مستر نوركَه ورحلة سمك السلمون

عماد السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 7751 - 2023 / 10 / 1 - 18:53
المحور: الادب والفن
    

مستر نوركَه*
ورحلة سمك السلمون*

عمل أدبي أتخذ شكل الرواية كشكلاً فنياً للصحفي، الروائي والناقد ألأدبي العراقي (نوزت سالم خليل شمدين آغا) والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر سنة 2021من 312 صفحة من القطع المتوسط، الحديث عن هذا العمل لا يبدأ من سطور الصفحة ألأولى إذا ما أردنا ألأنصاف في تقيمه بدقة، فالبداية الحقيقية تبدأ من التعريف بالتسلسل الوجودي لهذا العمل حيث تبدأ من (هنريك يوهان إبسن 20-مارس1828-23-مايو1906) الشاعر،الروائي المسرحي النرويجي الذي لُقب بأبو المسرح تمجيداً له ولما أَحدثتهُ أعماله من تأثير على المجتمع النرويجي بشكل خاص وعلى المجتمع ألأوربي والعالمي بشكل عام، ومروراً بنوزت شمدين والوصول الى (نافع غانم القصاب ) بطل الرواية أو (مستر نوركَه) كما لقبه الناس من بعد ذلك وتعني كلمة مستر بالسيد وكلمة نوركَه بالنرويج تلك الدولة ألأسكندنافية التي تقع في اقصى الشمال ألأوربي والمطلة على بحر الشمال، فالمؤلف أذاً وضع ذاته في شخصية (نافع) الذي بدوره تقمص شخصية إبسن تدريجياً.
أهداف ألعمل كثيرة جداً قد يصعب رصدها أذا ما كانت القراءة غير مركزه ولعمق تلك الرسائل التي أراد المؤلف أن يوصلها ألينا، ولكن الهدف ألرئيسي للعمل حسب أدراكي أو ما أراد ألروائي أن يوصله لنا هو: (علينا جميعاً نحنُ بني البشر أن نبحث عن مساحة أمنه للعيش فيها بسلام كون أن ألأنسان هو ألأنسان في كل مكان ونحن في النهاية متشابهون مهما فرقتنا الجغرافية وعزلتنا عن بعضنا البعض ثقافاتنا،لغاتنا وبشرتنا وتلك هي قضيتنا جميعاً ).
ألقدسية كانت هي صفة المشهد ألأول الذي تُفتح به الستارة وتلك هي الضربة ألأولى حيث أجواء (العيد الوطني النرويجي) عندما وقف مستر نوركَه (نافع) متأهباً بكامل هندامه مقلداً جده إبسن وأخته (واجده) ترتدي زي (البوناد)* ملوحةً بيدها بالعلم النرويجي والذي يعلن عنه عند تمام الساعة العاشرة من ساعة جيبه التي تشبه ساعة جده وهي أيظاً لغة رمزية استخدمها المؤلف تعبر اً بها عن الجذور، لتسير ألأحداث بشكل متعاقب وتشترك جميعها بكم هائل من الوصف الدقيق لأدق التفاصيل إلى أخر مشهد وذلك ألأمر الذي استطاع ألمؤلف أن يعكس شخصيته ويثبت أنتماءه بوضوح كونها تصل الى حد التطابق من اسلوب وكتابات أبو المسرح (إبسن). تتصاعد ألأحداث بشكل متسلسل وتتشعب من خلال ولادات لشخصيات جديد استطاع المؤلف أن يوهم القارئ على أنها حقيقية وفعالة في تحريك ألأحداث ولكن سرعان ما تتهاوى شيئاً فشياً فنكتشف أنها لا تمت للواقع بصلة وإنها مجرد أدوات خيالية أستخدمت لتحويل الحالة اللاوجوية الى وجود واقعي وهذا هو الشعور الذي تعيشه سلوكيات الشخصية المريضة بالشيزوفرينيا شخصية نافع، والذي حاول وبشكل مستميت لكي يثبت اصوله النرويجية.
