أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - يوسف وهبه - وطنٌ برسم الجوع!














المزيد.....

وطنٌ برسم الجوع!


يوسف وهبه

الحوار المتمدن-العدد: 1719 - 2006 / 10 / 30 - 07:50
المحور: حقوق الانسان
    


بحكم العداء الذي يجمعني والشعارات، بذات الزخم الذي يجمعني والنفاق، أعادتني شعارات "الزيتون والملح والخبز" و "الجوع ولا الركوع" إلى عقودٍ طويلةٍ قد خلت! فألفيتني أقف في طوابير طويلةٍ على مدّ الهزيمة والانكسار في تاريخنا! طوابير مطأطئة تبحث بين أقدامها عن بقايا الفتات، تقتات به لمتابعة المسير الطويل، نحو الخيمة الزرقاء ـ وهي اليوم ربما خضراء! ـ ممسكةً بصبرٍ وحرصٍ بطاقات التموين المهترئة المصفرّة، المتآكلة تماماً كعزيمة حامليها...
رفعت يدي لأحجب عما تبقى في رأسي من يقينٍ لهيب الشمس، فإذا بي أشارك جموع المصطفين في حمل ذات البطاقة، وفي خانة تاريخ الميلاد قد دُوّنت بداية الديمقراطية!! انتفضت مستجمعاً ما تبقى من الوعي، وأطلقت صرخةً تحيي الأموات في عصرنا الحديث، وذهلتُ بلامبالاة الجموع المكشوفة الرأس، التي تستمدّ كل هذا الإصرار من نشاط هؤلاء المعتمرين قبعاتهم الخضراء، يحثونهم على متابعة المسير، فما هي إلا خطوات قليلة، ويصلون إلى خيمة الخلاص، خيمة التموين المجاني، منتهى آمال وأحلام هذا الشعب الجوعان!!
بحثتُ بين الأقدام المتشققة الحافية عن بقايا بندقيةٍ صدئة، عن بارود رصاصة، فوجدتها هناك، خلف الأسلاك الشائكة، بين حقول الألغام والكلاب المفترسة! ومن بين الجموع، شابٌ هزيلٌ، قد سالت دموعه خجلاً وحسرة، ما زال محتضناً بندقيته، كعروسٍ يخشى من يختطفها منه في ليلة العرس، متوجهاً هناك، خلف الأسلاك، ويربّت على كتفه أحد المتّقين حر الشمس مبتسماً، فألقاها ووقف لحظةً على أطلالها، وتناول من الخيمة الزرقاء ـ الخضراء ـ رغيفاً، لاكَهُ بصمتٍ، ومشى...

تدغدغنا تلك الأصوات المرتفعة دوماً بأعذب ألحان النفاق، وتنال مما ترعرعنا عليه في مجتمعاتنا من عاطفةٍ جياشةٍ وطنيةٍ ودينيةٍ، فتتمثل أمامنا صلاح الدين مخلصاً ننتظره مدى العمر، وتغتصب بصيرتنا، لنشهد عصر الصعاليك عصراً لعمالقةٍ وأهرامات!!
تتخذ لها تلك الشعارات لون الربيع رايةً، يطلّ على مُرّ واقعنا أملاً ضاحكاً، ويحتكر العصمة من مقدساتنا، فنخرّ ساجدين خلف أي إمام، يعتلي المنبر، ويكاد يفجر عروقه صائحاً: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!! وبقلق الوقوع في محظور الكفر والزندقة، أتساءل هامساً لذهولي: وبماذا يحيا إذن؟؟ فيطالعني صوته الجهوري مجدداً: الجوع ولا الركوع!!
فإلى أمهات هذا الشعب المسكين، الحالم نصراً: لتكن وجبات أبنائكنّ مدسوسةً بين كتبهم المدرسية حزمةً من جوع، يقتاتون بها على مقاعد التجهيل المهترئة، ليشبّوا جيلاً غير راكعٍ، يصطفّ كآبائه وأجداده في طوابير التموين المجاني، ليصنعوا مستقبلاً مفعماً بالانتظار الطويل لمخلّصٍ جديدٍ، يطل علينا من غياهب الزمن وظلمة الأقدار، بصفقةٍ جديدةٍ من شعاراتٍ مبتكرةٍ، تعلن النفير، وترصّ صفوف الجائعين!!

بحكم نفس العداء الذي يجمعني والشعارات، انقضضتُ على نفسي أنهشها، وأعفّر ما تبقى من أيامي بدمائها، وأخطّ بها آهاً مدوّيةً: يا حسرةً على شعبٍ صنعت له الشعارات وطناً برسم الجوع!!



#يوسف_وهبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- برنامج الأغذية العالمي ينتظر بناء الممر البحري للمباشرة بنقل ...
- شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والأمراض تنهك النازحين بالقطاع
- الأمم المتحدة: الآلاف بمدينة الفاشر السودانية في -خطر شديد- ...
- بينهم نتنياهو.. هل تخشى إسرائيل مذكرات اعتقال دولية بحق قادت ...
- الأمم المتحدة تعلق على مقتل مراسل حربي روسي على يد الجيش الأ ...
- مسؤولون في الأمم المتحدة يحذرون من مخاطر ظهور جبهة جديدة في ...
- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - يوسف وهبه - وطنٌ برسم الجوع!