أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نجيب الورافي - نصوص ولصوص















المزيد.....

نصوص ولصوص


نجيب الورافي

الحوار المتمدن-العدد: 7690 - 2023 / 8 / 1 - 20:22
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


للحرب شرائع متقدمة وأعراف وتقاليد جمة تمتلئ بها أجواف العقول والنفوس النزاعة إليها نجدها دليلا مرسوما بعناية في جدران كهوف الإنسان الأول وجدالا ملتهبا على الحدود بين تجمعات البشر والحواضر والدول ونقوشا على مداميك المعابد وقصور الملك التليد وخطوطا في بطون الكتب وخطابات ذائعة الصيت في أفواه مسعريها من القادة والزعماء عبر التأريخ.
لم تبدأ حرب ما قبل أن يلتمع حدث فكرة الحق المطلق في ذهن بشر ما. الفعل هنا يتماهى مع النص في مسار متحد، يتبلور في النهاية بمثابة خطاب أحقية لحدث غريزي عدواني معا. أنا سوف أبطش لأملك كذا وأحتكره دون غيري ومن سينافسني أقتله! يصنف العدوان ضمن الدوافع الفطرية الغريزية الأساس (الحياة ببعدها الغابي).
إشباع دافع العدوان يقترن بدوافع ورغبات أخرى كالتملك ورغبة البقاء. (أول نزاع نشب على الأرض حين قال أحد البشر للآخر: هذا حقي) وبقدر وجاهة هذا الرأي في علم الاجتماع الحديث فلن نخضعه للتبني هنا بقدر ما نقدمه دليلا يضيئ العلاقة بين الحرب_ الفعل والحرب_ النص المسوغ لها.
التفكير بالمصالح فعل براجماتي أناني يتطور إلى أفعال نزاعية أبرزها التنافسية الحادة التي تقود إلى أحد الوضعين: قاتل أو مقتول. الأنانية الفردية الباطشة فعل حرب يبدأ قبل أن تبدأ فكرة الحرب لحماية الحق في فرض واقع الجور الذي أصبح محيزا في الذهن وعلى الواقع حدثا ونصا وخطابا.
قصة قتل هابيل على يد قابيل في الخطاب الديني وفي قصص الخلق الأول تجسيد لفكرة تواؤم المصلحة الأنانية_ الحدث_ النص. يرد في التوراة ما نصه: (فعرف آدم حواء امرأته فولدت قايين فقالت استفدت بالله رجلا فعادت وولدت أخاه هابيل فكان هابيل راعي غنم وكان قايين يحرث الأرض فلما كان بعد أيام جاب قايين من ثمرة أرضه قربانا للرب وأحضر هابيل من غنمه السمان فتقبل الرب قربان هابيل ولم يتقبل قربان قايين فاغتم هذا وعبس فقال الرب له لماذا تغتم إن أحسنت تقبل الرب قربانك.. قام قايين على أخيه هابيل فقتله فقال الرب لقايين أين أخوك هابيل.. ). التكوين- 4 : 1 - 9 .
يتسلسل النص التوراتي في عتاب الله لقابيل وجدال هذا له لينتهي بحكم الله بالحياة له وعدم قتله بل وتشريع عقوبة قاسية وضخمة للجاني عليه (كل قاتل قايين فإنه يجازني، واحد بسبعة وجعل الرب الإله في قايين آية ألا يقتله كل من وجده) _ التكوين 4 : 15 .
في القرآن تروى سردية الواقعة كما قدمتها التوراة مع اختلاف في السياق وفي مقاصد الخطاب " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين "_ المائدة 27-30 .
يبدو الفعل الدنيوي النفعي حاضرا ليتشكل عنه نص الدم الأول، بحسب المنظور الديني، فلم يكن نزاع الأخوين لخدمة الإله ولا للدفاع عنه وإنما لحيازة رضاه التي فيها البركة والرزق الوفير من ثمار قابيل وأغنام هابيل. ذلك ما يؤيده معنى القربان الديني ومغزاه في كل دين وتلك هي المقاصد التي لأجلها اتجه الأخوان للتقرب إلى ربهما.
يتوقف على قبول الإله لقربان أحدهما ورفضه للآخر تحقيق غرض نفعي مادي يفوز به أحدهما عن أخيه على اعتبار أن كليهما يعتقد ذلك ويعتقد الأحقية (أحقية هابيل التشبث بحظوة عند إلهه وأحقية أخيه الخاسر بمنازعته إياها) ما أثار النزعة التنافسية في نفس الأخير وهيج غريزته للإقدام على القتل وعماه عن وشائج صلة أخوة الدم بينهما.
عن واقعة القتل تشكل خطاب تشريعه كأنما صار فعل إمكان يستحيل إيقافه على مدار التأريخ. ورغم السياق الوعظي التهذيبي واستهداف خطابه لتبكيت المسيئ والإشادة بالمحسن، كان لا بد للنص أن يستوعب حالة الجنون الكامنة في غرائز البشر ولولا ذلك لنص على قبول الرب لقربان الأخوين كليهما وأسكت الجدل بشأنهما إلى الأبد وكأنما استهدف إثبات شريعة الحرب الأولى ليستهدف نظامها فيما بعد بالتنظيم والتقنين.
في العصور المتأخرة وبدافع المصلحة الجائرة بحق الآخر والغزو خاض الإنسان حروبه باسم القبيلة والدين والعرق والسلالة والقطر والقومية ووجد من النصوص الذارئعية ما يسند حروبه تلك وينظم مسارها ويضفي عليها صفة القداسة وعلى مسعريها صفة الأبطال حتى وإن كانت محض غزو ونهب واحتلال.
ظلت يوتوبيا الخلود في نعيم مقيم هي أكثر المكافآت والهبات التي يمنحها صناع الحروب لجيوشهم. وقد سجلت لنا الآداب الملحمية صورا لذلك. كان الرومان واليونان يكافؤون أبطال حروبهم بمراسيم جنائزية مهيبة وحتى يتجاوزا في رحلتهم الأخروية المرور من بحر الظلمات يقفلون عيونهم بقطعتي عملة ذهبية ليصلوا إلى اليوتوبيا الموعودة بأمان وسلام!
الحروب تعقد وتدور على مصالح دنيوية وتعد ضحاياها بمكافآت أخروية وفي هذا المضمار كانت الحروب الدينية هي الأكثر ضراوة وفتكا وهالة قداسة. بين محارقها واليوتوبيا يحصر صناعها ساحات معاركها باسم الله يصدرون الفتوى ويضعون المفاهيم كالشهادة وتصنيف الشهداء ومنحهم الصكوك إلى الجنة بل وتقسيم الجنة إلى مراتب بحسب المقام.
في كوميدياه الإلهية يسخر دانتي من انحراف رموز اللاهوت الكنسي في العصر الأوروبي الوسيط وتحريفه للمضامين الدينية وتنصيبه لنفسه وصيا على المعاد الأخروي برمته خاض دانتي الرحلة إلى العالم الآخر كما يراه اللاهوت لينقل لنا صورة حرفية محاكية لكن بمقاصد معكوسة مبطنة بالسخرية من أن ما يوهمون به ضحاياهم عن امتلاك للجنة إنما هم لصوص يسرقونهم إلى الجحيم.
في العصور القديمة والوسيطة عاشت أوروبا الحروب أسوأ ما عشناها ونعيشها نحن الآن وفي العصر الحديث يعتقد أنها لم تستطع تجاوز الحرب والعيش بسلام على مدى 75 عاما أي منذ سكتت آخر قذيفة في الحرب العالمية الثانية بمجرد إسكات الحرب بقرار رسمي بروتوكولي وقع عليه الطرفان: الحلفاء والمحور ولا حتى بما وضعوه من وثائق وأدبيات سلام فيما بعد بل بتفكيك بنية الحرب في الوعي أولا على مستوى الفرد والمجتمع والنخبة فأصبح نص الحرب إرثا معطل الفاعلية بعد تفكيك منظومة الأسباب والدوافع الباعثة على الصراع.
نشهد في الشرق الأوسط حاليا حربا شاملة تدور رحاها في اليمن والعراق وليبيا نظن تلك الحرب فعلا طارئا ينتمي إلى اللحظة التي ولد فيها فيما نعيش هذه الحرب حدثا ونصا وخطابا ممتدا وغابرا. وصار لها قدرة على تكييفنا على البشاعة لتصبح معتادة مثلما لصناعها قدرة على تنويم العقول للزج بأصحابها إلى محارق الموت وقطع الوعود باقتطاع أمكنة وإقامة مريحة لهم في أعالي الجنان. بات اعتياديا ومألوفا مشاهد الدم والموت الخراب! لا نهتز بالهول لمرأى امرأة جاثمة على دم ضحية مقتول للتو في شارع عام لتتخضب بدمه أو تشربه ثأرا لأحد ذويها.
