|
لبنان تغلب على الإسرائيليين.. والفلسطينيون يمكنهم أن ينتصروا أيضًا
سيمون عساف
الحوار المتمدن-العدد: 7779 - 2023 / 10 / 29 - 22:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سيمون عساف ترجمة علي أحمد
يتذكر سيمون عساف، مراسل العمال الاشتراكي في بيروت عام 2006، التكتيكات المستخدمة لصد الهجوم الإسرائيلي، ويقول إن المقاومة الشعبية هي مرة أخرى مفتاح النصر.
شرح الجنرال غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي سابقًا، بوضوح إستراتيجية حرب إسرائيل على لبنان عام 2006، فقال إن “إيذاء السكان” عقيدة أساسية في حروب إسرائيل. وأُطلق على خطته اسم “عقيدة الضاحية”، نسبةً إلى الأحياء الجنوبية الفقيرة في بيروت ذات الأغلبية الشيعية ومقر تنظيم المقاومة اللبنانية المتمثل بحزب الله.
العقيدة ببساطة هي قتل وتشويه أكبر عدد ممكن من الناس مع خسارة قليلة أو معدومة في الأرواح بين الجنود الإسرائيليين. وقال آيزنكوت إنه بمجرد إرهاب الناس، فإنهم سيكونون بمثابة عامل كبح للمقاومة. وأضاف أن القصف الجماعي لأحياء الضاحية سيحدث بالمثل “في كل قرية تُطلَق منها النار باتجاه إسرائيل”. وأوضح: “سنستخدم قوةً غير متناسبة ضدهم وسنسبب أضراراً ودماراً هائلين. من وجهة نظرنا، هذه [الأحياء والقرى] هي قواعد عسكرية. هذا ليس اقتراحاً، إنها خطة تمت الموافقة عليها بالفعل”.
أعطت حرب إسرائيل على لبنان عام 2006 للجنرال فرصة أولى لتجريب عقيدته، وكان التدمير وحشيًا. لم يقصف الإسرائيليون المنازل فحسب، بل استهدفوا أيضاً مصنعاً لتصنيع الألبان في وادي البقاع، وهي منطقة زراعية بعيدة عن أي ساحة معركة. لقد استهدفوا الجسور ومطار بيروت والبنى التحتية الحيوية الأخرى.
وفي عمل من أعمال الحقد المطلق، أطلقت المروحيات الحربية الإسرائيلية النار على المنارة التاريخية قبالة بيروت، بالإضافة إلى هوائي الراديو القديم في مدينة جبيل ذات الأغلبية المسيحية، في شمال البلاد.
لقد كانت “عقيدة الضاحية” خبيثة وقاسية، لكنها فشلت رغم وحشيتها. وبدلاً من تخويف السكان، هبَّت حركة جماهيرية غير مسبوقة لمساندة المقاومة. قصف الإسرائيليون جنوب بيروت بلا هوادة، لكنهم لم يحدثوا أي تأثير في المقاومة، التي في المقابل زادت قوتها وشعبيتها.
أُفرِغَت الأحياء الشيعية، ولجأ العديد من سكانها إلى الأحياء والقرى المسيحية. اختبأ مقاتلو المقاومة في مخابئ وأنفاق عميقة ليخرجوا لنصب الكمائن للقوات البرية الإسرائيلية البائسة.
كشفت الحرب و”عقيدة الضاحية” عن نقطة ضعف إسرائيلية كبيرة تتمثل في إحجامها عن المشاركة في القتال البري. فعندما واجه الجنود الإسرائيليون المقاومة، كان الإذلال من نصيبهم. على سبيل المثال، في إحدى المعارك خارج عيتا الشعب، وهي قرية صغيرة على طول الحدود الجنوبية، تسبب مقاتلو المقاومة -حزب الله وأنصار الحزب الشيوعي- في خسائر فادحة في صفوف القوات الإسرائيلية. قُتِلَ حوالي 50 إسرائيليًا أثناء محاولتهم الاستيلاء على القرية بينما فقدت المقاومة 11 مقاتلاً فقط.
كان الإسرائيليون يأملون أن تكون حربهم عام 2006 بمثابة تكرار لغزو لبنان عام 1982. حينها، كان هناك قصف شامل أعقبه غزو بري جلب القوات الإسرائيلية إلى أطراف بيروت. استسلم الفلسطينيون وحلفاؤهم في نهاية المطاف، بعد حصار دام لعدة أشهر. وكانت ذروة هذا الغزو مجازر مخيميّ صبرا وشاتيلا للاجئين.
لقد تعمَّدوا إذلالًا تامًا لشعب لن ينال الرحمة أبداً، حتى بعد أن ألقى السلاح. انسحب الإسرائيليون في النهاية من بيروت وأقاموا احتلالًا لجنوب لبنان استمر لمدة 20 عامًا. لكن ذلك الاحتلال انتهى بإذلال إسرائيل. انخرطت المقاومة التي تجمعت حول حزب الله في حرب عصابات منخفضة الكثافة، ولكنها كانت فعالةً ضد الاحتلال الإسرائيلي.
