهي بعنوان "مدينة غزة في خرابها وازدهارها" تناول فيها كاتبها تاريخ هذه المدينة الجميلة، وما تعرّضت له عبر التاريخ، حيث يقول:
" منذ أقدم الأزمان وهذه المدينة ساحة حربية تصطدم فيها جيوش الغزاة والفاتحين، بما لها من موقع جغرافي ممتاز، جعل لها مكانة حربية خاصة، ممّا تسبّب في دمارها، وإعادة بنائها في كل مرّة".
وضمن ولع مجلة العربي القديم بالتاريخ، وخاصة الصحافة المقروءة في أربعينيات القرن الماضي، قامت بالبحث في بعض المجلات والجرائد التي كانت تصدر في تلك الفترة، ونشرت صفحات، من هذه المجلات كالمادة المعنونة "جوع وعطش وصبر" المنشورة في عام ١٩٤٧ في مجلة "القافلة"، وجاء فيها: "أتريد يا أخي أن ترى صورة حية للشدة والبلاء يقعان على قوم، فلا يكسبانهم إلا قوة وصموداً، وصبراً وعزيمة!
تعال معي إذن، ولنزر هذه المنطقة الواسعة من الأرض التي تبدأ عند الخليل وتدور بغزة، وتشمل بئر السبع، وتنتهي بصحراء سيناء".
الكاتب والفيلسوف الفلسطيني الدكتور أحمد برقاوي في مادته "غزة معين بسيسو" تحدّث فيها عن الشاعر الراحل معين بسيسو، وعن أمسيته ذات يوم في جامعة دمشق، واستحضر قصيدته المشهورة "الصمت موت"، يقول برقاوي: "ما زالت صرخات معين بسيسو الشعرية المعبّرة، عن روحه المتحدة بروح غزة تردد، وكأنها صرخات ضدّ هذا الزمان".
حفلَ العدد كذلك بمادة هامة للكاتب والمؤرّخ الفلسطيني الراحل مصطفى مراد الدباغ الذي له كتاب (بلادنا فلسطين)، والذي يعتبر بمنزلة موسوعة عن فلسطين، ويقول الدباغ في مادته المنشورة: "تعدّ غزة من أقدم مدن العالم، وقد بناها الكنعانيون الذين نزحوا من الجزيرة العربية، ونزلوا فلسطين والساحل الشامي في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد، وذكرهم مؤرخو العرب بين الأمم العربية البائدة".
وتستعيد مجلة العربي القديم، وتستحضر مادة للكاتب الفلسطيني رجاء مكاوي نُشرت في ستينيات القرن الماضي بعنوان "غزّة الحاضرة" يتحدث الكاتب عن آثار غزة، والمهن والصناعات والتعليم فيها.
وبالانتقال إلى مادة "أهلاً بكم إلى مقبرة الأطفال... هنا غزة" الشيقة والمؤثرة، بسردها المتقن والجميل يأخذنا الكاتب الدكتور محيي الدين اللاذقاني، لنتعرّف على الفلسطينيين الذين التقاهم، ولاسيما الكاتب الراحل أميل حبيبي، وما حدث من مفارقات بينهما، يقول اللاذقاني:"أمّا الأديب الذي عرّفني على الروح الفلسطينية الحقيقية، فهو الكاتب الراحل أميل حبيبي صاحب رواية "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل"، وكنت قد انتقدته انتقاداً مرّاً، هو وسميح القاسم في مقالات لي بكتاب "عكس التيار... مشاغبات ثقافية معاصرة"، لكن ما إن عرّفني عليه الصديق المشترك، والمثقف المغربي الكبير محمد بن عيسى في منزله ذات صيف، في أحد مهرجانات أصيلة، حتى تعانقنا كأصدقاء قدامى، وما لبث أن شدّني من يدي بعنف، وانتحينا عن زحام المثقفين جانباً، وسألني ضاحكاً: "بس بدي أعرف كيف عرفت أنو عندي مركب في حيفا".
أمّا الروائي والكاتب السوري فواز حداد، ففي مساهمته المعنونة "غزة كمقاربة للحدث السوري" يقوم بمقارنة ومقاربة ما يجري في غزة من مجازر وتهجير، بالمجازر التي حدثت في حماة في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتهجير الذي حدث بُعيد الثورة السورية، يقول الروائي فواز حداد:
"مشهد الدمار في غزة امتداد للدمار السوري، وكأن هذا من ذاك، ولا فارق كبير، فالنظام يقتل شعبه، ويطرده من أرضه، بينما الإسرائيليون يقتلون شعباً، بعدما سرقوا أرضه، ويريدون سرقة ما تبقّى. يتصرف كلاهما من معين واحد، الحقّ في النهب. وكما يتشاركان في الوسائل القمعية، يتشاركان في المفاهيم نفسها، ففي طبيعة العلاقة بينهما غير المرئية، كأن كلاً منهما يستعين بالآخر، ويجد سنده بما أنجزه من جرائم، إنهما واحد في اثنين".