نحن ضحايا تاريخ مثخن بتقاليد الفعل النزاعي ونصوصه فثمة نساء قبل تلك المرأة شققن صدور الخصوم ليأكلن الأكباد والقلوب في شره ثأري ورجال باسم الله قطعوا الأيدي والأرجل لخصومهم من خلاف وبقروا بطون النساء ليطهروا الأجنة منها إنه تاريخنا الشقي المتخم بالثأر والغزو بلا نهاية.
نعيش الحرب نصا خطابا يلقى من على منبر ليلقي بنا في أتون الموت. يمكن أن تشتعل الحرب في لحظة لأن لها تقاليد ونظما في الوعي تمتلك الأسبقية والأهمية على نظم السلام والبناء. تمتلئ كتب المدرسة بنصوص ناسفة تنتمي إلى صلب ثقافتنا الأدبية. فحين يقرأ تلميذ الثانوية نص معلقة عمرو بن كلثوم رابطا بينها وبين مناسبة قولها المتمثل بحادث قتل شاعر القصيدة لضيفه (عمرو بن هند) لأن أم الأول استأمرت أم الثاني ضيفتها بجلب إناء ليقرأ الطالب النص القاتل بقيم قاتلة قوله:
بأنا نورد الرايات بيضا ونصدرهن حمرا قد روينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا
لا بأس في أن يحيط طالب العلم بكل شيء لكن لا بد أن يرافق العلم فهم يعتد بتأويل متزن يراعي البعد القيمي والنسبية في المفاهيم وترشيد الوعي وتوجيهه لإدراك الفرق بين ما كان وما نحتاج إليه الآن. نحن بحاجة إلى ترشيد اختيارنا لثقافة النشء المطلوبة وتبصيرهم بأنه مثلما وجدت ثقافة الطيش والعنف وجد نقيضها وهي ثقافة الحكمة والسلام ومثلما هناك نص ابن كلثوم السابق هناك نص زهير الذي يقول:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم. وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها دميمة. وتضر إذا ضريتموها فتضرم
بات جيلنا محاصرا بنصوص الحرب غارقا في ثقافتها الرسمية والتقليدية وبدلا من أن ينشغل بثقافة العصر الالكتروني يزدحم ذهنه بتقاليد الحرب وأصول القتل الرشيد! هل يجوز لقاتل أن يمارسه في السوق والجامع وهل من الأصول أن يقتل من الخلف؟ ليت شعري هل ثمة قتل أخلاقي؟ إنه جيل مبعثر بين خطابات القتل والاستشهاد التي تتقاذفه من على منبر الجامع وفي خطاب السياسي المعتوه وشيخ القبيلة وأمير الجماعة والطائفة. ما نحتاجه الآن هو التفكير في نظام حياتي اجتماعي عادل إلى عيش كريم إلى مدنية عصرية إلى جيل متمدن يقدم مبدأ السلام على الحرب ويؤمن بالتعايش مع الآخر ويقدس قيم الحق والبناء والأمان وتلك هي شريعة السلام الأولى.



#نجيب_الورافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في السعودية.. مصور يوثق طيران طيور الفلامنجو -بشكلٍ منظم- في ...
- عدد من غادر رفح بـ48 ساعة استجابة لأمر الإخلاء الإسرائيلي وأ ...
- كفى لا أريد سماع المزيد!. القاضي يمنع دانيالز من مواصلة سرد ...
- الرئيس الصيني يصل إلى بلغراد ثاني محطة له ضمن جولته الأوروبي ...
- طائرة شحن تهبط اضطرارياً بمطار إسطنبول بعد تعطل جهاز الهبوط ...
- المواصي..-مخيم دون خيام- يعيش فيه النازحون في ظروف قاسية
- -إجراء احترازي-.. الجمهوريون بمجلس النواب الأمريكي يحضرون عق ...
- بكين: الصين وروسيا تواصلان تعزيز التعددية القطبية
- إعلام عبري: اجتياح -فيلادلفيا- دمر مفاوضات تركيب أجهزة الاست ...
- مركبة -ستارلاينر- الفضائية تعكس مشاكل إدارية تعاني منها شركة ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نجيب الورافي - نصوص ولصوص