أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ساي إينغلرت - اليهودية والصهيونية والإبادة الجماعية النازية















المزيد.....



اليهودية والصهيونية والإبادة الجماعية النازية


ساي إينغلرت

الحوار المتمدن-العدد: 7805 - 2023 / 11 / 24 - 10:09
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نشرت الورقة في مجلة المادية التاريخية المجلد ٢٦ العدد ٢ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٨



تستكشف هذه الورقة تشكل الهوية اليهودية المعاصرة، وسياسات الهوية ومركزية الدولة لكل في إحياء ذكرى الإبادة الجماعية النازية والصهيونية- والتي تفهم على أنها المشروع الكولونيالي المستمر الرامي إلى تشكيل والحفاظ على دولة يهودية حصرية في فلسطين. وتناقش بأن سياسات الهوية المهيمنة داخل المجتمع اليهودي تعتمد على فهم للهوية، وهو فهم يفترض بأنها ثابتة وفردية.





أولا، تناقش هذه الورقة أهمية دراسة عمليات تحديد الهوية بدلاً من افتراض أن الهوية ثابتة وغير تاريخية، أو غير قابلة للتغيير. وتناقش بأن الدولة هي لاعب مركزي في هيكلة عمليات تحديد الهويات من فوق، وأنه في العلاقة المتنازع عليها بين الدولة والسكان هي التي تحاول تحديد هويات يعاد خلقها بانتظام. كما تتموضع هذه العمليات ضمن سياق ظهور الحداثة والكولونيالية الأوروبية.

تنتقل الورقة بعد ذلك إلى مناقشة العمليات الحديثة لتحديد الهوية اليهودية. وهي تتحدد ضمن سياق ظهور الدولة القومية الأوروبية. وتسلط الضوء على الطرق المختلفة والمتعارضة في الكثير من الأحيان التي استجابت بها المجتمعات اليهودية تاريخياً لهذه العمليات التي تقودها الدولة. تنتقل الورقة بعدها لمناقشة كيف بات الإطار السياسي الذي يركز على هوية يهودية ثابتة، ومركزية “إسرائيل” في تلك الهوية، والذي بات مهيمناً في السنوات الأخيرة.

ثم تقدم هذه الورقة نقداً للنهج الماركسي الكلاسيكي إزاء المسألة اليهودية قبل تحليل تطور العمليات الجديدة لتحديد هوية الشعب اليهودي في الغرب. ومن أهم هذه الأمور هو الدور الاستراتيجي الذي تلعبه “الدولة الإسرائيلية” في الشرق الأوسط، والطبيعة الحاسمة لتاريخ المحرقة الرسمي بالنسبة إلى التمثيل الذاتي الغربي.

أخيراً، ترى الدراسة أن الدول الغربية المعاصرة تعمل على إدامة معاداة السامية، وإن كان تحت ستار مختلف، من خلال جعل المجتمعات اليهودية إمتداداً للمشروع الصهيوني في فلسطين وكحاملة للتاريخ الرسمي الذي اعتمدته الدولة. ومن خلال ذلك، تعبئ الدولة هذه المجتمعات كممثلة لسياساتها في الخارج، والسياسات التمييزية في الداخل.

تختم الورقة بأنه وبعيداً عن التصدي لمعاداة السامية، تبقى الدولة هي العامل الأساسي في إعادة إنتاج معاداة السامية. إن تماهي الكثيرين داخل المجتمع اليهودي مع “إسرائيل” والمشروع الصهيوني في فلسطين، ومع الرواية الرسمية للإبادة الجماعية النازية التي تبيض صورة الدول الغربية، هي نتيجة لعمليات تحديد الهوية التي تجريها الدولة. وستركز الورقة بشكل رئيسي على الحقائق والأمثلة الأنغلوساكسونية، وخاصة في المملكة المتحدة، ولكن كذلك في الولايات المتحدة، التي يسكنها رابع أكبر الجاليات اليهودية خارج “إسرائيل”. كذلك، إن الدور التاريخي والمعاصر للدولتين في دعم الحركة الصهيونية في فلسطين يتطلب هذا التركيز.

الهوية وتحديد الهوية ودور الدولة





إن أسئلة السرد والتاريخ وبنى السلطة تتكرر في كل الأدبيات المتعلقة بالهوية. في كتابه “من يحتاج إلى الهوية؟”، يناقش ستيورات هول التوتر بين مقاربات الهوية التي تفضل إما الخصائص الفطرية أو العمليات الطويلة الأمد لتشكيل الهوية، إذ يكتب:

“في لغة الحس المشترك، تبنى الهوية على خلفية الإعتراف ببعض الأصول المشترك أو الخصائص المشتركة مع شخص أو مجموعة أخرى، أو مع مثال أعلى، ومع إغلاق التضامن والولاء القائم على هذا الأساس، وعلى العكس من هذا التعريف “الطبيعوي”، يرى النهج المنطقي أن تحديد الهوية هو بناء، وعملية لم تكتمل بعد، ودائماً قيد “التنفيذ”. ولم تحدد بمعنى أنه يمكن دوماً “الفوز” أو “الخسارة”، أو الحفاظ عليها أو التخلي عنها”. (١)

إذاً، تظهر الهوية كحقيقة جوهرانية يتقاسمها نفس أعضاء المجموعة نفسها. وتختبر على أنها غير تاريخية وفطرية، وعنصر أساسي في قلب إحساس الفرد نفسه، والتي كانت موجودة دوماً ويحصل من خلالها التوسط في تجربة المجتمع. مع ذلك، يدعو هول قراءه إلى النظر بعيداً عن ذلك والتفكير في العمليات التي تخلق وتعيد إنتاج الهويات. الهويات، بالتالي، بالنسبة لهول، ليست فردية وليست موجودة بشكل مسبق. إنما هي نتائج عمليات عرضية عبر المجتمع والزمن.

إذا كانت الهويات مكونة اجتماعياً على هذا الشكل، فسيبقى السؤال حول من أو ما الذي يولدها ويشكلها. يحاجج لورانس غروسبرغ أن “مسألة الهوية تتعلق بالسلطة الاجتماعية وتعبيرها عن رسوخها في جسد السكان أنفسهم”. (٢) وهو يحدد أصول هذه العملية ضمن ظهور الحداثة- وهي القضية التي ستعود إليها هذه الورقة لاحقاً.

إذا ظل مفهوم غروسبورغ عن “القوة الاجتماعية” غامضاً مثل “الموارد المادية والرمزية” لدى هول، إلا أنه إلى يشير إلى جانب مهم من عملية تحديد الهوية: تلك القوة مطلوبة لتوليد الهويات عبر المجتمع، وأنها في طور التعبير عن القوة المذكورة في الجسم الجماعي لـ”المحدد” الذي تظهر فيه تلك الهوية. يقارن غروسبرغ هذا التوتر بين القوة القسرية والموافقة الشعبية وفق صيغة ماركس القائلة إن الناس يصنعون التاريخ ولكن ليس وفق ظروف من اختيارهم. (٣) إذاً، تحديد الهوية هو نتيجة صراع القوة بين عمليات تحديد الهوية من فوق والتعبير الجماعي لتلك العمليات من تحت، والتي تولد وتجدد النتائج من جديد دوماً.

إن الاحتمالية القصوى لتشكل الهوية والطرق المتناقضة بشكل رئيسي التي يحصل من خلالها فهم الهوية، سواء داخل المجتمع أو داخل الأدبيات الأكاديمية، دفعت بالآخرين إلى رفض هذا المصطلح تماماً والتركيز على العملية والجهات الفاعلة فيها بدلا من ذلك. بالفعل، يحاجج روجيه بروبكر وفريدريك كوبر في كتابهما “أبعد من الهوية” بأن المصطلح نفسه فقد كل قوته التفسيرية من خلال استعماله ليس فقط للإشارة إلى مفاهيم مختلفة، إنما كذلك متعارضة، وبالتالي يجب التخلي عنه تماماً. وبدلاً منه، يقترحون فصل العناصر المختلفة الواردة في مفهوم الهوية، والحديث عن عمليات تحديد الهوية.




إضافة إلى ذلك، يحدد بروبكر وكوبر الدولة الحديثة باعتبارها فاعلاً حاسماً في عملية تحديد الهوية، ليس لأنها تستطيع خلق “هويات” بالمعنى القوي- فهي لا تستطيع ذلك بشكل عام- إنما لأنها تمتلك الموارد المادية والرمزية لفرض الهوية، والفئات والمخططات التصنيفية، وأساليب الإحصاء الاجتماعي التي يجب أن يعمل وفقها البيروقراطيون والقضاة والمعلمون والأطباء والتي ينبغي على الجهات الفاعلة غير الحكومية الركون إليها. (٤)

إن مركزية الدولة في هَيكلة فئات الهوية هي كذلك جانب أساسي في الأدبيات الكولونيالية في الواقع. بالفعل، إن مسألة تحديد هوية السكان الأصليين والمستعبدين- والعنصرة بشكل أكثر تحديداً- من جانب الدولة الكولونيالية هي جانب أساسي من هذا العمل المتنامي. إضافة إلى ذلك، وكما هو الحال مع غروسبرغ الآنف الذكر، يحدد علماء الكولونيالية أصول العنصرية في ظهور الحداثة الأوروبية والدولة القومية.

مثلاً، لاحظت باولا شاكرافارتي ودنيز فيريرا دا سيلفا أن التمييز العنصري كان محورياً في الكولونيالية الأوروبية لأنه “في عصر ما بعد التنوير، وبمجرد ما إن باتت الكونية والتاريخية صفات أخلاقية للإنسان الصحيح، بات مهماً تبرير كيفية عمل الحقوق كالحياة (الأمن) والحرية، التي لم تضمن لكل البشر، ما يتطلب أن يكون الاختلاف البشري… غير قابل للحل”. (٥)

وفي نفس الوقت كتب وولف:

“تبنى الهويات العرقية في وخلال عملية تشريعها… العرق هو لغة كولونيالية، وفق مصطلحات تعكس في تنوعها تنوع العلاقات غير المتكافئة التي اختار الأوروبيون الهيمنة على الشعوب التي احتلوا أراضيها”. (٦)

يحاجج وولف، في كتابه “آثار التاريخ”، بأن هيكلة الخصائص العرقية المختلفة، بناء على دور السكان المختلفين داخل النظام الكولونيالي للاستغلال ومصادرة الأراضي، كان مصدر قلق كبير للدول الكولونيالية وشبه الكولونيالية الأوروبية.

عمليات تحديد الهوية، من بينها العرقنة، تعمل ضمن فئات تحددها الدولة. من خلال تعبئة هذه الفئات تكون الدولة قادرة على ممارسة السيطرة، وتوزيع الحقوق، وتسهيل الاستغلال والمصادرة والإقصاء. وفي هذا التوتر بين محاولة الدولة فرض تلك الفئات والإستجابة- بالرفض أو بالإذعان- من قبل المحدّد، تظهر الهويات.





تتمثل المهمة التحليلية بعد ذلك في تحديد عمليات تحديد الهويات، ووكلائها، والطرق التي يُدمج بها الأشخاص المعنيون، أو ينقلبون أو يرفضون الفئات التي تفرض عليهم. وعلى حالة المجتمعات اليهودية في الغرب، تركز هذه الورقة.

الدولة الأوروبية والكولونيالية والهوية اليهودية

إن ظهور معاداة السامية الحديثة- في مقابل رهاب اليهود المسيحي قبل الرأسمالية- يمكن إحالته إلى ظهور الدولة القومية، مثل الكثير من عمليات العرقنة التي نوقشت فوق. في الواقع، وكما أشار إنزو ترافيرسو، إن ظهور الأمة، على عكس الإمبراطوريات المتعددة الجنسيات والمذاهب التي سبقتها “ينظر فيها إلى كل أقلية عرقية أو لغوية أو دينية باعتبارها عقبة تسعى إلى التغلب عليها، من خلال سياسات الإستيعاب أو الإقصاء”. (٧)

إن الحاجة إلى توحيد الأمة حول تاريخ وثقافة ودين و/أو لغة واحدة وضعت اليهود بشكل حاسم خارج الجسم الوطني الناشئ الجديد. أكثر من ذلك، إنها صنفت اليهودي على أنه عدو الأمة. بات “اليهودي الدولي” المتنقل دوماً بين شبكات الهجرة، وغير المتقيد بحدود الدولة وغير المخلص للدولة الناشئة، الموضوع الأساسي للدعاية المعادية للسامية الناشئة في نهاية القرن التاسع عشر. كما إن ذلك يشير إلى مخاوف الأوروبيين في مواجهة صعود الرأسمالية، والتوسع المدني السريع، والتحول في سبل عيشهم من خلال عمليات التراكم البدائي التي فصلتهم عن الأرض. (٨)

كذلك، حاجج وولف بأن ظهور الدولة القومية في أوروبا كان مترافقاً مع خلق “يهودية متجانسة”. (٩) في حين، أن الدول الإقطاعية اعتمدت على ما يسمى يهود البلاط وشبكاتهم في التمويل والتجارة (أنظر/ي أدناه)، إن الوعد بالتحرر على يد الدولة الذي تلا الثورة الفرنسية أدى إلى تجانس المجتمعات اليهودية، وفي هذه العملية وضع الأساس لتحديد بشكل جماعي على أنها [الهوية] خارجية عن الأمة الناشئة. يموضع وولف هذه العملية المتناقضة مع استمرارية التصنيفات الكولونيالية للسود في الولايات المتحدة:

“في الحالتين، سيبنى التماثل وراثياً، باعتباره غموضاً موروثاً لا يمكن إزالته، مشتركاً بين كل فرد في المجتمع المضطهد، وعلامة جماعية وإن لم تكن غير واضحة دائماً لقايين”.

وكان ظهور الدولة القومية، التي وضعت اليهودي خارج حدودها، مترافقاً مع تطبيق العمليات الكولونيالية لتفسير هذا الاستبعاد. ثم وعدت الدولة الحديثة بالتحرر من خلال الاستيعاب داخل الأمة، في حين منعت في الوقت عينه الوصول إلى جسم وطني للمجتمعات اليهودية من خلال العرقنة.





في مواجهة هذه البنى المحددة للهويات المفروضة من فوق، تطورت ردود فعل مختلفة داخل المجتمعات اليهودية في أوروبا الغربية والشرقية. من جهة، نشأ صراع ثقافي بين الهسكلا (حركة التنوير اليهودية)، والتي دعت إلى الاستيعاب الكامل لليهود داخل الدولة القومية، والعقيدة التي بقيت وفية لتقاليدها الثقافية والدينية. ومن جهة أخرى، نشأ صراع سياسي بين التقاليد الثورية المرتبطة بالتيارات البلشفية أو البوندية أو الأناركية أو الإصلاحية، والتي رأت في استبعاد اليهود من الدولة القومية إمكانية أممية لتقويضها، وبين الحركة الصهيونية الناشئة. وقد حاجج الصهاينة، وسنورد عن ذلك المزيد بعد قليل، بأنه فقط من خلال إنشاء دولة قومية يهودية، تتطور من خلال الكولونيالية، يمكن حل ما يسمى بالمسألة اليهودية، من خلال “تطبيع” الحياة اليهودية والإنضمام إلى عائلة الدول القومية الأوروبية. (١٠)

يمكن القول الكثير عن هذه الحركات المتنافسة (أنظر أدناه)، ولكن في الوقت الحالي يكفي الإشارة إلى أن معاداة السامية الحديثة نشأت نتيجة تشكل الدولة القومية، وذلك رداً على استبعاد الدولة وعنصريتها تجاه السكان اليهود. وتطورت مجموعة كبيرة من ردود الفعل السياسية والثقافية والدينية. في ذلك الوقت، لم تكن هناك عملية واحدة، بل العديد من عمليات تحديد الهوية التي انتشرت عن ردود فعل مختلفة، ومتنافسة في كثير من الأوقات، للتصنيف البنيوي لليهود من جانب الدول.

النقاشات المعاصرة حول الهويات اليهودية والأحادية الحديثة

إن تنوع ردود الفعل لبنى تحديد الهوية من جانب الدولة والمطبقة على المجتمعات اليهودية له بالغ الأهمية في النقاشات المعاصرة المتعلقة باليهودية. بالفعل، جرى تصوير الهوية اليهودية على نحو متزايد على أنها متجانسة وثابتة ولازمنية داخل المجتمع اليهودي. على سبيل المثال، أوضح مايك دايفس، رئيس مجلس القيادة اليهودية في المملكة المتحدة لـ لجنة الشؤون الداخلية:

“إن الصهيونية مرتبطة تماما بالطريقة التي يفكر بها اليهودي عن نفسه، وهي مرتبطة جداً بحق الشعب اليهودي في أن يكون له وطنه الخاص وأن يكون له حق تقرير المصير داخل ذلك البلد، بحيث إذا هاجمتَ الصهيونية، فإنك تكون قد هاجمت الأساسيات نفسها حول كيفية إيمان اليهود بأنفسهم”. (١١)

كما يطرح إفرايم ميرفيس، الحاخام الأكبر للتجمعات العبرية المتحدة في الكومنولث، ذات الحجة ولكنه يطرحها هذه المرة بعبارات دينية:





“لقد كانت الصهيونية جزءاً لا يتجزأ من اليهودية منذ فجر إيماننا… لقد صلينا من أجل “إسرائيل”. إفتح أي كتاب صلاة وستجد “إسرائيل” أمامك. إنها مركزية لما نحن عليه. ونتيجة لذلك، وإضافة إلى التطور السياسي الذي حصل في نهاية القرن التاسع عشر والذي اكتسبت خلاله الصهيونية خلاله بعداً إضافياً، إن توضيح حق الشعب اليهودي في العيش داخل حدود آمنة وتقرير مصيره في بلده، والذي غاب [عنه] طيلة 2000 سنة- هذه هي الصهيونية. وإذا كنت مناهضاً للصهيونية، فأنت ضد كل ما ذكرته للتو”. (١٢)

هذه المقاربة إزاء الهوية اليهودية، وبالتالي معاداة السامية ومكانة اليهود داخل المجتمع الأوروبي، تتناقض بشكل كبير مع النقاش السابق الذكر حول أصول معاداة السامية في الدولة-الأمة الأوروبية، والعديد من ردود الفعل المختلفة، لا بل المتناقضة في كثير من الأوقات داخل المجتمع اليهودي. بالفعل، إذا أردنا الأخذ بهذه القراءة لليهودية ومعاداة السامية على محمل الجد، فإن التقاليد الدينية الثورية والاستيعابية والأرثوذوكسية داخل اليهودية الأوروبية، والتي رفضت كلها المشروع الكولونيالي لبناء الأمة الصهيونية (ولأسباب مختلفة) ينبغي إعتبارها ضمن نطاق الفكر والعمل المعادي للسامية. ويبدو أن المقاربة المتبعة في عملية تحديد الهوية تحمل أهمية سياسية مهمة.

بالفعل، في كتابه “اليهودية والثورة”، يحاجج إيفان سيغري أن هناك صراعاً عميقاً داخل تاريخ الفكر اليهودي، سواء العلماني والديني. وهو يحدد التوتر بين القراءة الثورية الأممية والقراءة الديالكتيكية لليهودية والقراءة المعادية للثورة، والوسطية العرقية، وتلك الثابتة. يحاجج سيغري أنه في المجال الديني والسياسي، من موسى بين ميمون إلى بيني ليفي، هناك تيار من الفكر اليهودي الذي يناضل من أجل تثبيت هويته مرة إضافية وإلى الأبد في مساحة مطلقة ولاتاريخية. وهو يقارن ما سلف مع قراءة ديالكتيكية مع الرسالة، المرتبطة بحكماء التلمود ومار بولس، والتي تؤدي إلى إعادة إختراع نفسها وتجديدها دوماً من خلال الاتصال مع محيطها. يدعو سيغري إلى العودة لقراءة جدلية وثورية- من وجهة نظره- للهوية اليهودية ضد تيار الرجعية.

كذلك، إن أمنون راز-كراكوتزكين يجمع بين الديني والسياسي لتحدي الصورة المهيمنة للهوية اليهودية. ويشير إلى أن النظرة إلى اليهود على أنهم في غير مكانهم دوماً في المجتمعات المضيفة، وبالتالي يحتاجون إلى العودة إلى “من حيث جاؤوا” هي في الواقع مفهوم مسيحي مناهض لليهودية غريب عن الفكر اليهودي. ويرى راز-كراكوتزكين أنه قبل ظهور الصهيونية الحديثة، كان المنفى مطلباً وجودياً في اللاهوت اليهودي لا يمكن حله مادياً. في الواقع، يشير إلى أن “المجتمعات اليهودية التي عاشت في فلسطين قبل الصهيونية وصفت نفسها بأنها في “المنفى في أرض “إسرائيل”””. هذه القراءة، وخلافاً لوجهة نظر الحاخام ميرفيس، تظهر تاريخ شعب كان دوماً خارج المكان وفكرة العودة الجسدية كبناء حديث لهوية يهودية شكلتها الضرورات السياسية للمشروع الصهيوني.





مع ذلك، تدل الإحصاءات التي أجريت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى حقيقة أن ميرفيس ودايفيس ليسا وحدهما من يفترض مركزية دولة “إسرائيل” في تشكيل الهوية اليهودية. مثلاً، يشعر 93 بالمئة من اليهود في بريطانيا أن “”إسرائيل” تلعب دوراً ما/هاماً في تشكيل هويتهم اليهودية”، (14) ويشعر 69 بالمئة من اليهود في الولايات المتحدة “بالارتباط العاطفي بـ”إسرائيل””. (15)

وهذا ما يثير سلسلة من الأسئلة حول المجتمعات اليهودية في الغرب: ما هي عمليات تحديد الهوية، من فوق ومن تحت، التي حصلت، والتي يمكن أن تساعد في تفسير ظهور ما يبدو أنه فهم متجانس بشكل متزايد لليهودية؟ فهل هناك من مجال لوجود الهويات المتضاربة أم أن الأمر جرى تضييقه حقاً إلى هوية واحدة على نحو متزايد؟ وما هي النتائج السياسية لهذه العمليات على العمل السياسي المناهض للعنصرية اليوم؟

هذه الأسئلة التي تتجه الورقة إلى معالجتها الآن، من خلال مناقشة تطور الهوية اليهودية من قبل الدول الغربية واستجاباتها خلال القرن الماضي.

الماركسية والمسألة اليهودية

كان التقليد الماركسي الكلاسيكي أول من وضع إطاراً مادياً لتحليل ما سماه بالمسألة اليهودية: الأسباب وراء بقاء اليهودية لآلاف السنين على الرغم من وجودها كأقلية دينية في مجتمعات مختلفة تماماً، وظهور معاداة السامية في القرن التاسع عشر.

اعتمدت الكثير من الأدبيات حول هذه المسألة على افتراضات مثالية أو غائية حول قوة الإيمان اليهودي، والتوقعات المسيانية، أو التوق إلى “العودة” النهائية إلى الأرض الموعودة. وفي الوقت عينه، فهمت معاداة السامية على أنها حقيقة لاتاريخية وعالمية، موجودة في كل الأوقات، وتندرج ضمن أطر دينية متنافسة (راجع/ي أعلاه). من وجهة النظر هذه، كان اليهود شعباً مجوهرناً، وكان دوماً غريباً عن المجتمع المضيف ومرفوضاً منه، والذي تمكن من البقاء على قيد الحياة من خلال التشبث بإيمانه أو قوميته على أمل التحرر- العلماني أو الأعجوبي. وهي مقاربة متجذرة في التحيز المسيحي المعادي لليهود، كما ناقشته فوق، وما زال حاضراً حتى يومنا.

وفي تناقض كبير مع هذه المقاربة، طرح ماركس إطاراً للتحليل يفهم الشعب اليهودي- كما بقية الشعوب- على أنه يصنع ويعاد صنعه دوماً بواسطة التاريخ والبنى الاقتصادية والسياسية المهيمنة التي يعيش في ظلها. في ورقته المشهورة “حول المسألة اليهودية”، جرى تلخيص هذه المقاربة في عبارة بسيطة تقول إن “اليهودية ما زالت موجودة ليس على الرغم من التاريخ، إنما بسبب التاريخ. فاليهودي يخلقه المجتمع المدني باستمرار من أحشائه”. (١٦) إن طول عمر اليهودية، بالنسبة إلى ماركس، ليس إنحرافاً عن التاريخ وليس إنجازاً عجائبياً، إنما نتاج عمليات تاريخية محددة.





من خلال الأدوار الإقتصادية والسياسية التي لعبوها في هذه المجتمعات، القائمة على النشاط التجاري وإقراض المال، جرى اعتبار اليهود كيانا منفصلا عن المجتمع. على الرغم من إنتقاده الواسع النطاق بسبب اللغة التي استعملها، (١٧) فقد طرحت مقاربة ماركس إزاء المسألة اليهودية بداية التحليل المادي للتاريخ اليهودي ومعاداة السامية الحديثة، في حين دافع في الوقت نفسه عن ضرورة النضال ضدها.

جرى تطوير أطروحة ماركس على نحو أكبر من قبل إبرام ليون، وهو شاب ماركسي يهودي كتب في مخبئه في بلجيكا المحتلة من النازيين. وسع وفصل وطور ليون في كتابه “المسألة اليهودية: تفسير ماركسي”، رؤى ماركس الأساسية حول تاريخ الشعب اليهودي وحقائق معاداة السامية الحديثة. مؤكداً على أفكار ماركس، حاجج ليون:

“ليس ولاء اليهود لعقيدتهم هو ما يفسر الحفاظ على أنفسهم كمجموعة اجتماعية متميزة، إنما على العكس من ذلك، إن الحفاظ عليهم كمجموعة اجتماعية متميزة هو ما يفسر تمسكهم بإيمانهم”. (١٨)

لقد طور فكرة تقول إن الشعب اليهودي كان يشكل في معظم تاريخه، طبقة شعبية، أعادت إنتاج نفسها من خلال أدوارها الإقتصادية المحددة داخل المجتمعات المختلفة التي سكنتها. ولذلك لم يكن اليهود كياناً غريباً داخل هذه المجتمعات، إنما كانوا جزءاً لا يتجزأ من تنظيمها الاجتماعي والإقتصادي.

كان ظهور الرأسمالية، في أعمال ليون، بمثابة الفترة التاريخية التي باتت خلالها المهام الإقتصادية التي كانت مخصصة سابقاً لطبقة من اليهود عالمية. إنتقل النشاط التجاري والمالي من الأطراف إلى مركز الإقتصاد. كانت القاعدة الإقتصادية للبقاء التاريخي لليهودية تختفي وجرى استيعاب اليهود في أوروبا الغربية. ولكن في أوروبا الشرقية، حيث كان زوال النظام الإقطاعي وصعود الرأسمالية في توازن دائم، كان اليهود محاصرين بين شبه البروليتاريا والهجرة. وعندما هاجروا إلى الغرب، أخذوا معهم الواقع اليهودي، الذي اختفى، كما حاجج ليون، إلى درجة كبيرة في تلك الدول. وقد رفضتهم البرجوازية الجديدة. (١٩)

هذه المقاربة، لماركس وليون، وكذلك من قبل آخرين في التقليد الماركسي الكلاسيكي، من كاوتسكي إلى تروتسكي، تعرضت لإنتقادات في الآونة الأخيرة بسبب إفراطها في التركيز على الوحدة الإقتصادية للمجتمعات اليهودية والطبيعة الإقتصادية للمسألة اليهودية. ورغم ذلك، فإن ما يستمر من مساهماتهم هو تأكيدهم على الأساس المادي الذي ولّد الهوية اليهودية بدلاً من الهوية المحددة سلفاً والموجودة مسبقاً.





على سبيل المثال، أشار مكسيم رودنسون (٢٠) إلى أنه لم يكن هناك سوى القليل من الأدلة على صحة حجة ليون المرتبطة بالطبقة-الشعب قبل فترة الحروب الصليبية. ما هو لافت أكثر، في كتابه “الماركسيون والمسألة اليهودية”، يحاجج إنزو ترافيرسو أن النزعة الإقتصادوية للتقليد الماركسي في معالجة المسألة اليهودية أدت إلى تطوير نقاط عمياء أساسية: التركيز المفرط على الطبقية مقارنة بالناس في صياغة مصطلح الطبقة-الشعب، واعتماد مقاربة إقتصادوية مبالغ فيها لتأريخ اليهودية ومعاداة السامية.

لذلك افترضت الماركسية الكلاسيكية كذلك إن القضاء على الخصوصية الإقتصادية وعزل المجتمعات اليهودية سيؤدي إلى الاستيعاب الكامل في المجتمعات المحيطة وزوال معاداة السامية. كتب ترافيرسو:

“بقي ليون أسير رؤية الاستيعاب الموروثة من عصر التنوير، والتي لم تفسر دخول اليهود إلى العالم الحديث على أنه تحول لليهودية، إنما بكل بساطة إلغاء للأخرنة اليهودية”. (٢١)

في الواقع، إن إقتصادوية الماركسيين الكلاسيكيين قد أعمت عيونهم عن الحقائق السياسية المختلفة للسكان اليهود في أوروبا.

في الشرق، هدمت أسوار الغيتو، وتطورت المراكز الإقتصادية، وتبلترت الجماهير اليهودية في البلدات والمدن في نطاق الاستيطان- وهي المنطقة التي تشمل تقريباً ليتوانيا وبولونيا وأوكرانيا، حيث عاش ما يقارب نصف السكان اليهود في العالم في مطلع القرن العشرين- ولم يؤدِ ذلك إلى الإستيعاب.

على العكس من ذلك، طورت الجماهير اليهودية في أوروبا الشرقية وعياً طبقياً وقومياً في الوقت عينه، ما أدى إلى إحياء اللغة اليديشية، وكذلك البوند، وهي منظمة عمالية يهودية جماهيرية لعبت دوراً مركزياً في تطور الاشتراكية الديمقراطية الروسية. (٢٢)

وفي الغرب، حيث وعد عصر التنوير والثورة الفرنسية بالتحرر والمساواة في الحقوق كمواطنين لليهود، كان الوضع معكوساً. كانت المجتمعات اليهودية تميل إلى محاولة الإندماج. وكانوا يتحدثون اللغة القومية، ويشاركون في مؤسسات الأمة الفكرية والثقافية والرسمية.

وسواء كانوا ملحدين أو متدينين، فقد مالوا إلى إحياء كلمات الشاعر يهودا ليب غوردون، التي باتت شعاراً للهسكلة: “كن يهودياً في البيت ورجلاً في الشارع”. مع ذلك، إن هذه العملية لم تؤدِ هذه العملية إلى اختفاء معاداة السامية. في الواقع، حصل العكس تماماً، فقد لعبت الدول الناشئة دوراً أساسياً في ذلك (راجع/ي أعلاه).





في الواقع كانت المراسيم القيصرية المعادية للسامية هي التي أدت إلى تركيز سكن اليهود في منطقة نطاق الاستيطان. وقد جعل هذا التركيز من تطور الشعور القومي، على أساس اللغة والثقافة والمنطقة الجغرافية المشتركة أمراً ممكناً. (٢٣) كذلك، كما ناقشت سلفاً، كان إنهيار الإمبراطوريات القديمة وصعود الدولة القومية هو الذي طرح المسألة اليهودية في الغرب حول شكوك الولاءات المنقسمة، واتهام الهوية اليهودية بأنها متجاوزة لحدود الدولة الناشئة حديثاً. وأخيراً، أدت الحواجز التي تحول دون ملكية اليهود للأراضي، والتي فرضتها الدولة، إلى تركيز سكن اليهود، بشكل غير متناسب في البلدات والمدن، وتمركزهم في وسط النظام الرأسمالي الناشئ حديثاً.

قدم التقليد الماركسي الكلاسيكي مساهمة هامة عبر تسليط الضوء على العمليات المادية لتحديد اليهود، ومعاداة السامية الحديثة. مع ذلك، لم تتمكن من الوصول إلى النطاق الكامل لطريقتها الخاصة بسبب تركيزها الشديد على العمليات الإقتصادية وقبولها لوعد التنوير بالاستيعاب. تعتبر هذه التعديلات حاسمة لفهم تشكيل الهوية اليهودية الحديثة وعودة معاداة السامية، كما سأناقش أدناه.

الإبادة الجماعية النازية والصهيونية ورفض الإندماج

لقد جرت المناقشات الماركسية الكلاسيكية حول المسألة اليهودية قبل الحدثين الأساسيين اللذين ساهما في تشكيل الحياة اليهودية الغربية على نحو حاسم في النصف الثاني من القرن العشرين: الإبادة الجماعية النازية وإنشاء دولة “إسرائيل”. أدى الحدثين إلى تغييرات كبيرة في تكوين وموقع سياسات المجتمعات اليهودية في كل أنحاء العالم. خلال ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن: أبيد ٦ مليون يهودي في غرف الغاز، وتأسست الدولة “الإسرائيلية” بعد طرد أكثر من ٧٠٠ ألف فلسطيني، وانتقل أغلب الناجين من المحرقة إلى “إسرائيل”، وفي الخمسينيات، انتقل اليهود من كل أنحاء الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا إلى “إسرائيل”، من خلال الهجرة والطرد.

تحولت مراكز الحياة اليهودية في هذه الفترة بإتجاه الولايات المتحدة والدولة الحديثة النشأة. واستمرت هذه الأحداث، وردود فعل الدول الأوروبية و”الإسرائيلية” تجاهها، في تشكيل الهوية اليهودية في الغرب.

تشير الإحصاءات المعاصرة، مثلاً، لليهود الغربيين و””الإسرائيليين” إلى أن المحرقة و”إسرائيل” هما من القضايا الأساسية التي تذكر بكونها أساسية لبناء الهوية [اليهودية]. (٢٤) مع ذلك، كما ناقشت سلفاً، لم يكن هذا هو الحال دوماً.





الهوية اليهودية ودولة “إسرائيل”

لقد اعتمد إنشاء “إسرائيل” ومستقبلها على ما يسمى تجميع المجتمعات اليهودية في العالم. ولذلك عملت الدولة الناشئة حديثاً بكل نشاط على تشجيع ونشر رؤيتها للشعب اليهودي. وقد فعلت ذلك فعلياً على المستويين التشريعي والعملي. ومنذ إنشائها، شرعت الدولة “الإسرائيلية” مباشرة رؤيتها للتاريخ. وقد أعلنت نفسها دولة ليس لمواطنيها، إنما لليهود في كل العالم. ونص إعلان قيام “إسرائيل” الذي أقر في ١٤ أيار ١٩٤٨ على التالي:

“بعد طرده من أرضه، حافظ الشعب [اليهودي] على إيمانه… طوال فترة تشتته لم يتوقف مطلقاً عن الصلاة الرجاء في عودته إليها لاستعادة حريته السياسية فيها… هذا الحق [في دولة يهودية] هو الحق الطبيعي للشعب اليهودي بأن يكون سيد مصيره، مثل بقية الشعوب، وفي دولة ذات سيادة… وندعو الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم إلى الالتفاف حول يهود أرض “إسرائيل” في عملية الهجرة والبناء والوقوف إلى جانبه في النضال الكبير من أجل تحقيق الحلم القديم- خلاص “إسرائيل””. (٢٥)

بعد عامين، أقر الكنيست ما سمي بـ”قانون العودة”، والذي كفل حق اليهود في كل العالم في الإستقرار في الدولة الناشئة حديثاً، والتمتع بكامل حقوق المواطنة. ولكن اللاجئين الفلسطينيين الذين تهجروا خلال النكبة منعوا من العودة إلى بيوتهم.

لم يكن “التجمع” مجرد عملية قانونية داخل “إسرائيل”، إنما كان كذلك قضية سياسية في كل أنحاء العالم. وفي حين شجع يهود الغرب على دعم “إسرائيل” إقتصادياً وسياسياً وثقافياً، عملت الدولة “الإسرائيلية” على تشجيع هجرة المجتمعات اليهودية، من المغرب إلى العراق، ومن الإتحاد السوفياتي إلى إثيوبيا.

ولم تتردد الدولة الفتية، بمساعدة من أنظمة محلية معادية للسامية، (٢٦) في الكثير من الأحيان، على شن هجمات إرهابية ضد الأقليات اليهودية في العراق لتسريع رحيلهم وإقناع المترددين. (٢٧) وقد جرى توثيق الطابع الأوروبي للمشروع الصهيوني ومعاملة اليهود المزراحيين (الشرقيين) كمواطنين من الدرجة الثانية من جانب الدولة “الإسرائيلية” على نطاق واسع. (٢٨) ومع ذلك، إن الحاجة لإيجاد سكان يهود جدد لاستيطان الأرض في الحرب الديموغرافية مع الفلسطينيين سارت إلى جانب الحاجة لتشريع صحة إدعاءات الدولة كممثلة ليهود العالم.





ومن المثير للإهتمام أن استيطان المجتمعات اليهودية من آسيا وإفريقيا وأوروبا بلغات وتقاليد وثقافات مختلفة كان له تأثير متناقض على الصهيونية. وإذا كان قد عزز من ادعاءات تمثيلية الدولة، لكنه قوض كذلك من مفهومها للعرق اليهودي الفريد.

وكما قال الماركسي “الإسرائيلي” عكيفا أور، فقد صارعت “إسرائيل” منذ نشأتها لتطوير هوية علمانية منفصلة عن الدين. (٢٩) يشير أور إلى أنه وعلى الرغم من المواقف الملحدة (وحتى المعادية للدين) للأجيال المؤسسة للحركة الصهيونية، فإن الدولة بقيت معتمدة على الدين بهدف بناء هوية يهودية موحدة.

يرى أور أن الدور المركزي الذي تلعبه الحاخامية في شؤون الدولة الرئيسية، مثل القرار بتحديد من هو يهودي ومن ليس كذلك- وبالتالي أن يكون مواطناً محتملاً- أو في تنظيم الزيجات، لا يمثل تنازلات عملية لكتل التصويت الدينية في “إسرائيل” إنما هي خطوات لا غنى عنها في عملية بناء هوية يهودية موحدة.

يحاجج آخرون، مثل موشي ماشوفير، (٣٠) مرددين بعض الحجج التي قدمتها المدرسة الكنعانية التحريفية في الأربعينيات، بفصل “إسرائيل” عن بقية يهود العالم والإعتراف بالجنسية والهوية العبرية. يعتبر ماشوفير ذلك نقطة انطلاق نحو نزع الصهينة، وإضعاف المشروع الكولونيالي الاستيطاني من خلال عزله عن الوافدين الجدد. ويرى ماشوفير أن ذلك سيضع كذلك الأساس للاعتراف بالحقوق القومية العبرية في فلسطين حرة.

إن تحديد اليهود كمجموعة سكانية موحدة، وبحاجة إلى التجمع في “إسرائيل”، يلعب دوراً إيديولوجياً بالنسبة للدولة “الإسرائيلية” وتوسع الكولونيالية الاستيطانية في فلسطين.

حاجج رودنسون في الستينيات بأن نجاح الصهيونية في فلسطين قد بات العامل البنيوي المحدد لحياة اليهودية الحديثة. (٣١) ولدت الصهيونية، بالنسبة إلى رودنسون، من الرفض المتزامن لليهود من جانب النظام البرجوازي الأوروبي، وكذلك إلى دمج قيمه وأعرافه من جانب الشعب اليهودي (الأوروبي) نفسه. أدى حجم الإبادة الجماعية النازية وتدمير الحركات اليهودية الأوروبية البديلة للصهيونية (الثورية في أغلب الأحوال) إلى تسريع تطور هذه العملية بين يهود أوروبا بعد الحرب.

حدد رودنسون، في حجة تكرر حجة إدوارد سعيد، الصهيونية على أنها حركة كولونيالية أوروبية، حولت المنبوذين في المدينة إلى طليعة كولونيالية استيطانية. وخلال عملية تجريد السكان الفلسطينيين الأصليين من أراضيهم، باتت الحركة الصهيونية ممثلة في الشرق الأوسط للمجتمع نفسه الذي رفضهم وقادهم إلى الإبادة.





وكما كانت الصهيونية نتيجة للرفض والاستيعاب، فقد جرى استيعاب اليهود الذين رفضوا من قبل الغرب من خلال التوسع الصهيوني في فلسطين.

عارض رودنسون الطريقة التي ولدت فيها الصهيونية ضغطاً سياسياً من فوق في فرنسا بهدف دمج المجتمع اليهودي في الغرب:

“يطبق ابتزاز أخلاقي ومادي مستمر ضد اليهود الذين يرفضون اعتبار أنفسهم أعضاء في مجتمع منفصل عليهم أداء قسم الولاء له. ومن المتوقع منهم الإلتزام بالخيارات المتخذة على الأراضي الفلسطينية من قبل أجهزة لا سيطرة لهم عليها”. (٣٢)

وقال رودنسون إن ذلك أطلق عملية تأميم الشعب اليهودي.

رغم ذلك، وكما أوضحت سابقاً، إذا شجعت الحركة الصهيونية ودولة “إسرائيل” بنشاط هذه المحاولة لتأميم يهود العالم لخدمة مشروعها الكولونيالي الاستيطاني في فلسطين، فإن ذلك لا يعني تلقائياً أن المجتمعات اليهودية ستقبل وتستجيب لهذا التحديد الجديد.

وهنا يصبح دور الدولة شديد الأهمية من جديد، في كتابه “معرفة الكثير”، يشرح نورمان فنكلستين بالتفصيل الطرق التي تطورت فيها العلاقة بين المجتمعات اليهودية الأميركية و”إسرائيل”. وهو يوضح كيف أن قيادة الجالية اليهودية الأميركية- على الرغم من التبرعات المالية الإنسانية أو الخيرية- لم تدعم “إسرائيل” سياسياً قبل حرب عام ٦٧.

يقتبس فنكلستين، من بين وثائق عديدة، دراسة أجرتها اللجنة اليهودية الأميركية قبل أشهر قليلة فقط من اندلاع الحرب، والتي خلصت إلى أن الحياة والمؤسسات اليهودية الأميركية ليست مرتبطة بـ”إسرائيل”، وأن ١٧ بالمئة فقط من اليهود الأميركيين كانوا أعضاء في المنظمات المؤيدة علناً لـ”إسرائيل”. (٣٣) ويعتبر فنكلستين أن الاهتمام الرئيسي للمجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة كان الاندماج في الحياة الأميركية، وأن الدعم السياسي الناشط لـ”إسرائيل” اعتبرته قيادة المجتمع بمثابة عرض لـ”الولاء المزدوج”. وكانت تخشى أن يؤدي ذلك إلى إثارة الشكوك ووقف لعملية الإندماج.

في الواقع وبعد حرب ٦٧، والتحول الحاسم لـ”إسرائيل” إلى دائرة النفوذ الأميركية- واستراتيجية الولايات المتحدة المتغيرة في الشرق الأوسط، بعيداً عن استرضاء القومية العربية- باتت الهيئات اليهودية الأميركية مؤيدة صراحة للصهيونية. وبذلك، بات ممثلو المجتمع اليهودي الأميركية، كمواطنين أميركيين مخلصين، وليس كأعضاء في قومية يهودية واحدة، مؤيدين للحركة الصيهونية والدولة “الإسرائيلية”، كتب فنكلستين”:





“لقد باتت “إسرائيل” تجسد للمثقفين اليهود الأميركيين القضية السامية المتجسدة بالحقيقة والعدالة والطريقة الأميركية، والتي بات بإمكانهم الآن التأكيد على ارتباطهم بها بسبب صلة الدم. كان الإنضمام إلى النادي الصهيوني بمثابة خطوة حكيمة من جانب زعماء المجتمع اليهودي الذين أمكنهم بعد ذلك لعب دور المحاورين الأساسيين بين الولايات المتحدة وأصلها الاستراتيجي…. إن هؤلاء الصهاينة المتحمسين لم يوافقوا حتى على العقيدة الصهيونية القائلة إنه ليس لليهود مستقبل في عالم الأمم. إنما على العكس من ذلك، تحولوا إلى الصهيونية لأنها سهلت قبولهم في الولايات المتحدة”. (٣٤)

الهوية اليهودية والذاكرة الرسمية للإبادة الجماعية النازية

كما جرت عملية مماثلة بما خص إحياء ذكرى الإبادة الجماعية النازية. بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، لم تلعب ذكرى غرف الغاز والإبادة الجماعية النازية دوراً مركزياً في المجتمعات الغربية. وقد قدمت تفسيرات مختلفة لذلك، وقد شدد فنكلستين على الحملة التي قادتها الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب “لنزع النازية” من ألمانيا الغربية وإعادة تعبئة مسؤولي الدولة النازيين السابقين في الحرب الباردة، كسبب رئيسي للطبيعة الصامتة للاعتراف الرسمي بالإبادة الجماعية. (٣٥٣٦)

شدد بيتر نوفيك في كتابه “الهولوكوست في الحياة الأميركية” على استراتيجيات الاستيعاب التي اتبعها المجتمع اليهودي في الخمسينيات من تأجيج نيران معاداة السامية. بينما يؤكد ترافيرسو، من جهة أخرى، على أن الاحتفالات الرسمية ركزت على الطابع الوطني والمناهض للفاشية للمقاومة في العقود الأولى بعد الحرب- وهكذا “إن رمز الهمجية النازية لم يكن أوشفيتز إنما بوخنفالد، حيث قتل الكثير من مناهضي الفاشية”. (٣٧)

في “إسرائيل” نفسها، كان الناجون من المحرقة يقابلون في كثير من الأوقات بالعداء. (٣٨) وقد مثلوا ضعف المجتمع اليهودي الذي “ذهب كالغنم للذبح”، والذي سيحل محله “اليهودي الجديد”، القوي والمولود في “إسرائيل”. وكان مصطلح ساخر منتشر بين الناجين بالعامية العبرية هو الصابونيم- الصابون- إشارة إلى تجارب النازيين لتحويل الدهون اليهودية إلى صابون.

كانت محاكمة إيخمان عام ٦١، بمثابة نقطة انعطاف في الخطاب المهيمن حول الحرب. سواء في “إسرائيل” أو في جميع أنحاء العالم الغربي فإن الاعتراف بالإبادة الجماعية النازية، إضافة إلى مركزية تذكرها في الاحتفالات الجماعية، يجد جذوره في تلك اللحظة. ويصف ترافيرسو هذه الانعطافة تحولاً حاسماً في الذاكرة الجماعية وفهم تاريخ الغرب: “لم تعد الإبادة الجماعية تعتبر تعبيراً عن تراجع الحضارة إلى الهمجية، إنما هي همجية مندرجة في الحداثة نفسها”. (٣٩)





بات شعار “لن يحصل ذلك مرة ثانية” شعاراً دولياً داخل المجتمع الغربي. ويصف ترافيرسو العملية التي باتت من خلالها الإبادة الجماعية النازية ما يسميه، مستعملاً روسو، الدين المدني- أي الشكل العلماني لتقديس جوانب محددة من التاريخ من أجل بناء هوية جماعية حول الدولة. من خلال آثارها، ومتاحفها الوطنية، والقوانين التي تمنع إنكارها، والاحتفالات الرسمية، باتت ذكرى المحرقة ركيزة أساسية في إبراز المجتمعات الغربية للهوية الذاتية والجماعية.

يعتبر ترافيرسو أن هذا الأمر قد وضع الأساس للاعتراف بعمليات الإبادة الجماعية والمجازر الأخرى في كل أنحاء العالم، في حين يشكل ذلك مخاطرة لنزع تسييس ذكرى المحرقة وتعبئتها كدرع يمكن من خلفه إخفاء المزيد من الجرائم المعاصرة: “من خلال تحييدها ومأسستها، فإن ذكرى المحرقة يُخشى بأن تصبح عقوبة أخلاقية للنظام الغربي الذي يديم القمع والظلم”. (٤٠)

كذلك، يصف فنكلستين في كتابه “صناعة الهولوكوست” بأنها صناعة تطورت حول إحياء الهولوكوست، والتي نزع تسييسها من خلال جعلها حدثاً غير قابل للتفسير وللمقارنة، تتضاءل بجانبها بقية الأحداث لتصبح غير ذات أهمية. يعتبر فنكلستين أن هذه العملية قد أفرغت الذاكرة الجماعية من دروسها السياسية، وسمحت للحكومات والشركات المتعاونة بالإفلات من العقاب، وعززت رؤية التاريخ اليهودي باعتباره تاريخاً يتسم بالإضطهاد الأبدي، وغير تاريخي، والشديد على نحو متزايد.

يعتبر فنكلستين أن هذه النسخة من التاريخ سهلت كذلك استعمال المحرقة لتبرير كلينة فلسطين من خلال السماح للقوى الغربية بغسل أيديها من الماضي من خلال دعم “إسرائيل” بكل بساطة، وبالتالي مصالحها في الشرق الأوسط.

يشدد، الكاتب والشاعر “الإسرائيلي”، يتسحاق لاور، كذلك على الدور الذي يلعبه هذا التاريخ الرسمي للمحرقة في تبييض العنصرية والجرائم التي ترتكبها الدول الغربية- سواء في الحاضر أو في الماضي:

“إن المحرقة وحدها يمكن أن تقدم تعريفاً للشر. … ولكن الشرور الأخرى لا زالت موجودة هناك. من المتوقع أن يطغى البعد العالمي للإبادة الجماعية على ضحايا الكولونيالية والعبودية، الذين لم يحصلوا على تعويض يمكن مقارنته بالمبالغ المدفوعة للدولة “الإسرائيلية”، ولا حتى فرصة للاعتراف بهم، على وجه التحديد لأنهم ما زالوا يعيشون في دول مدمرة، أو في أحياء بائسة واقعة تحت الاحتلال والقمع”. (٤١)





يستعمل التاريخ اليهودي والإبادة الجماعية النازية في مركز البناء الحديث للهوية الغربية وشرعنة الدول الغربية. لكنه نسخة غير مسيسة وغير تاريخية ومعقمة من التاريخ والذي يحصر اليهود في دور تاريخي محدد.

من جديد، ثمة مقايضة هنا: من أجل الوصول إلى الاعتراف بأخطاء الماضي، على المجتمعات اليهودية التخلي عن المطالبة بالعدالة البنيوية، وأن تقبل بإزالة القتل الجماعي لأسلافها من التحليل السياسي والتاريخي. وبدلاً من ذلك، يتحول إحياء ذكرى الإبادة إلى أداة تستطيع الدول الغربية الإعتراف وإدانة العنصرية والعنف والعمالة، في حين تستمر في ممارساتها ضد المجتمعات والدول الأخرى.

يمكن لليهود بعد ذلك أن يصبحوا جزءاً من الثقافة الغربية المهيمنة، والتي اكتشفت مؤخراً أنها يهودية-مسيحية بعد عقود قليلة فقط من الإبادة الجماعية النازية، بشرط أن يصبح تاريخهم من أسس التاريخ الرسمي للدولة، بدلاً من أن يكون الصخرة التي تدمرها. ويجب على المجتمعات اليهودية قبول دور حراسة التاريخ المشوه، والذي يترك بنية السلطة الحالية دون المس بها أو تحديها، من أجل الوفاء بوعد “لن يحصل ذلك مرة ثانية أبداً”. ويحصل الوعد عن طريق الاستيعاب، في حين يُرفض فعلياً.

يتبين من هذه المراجعة أن عملية تحديد اليهودية في النصف الثاني من القرن العشرين قد بنيت حول الإبادة الجماعية النازية والصهيونية، ضمن إطار تحدده الدولة بحيث وضع اليهود ضمن مركز الهيمنة الغربية مع إبقائهم في الوقت عينه على مسافة من إدماجهم الكامل. ومن ثم يُدفَع المجتمع اليهودي إلى رقصة منفصمة أخرى، حيث عليه في الوقت عينه، أن يمثل المجالات الرئيسة للهوية الغربية، في حين يحرم من الإندماج الكامل في بنيتها.

وبعيداً عن كونه حقيقة جوهرية وغير تاريخية، فإن التماثل الحالي بين المجتمعات اليهودية و”إسرائيل”، والأهمية المعطاة للمحرقة في إحساسهم بالذات، هو في الواقع نتيجة نصف قرن من سياسات الدولة الغربية. بالفعل، إن الدعم السياسي الذي تتمتع به “إسرائيل” في الشرق الأوسط من جانب الدول الأوروبية ودول أميركا الشمالية، والمركزية التي تلعبها المحرقة في تمثيلها التاريخي لذاتها، كان سبباً في تبديل بنى تحديد هوية اليهود في الغرب. ذات يوم، كانت المجتمعات اليهودية هي “الآخر” في الدول الأوروبية بامتياز، والآن تعرف على أنها حاملة لواء ركيزتين أساسيتين للسياسات الغربية في الداخل والخارج. تنتقل الورقة الآن إلى نقاش النتائج السياسية لهذه العملية.





تعبئة اليهود ضد الأوروبيين “الآخرين”

كتب سارتر في جملته الشهيرة: “ليست الشخصية اليهودية هي التي تثير معاداة السامية، إنما على العكس من ذلك، معاداة السامية هي التي تخلق اليهودي”. (٤٢) لا ينبغي، إذاً، أن يكون مفاجئاً أن نسبة متزايدة من الشعب اليهودي تفهم الصهيونية وتاريخاً معيناً من المحرقة كجزء أساسي من هويته (راجع ما سبق). وفي الواقع، يعرفون على أنهم يهود من خلال منظور هذا الإطار الثنائي من جانب الدول الغربية.

إن جوهرة اليهود، في الداخل والخارج، من جانب الدولة يخلق شكلاً جديداً من الرفض المعادي للسامية. لم يعد اليهودي أممياً وثورياً ولا جذور له، إنما يعرف اليوم، في الدرجة الأولى، على أنه- على الأقل يحتمل أنه- صهيوني ومواطن “إسرائيلي”، ومدافع عن “قيم الغرب” في مواجهة الهمجية. لم يعد المدمِّر المحتمل للمجتمع الغربي والقيم البرجوازية، إنما هو حاميه الأشرس، وحيث تصبغ الجوهرة المعادية للسامية اليهودي بضوء إيجابي. مع ذلك، يبقى المنطق الأساسي هو هيكلة الهوية اليهودية من فوق إلى تحت من جانب الدولة الغربية.

وقد خدمت معاداة السامية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في توجيه الصراع الطبقي بعيداً عن البرجوازية نحو اليهود، في حين جعلت من الحركة الثورية مشبوهة وسهلت القمع في الوقت عينه. وقد كانت، بحسب العبارة الألمانية، إشتراكية الحمقى. (٤٣) اليوم، هي تعمل على حجب سياسات الدولة، في حين تتعزز في الوقت عينه ردود الفعل الإسلاموفوبية.

يحاجج آلان باديو وإريك أزان:

“الهدف هو إقناع الناس بوجود وحدة أساسية بين الدعم المقدم للصراع ضد “الهجمية العربية الأصولية”، والصراع في الداخل ضد الشباب “الهمجيين” في الضواحي- حيث وصفهم بالهمج له دلالة مزودوجة المتمثلة بأنهم ليسوا عرباً أو مسلمين فحسب، إنما ينتقدون كذلك الحكومة “الإسرائيلية””. (٤٤)

جرى تعزيز هذه الجوهرة للشعب اليهودي من فوق، عبر سياسة الدولة الرسمية. مثلاً، أعلن تقرير لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم:

“على أولئك الذين يزعمون أنهم “معادون للصهيونية، وليسوا معادين للسامية”، أن يفعلوا ذلك علماً بأن ٥٩ بالمئة من الشعب اليهودي البريطاني يعتبرون أنفسهم صهيونيين… ولأسباب جنائية أو عقابية، يجب إعتبار استعمال كلمات مثل “صهيوني” أو “صهيو…”، في سياق إتهامي أو تهجمي تحريضاً وربما إتهامياً، معادياً للسامية”. (٤٥)





يعتبر التقرير أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الحركة السياسية للصهيونية والشعب اليهودي، في مجال تشريع القوانين. إن نسبة ٤١ بالمئة اليهود البريطانيين الذين لا يعتبرون أنفسهم صهيونيين، بحسب مصادر التقرير، غير معنيين بتطوير سياسة فعالة لمكافحة معاداة السامية.

كما أن معظم الإحصاءات لا تظهر أن جيل الشباب من يهود الغرب ينتقد “إسرائيل” على نحو متزايد. (٤٦) أظهرت دراسة حديثة أجراها الاتحاد الوطني للطلاب واتحاد الطلاب اليهود في المملكة المتحدة أن ٢٤ بالمئة من الطلاب اليهود يؤيدون حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد “إسرائيل”. (٤٧) رغم ذلك، إن هذه المواقف، التي تتنباها نسبة كبيرة من اليهود، هي قريبة جدا من معاداة السامية.

لقد جوهرت لجنة الشؤون الداخلية في المملكة المتحدة اليهود باعتبارهم من أتباع الحركة السياسية الوحيدة المتصلة بهم- الصهيونية- بغض النظر عن الحقائق. كذلك، عندما حاولت الحكومة البريطانية الحد من حق المجالس المحلية في تطبيق سياسات المقاطعة وسحب الاستثمارات، بررت أفعالها عن طريق الإهتمام بـ”الأمن الدولي” و”تماسك المجتمع”، وأضافت قائلة:

“هناك نتائج وطنية ودولية واسعة النطاق من فرض مثل هذه المقاطعة على المستوى المحلي. فهي يمكن أن تلحق الضرر في الإندماج والتماسك المجتمعي داخل المملكة المتحدة، وتعرقل التصدير، وتضر بالعلاقات الخارجية على حساب أمن بريطانيا الإقتصادي والدولي”. (٤٨)

وتُعبأ المجتمعات اليهودية في بريطانيا مباشرة كدرع يمكن للحكومة الإختباء خلفه للدفاع عن خياراتها التجارية والسياسة الدولية، في حين تعمل على تقويض الحريات السياسية في المملكة المتحدة. وتكتمل الصورة، من خلال إعلان الوزير في الحكومة ماتيو هانكوك عن هذه الإجراءات خلال زيارة رسمية له إلى “إسرائيل”.

إضافة إلى ذلك، إن استراتيجية الحكومة البريطانية المعادية للراديكالية، أو برنامج الوقاية، والتي جعلت من الواجب القانوني على موظفي القطاع العام الإبلاغ عن المستفيدين من الخدمات العامة التي يظهر عليهم ملامح التطرف، وتتبع هذا النمط من الناس. وتحدد السياسة سلسلة من الدلائل لما يسمى بالأفكار والسلوكيات المتطرفة غير العنيفة، والتي تعتقد الحكومة أنها تقود إلى “التطرف”. وقد تعرضت السياسة لانتقادات واسعة النطاق بسبب عدم فعاليتها، وإفتراضاتها التي لا أساس لها، واستهدافاتها غير المتناسبة للمجتمع المسلم. (٤٩) بالفعل، شكل المسلمون ٥٦ بالمئة من المستهدفين بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٤، على الرغم من أنهم يشكلون أقل من ٥ بالمئة من السكان البريطانيين. (٥٠)





تظهر المواد التدريبية المسربة لهذا البرنامج تشجيع المشاركين خاصة لاستهداف الذين ينتقدون السياسة الخارجية للمملكة المتحدة، مع التركيز على نحو خاص على التضامن مع فلسطين كمؤشر على التطرف. وينص، مثلاً، على “إن أظهرت القصص المتعلقة بالتلاميذ المهششين، قضايا متعلقة بسوريا وفلسطين وتنامي داعش فإن الأمر يتطلب مراقبة دقيقة”. (٥١) وقد أدى هذا النهج إلى إحالة المناضلين والطلاب الفلسطينيين إلى السلطات.

ومن الأمثلة على ذلك، طالب مسلم يبلغ من العمر ١٥ سنة في لوتون، والذي استجوب مراراً وتكراراً بموجب البرنامج لإرتدائه شعار فلسطين حرة وتنظيم حملة جمع تبرعات للأطفال الفلسطينيين المتأثرين بالحرب. (٥٢) يعتبر الدعم المقدم لفلسطين، من بينه الدعم المقدم من الأطفال، بمثابة تهديد للدولة. ويصبح دعم الدولة الصهيونية في الخارج أداة للقمع الإسلاموفوبي في الداخل، ولقمع الحريات المدنية بشكل عام.

ومن المثير للإهتمام في هذا السياق، أن المنظمات اليهودية والمطبوعات والشخصيات تطرح تحليلاً معاصراً لمعاداة السامية، رغم أنها لم تعد بنيوية، وهي نتيجة للنضال اليساري والإسلامي. إن حركة التضامن مع فلسطين، والمعادية للسياسة الصهيونية، والداعمة للمقاطعة تتعرض على نحو خاص للنقد وتتهم بتقويض حق اليهود بتقرير المصير، وحق اليهود بتحديد إضطهادهم بنفسهم، وتحديد هويتهم.

في المملكة المتحدة، مثلاً، وعند تقديم الأدلة إلى لجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم، والتي ناقشتها أعلاه، أعلن الحاخام ميرفيس أن:

“كان هناك وقت جاءت فيه [معاداة السامية] من اليمين المتطرف، ولكنها اليوم تأتي على نحو متزايد من جانب اليسار الجذري. وهناك عنصر من الإسلام الراديكالي يشكل جزءاً من هذه السردية، إن الأحداث في الشرق الأوسط تشكل نقطة إنطلاق”. (٥٣)

وصرح رئيس مجلس النواب، جوناثان آركوش بنقاط مشابهة:

“تقليدياً، تأتي معاداة السامية من اليمين المتطرف، ونحن لا نرى الكثير من النشاط اليميني المتطرف في الوقت الحالي. تقليدياً حصل دوماً تحيزاً ضد اليهود الآتين من أقصى اليسار كذلك، وأعتقد أنه مع ظهور ميل أكثر يسارية في قيادة حزب العمال، يشعر بعض الناس أن المجال قد انفتح لهم… جزء كبير من الأحداث تحصل من قبل أشخاص هم أو يبدو أنهم من مناطق المجتمعات المسلمة. أريد أن أؤكد أن الغالبية العظمى من المسلمين البريطانيين… معتدلون وملتزمون بالقانون… ولكن هناك بعض الجهات متحيزة جداً، وأعتقد أنهم يحصلون على المعلومات… من خلال المساجد أو المدارس أو الكتب أو محطات التلفزة الإسلامية ذات الطبيعة المتطرفة الآتية من الخارج. (٥٤)





لم تعد المشكلة في اليمين المتطرف، إنما في المسلمين واليسار المتأثرين بالنفوذ الخارجي.

ومن اللافت، أن كل المعلومات المتاحة عن المملكة المتحدة، من بينها تقرير لجنة الأمن المجتمعي حول معاداة السامية (٥٥) وتقرير لجنة الشؤون الداخلية نفسه- توضح أن الغالبية العظمى من الحوادث المعادية للسامية ترتكبها الجماعات اليمينية المتطرفة والفاشية- أو البيض المتطرفين. ويشير هذا إلى مستوى عالٍ من التماثل بين كبار ممثلي المجتمع اليهودي وجوهرة اليهودية تحت راية الصهيونية، والمعبأة ضد المجتمعات المعنصرة ومنتقدي السياسة الخارجية للدولة.

وتدعم الدولة السياسات “الإسرائيلية” والتوسع الخارجي، وتبرر هذا الدعم ليس وفق مصالحها الإقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط، إنما من خلال الدور الجوهري المفترض للصهيونية في الهوية الدينية والثقافية لليهود. وفي الوقت عينه، تجرم الدولة العمل السياسي وتستهدف حركات التضامن الفلسطينية. ومن ثم يبرر ذلك من خلال المساواة بين اليهودية والصهيونية، ومن خلال الموقف الذي لا أساس له، والذي نوقش أعلاه، وهو أن المسلمين هم المصدر الحديث لمعاداة السامية.

ومن ثم لا تظهر الدولة باعتبارها المضطهدة لكل من اليهود والمسلمين، حيث يُحدد المجتمعان من خلال البنى العنصرية والجوهرانية، إنما كمدافعة عن اليهود- التي تفهمها السياسة الرسمية على أنهم صهاينة- ضد المسلمين واليسار. وتنصب الدولةُ الطائفةَ اليهودية درعاً لإخفاء ورائه الدوافع السياسية لسياستها الخارجية والداخلية.

الخلاصة

إنطلاقاً من الموقف القائل إن الهوية ليست ثابتة أو بدائية، إنما تتولد من خلال العلاقة بين عمليات تحديد الهوية المفروضة من بنية الدولة من فوق، والاستجابات الجماعية من قبل “المحدَدين” من تحت، ناقشت هذه الورقة تحديد هوية المجتمعات اليهودية من جانب الدول الغربية. كما حاججت أنه بعد المحرقة، جرى تعريف المجتمعات اليهودية الغربية من جانب الدولة على أنها امتداد لشرعيتها، ومصير الكولونيالية الاستيطانية “الإسرائيلية” في فلسطين. إن عملية جوهرة الشعب اليهودي هي شكل من أشكال معاداة السامية البنيوية، التي تحاول فرض هوية محددة ومسيسة على المجتمع بأكمله.

إضافة إلى ذلك، لقد حاججت هذه الورقة بأن النهج القائم على عمليات تشكيل الهوية، بدلاً من الهويات المتجانسة والموجودة سلفاً وغير التاريخية، لها نتائج هامة. على سبيل المثال، عندما تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية كبيرة من يهود المملكة المتحدة والولايات المتحدة يشعرون بارتباطهم بـ”إسرائيل” فإن إحدى الإجابات تتلخص في اعتبار هذه المشاعر بمثابة تعريف لواقع ثابت. وثمة طريقة أخرى، كما حاولت هذه الورقة إظهاره، هي اتخاذ هذه المشاعر كنقطة انطلاق لتحليل يكشف عن عمليات تحديد الهوية التاريخية والمجتمعية، والتي تتطور من خلال التوتر المتولد بين هؤلاء الناس والدولة.

ويؤدي هذان النهجان المختلفان كذلك إلى نتائج سياسية مختلفة. إذا كانت سياسات الهوية تقود المرء إلى اعتبار الهوية ناشئة عن الفرد، فإن المرء يخاطر بتثبيت نتائج عمليات محددة ومثيرة للجدل تاريخياً على أنها طبيعية. وهذا يقود، في حالة اليهودية، إلى قبول أن الصهيونية ليست مسألة سياسية مضرة بالشعب الفلسطيني، إنما مسألة تحديد ذاتي للهوية، ومركزية في جوهر اليهودية. كذلك يقود المرء إلى افتراض أن الدولة، من خلال تذكرها الرسمي للإبادة الجماعية النازية وقوانينها المعادية للسامية، هي حامية للمجتمعات اليهودية، وليس بنيتها التي تضعهم في موضع خطر.

وهذا ما يفضي إلى الاعتقاد بأن هؤلاء الناشطين الذين يعارضون الكولونيالية في فلسطين، يدينون الانتهاكات “الإسرائيلية” لحقوق الإنسان، ويناضلون من أجل وضع حد لتواطؤ دولهم ومؤسساتهم مع هذه العمليات، هم المعادون الحقيقيون للسامية على الرغم من – وحتى في بعض الأحيان بسبب ذلك- رفضهم المستمر لمساواة الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم بأفعال وسياسات وواقع “إسرائيل” والحركة الصهيونية. في الواقع، وكما ناقشت فوق، إذا كانت الهوية اليهودية مرتبطة إرتباطاً شديداً بـ”إسرائيل” والصهيونية فإن أي رفض لها يجب أن يكون، سواء بوعي أو غير وعي، هجوماً على الهوية اليهودية نفسها.

مع ذلك، إذا بدأ المرء من تجربة الهوية من أجل البدء بعملية الكشف عن العوامل التاريخية والسياسية والإقتصادية المحددة التي تبنيها، يصبح من الممكن تصور طرق لتحدي البنى التي تنشأ منها الهويات. ومن ثم يفهم التحرير على أنه تحويل في الظروف البنيوية والفردية.

عندما تفهم الهوية على أنها نتيجة لحقائق اجتماعية سرية، فمن الممكن دراستها كمفهوم مرن ومتغير دوماً. في هذه الحالة، تؤدي المقاربة المادية للمسألة اليهودية، التي نوقشت فوق، إلى فهم كيف يلعب الدين المدني للمحرقة والصهيونية دوراً حاسماً، عملياً وإيديولوجياً، في تعزيز التوسع الكولونيالي الغربي في الخارج، والعنصرية في الداخل.

لقد جرى جوهرة اليهود تحت راية الصهيونية وحولوا إما إلى مشاركين فاعلين في الكولونيالية أو كدروع لسياسة الدولة في الداخل والخارج. إن الثنائية المكونة من الصهيونية والذكرى الرسمية للإبادة الجماعية للنازية هي الشكل المعاصر لرفض الشعب اليهودي من الدول الغربية، الأمر الذي وضعهم- من جديد- عند خط النار.

يُستنتج من هذا التحليل أن النضال الحديث لتدمير معاداة السامية، بعيداً عن الاعتماد على الدولة، يجب أن يمر عبر النضال ضد العنصرية والإمبريالية وبنية الدولة التي تناصر ذلك.

من ثم ليس من المفيد أن نعلن، كما قال رودنسون، أنه “يمكننا على الأقل الطلب من اليهود ألا يضعوا أنفسهم في المعسكر الخطأ أو التوقف عن النضال [من أجل من مجتمع خالٍ من الاضطهاد والاستغلال]”. (٥٦) تقبل هذه المقاربة- على الرغم من تحليلها الخاص- أن الشعب اليهودي بات متجانساً بشكل لا يمكن إصلاحه تحت تأثير الصهيونية، وأنه يستفيد من أفعالها. إضافة إلى ذلك، كما نوقش سلفاً، هذا الأمر يواجه تحدياً متزايداً من داخل المجتمع اليهودي نفسه.

ويجب إثبات، من الناحيتين النظرية والتطبيقية، أن النضال ضد معاداة السامية، والإسلاموفوبيا، والتدخل الغربي في الخارج هو أمر واحد. ولذلك، إن النضال من أجل تحرير فلسطين وضد الصهيونية يرتبط فعلاً بالنضال ضد معاداة السامية، ولكن ليس وفق الطريقة المقدمة في الكثير من الأوقات. تشير حورية بوتلجة إلى هذه النقطة، عندما تكتب، كدعوة إلى المجتمعات اليهودية في فرنسا: “أنتم ما زلتم في الغيتو. ماذا لو خرجنا منه سويةً؟” (٥٧)

الهوامش:

[1] Hall 1996, pp. 2–3.

[2] Grossberg 1996, p. 99.

[3] Ibid.

[4] Brubaker and Cooper 2000, p. 16.

[5] Chakravarty and Ferreira da Silva 2012, pp. 369–70. [No such reference in bibliography – MC]

[6] Wolfe 2016, p. 5

[7] Traverso 2016, p. 10.

[8] Traverso 2016, pp. 7–19.

[9] Wolfe 2016, p. 86.

[10] For more detail on these conflicts and different movements, see, for example, Jacobs (ed.) 2001 Frankel 2009 Traverso 2016.

[11] House of Commons Home Affairs Committee 2016, Q13.

[12] House of Commons Home Affairs Committee 2016, Q418.

[13] Raz-Krakotzkin 2007, p. 109.

[14] Miller, Harris and Shindler 2015, p. 15.

[15] Pew Research Center 2013.

[16] Marx 1844.

[17] For a detailed historical discussion of the contradiction involved in the use of antisemitic language in the process of arguing against antisemitic politics in Marx, see Hal Draper’s Marx and the Economic-Jew Stereotype (Draper 1977).

[18] Leon 1942.

[19] Others, beyond the Marxist tradition, have adopted a similar outlook on the relationship between the rise of capitalism and Jewish communities. Yuri Slezkine’s The Jewish Century argues, for example, that the advent of capitalism represents the universalisation of historically Jewish socio-economic roles (Slezkine 2006), while, on the other side of the political spectrum, Niall Ferguson argues that the development of modern capitalism cannot be understood without an analysis of the rise of the house of Rothschild and their financial and trade networks across Europe (Ferguson 1999).

[20] Rodinson 1968.

[21] Traverso 1994, p. 224.

[22] For more on the Bund and its approaches to the National Question, see Jacobs (ed.) 2001. For a summary of the Bundist and Austro-Hungarian Marxists’ contribution to the debate on the Jewish question, see Traverso 1994.

[23] Frankel 2009.

[24] Miller, Harris and Shindler 2015 Pew Research Center 2013 Pew Research Center 2016.

[25] Ministry of Foreign Affairs 2013.

[26] Behar 1997.

[27] Shiblack 1986 Giladi 2006.

[28] Ben-Dor Benite 1997 Chitrit 1997 [No such reference in bibliography – MC] Shohat 1988.

[29] Orr 1983.

[30] Machover 2013.

[31] Rodinson 1968.

[32] Rodinson 1968, p. 179

[33] Finkelstein 2012, pp. 35–44.

[34] Finkelstein 2012, p. 42 emphasis in the original.

[35] In this context, official reparations from the German government paid to Israel allowed for justice to appear as having been served, while avoiding fundamental structural changes, and financing the Western ‘watch-dog’ in the Middle East.

[36] Finkelstein 2000.

[37] Traverso 2016, p. 117.

[38] Laor 2009.

[39] Traverso 2016, p. 118.

[40] Traverso 2016, pp. 126–7.

[41] Laor 2009, pp. 32–3.

[42] Sartre 2011, p. 152.

[43] This phrase is often attributed to August Babel. There is, however, no evidence that this is indeed the case. It appears that it was a common saying within German socialist circles in the late nineteenth century.

[44] Badiou, Hazan and Segré 2013, p. 15.

[45] House of Commons Home Affairs Committee 2016.

[46] Finkelstein 2012 Miller, Harris and Shindler 2015 Pew Research Center 2016.

[47] National -union- of Students 2017, p. 26.

[48] Quoted in Stone 2016.

[49] Open Society Foundation 2016.

[50] National Police Chiefs’ Council 2014.

[51] Quoted in Hooper 2016.

[52] Open Society Foundation 2016, pp. 86–9.

[53] House of Commons Home Affairs Committee 2016, Q430.

[54] House of Commons Home Affairs Committee 2016, Q2.

[55] Community Security Trust 2017.

[56] Rodinson 1968, p. 181.

[57] Bouteldja 2016, p. 69.

المراجع:

American Jewish Committee 2016, ‘AJC Congratulates President-elect Trump, Urges Quick Steps to Unite Nation and Reassure Allies’, 9 November, available at: .

Anti-Defamation League 2015, ‘ADL Audit: Anti-Semitic Assaults Rise Dramatically across the Country in 2015’, 22 June, available at: .

Boteach, Shmuley 2016, ‘“America’s Rabbi” Rises to Defend Steve Bannon’, The Hill, 15 November, available at: <http://thehill.com/blogs/pundits-blog/presidential-campaign/306035-letter-to-anti-defamation-leagues-jonathan>.

Bouteldja, Houria 2016, Les Blancs, les Juifs, et nous. Vers une politique de l’amour révolutionnaire, Paris: La Fabrique.

Brubaker, Rogers and Frederick Cooper 2000, ‘Beyond “Identity”’, Theory and Society, 29, 1: 1–47.

Community Security Trust 2017, ‘Antisemitic Incidents: Report 2016’, 2 February, available at: <https://cst.org.uk/public/data/file/b/e/Incidents%20Report%202016.pdf>.

Dershowitz, Alan M. 2016, ‘Assessing the Bannon Appointment’, The Jewish Press, 20 November, available at: <http://www.jewishpress.com/indepth/opinions/alan-dershowitz-assessing-the-bannon-appointment/2016/11/20/>.

Draper, Hal 1977, ‘Marx and the Economic-Jew Stereotype’, in Karl Marx’s Theory of Revolution, Volume I: State and Bureaucracy, available at: <http://www.marxists.de/religion/draper/marxjewq.htm>.

Ferguson, Niall 1999, The House of Rothschild: Money’s Prophets 1798–1848, New York: Penguin.

Finkelstein, Norman 2000, The Holocaust Industry: Reflections on the Exploitation of Jewish Suffering, London: Verso.

Finkelstein, Norman 2012, Knowing Too Much: Why the American Jewish Romance with Israel Is Coming to an End, New York:´-or-Books.

Frankel, Jonathan 2009, Crisis, Revolution and Russian Jews, Cambridge: Cambridge University Press.

Giladi, Naeim 2006, Ben-Gurion’s Scandals: How the Haganah and the Mossad Eliminated Jews, Tempe, AZ: Dandelion Books.

Grossberg, Lawrence 1996, ‘Identity and Cultural Studies: Is That All There Is?’, in Questions of Cultural Identity, edited by Stuart Hall and Paul du Gay, London: Sage Publishing.

Hall, Stuart 1996, ‘Who Needs Identity?’, in Questions of Cultural Identity, edited by Stuart Hall and Paul du Gay, London: Sage Publishing.

Hooper, Simon 2016, ‘UK Teachers Told to Monitor pro-Palestine Students for Extremism’, Middle East Eye, 11 February, available at: <http://www.middleeasteye.net/news/leaked-uk-counter-extremism-documents-cite-interest-palestine-cause-concern-1601515896>.

House of Commons Home Affairs Committee 2016, ‘Antisemitism in the UK: Tenth Report of Session 2016–17’, 16 October, available at: <http://www.publications.parliament.uk/pa/cm201617/cmselect/cmhaff/136/136.pdf>.

Jacobs, Jack (ed.) 2001, Jewish Politics in Eastern Europe: The Bund at 100, Basingstoke: Palgrave.

Laor, Yitzhak 2009, The Myths of Liberal Zionism, London: Verso.

Leon, Abram 1942, ‘The Jewish Question: A Marxist Interpretation’, available at: <https://www.marxists.org/subject/jewish/leon/index.htm>.

Machover, Moshe 2013, ‘Zionist Myths: Hebrew versus Jewish Identity’, Weekly Worker, 16 May, available at: <http://weeklyworker.co.uk/worker/962/zionist-myths-hebrew-versus-jewish-identity/>.

Marx, Karl 1844, ‘On the Jewish Question’, available at: <https://www.marxists.org/archive/marx/works/1844/jewish-question/>.

Miller, Stephen, Margaret Harris and Colin Shindler 2015, ‘The Attitudes of British Jews towards Israel’, Department of Sociology, School of Arts and Social Sciences, City University, London, available at: <http://www.city.ac.uk/__data/assets/pdf_file/0008/295361/Israel-Report-FINAL.PDF>.

Ministry of Foreign Affairs (Israel) 2013, ‘Declaration of Establishment of State of Israel’, available at: <http://www.mfa.gov.il/mfa/foreignpolicy/peace/guide/pages/declaration%20of%20establishment%20of%20state%20of%20israel.aspx>.

National -union- of Students 2017, ‘The Experience of Jewish Students in 2016–2017’, available at: <http://www.nusconnect.org.uk/resources/the-experience-of-jewish-students-in-2016-17/download_attachment>.

National Police Chiefs’ Council 2014, ‘National Channel Referral Figures’, available at: <http://www.npcc.police.uk/FreedomofInformation/NationalChannelReferralFigures.aspx>.

Novick, Peter 1999, The Holocaust in American Life, Boston: Houghton Mifflin.

Open Society Foundation 2016, ‘Eroding Trust: The UK’s Prevent Counter-extremism Strategy in Health and Education’, October, available at: <https://www.opensocietyfoundations.org/sites/default/files/eroding-trust-20161017_0.pdf>.

Orr, Akiva 1983, The unJewish State: The Politics of Jewish Identity in Israel, London: Ithaca Press.

Pew Research Center 2013, ‘A Portrait of Jewish Americans’, 1 October, available at: <http://www.pewforum.org/2013/10/01/jewish-american-beliefs-attitudes-culture-survey/>.

Pew Research Center 2016, ‘Israel’s Religiously Divided Society’, 8 March, available at: <http://assets.pewresearch.org/wp-content/uploads/sites/11/2016/03/Israel-Survey-Full-Report.pdf>.

Posner, Sarah 2017, ‘Trump is Dividing American Jews over Domestic Policy, not Israel’, The Washington Post, 15 February, available at: <https://www.washingtonpost.com/posteverything/wp/2017/02/15/trump-is-dividing-american-jews-over-domestic-politics-not-israel/>.

Raz-Krakotzkin, Amnon 2007, Exil et souveraineté. Judaïsme, sionisme et pensée binationale, Paris: La Fabrique.

Rodinson, Maxime 1968, ‘De la nation juive au problème juif’, L’Homme et la Société, IX: 141–83.

Sand, Shlomo 2010, The Invention of the Jewish People, translated by Yael Lotan, London: Verso.

Sartre, Jean-Paul 2011 [1946], Réflexions sur la question juive, Paris: Gallimard-Folio.

Segré, Ivan 2014, Judaïsme et révolution, Paris: La Fabrique.

Shiblak, Abbas 1986, The Lure of Zion: The Case of the Iraqi Jews, London: Al Saqi Books.

Shohat, Ella 1988, ‘Sephardim in Israel: Zionism from the Standpoint of its Jewish Victims’, Social Text, 19/20: 1–35.

Slezkine, Yuri 2006, The Jewish Century, Princeton: Princeton University Press.

Staetsky, L.D., Marina Sheps and Jonathan Boyd 2013, ‘Immigration from the United Kingdom to Israel’, Institute for Jewish Policy Research (JPR), October, available at: <http://www.jpr.org.uk/documents/Immigration%20from%20the%20United%20Kingdom%20to%20Israel.pdf>.

Stone, Jon 2016, ‘Banning Boycotts of Israel Will Protect Britain’s National Security, Government Says’, The Independent, 17 February, available at: <http://www.independent.co.uk/news/uk/politics/boycott-israel-ban-bds-illegal-british-government-tories-palestine-procurement-a6879421.html>.

Sugarman, Daniel 2016, ‘Board of Deputies President Jonathan Arkush under Fire after Message Congratulating Trump’, 9 November, available at: <http://www.thejc.com/news/uk-news/165791/board-deputies-president-jonathan-arkush-under-fire-after-message-congratulating>.

Traverso, Enzo 1994, The Marxists and the Jewish Question: The History of a Debate, 1843–1943, translated by Bernard Gibbons, New York: Humanity Books.

Traverso, Enzo 2016, The End of Jewish Modernity, London: Pluto Press.

Wolfe, Patrick 2016, Traces of History: Elementary Structures of Race, London: Verso.

Zionist Organisation of America 2016, ‘ZOA Criticises ADL for Falsely Alleging Trump Advisor Bannon is Anti-Semitic’, 14 November, available at: <http://zoa.org/2016/11/10342353-zoa-criticizes-adl-for-falsely-alleging-trump-advisor-bannon-is-anti-semitic/>.



#ساي_إينغلرت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل ...
- مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة أمستر ...
- على وقع حرب غزة.. مشاهد لاقتحام متظاهرين في اليونان فندقًا ي ...
- هل تقود الولايات المتحدة العالم نحو حرب كونية جديدة؟
- م.م.ن.ص// -جريمة الإبادة الجماعية- على الأرض -الحرية والديمق ...
- تمخض الحوار الاجتماعي فولد ضرب الحقوق المكتسبة
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 554
- الفصائل الفلسطينية ترفض احتمال فرض أي جهة خارجية وصايتها على ...
- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- حزب يساري بألمانيا يتبنى مقترحا بالبرلمان لدعم سعر وجبة -الش ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ساي إينغلرت - اليهودية والصهيونية والإبادة الجماعية النازية