أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أبوبكر المساوي - جلد الذات















المزيد.....

جلد الذات


أبوبكر المساوي
باحث

(Aboubakr El Moussaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 7800 - 2023 / 11 / 19 - 16:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أنَقْدُ الذات يكفي أم جلد الذات أجدى؟
يعود الكثير من الناس "الراشدين" حين الاختلاء بأنفسهم إلى أحداث مرت بحياتهم سواء في الزمن القريب أو البعيد أيام الصبا والشباب، ومن جملة ما يمكن العودة إليه والتفكير فيه أشياء وأحداث أو إنجازات قد تمدهم بقوة دفع إلى الأمام وبإحساس خارق بالثقة بالنفس، وقد يسترجعون عبارات قيلت في حقهم ترفع معنوياتهم عاليا وتحفزهم لتطوير ذواتهم وملكاتهم لتحسين صورهم في نظر أنفسهم، أو لتعديل نسخهم القديمة لتفادي الملل من رؤية نفس الشخص الذي رأوه في المرآة يوم أمس، وتحمل نفس الكائن السيكولوجي ونفس العقد ونفس التساؤلات والهواجس...كل هذا محمود جدا وإيجابي جدا، فالإنسان العاقل في بحث دائم عن الأفضل في كل نواحي حياته المادية والسيكولوجية، وحاجته إلى الزاد المعنوي مثله مثل ما هو مادي ضرورة وحاجة ملحة، ولهذا فالقول الحسن والابتسامة والدفء وكل ما من شأنه أن يساهم في الرفع من معنوياته وتحفيزه لتحقيق أفضل الإنجازات الممكنة لا محيد عنه. لكن في مقابل ذلك قد يصادف الإنسان أثناء رحلته هذه في الزمن الماضي آثار أحداث مؤلمة عاشها رغما عنه، وكلمات جافة أو عنيفة قيلت في حقه، وقرارات غير صائبة أقدم على اتخاذها يتمنى لو أنه رحل عن هذا العالم قبل أن يشهدها؛ وبما أنه مرغم على العيش فلا خيار له إلا أن يصب جام غضبه على الحياة من حين لآخر، ويلعن وجوده في هذا العالم وانتماءه إلى بني البشر، وقد يندب حظه التعيس، أو يشعر بالندم، فينزل ذلك الستار الأسود ليحول بينه وبين عقله، ثم يلجأ إلى جلد ذاته عوض التعامل معها بطريقة عقلانية، وهذا أيضا إنساني وجزء من تكوين الإنسان العاقل الذي يحق له أن يكون مندفعا متسرعا غاضبا لاعنا لواقعه كما يجب عليه أن يتحلى بالحكمة والتعقل والتفكير مليا بالكلمات قبل النطق بها ودراسة الخطوات قبل البدء بالمسير.
في هذه الرقعة من الأرض التي تسمى عبثا باسم -دولة- وتحت ذلك الظلام الدامس الذي أتانا من بعيد تاريخيا وجغرافيا، فتلبسنا، وأبى إلا أن يجعل حياتنا سوادا حالكا، في ظل هذه الظروف يبقى الحديث عن التحرر والتنوير حسب تصور الفيلسوف الألماني كانط مجرد هلوسة وهذيان يعاني منه أفراد قليلون للحظات، سرعان ما يتلاشى بمجرد الاصطدام ببعض العينات من أفراد المجتمع التي تعتقد أنها خلقت فقط لإرضاء رغبات كائنات غيبية يفترض أنها خلقت هذا الكون بما فيه ومن فيه، وفرضت على الجميع عبادتها، عبادتها فقط ولا شيء آخر، في الحركات والسكنات، في الشهيق والزفير، وفي اليقظة والمنام. إضافة إلى هذا يعتقد هؤلاء أنه لإرضاء تلك الكائنات الميتافيزيقية عليهم أن يقبلوا وصاية تفرض عليهم أن يخضعوا -للتفكير بالنيابة- لنوع من التراتبية فيها من الصرامة ما يكفي لجعلهم مغلولي الفكر كأفراد وكذوات مستقلة، ويكونوا عديمي القدرة على الابتكار والإبداع، مدمنين على الوصاية وفرحين بها، وصاية الإله وأوليائه في الأرض والحاكم والإمام والأب والأخ الأكبر والمعلم والذكر على الأنثى، ثم الأكبر سنا، ربما لأن في هذا حب لدفء الوصاية وحنين إلى الحالة الجنينية للإنسان حيث كان يتوصل بكل ما يلزمه بعيدا عن صخب الحياة ومصاعبها وتحدياتها، وقد يكون هذا تملص من المسؤولية وحب للكسل الذي زرع في الإنسان نتيجة سوء التربية ونتيجة الفراغ الذي يعيشه مجتمعنا على المستوى الفكري، أو بصيغة أكثر دقة، نتيجة لاستقالة المفكرين عندنا أو لتهربهم من مسؤوليتهم في السير بهذا المجتمع إلى الأمام.
قد يحدث في ظل هذا السواد الحالك أن يولد بين الناس طفرة أو استثناء على مستوى الكفاءات الفكرية فيجتهد ويقلع عن إدمان الوصاية والوصفات الجاهزة والحلول الصالحة لكل زمان ومكان، لكنه مع الأسف يطرد من الجماعة بصفة تلقائية ويصبح مغضوبا عليه لأنه واجه جماعته وجعلهم ينظرون إلى حقيقتهم في المرآة من خلال أسئلته وآرائه وأفكاره التي قد تكون بقدر من البداهة أن الكل يجزم بصدقها وبضرورة تبنيها، لكن منهج تفكيرهم المغلف برداء القدسية الذي لم يفارقهم منذ أكثر من ألف سنة والذي لم يتجدد ولم يتغير جعلهم يحنطون عقولهم إلى أجل غير مسمى لمجرد أن نصا ما كتب في زمن ما من طرف إنسان أو مجموعة من الناس، وخيط ورقع عبر الزمن مرات متكررة ليتناسب مع مقاس صاحب الملك وحاشيته يقول: "وأطيعوا أولي الأمر منكم" ولأنه لو انتفض أحد أو اجتهد أو "عصى" تبعا للصيغة المتعارف عليها بين حراس المعبد وحراس مقعد صاحب الملك تهتز أركان الكائنات الغيبية وتغضب وتندب وتولول، ثم تقوم بطرده من ذلك الكوكب الخرافي الذي يعتقد أنه فائق الجمال، والذي سيجتمع فيه أولئك الناس الظرفاء الذين يشبهون نموذج التلميذ النجيب الذي يتقن تمرين اللغة الذي يطلب منه أن "ينسج عل غرار ما يرى ويسمع" والذين ظلوا أوفياء لوصاية أولي الأمر، للتمتع بما لا عين رأت ولا أذن سمعت من أكل وشرب وجنس في قصور من ذهب خالدين فيها أبدا.
قد يكون كل فرد من أفراد هذا المجتمع موضوع الحديث عينة للدراسة والنقد من قبل متخصصين فاعلين، وليس المتخصصين مع وقف التنفيذ أو المتخصصين تحت الطلب، لكن وفي غياب هؤلاء تبقى أهم دراسة وأهم نقد هو ما يمكن أن يوجهه الفرد لنفسه " نقد الذات" بناء على معيار بسيط قد لا يحتاج إلى أي مستوى فكري يذكر، وهو البداهة العقلية واحترام الطبيعة البشرية والحفاظ على تناغمها مع باقي المكونات الطبيعية لهذا الكوكب الذي يجمعنا، لكن ومع افتقار الأغلبية منا إلى مبادئ التفكير العقلاني السليم البعيد عن التفكير الخرافي-بسبب استهلاك تربية وتعليم منتهي الصلاحية فاسد متعفن- وفي غياب مَلَكَة النقد يبقى معظم الأفراد معرضين للتخبط في تجارب لا تجدي نفعا، ولسنين طويلة، فيتأخر عندنا الرشد أو النضج إلى سن الأربعين فما فوق عند البعض وقد لا يعرف معناه كثيرون. ويحدث أن يصاب الفرد بصدمة فكرية أو بيقظة في أواسط العمر أو في أواخره يهوي بسببها في الخواء نتيجة تهدم أركان فكره القديم، وهنا بالضبط لا يمكن توقع رد فعله بدقة لكن بصفة عامة قد يشعر الإنسان بغضب شديد يمكن أن يدمر حياته وحياة المحيطين به، فيكون السب وسيلة من وسائل التواصل عنده عوض اللغة العادية، ولا يسلم من سبه شيء؛ أما حين يخرج كل ما بداخله من سواد يأتي دور العودة إلى الدواخل ومراجعة النفس، لكن الزمن لا يسمح بذلك أحيانا، مع الأسف، ولأن العقل مغلف وآليات النقد والتشخيص والتحليل وإعادة البناء مفقودة، يدخل الندم على الخط لأنه شعور إنساني تلقائي لا يحتاج لتكوين ولا لمستوى فكري عالي فيلجأ الفرد إلى جلد الذات، إذ يسقط في التخبط والعشوائية، لا هو يطور ذاته وينميها بشكل إيجابي، ولا هو يضيف شيئا نافعا لمحيطه. ثم تطول الأزمة وتطول، وتتقاطر الأسئلة الوجودية التي تدفع بالإنسان إلى السقوط في السوداوية والتشاؤم واليأس في كثير من الأحيان...فطوبى لمن استثمر هذه الأزمة للتصالح مع الذات عوض هدمها بالجلد وقاوم الخرافة وحاول إصلاح ما أفسدته السنين في كينونته، وهنيئا لمن صادفه ضياء فكر الأنوار في سن مبكرة فعَقله وتبناه وجعله أسلوب حياة، ونوما هنيئا لأولئك الذين آثروا النوم إلى آخر العمر فرحين بما أوتوا من يقين ومن حقائق مطلقة من رحيق ذلك العلم السماوي.
ليتك تنتفض وتنفض الغبار عن خلايا مخك وتزيل ذلك الغلاف الأسود الذي ارتضيته لعقلك لأن نقد الذات في الوقت المناسب أفضل بكثير من جلد الذات وهدمها بعد فوات الأوان.



#أبوبكر_المساوي (هاشتاغ)       Aboubakr_El_Moussaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقدة الذنب عندنا
- -النحن- و -الأنا- و الفعل و رد الفعل
- الزوايا المظلمة من تاريخ الإنسانية
- التبن والشعير والحمير


المزيد.....




- تخطت 52 درجة مئوية.. موجة حر شديدة تضرب أجزاء من جنوب آسيا
- جنوب أفريقيا: حزب المؤتمر الوطني ينوي إجراء مشاورات لتشكيل ح ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي: -لن نقبل- حكم حماس في غزة كجزء من أي ...
- مصدر مصري يكشف حقيقة تدخل السفارة الأمريكية في قضية -سفاح ال ...
- -كتائب القسام- تنشر مشاهد لعتاد وحطام آليات القوات الإسرائيل ...
- واشنطن تتوقع قبول إسرائيل بمقترح الهدنة.. إذا قبلته حماس
- نبات يثير -العجب- بخريطة جينية فاق ارتفاعها ساعة -بيغ بن-
- شاهد: حريق كبير شب في جزء من المتحف الإسرائيلي في القدس
- شولتس وشتاينماير ينددان بالعنف السياسي بغض النظر عن مصدره
- أكبر مستودع لتخزين الغاز في العالم.. روسيا تشن هجوما على منظ ...


المزيد.....

- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أبوبكر المساوي - جلد الذات