أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنور رجب - رداً على مقولة -الوهابية تغادر الجزيرة وتغزو إسرائيل-













المزيد.....

رداً على مقولة -الوهابية تغادر الجزيرة وتغزو إسرائيل-


أنور رجب

الحوار المتمدن-العدد: 7700 - 2023 / 8 / 11 - 16:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في بداية العام الجاري نشر الكاتب والاكاديمي الاسرائيلي د. مئير مصري تغريدة على تويتر جاء فيها: "الوهابية تغادر الجزيرة وتغزو اسرائيل، ماذا نحن فاعلون؟"، وقد تزامن نشرها مع بداية الاحتجاجات التي جابت ومازالت المدن الاسرائيلية احتجاجاً على سياسة حكومة اليمين القومي – الديني الفاشي. في الحقيقة وبغض النظر عن المصطلحات المستخدمة في موضوع التغريدة، وعن الغموض الكامن فيها وما تخفي بين ثناياها من نوايا ومقاصد أو سوء فهم من قبل الكاتب، إلا أنها تعبر في واحد من أوجهها وبشكل مكثف وحقيقي عن جوهر التحولات التي تشهدها كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الاسرائيلي تحديداً في الجانب الديني وإن كانت تلك التحولات على طرفي نقيض. ويستخدم الكاتب مصطلحات ذات أبعاد تاريخية لها دلالاتها في تكريس فكرة الربط بين الفكر الوهابي المتشدد والمملكة العربية السعودية والتي كانت مدخلاً لاتهام المملكة بتصدير ونشر التطرف والارهاب، ومن ناحية أخرى يوحي الكاتب للقارئ وكأن التطرف نبتة غريبة عن اسرائيل وفقط قد غزاها مؤخراً، وهذا قول مخالف للحقيقة.
من نافلة القول أن التحالف إن جاز التعبير الذي تم عقده بين التيار الوهابي نسبة إلى الداعية "محمد بن عبد الوهاب" الذي كان يمتلك قدر من القوة والسطوة والنفوذ في حينه وبين "آل سعود" مؤسسي الدولة السعودية، قد أملته وفرضته ضرورات عملية تأسيس وبناء الدولة وتلبية لظروف ومعطيات اللحظة وموازين القوى لدى الأطراف الفاعلة والمؤثرة، واستجابة لطبيعية موقع المملكة التاريخي بالمعنى الديني كونها مهد الدعوة المحمدية وقبلة المسلمين في حجهم وصلاتهم، وهو ما فرض عليها دوراً دينياً مركزياً، ومنحها مكانة خاصة لدى عموم المسلمين، وهذا يعني أن مسألة الارتباط الوثيق بين الدين والدولة "الاسلام وأرض الجزيرة" أمر لا يمكن تجاوزه أو تجاهله تحديداً في فترة التأسيس بكل ما فيها من تعقيدات.
وبالرغم من هذا التحالف والذي اعتمد توزيع مصادر القوة الدينية والسياسية، حيث مُنح ممثلي التيار الوهابي هامشاً كبيراً من ناحية المرجعية والمسؤولية الدينية، واحتفظ آل سعود بالمسؤولية السياسية وإدارة شؤون الحكم، إلا أن السطوة والهيمنة واليد العليا كانت لصالح القيادة السياسية "العائلة الحاكمة". وقد ساهم في استقرار هذه العلاقة أو بمعنى أدق هذه المعادلة مجموعة من العوامل، الأول: يتعلق بالرأي الفقهي والشرعي في مسألة "الخروج على الحاكم"، حيث تبنت الوهابية القاعدة الفقهية القاضية بتحريم "الخروج على الحاكم" إلا ضمن ضوابط ومعايير وشروط قاسية وشبه مستحيل توفرها، وذلك على عكس ما سارت عليه جماعة الإخوان والجماعات الارهابية التي خرجت من رحمها، وهو بتقديرنا ما جنب السعودية الوقوع في براثن الارهاب مبكراً مثلما حدث في دول عربية أخرى مثل مصر وسوريا والجزائر، كما حافظ على أن تبقى الوهابية في اطار التطرف والتشدد الفكري دون الوقوع في شرك الإرهاب إلى حين، لا سيما وأن الحركات الارهابية التي ظهرت في العالم العربي في وقت مبكر خرجت من رحم جماعة الاخوان، ولم تخرج من رحم الوهابية جماعات ارهابية إلا ما بعد مرحلة افغانستان ممثلة بتنظيم القاعدة وأيضاً عبر التزاوج مع فكر الاخوان.
أما الثاني: إن توسع وانتشار الفكر الوهابي المتشدد، ومن ثم تسلل السلوك الإرهابي تحت عباءته جاء في سياق سياسة دولية قادتها الولايات المتحدة والغرب في إطار الحرب الباردة التي كانت مشتعلة مع الإتحاد السوفيتي في حينه وكانت أفغانستان محطتها الأخيرة قبل فقدان السيطرة وتفجر قنبلة الإرهاب في وجه الجميع بعد تأسيس تنظيم القاعدة، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار وبالتزامن مع بداية مرحلة أفغانستان قد حدثت تطورات اقليمية ودولية من أهمها نجاح ثورة "الخميني" في ايران ورفعها لشعار "تصدير الثورة" وصعود الهوية الإثنية في المنطقة، وما صاحبها من صعود لجماعات الاسلام السياسي وما يسمى بتيار الصحوة على وجه الخصوص، وهو ما قاد إلى منافسة بين مجمل التيارات الدينية (سلفية – اخوانية – وهابية – إرهابية)، هذه العوامل بمجملها كان لها تأثيرها في تزايد سطوة ونفوذ وتأثير الفكر الوهابي داخل حدود المملكة وخارجها، ولكن وبالرغم من ذلك وفي ظل هذا التحول بقيت اليد العليا في المملكة للسلطة السياسية وليست الدينية، والجدير ذكره هنا أن ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وصاحب رؤية النهضة الشاملة والاستراتيجية في المملكة لم ينكر هذا المسار في السياسة الدولية الذي كانت المملكة جزءاً منه، وذلك في إطار توصيفه الجريء للمرحلة السابقة وتقديم رؤيته للإصلاح الديني الحاصل.
ولعل نجاح رؤية ولي العهد في عملية الاصلاح والتجديد الديني التي هي جزء رئيسي وأساسي من الرؤية الشاملة، في تخطي تأثير وسطوة الفكر المتطرف وارتدادات عملية الإصلاح اعتمد على عدة ركائز، ويأتي في مقدمتها ما تحلت به تلك الرؤية من جرأة وشجاعة وشفافية في قراءة ونقد وتقييم المرحلة السابقة لعملية الإصلاح الديني وكذلك الجرأة والتصميم في تنفيذها، وهو ما عبر عنه ولي العهد في أكثر من لقاء وحديث عبر الفضائيات والصحف المحلية والعالمية، ومثال على ذلك حديث ولي العهد الصريح عن مسار صعود الفكر المتشدد في سياق السياسة الدولية، هذا من ناحية النقد والتقييم. أما من ناحية الجرأة في تنفيذ الرؤية فيمكن الإشارة إلى قوله: "نحن لا نلزم أنفسنا بمدرسة فكرية معينة أو بعالم دين معين"، وهو ما يعني فك الارتباط بين الفكر الوهابي المتشدد والمملكة بطريقة واعية توازن بين ارث المملكة الديني وظروفه وسياقاته التاريخية ورموزه الدينية وبين موجبات الاصلاح الديني. وتتمثل الركيزة الثانية في إيمان ولي العهد بأن المملكة لا يمكن لها أن تتقدم وتنمو وتزدهر وتتغلب على مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية وأن تأخذ مكانها ومكانتها المتقدمة والريادية بين الامم دون مواجهة واجتثاث التطرف. أما الركيزة الثالثة فجوهرها يكمن في وجود حاضنة شعبية واسعة من النخب ورجال الدين وشريحة الشباب تحديداً تؤيد وتبارك وتدعم تلك الإصلاحات القائمة على تجفيف منابع التطرف والتشدد.
وبالعودة للتغريدة ومضمونها فإن صيغة المقارنة الكامنة فيها بين المملكة العربية السعودية ودولة الاحتلال الاسرائيلي تجافي الموضوعية والمنطق، كما تتجاهل الظروف والسياقات التاريخية والدينية وطبيعة التحولات الجارية، وما تحمله من مؤشرات نحو المستقبل. أما إذا أردنا ان نتجاوز هذه الأبعاد ونعقد شكل من أشكال المقارنة بهدف وضع الأمور في نصابها الصحيح، فإن المقارنة تكون على النحو التالي:
أولاً: أن الأسس والاعتبارات الدينية التي قامت عليها المملكة ترتكز على حقائق دينية وتاريخية لا يرقى إليها الشك، بالإضافة إلى الموروث الثقافي والاجتماعي الذي ينسجم مع تاريخ المنطقة، في حين أن دولة اسرائيل نشأت في ظروف شاذة وقامت على رواية دينية وتاريخية يكتنفها الكثير من الشكوك والغموض، والأهم من ذلك كله أنها تأسست وقامت على التطرف والإرهاب.
ثانياً: أن العلاقة بين الدين والدولة في السعودية كانت قائمة على معادلة التقاسم الوظيفي بين التيار الديني والعائلة الحاكمة، ولم يتمحور التيار الديني المتطرف فيها ليصبح دولة داخل دولة، أما العلاقة بين الدين والدولة في اسرائيل فإنها في غاية التعقيد لدرجة يصعب الإمساك بتلابيبها، ويعزز من ذلك تعدد الروايات الدينية، وما تحمله بين ثناياها من معتقدات وأفكار تهدد تماسك المجتمع الإسرائيلي وتنذر بتفككه، وهو ما نشهده واقعاً الآن، حيث تحول التيار الديني المتطرف إلى دولة ليس داخل الدولة وإنما دولة بديلة للدولة القائمة.
ثالثاً: أن المملكة العربية السعودية وبمجرد بروز التداعيات الخطيرة للفكر المتطرف بفعل مقتضيات السياسة الدولية بدأت العمل وبالتدريج على تقليص قبضة الفكر الديني المتشدد وتفكيك بنيته الفكرية والمؤسساتية دون إحداث هزة في المجتمع السعودي، بينما لم تتمكن إسرائيل من إبقاء التيار المتشدد داخل حدوده التي خطها "المؤسسون الأوائل"، وشيئاً فشيئاً بدأت تحكم الجماعات الدينية المتطرفة قبضتها على مفاصل الدولة، والأخر شرعنة ميليشياتها شبه العسكرية ،وبات من الخطورة بمكان محاولة تفككيك بنيتها الفكرية والمؤسساتية أو حتى الإقتراب منها، وإن حدث فستكون اسرائيل عرضة لهزة عنيفة قد يصعب احتوائها.
رابعاً: أن عملية الاصلاح الديني الجارية في المملكة تنسجم مع طبيعة الدين الإسلامي الذي جوهره الوسطية والإعتدال (لا إفراط ولا تفريط) وطبيعة الموروث الثقافي والإجتماعي للملكة، الأمر الذي يعني إعادة الأمور إلى نصابها كما أشار ولي العهد في أكثر من مناسبة. في حين أن البنية الفكرية للجماعات اليهودية المتطرفة تحمل بين ثناياها أسئلة مصيرية في العلاقة بين المواطن والدولة، تهربت إسرائيل منذ نشأتها من الإجابة عنها، لأن إثارتها بمثابة صاعق تفجير للبنية المجتمعية بعرقياتها وإثنياتها المتعددة والمختلفة، وكنموذج سؤال "من هو اليهودي"؟.
كلمة أخيرة: إن نجاح رؤية ولى العهد في تجفيف التطرف ومنابعه، وضمن الرؤية الشاملة قادت إلى تطورات ونجاحات على الصعيد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي، بينما يحدث العكس في إسرائيل حيث سيطرة الجماعات المتطرفة قادت إلى مجموعة من الأزمات وأحدث تراجعاً على جميع الصعد والمستويات، لدرجة حذر فيها قادة ورموز سياسية وأمنية من نذر حرب أهلية.



#أنور_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 2021 ... عام مواجهة التحديات واستثمار الفوز
- أميركا بين فوضوية الديمقراطية وعبثية الشعبوية
- قراءة في مسألة الرهان على جون بايدن
- في إحياء البعد القومي للقضية الفلسطينية
- حزب التحرير بين استدعاء الخلافة الراشدة واستعداء الدولة الوط ...
- حزب التحرير ... تحرير العقل أولاً


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنور رجب - رداً على مقولة -الوهابية تغادر الجزيرة وتغزو إسرائيل-