ويُنهي حداد مقالته باستغراب، ويقول: "ليس من المستغرب، أن إسرائيل ترتكب أفظع الجرائم، وتُعتبر الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، بينما المستغرب أن جرائم النظام السوري لا تقلّ عن جاره، فلماذا يُعتبر نظاماً دكتاتورياً؟ هذا ما أشعرَ الرئيس السوري بالغبن، وهو في ذلك على حق، العدالة مفتقدَة حتى بين المجرمين".
الكاتب والصحافي الاقتصادي عدنان عبد الرزاق المتميّز بتحليلاته السياسية والاقتصادية شارك في عدد المجلة الخاص بمقالة بعنوان "حماس من الألف حتى الآن"، وفيها تناول بدايات تأسيس حركة حماس، والخلافات الفصائلية، والأحداث التي رافقت الحركة، حتى فوزها بمقاعد المجلس التشريعي، والاحتراب بينها وبين حركة فتح، واستقلال حماس بحكم قطاع غزة، واستخدام الحركة كورقة سياسية من قبل إيران، لخدمة مصالحها، ويوضح عدنان عبد الرزاق في مقالته ذلك بقوله: "وربما من الضرورة التاريخية بمكان التنويه إلى الخديعة الكبرى التي تعرّض لها مقاتلو حماس، بل الحركة برمتها، ممن ادعوا الممانعة ووحدة الساحات، بعد أخذ إيران وحزب الله، وما تبقّى لسوريا من قرار وضع المزهريات، إلا من بعض مفرقعات بجنوبي لبنان، لم تعد قطرة من ماء وجوههم المسفوك على أعتاب الحقائق وساحات القتال".
ويتابع الكاتب غسان المفلح في مادته "حماس من المقاومة إلى الدويلة" الحديث عن العلاقة التي تربط حركة حماس بإيران، ويقول: "إيران استطاعت أن تكون لاعباً فاعلاً في غزة، على غرار لبنان. لم تدخل إيران منطقة، إلا وكان مصيرها الخراب والفشل والقتل".
الكاتب الدكتور أحمد عسيلي في مادته "إسرائيل كأكبر خطر على الديمقراطية الغربية" تناول ما يحدث في الغرب من تضييق، لمنع التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، والتهمة جاهزة دائماً، وهي معاداة السامية، ويرى عسيلي:" إن الأزمة الفلسطينية حالياً هي أكبر امتحان تتعرّض له الحريات في أوربا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
الكاتب مصعب الجندي في مقالته "غزة الارتباك الدائم" بيّن فيها الارتباك الذي حصل نتيجة عملية طوفان الأقصى، ودعم الغرب لإسرائيل، ودور إيران في ما حصل.
الكاتب الدكتور مهنا بلال الرشيد في مقالته "من إدلب إلى غزة على خطى إبراهيم عليه السلام" يرجع إلى تاريخ كلّ من إدلب - إيبلا، وغزة، ويصل إلى نتيجة مفادها أن المدينتين وحّد بينهما القدَر ماضياً وحاضراً، فكلتاهما تعرّضتا إلى الخراب والحروب في الماضي، وتتعرضان اليوم للقصف والدمار.
في صفحة كتاب يُقرأ تناولت الكاتبة الدكتورة فطيم دناور كتاب عارف العارف (تاريخ غزة)، وأوردت سبب تأليف الكتاب: "أراد به الكاتب - كما صرّح في المقدمة - نقل ما عرفه، وعايشه في غزة من المبادئ الأخلاقية، والفوارق الاجتماعية، والعوامل الاقتصادية، والحوادث التاريخية إلى أبناء قومه".
وفي ملف هذا العدد الخاص عن غزة يقدم الكاتب الدكتور علي الحافظ مادة مترجمة عن اللغة الروسية، للكاتب الروسي ألكسندر فلاديميروفيتش ديمتشينكو،
والمادة بعنوان "العشائر في الحياة السياسية لقطاع غزة" وفيها يوضح الكاتب التكوين العشائري في قطاع غزة، وما حدث لهذا التكوين عبر عهود، من اختلاف السلطات التي تعاقبت على حكم القطاع، ومما جاء في المادة المترجمة: "لقد أثبت النظام العشائري في قطاع غزة، في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الطويل الأمد، والحياة السياسية المضطربة استقراره وقدرته على التكيف".
وحول أهمية العشائر، ودورها جاء في المادة: "العشائر التي اكتسبت ممارساتها أشكالاً قديمة مدمرة، لا تزال تحتفظ بأهميتها، باعتبارها البنية الأساسية والمترابطة لجزء من المجتمع الفلسطيني، والتي يمكن أن يؤدي التجاهل التام لمصالحها إلى نتائج سلبية".
أخيراً، لا بدّ من الإشارة السريعة إلى إسهامات الكتاب الآخرين الذين اشتركوا في هذا العدد الخاص بغزة، ومنهم: محمد طه العثمان، وهمام البني، وعبد الرحمن عمرين الذين أغنوا المجلة بكتاباتهم، وكذلك لا بدّ من الإشادة بدأب، وتفاني رئيس التحرير الكاتب والناقد محمد منصور الذي عمل على إخراج وكتابة هذا العدد الخاص، بسرعة وإتقان، قد تعجز عنها بعض المؤسسات الإعلامية.

#حسام_الدين_الفرّا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات