أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف وهبه - إنسحاب...














المزيد.....

إنسحاب...


يوسف وهبه

الحوار المتمدن-العدد: 1724 - 2006 / 11 / 4 - 12:00
المحور: الادب والفن
    


كان الأول في منظومة الأعذار الكاذبة التي اختلقتها للتهرب من محاضراتي المسائية، حين انتزعت قناع الانتظار في أول دعوةٍ غير مباشرةٍ لمرافقتك إلى مكانٍ لم يكن يعني لي شيئاً سوى فرصة التشبث بعقارب الساعة لتتباطأ في التسكع سوياً على أرصفة الليل في بيروت.
واتخذت قراري... وقدّست مواعيد الحصص الجامعية لأتخلص منها عند الدرجة الأولى من الحرم الجامعي! لم يكن قراراً سهلاً أن أستخدم "الشوكة والسكينة" في عشائنا التقليدي الأول، وأكون تحت رحمة "الجرسون" وخدماته الفورية!!
وقررتِ تغيير "look" شعرك، وكان قرارك فأساً يهوي على أغصان عبثي... وخسرتُ ما أعشق من الليل بتسريحتك الجديدة!
وأخافكِ مني "شغفي السياسي"، وما أسميتِه "إلحادي"، وثمالتي، وكؤوس جنوني. وسكنتُ بين أصابعك، وجردتها من قلقها وخوفها، وألبستها حُلة الارتعاش المتدفق من ضيق عينيكِ المغري في ذلك المقهى في شارع الحمرا!!
وبثثْتُ فيك كل أشعاري؛ بعشقها وغضبها وإلحادها وتضاريسها العارية... وألقيت لكِ كل نسائي، وتعلقت بقلادةٍ صغيرةٍ متكئةٍ على العنق المكشوف المستفز لجموحي.
وكم كنتِ جبانة! وسألتك يا عاشقة البحر: لم يعهدك البحر يوماً بجبانة!! وغزوتُ لك الكون كله، فأنا الشارب فيه، وأنا الساقي!! وما رسمتُ لكِ يوماً حديقةً، وأرجوحة أطفالٍ، ووروداً حمراء. بل تناثرت لوحاتي أمامك، بكل قلقها الأسود، وتاريخها المتخم بالهوى، وجحيم أفقها الحزين...
وأغضبك تبغي وعبق سجائري، وانهالت وعودي مغلظةً في أيمانها: وحياتك سأقلع عن التدخين!! وكذبتُ كثيراً... لا يمكن لصدري أن يكون خاوياً، فكيف أبثّ للأيام سمومي؟!
وفي أحاديثنا كنتِ تستشعرين ألمي، وتمردي، وخيوط الفجر الأولى في ليالي سهري والشاطئ، وندمائي فيها: أمواجٌ، وغيومٌ، ومطر...
ومع نظراتي الباحثة بنهمٍ في كل تفصيلٍ بين جفنيك، وكل انحناءةٍ أو طرف ارتعاشٍ في شفتيك، كنتِ تغوصين في سديم فلسفتك وتحليلاتك، بعرضٍ متواصلٍ من الحديث، لا أسمع ولا أفقهُ منه شيئاً، فما زلتُ أنسابُ مع كل كلمةٍ قبلةً لم أتجرأ إلا متأخراً على دفعكِ إليها!!
لم أجرؤ لأنني أردت لها كل الخوف الذي يعتري ارتجافكِ، وكل الشغف الذي يتملك كلماتي...
أتذكرين كم اعتراني البرد وأنا أبوح بسرٍّ وحيدٍ في أيامي؟؟ لم يشعرني بالدفء سوى ذاك الحزن العميق الموغل في ضحكاتك الكاذبة!! شعرت بالدفء وأنا أرى جليد خوفك ينصهر مع أول خطوةٍ لنعشٍ قد يطوي ما بيننا!!
لطالما أحببتُ الخريف، ولكنكِ جعلتني متطرفاً في عشق الشتاء، والريح تحمل مع غضبها المغرور بعضاً من شذاكِ، يشدكِ إلى احتساء فنجان قهوة قربي، تتوسلنا المشاريع والأبحاث الجامعية أن نعيرها بعضاً من شرودنا المسافر فيما وراء العيون والشفاه... والأصابع أيضاً!!

لم أشأ يوماً أن أكون إشارة مرورٍ لعينة توقف لهفتكِ لأيامٍ مفعمةٍ بالهدوء والاستقرار، فأنا أعرف روحي الحائرة تماماً، الباحثة دوماً بين السفوح الوعرة عن طريقٍ شديدة الانحناء نحو مكانٍ لا أعرفه كي أقصده! لم أشأ أن أخطّ جنوني على بطاقات المعايدة سطوراً على رمال الشاطئ، فهناك من ينتظركِ ليقدم لك باقات الأزهار عربون عهودٍ مستقبلية، ويهديك ملابس البحر لتختال الشمس الصيفية على ثناياك...
إنسحبتُ قبل أن أضيف إلى سجل آثامي إثماً جديداً لا أغفره وإن غفرته السماء... دعْكِ من شاطئي، فهو مرسى للنوارس المهاجرة، تقصده لحظةً لتستعدّ من جديدٍ لمواجهةٍ أعتى مع الريح العنيفة... دعْكِ من أرقي المجلّل بالقيد والأغلال والأحلام البالية... دعْكِ من مداعبتي الجمر في أجفانكِ الكسلى، فقد قرأتُ فيها كل أحلامك العارية، ولكنني ما استطعت أن أقدم لك كل الحب الذي تطلبين!!!
دعْكِ من غضبي، جنوني، جموحي... فما أنا إلا احتراقٌ ينهمر على الأرصفة والشواطئ، يملؤها ضباباً، ويحمل للمتسكّعين عليها ياسمينةً من سراب...







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ليفني- والضربة القاضية
- المستنسخون الجدد
- وطنٌ برسم الجوع!


المزيد.....




- الغاوون: قصيدة عامبة مصرية بعنوان(اهات وتنهيده)الشاعر ايمن ب ...
- الغاوون:قصيدة عامية مصرية بعنوان( أمى)الشاعر أيمن بطيخ.مصر.
- مصر.. السيسي يتصل بفنان شهير للاطمئنان عن صحته بعد إشاعة وفا ...
- بزشكيان: نسعى لتعزيز العلاقات مع الجيران على أساس القواسم ال ...
- بيت المدى يؤبن الكاتب الساخر والمسرحي علاء حسن
- في ذكرى رولفو: رحلة الإنسان من الحلم إلى العدم
- اضبط الريسيفر.. تردد روتانا سينما الجديد 2025 هيعرضلك أفلام ...
- مصر تستعيد 21 قطعة أثرية من أستراليا (صور)
- إدريس سالم في -مراصدُ الروح-: غوص في مياه ذات متوجسة
- نشرها على منصة -X-.. مغن أمريكي شهير يحصد ملايين المشاهدات ل ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف وهبه - إنسحاب...