تسلسل ألأحداث وفر للمؤلف مساحة تأريخية أستثمرها لرصد أحداث سياسية وأجتماعية أدلت بأسباب لضواهر جديدة ألقت بأحمالها على المجتمع الذي عانى ومايزال يعاني منها مثل سلطة القوي المبجل من خلال استحقاره للفقير والضعيف، وذلك الوجه الذي يخرج به ألأنسان الى الشارع هو ليس نفس الوجه الذي يقابل به اهله وتلك أذاً ألأزدواجية التي رصدها وحدثنا عنها الباحث ألأجتماعي الدكتور علي الوردي وكذلك سلطة الذكور والتي تمثلت بشخصية (غانم القصاب) والد نافع ومن خلال طريقة تعامله الضالمة مع (محاسن) زوجته التي تزوجها وهي في سن الخامس عشر ليشير بها الى زواج القاصرات، وكذلك طريقة معاملته لنافع وتوبيخ بعقوبة جلده عندما يرتكب خطأ شنيعاً عند ممارسته لحقه في التعبير برائة طفولته.
أستخدام الخيال وهو السلاح القوي الذي اعتمد عليه الكاتب ليضع بصمته على الواقع من خلال الشخصيات التي لاوجود لها، فشخصية البحار النرويجي (ثور هايردال) صاحب قارب دجلة والذي من خلاله حاكى رحلات السومريين أصحاب الحضارة ألأولى والتي تعلمت منها البشرية الكثير، والذي قال جملته الشهيرة (عندما يحين الوقت للأبحار أحرص فقط على أن تعرف وجهتك جيداً،ثم أرفع شراعك ولا تلتفت الى الوراء)، وكذلك شخصية ( فاضل) أمين المكتبة الذي كان منفذ ومتنفس (مستر نوركَه) الذي أوجد من خلاله نشاطات تعبيرية كالكتاب الذي هو حلقت الوصل التي ترتبط بها ألأجيال، وشخصية هشام التي كان لها الدور لسرم خط سير الرواية والذي عَبَرَّ عنها من خلال ما تتميز به النرويج وهو سمك (السلمون2)* المعروف عنه برحلته التي يقطع فيها مسافات بعيدة جداً ولكنه سرعان ما يحول أتجاهه بعد فتره زمنية ليعود أدراجه ألى الوطن ألأم حيث يضع بيوضه ويموت هناك، حيث كانت رحلة هشام رحلة عكسية كونه مغترب عراقي عاش سنوات عديدة في النرويج وتزوج من فتاة نرويجية (هايدي) حملت مفاتن الجمال كلها بعينيها الزرقا وشعرها ألأصفر ذات قوام رفيع والتي رحلت تاركةً خلفها ابنها وحفيد هشام الذي عاد مقعداً على كرسي متحرك ليقضي أيامه ألأخيرة في بلده ألأم العراق، والحال نفسه مع (مستر نوركَه) الذي رفع شراع مركبه لتبدأ رحلة (السلمون) بطريقة تهريب تبدأ من بغداد لتنتهي بمنتصف الطريق جراء أنفجار في أحدى مناطق شمال العراق وتحاول كتيبة نرويجية تؤدي عملها ألأنساني أسعافه بعد علمها بخبر ان هناك مواطن نرويجي مصاب ولكن لم تكن محاولة ألأنقاذ موفقة ولكنه في قرارة نفسه (مستر نوركَه)قد وصل مبتغاه كونه لفظ أنفاسه ألأخيرة وهو ينطق بلغة جده وفي أحضان بني جلدته النرويجيين.
السطور التي سردت لنا أحداث الرواية أمتزجت فيها ثلاث ثقافات الكردية التي ولد ونشأ عليها المؤلف والعربية التي عاش ودرس وكتب فيها وتزوج منها والنرويجية التي أنتقل اليها بعد ألأربعين باحثاً فيها عن عروقه التي يتنفس من خلالها ويشكل الحروف التي شهدت منها ولادة روايته الخامسة (مستر نوركَه) .


(*)مستر هو السيد و نوركَه تعني النرويج
(*)السلمون أو أللاكس كما يسمى في النرويج ويعد واحداً من أهم الثروات الوطنية
(*) البوناد زي فلكلور نرويجي يتم ارتدائه في العيد الوطني النرويجي 17-مايو من كل عام.

أوسلو/النرويج
26-9-2023

#عماد_السامرائي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات