حيدر السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 1735 - 2006 / 11 / 15 - 05:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك ارتباط وثيق بين الثقافة بمفهومها الواسع الذي قد يستوعب الحياة كل الحياة وبين الإعلام بوصفه حلقة الوصل بين المنتج الثقافي والمجتمع ، ولكي نفهم سر العلاقة وأبعادها بينهما لابد أن نعرف الطرفين كلا على حدة.
فالثقافة تعني فيما تعنيه التفكير المنظم بمختلف الأشياء والقضايا ومحاولة اكتشاف القوانين التي تحكمها وتسيرها وبالتالي فهم كل ما يدور من حولنا ووضع التصورات والتحليلات المقنعة لتعليل الظواهر والخروج من ذلك كله بنظام معرفي مبرمج من شأنه أن يمنح المجتمع القابلية على التطور والارتقاء في سلم الحضارة.
وبهذا فإن المنتج الثقافي بتنوع أنسقته وأطره اللغوية والفكرية ومعطياته الواقعية والمحمولة سيكون هدفه الأول والأخير هو المجتمع.
أما الإعلام بوسائله وآلياته المعروفة فإنه يشكل القناة التي تغذي المجتمع بالمزيد من النتاجات الثقافية من خلال عمليات الاتصال الجماهيري المستمرة بين مصدر الرسالة الثقافية والجمهور المتلقي لها عبر الوسيلة الإعلامية.
وللإعلام وظائف متعددة كالإعلام بمعنى الإخبار والإبلاغ والإرشاد والتعليم والإعلان والدعاية والتوثيق وغيرها ، لكن وظيفته الأبرز والأهم هي التثقيف . هذا ـ طبعا ـ لو كان الإعلام ملتزما بقضايا المجتمع غير متحلل من مسؤوليته الاجتماعية والتاريخية تجاهه.
من هنا ـ إذن ـ تتأتى العلاقة بين الثقافة والإعلام . أي من حيث أنهما يعملان معا وبجهود تكاملية من أجل النهوض بالمجتمع . فالمنتج الثقافي ـ مهما كان ـ يحتاج إلى مستوى من التسويق المماثل أو الأرقى لضمان ترويجه وانتشاره بشكل فاعل يرجع بالأثر المطلوب ويحقق الهدف المرسوم . والذي يؤمن له هذه الحاجة دائما وبلا استثناء هو الإعلام .
ومن تجليات هذه العلاقة التكاملية بين الإعلام والثقافة أن الأخيرة تعد مصدراً أساسياً ومنهلاً دائماً لا يستغني عن وروده الإعلاميون في كل زمان ومكان فهي توفر لهم المادة الحيوية التي يستمدون منها إمكانية البقاء والاستمرار في التعايش مع الزبائن (المتلقين) وإصابة أغراضهم الاتصالية.
ونظراً للتأثير القوي لوسائل الإعلام في الرأي العام والقدرة العالية على تعميق أو تسطيح أو تغيير بعض الاتجاهات السائدة في المجتمع ، فلا يجد المثقفون (المنتجون) محيصاً عنها لبذر إفكارهم في أرض الواقع وإلا لبقيت محلقة في سماء التنظير الشاهقة التي لا يمسها إلا أهل الثقافة المتخصصون أنفسهم.
وللثقافة القدرة على النفوذ إلى جميع المجالات لأنها كما أسلفنا تعنى بكل أوجه النشاط الإنساني الذهني والسلوكي على حد سواء وبما أن الإعلام واحد من هذه الأنشطة بل لعله الأكثر حيوية بوصفه عملية تواصل مستمر بين عموم بني البشر فإنه المجال الأقرب والألصق بالثقافة.
مما تقدم يمكننا وصف العلاقة بين طرفي المعادلة (الثقافة والإعلام) بأنها تكاملية تبادلية في آن معاً.. فلماذا يحاول البعض فك الارتباط أو جعل الثقافة بموقع المهيمن على الممارسة الإعلامية أو إنكار العلاقة بين الاثنين؟
في السابق كانت القضية تسالمية إلى حد كبير أي متسالم على الاندكاك الكلي للثقافة بالإعلام وكنا لا نميز بينهما إلا آلياً فحسب ، أما اليوم فقد حدث الفصل فعلا لدرجة أن الدول بدأت تصنف للثقافة وزارة وللإعلام وزارة أخرى.. فما هي الدواعي لذلك؟
باعتقادي أن السبب يكمن في نقاط إحداها: أن العالم المتحضر أخذ بمبدأ التخصص وتجزيء الحقول العلمية والمعرفية وتضييق حلقاتها لضمان حالة الإبداع والعمق التي قد تضيع في ظل الموسوعية وتشابك خيوط المعرفة وعلى هذا الأساس ظهر مثلاً علم النفس الاجتماعي مركباً من حقلين علميين محددين طبقاً لنظرية المتبقيات وظهرت الانثروبولوجيا التي وجدت مباحثها في متون أكثر من علم وهكذا توالدت التخصصات وكل علم أنجب علماً آخر يؤالفه من جهة ويخالفه من جهة أخرى حتى وجد العلماء أنفسهم إزاء كم هائل من العناوين المتفرعة والدائمة التفرع.
والنقطة الثانية: أن للفصل مسوغات إدارية وتنظيمية فالدوائر الثقافية لها هيكليتها الخاصة ولمهامها كذلك طبيعة خاصة تختلف مع الدوائر الإعلامية رغم وجود حالة التداخل العام بينهما ورغم وجود الحاجة للإعلام في كل مفصل حركي من مفاصلها.
والنقطة الثالثة: شيوع ظاهرة الإعلام الحر والمؤسسات المستقلة في ظل تعاظم دور منظمات المجتمع المدني وظهور الحكومات المؤمنة بضرورة بناء الدولة الحديثة على الأساس الديمقراطي الذي يشجع العمل النقابي والمؤسسي والتعددية الحزبية وما إلى ذلك..
فالديمقراطية تضمن الحرية للإعلام والثقافة بأن يتحركا من دون قيود أو شروط مسبقة وبالتالي الانتعاش والتمدد في كل الاتجاهات ولكن السؤال الذي يطرح دائما: هل توجد حرية حقيقية وكاملة للإعلام والثقافة؟
وعلى ما يبدو أن الجواب (لا) لأن ما يحكم الثقافة والإعلام شيء أبعد وأعقد وأخطر من قوانين الرقابة الحكومية وأقصد به رأس المال. إذ أن رغبات الممول تعد قوانين صارمة لا يمكن لوسيلة إعلامية أو دائرة ثقافية الخروج عليها وإلا فقدت وجودها أصلاً لأنها بنظر الممول أو المستثمر إنما وجدت لتكون منبره الشخصي يعتليه كيفما يشاء ويخاطب منه الناس باللهجة التي تحقق له مكاسب وأرباحاً أكبر بغض النظر عن أي شيء آخر.
نحن لا نقول لمدعي الحرية التامة للإعلام كما قال شعراء العمود لشعراء الحر (خرجتم من قيد لتدخلوا قيداً آخر.. فكلنا مقيدون) ولكننا نقول إن الحرية المطلقة وهم محض.. والحرية أينما وجدت فهي نسبية ولا شك.
#حيدر_السلامي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