|
موت المثقف العربي
عزالدين معزة
كاتب
(Maza Azzeddine)
الحوار المتمدن-العدد: 7724 - 2023 / 9 / 4 - 13:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استطاعت الأنظمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج تطويع المثقف العربي وفرض واجب الطاعة عليه مقابل امتيازات تقدمها له السلطة، وفي حال رفضه الولاء والتملق لها واستمراره بالإخلاص لقناعاته العقائدية أو السياسية أو الاجتماعية، كان يتلقّى عقوبات يصل بعضها أحيانا إلى السجن وحتى الإعدام وتقطيع الأوصال. ولجأ الحاكم العربي عموماً لاتهام المثقّف المخالف بالزندقة أو الارتداد أو حتى العمالة للخارج والتخوين، ليكسب رضى مجموعات من عامة الشعب الذي لا يفكر ولا يحاول أن يفكر، حيث جعلت الأنظمة من شعوبها قطيعا طيعا تحت تصرفها مستعلمة في ذلك أساليب كثيرة منها سياسة التجهيل والتجويع والترهيب. إننا نعيش في زمن من أخطر الأزمنة التي مرت بها الأنظمة العربية تاريخيا وحضاريا حيث أصبحت فيه هذه الأنظمة هي التي تفكر و"ترشد" و"توجه" وتملي أوامرها وسياساتها وتوجيهاتها وترفض كل من ينتقدها او يحاول كشف اخطائها وعيوبها. والأخطر من كل هذا أن المثقف العربي أنه لا يعلم أنه ميت بأنه كائن منتهي الصلاحية، وفي موته الذي يجهله تراه يمارس "سلوكاً" يعتقد أنه ثقافي وربما إصلاحي وتنويري، وهو بذلك يمارس نوعاً من الدجل ومن الغربة الوجودية. من مظاهر موت المثقف العربي هو أنه يفكر في استرجاع الماضي أي عصرنة الماضي أكثر مما يفكر في امتلاك المستقبل، وهو في ذلك ينسى حاضره وبالتالي فهو يمشي في جنازته من حيث إنه يعيش زمن الموتى لا زمن الأحياء، ويدافع عن المقبرة لا عن المدينة ، هذا ما نستطيع أن نسميه المثقف الاصولي بما تحمل كلمة الأصولي من جانبها السلبي لا الجانب الإيجابي ، ذلك لا يعني أن كل ماضينا سيء يجب علينا دفنه وترك البكاء عليه لمن أراد ، أما المثقف العلماني التنويري فقد انتحر منذ لعن تراثه وتاريخه ودينه منذ أن تقمص شخصية وتاريخ ألآخر الذي لا هو تاريخه ولا تراثه . وصنع من أمته وثقافتها ودينها أعداء له يا لها من غباوة ووقاحة وجهل بحقيقة وطبيعة الإنسان والتاريخ والجذور. موت المثقف الأصولي الباكي على الأطلال والمقابر، وموت المثقف التنويري العلماني الذي اقتلع جذوره واراد ان يتنفس ويتحرك وينتج بجذور غير جذوره. فمات وهو واقف كشجرة يابسة بلا أوراق ولا ثمار. لقد تحول المثقف الأصولي والعلماني التنويري كلاهما إلى "مهرجين " سياسيين واجتماعيين من دون أن يعلما أنهما على خشبة يؤديان دوراً بئيساً في مسرحية ضعيفة في المعنى وفي الإخراج لا الأنظمة تحترمهما وتهابهما ولا مجتمعهما يستفيد من تهريجهما وثرثرتهما وما ينشران من كتب وما يقدمانه من محاضرات ومقابلات في وسائل الإعلام المتعددة. المثقف العربي، يخيّل إلينا نحن العامة من الشعب أنّ هذا المثقف الأصولي أو العلماني لم يعد صالحاً إلا لبرامج تلفزيونية يقدمها مذيع أبله مبرمج مسبقا، يستضيفه ــ بالطريقة المعهودة نفسها ــ التي لم تعد تجلب اهتمام المتفرجين والمجتمع. لقد أصبح المجتمع غير مهتم وغير معني بما يبثه وينشره المثقفون وفي كثير من الأحيان أصبحوا اضحوكة فانظر كيف يرى المجتمع حصة الراي المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة، أو ما تقدمه لنا بلاتوهات قنواتنا الوطنية وغيرها من القنوات العربية الأخرى. لقد مات ذلك المثقف الشاهد على عصره، ضمير الجماعة، منارتها وصوتها. المثقف الملتزم المنخرط في قضايا عصره ومجتمعه، الناطق باسم المضطهدين. ذاك المثقف الذي كان يحتلّ المواقع الأمامية في المواجهة مع السلطة، ومع رموز القمع وسياسات الاستغلال. دائماً في الطليعة، في الشارع، وفي الخندق أيضاً ذلك المثقف مات ولم يعد موجودا في عالمنا العربي. اهتـزت صـورة المثقـف العربي في المجتمع، ثـم فقـدت بريقهـا وجاذبيتهـا وإقناعهـا؛ فمـا عاد أحد يثق بقدرة المثقف على التنوير والتأثير ونقد عيوب النظام، لأن ما جرى ويجري الآن يتم بخلاف مـا كـان يقولـه أو يطالـب بـه أو يـدافع عنـه أو ينتظـر حدوثـه. "لقـد ولى الـزمن الـذي كـان يقول فيه المثقف الحقيقة للناس لأنه لم يعد يعرفها أكثـر مـنهم" (ميشـال فوكـو)، وصـار المثقفـون "سـحرة يصـنعون المعـاني ويبيعـون الأوهـام" (ريجـيس دوبريـه). والمثقـف العربي مـا عــاد قــادراً علــى الإقنــاع وإنمــا علــى الإيهــام، لأن "مهنــة المثقــف هــي مهنــة قوامهــا أن تخفـــي حقيقتهـــا"، والمثقفـــون اليـــوم "مشـــغولون دومـــاً بحراســـة هويـــاتهم وأفكارهم من غضب الوقائع." المثقف العربي بلغ نهايته، وانعدمت مهمته في المجتمع ولم يعد الناس في حاجة إليه، لأن الأنظمة العربية طوعته واستهلكته وروضته وأعادت تربيته بما يتناسب مع توجهاتها، تخلى عن المعارك الفكرية النبيلة وانزلق إلى خوض معارك رخيصة تافهة يصفي فيها حسابات ذاتية، نرجسية، ضيقة. ضررها أكثر بكثير من نفعها إن كانت لها منفعة. والمثقف المفضل عند الأنظمة العربية حسب راي الأستاذ السعيد بوطاجين، هو الذي يبحث في أسباب اعوجاج الفاصلة.
#عزالدين_معزة (هاشتاغ)
Maza_Azzeddine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهوريات الملكية العربية
-
العراق المخدوع
-
أنا الافريقي الحزين
-
أنا وأنت وهو لسنا نحن
-
جاذبية السلطة عند العرب بين التكليف والتشريف
-
المثقف العربي بين المطرقة والسندان
-
المسؤول عندنا والمسؤول عندهم
-
إشكالية الديمقراطية وحقوق الانسان في الفكر والثقافة العربية
-
الكذب لم يعد عيبا
-
الكذب لم يعد عيبا
-
إشكالية حرية التعبير والصحافة في العالم العربي
-
حرب الذاكرة بين الجزائر وفرنسا
-
جيجل تحيي الذكرى 41 لاغتيال الديبلوماسي الفذ رجل السلام العا
...
-
العالم العربي موجود بغيره لا بذاته
-
وصية ثعلب حكيم لابنائه
-
الحياة في العالم العربي والإسلامي
-
يوم 22فيبراير 2019 الذي انتظره الجزائريون بشوق
-
لماذا توقف العرب وتقدم الآخرون؟
-
غني بخيل يحلب نملة
-
هل ثقافتنا العامة معرقلة لتقدمنا؟
المزيد.....
-
-الغابة الخرسانية-.. صور ستجعلك ترى أشهر معالم دبي بعيون جدي
...
-
بذكرى 7 أكتوبر.. عائلات الرهائن تطلق صفارات الإنذار لمدة دقي
...
-
كيم غطاس لـCNN: اللبنانيون يُعاقبون على خيار لم يتخذوه.. وحز
...
-
إصابة شخصين على الأقل بشظايا صواريخ أطلقتها -كتائب القسام- ع
...
-
-استهدف قاعدة عسكرية-.. فيديو يظهر صاروخًا لحزب الله يضرب مد
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا بالإخلاء والتوجه إلى ما بعد نهر
...
-
بعد شائعات عن اغتياله.. إيران: قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني
...
-
زعماء يتفاعلون مع الذكرى الأولى لهجمات 7 أكتوبر
-
ماذا نعرف عن منشآت إيران النووية؟
-
هل ينافس الذكاء الاصطناعي البشر على جائزة نوبل المرموقة؟
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|