كانت الحركة الجماهيرية هي التي دفعت الاحتلال إلى نهايته. أدى التعدي الإسرائيلي على قرية تقع خارج منطقة سيطرتها مباشرة إلى إضراب الطلاب اللبنانيين، ثم تحولت الاحتجاجات الصغيرة إلى مظاهرات ضخمة سارت إلى الحدود الجنوبية للبنان، واستعاد الطلاب القرى مع فرار الجيش الإسرائيلي، متخلياً عن حلفائه في أعقاب ذلك. وقد حوَّل هذا التراجع انتصارها عام 1982 هباءً منثورًا.
وفي عام 2006، عندما حاولت إسرائيل مرة أخرى سحق المقاومة اللبنانية، واجهت مزيجًا مماثلًا من المقاومة المسلحة والتمرد الشعبي. لقد أثبت هذا الجمع بين الحركة الجماهيرية والمقاومة المسلحة أنه أقوى مما يمكنهم هزيمته.
“نحن بحاجة إلى حركة جماهيرية جديدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط”
هناك أوجه تشابه بين حرب إسرائيل على لبنان وحربها على غزة اليوم، ولكن هناك أيضاً اختلاف رئيسي. الفلسطينيون في غزة لا يملكون خيار الهروب من منازلهم وغزة ليس لديها ملاجئ. إن المدارس والمساجد والمستشفيات والكنائس تعتبر جميعها “أهدافاً مشروعة” لإسرائيل.
في غزة، من الممكن تنفيذ إستراتيجية آيزنكوت المتمثلة في “إيذاء السكان” بالكامل. الفلسطينيون محاصرون بسبب سيطرة النظام المصري على حدود رفح في الجنوب، وكثافة النيران الإسرائيلية في الشمال.
ورغم ذلك، فإن مشاكل إسرائيل لا تزال قائمة. فغزوها البري المخطط له لغزة والذي يهدف إلى استكمال مرحلة أخرى من التطهير العرقي لفلسطين يجعلها تدخل في مقامرة كبرى. فالمقاتلون الفلسطينيون، الذين يفتقرون إلى الأسلحة المتوافرة لدى إسرائيل، متحصنون ويقاتلون من أجل وجودهم.
وتبقى مشكلة أخرى، وهي رد فعل الجماهير العربية. في عام 2006، اعتبرت فكرة حدوث موجة ثورية جماهيرية في جميع أنحاء المنطقة فكرة طوباوية. لكن الربيع العربي عام 2011 غيَّر ذلك. ففي الأسابيع الحالية، عادت إلى الحياة الحركات المؤيدة لفلسطين، والتي عملت الأنظمة العربية جاهدةً على قمعها. وتعد المظاهرات في الأردن، الحليف الرئيسي للغرب، هي الأكبر في تاريخه. والاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت في مصر، كانت أول احتجاجات جادة في الشوارع منذ الانقلاب العسكري عام 2013 الذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.
الفرق الرئيسي الآخر هو أن هذه الحرب تجري على خلفية سلسلة من الهزائم التي مُنِيَت بها الإمبريالية الأمريكية. وكان احتلالها المتغطرس للعراق، والإذلال على يد حركة طالبان الأفغانية، سبباً في السخرية من “الحرب على الإرهاب” التي يشنها الغرب.
ويُعد تعدي الصين على مجالات النفوذ الأمريكية علامة أخرى على الضعف. فعلى سبيل المثال، فوجئت إدارة جو بايدن مؤخراً باتفاق السلام الذي توسطت فيه الصين بين المملكة السعودية وإيران.
وهناك علامات أخرى على هذا التأثير المتلاشي. مع تساقط القنابل على غزة، سحبت كل من مصر والأردن الدعوات الموجهة للرئيس الأمريكي، مما أدى إلى اختصار جولته مع الحلفاء الغربيين بين الأنظمة العربية.
يُظهِر ذلك أن الطغاة كانوا خائفين من الشارع أكثر من خوفهم من غضب الولايات المتحدة. وإذا كان لبنان بحاجةٍ إلى حركة جماهيرية تُضعِف التفوق العسكري الإسرائيلي، فإن الفلسطينيين بحاجة إلى حركة مشابهة في مختلف أنحاء المنطقة. وقد بدأت تلك الحركة في الظهور، لكنها تحمل هذه المرة معها دروس ثورات 2011.
* المقال مترجم عن صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية
#سيمون_عساف (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإمبريالية والحروب الجديدة في الشرق الأوسط
-
الغرب ليس صديقاً للثورة الليبية
المزيد.....
-
أوكرانيا تقترح إجراء محادثات سلام جديدة مع روسيا الأسبوع الم
...
-
مظاهرة في تل أبيب تدعو ترامب للضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب
...
-
لهذه الأسباب تبدو الهدنة في غزة قريبة جدا
-
فعاليات احتجاجية في الأردن رفضا لتجويع غزة?
-
السفير الأمريكي يدعو إلى محاسبة مهاجمي كنيسة في الضفة الغربي
...
-
أعمال الشغب تهز مدينة ليموج في وسط فرنسا
-
الأسلحة التي ستستخدمها إيران وإسرائيل في الحرب القادمة
-
علييف يطالب روسيا بالاعتراف بإسقاط طائرة أذربيجانية العام ال
...
-
كاتس: لا نثق بالشرع ومنطقة جنوب سوريا ستبقى منزوعة السلاح
-
إسرائيل تنفذ عمليتي اغتيال منفصلتين في جنوب لبنان
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|