الدراسات الإنسانية والفنون الحرة وديناميكية البحث العلمي

علاء عبدالحسن عطيه الزغيبي

الحوار المتمدن-العدد: 7682 - 2023 / 7 / 24 - 14:40
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

لا شك ان الفنون والآداب قد رسمت شكل الحضارات في الماضي والحاضر وساهمت بفاعلية في نقلها وتوثيقها عبر الزمن وأيضا ساهمت في تشكيل ثقافة الشعوب وفلسفتها عبر الزمن، كما انها أيضا قارعت الظلم بكل أشكاله إذ غالبا ما وقعت أقلام “المثقفين والفنانين” تحت أيدي السلطات الحاكمة، سواء في العصور القديمة، أو الوسطى، أو حتى العصور الحديثة، وصولا إلى ما نحن عليه اليوم. وساهمت بشكل مباشر في صقل شخصية الفرد وعلاقته بالمجتمع، ولم تقف هذه العلوم عند هذا الحد، بل امتد تأثيرها ليشمل صياغة شكل المدن وعمرانها وتفاعله مع تاريخها، وثقافتها، وثوراتها. لذا فأن أي انحدار في مستوى الاهتمام بهذه العلوم سيكون مرتبطا بخفوت الثقافة وتخلف المجتمعات وتراجعها حضاريا ومن هذه الأهمية تبرز أهمية ودور الجامعات ومراكز الأبحاث باعتبارها مراكز الفكر وصناعة العقول في تطوير وادامة هذه العلوم.
ويواجه اليوم الكثير من علماء وأساتذة العلوم الإنسانية والفنون الحرة اجحافا كبيرا في الأوساط الاكاديمية من تركيز الاهتمام على المجالات العلمية في (الطب، العلوم الأساسية، والهندسة) فقط واهمال غير مقصود لكل العلوم الإنسانية والفنون الحرة التي تهتم بدراسة كل ما يتعلق بالإنسان من ثقافة وتاريخ وفلسفة، وآداب، ولغات، وفنون. وهذه العلوم هي المسؤولة عن فهم طبيعة النفس البشرية والقيم الإنسانية وهي المسؤولة بذلك عن مد يد التثقيف الى المجتمع وتطوير ادواته والمحافظة على تراثه.
ان هذا الاجحاف الذي اشرنا اليه اصبح سائدا، ويتم تعزيزه للأسف دوليا من خلال وكالات التمويل الدولية التي توفر التمويل العالي لمجالات البحث العلمي حيث بلغت الميزانيات السنوية للمعاهد الوطنية للصحة (NIH) والمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) حوالي (42 و8 مليارات دولار على التوالي). بينما على النقيض من ذلك، حيث بلغت الميزانيات السنوية لكل من الصندوق الوطني للفنون (NEA) والوقف الوطني للعلوم الإنسانية (NEH) حوالي 160 مليون دولار فقط لكل منهما.
كما ان هذه الظاهرة يتم تعزيزها بشكل غير مقصود من قبل نسبة كبيرة من الجامعات في الشرق الاوسط والتي تشير فقط إلى "البحث العلمي" بدلاً من تضمين مصطلح "المنح البحثية" الأوسع والأكثر شمولاً. ان مثل هذه الرسائل من شأنها ان تقلل من اندفاع العلماء والباحثين في المجالات الأخرى وتجعلهم يشعرون بالتهميش. كما يجب ان نعي جيدا بأن العديد من الجامعات العالمية وقياداتها قد انتقلت إلى مبدأ "البحث والمنح والإبداع" وعدم الاكتفاء بمصطلح (البحث العلمي) فقط عند الإشارة إلى هذا الدور المهم للمؤسسة وأعضاء هيئة التدريس فيها، بما في ذلك العمل المهم للباحثين في العلوم الإنسانية واللغات، والعلوم الاجتماعية، والفنون الحرة، وغيرها.
وفي وقتنا الحاضر حيث التركيز على التصنيفات الدولية التي تتبناها مجموعة من المؤسسات التجارية والصحفية والتي تعمل بشكل حثيث وممنهج على توجيه الجامعات من خلال فرض معايير محددة ومدروسة من قبلهم وعلى رأس هذه المعايير هو (البحث العلمي) والمؤشرات المرتبطة به، اذ علينا ان نفهم ان مهمة الجامعة الأولى والاهم هي التدريس والتأهيل الاكاديمي، وعلى الجامعات ان لا تتغافل او تتناسى مقومات بنيتها الاجتماعية ودورها المحوري في تنمية الوعي وسط سباقها مع معايير التصنيفات الدولية.
وحينما تستعرض الجامعات نقاط التميز لديها فأنها تركز أولا وأخيرا على عدد ابحاثها في الطب والهندسة والعلوم الصرفة والتطبيقية بشكل بارز ولا تكاد تتطرق الى مستوى البحث العلمي في الآداب والفنون وغيرها من العلوم الانسانية. وهذا بمجمله يبعد الجامعات الشاملة عن تأثيرها في تنمية المجتمع والمساهمة الفاعلة في صياغة هويته الثقافية. ومن هذا فأنه كان لزاما على الإدارات وصناع القرار في الشأن الاكاديمي ان يقوموا بصناعة التوازن في التركيز على التخصصات في جامعاتهم وان يتم منح فرص متكافئة امام كفاءاتهم من التدريسيين أصحاب التخصصات الإنسانية واللغات والفنون الحرة.

#علاء_عبدالحسن_عطيه_الزغيبي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات