أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خليل ناصر - التلوث الفكري ام الفكر الملوث















المزيد.....

التلوث الفكري ام الفكر الملوث


خليل ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 7660 - 2023 / 7 / 2 - 12:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" (الزمر:9)
"لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله وبقدر عقله تكون عبادته" حديث رواه أبو سعيد الخدري
الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ولكن أين العقل الذي لا يخشى عليه من التيارات الفكرية المناوئة أيا كان مصدرها؟ فالتزام الموضوعية هو دوما في صالح الإسلام بوصفه الدين الذي لا يخشى عليه. كما أن الاعتقاد السائد عند الإسلاميين هو أن الدعوة إلى التجديد هي مدخل لإسقاط الالتزام بالشريعة. ولكن العقل يقول أنه إذا استقر الإيمان وزال الشرك فلم يعد للاحتياط الزائد والتحصين العقيم أي ضرورة أو لزوم.
هذه المقدمة ضرورية تمهيدا لمناقشة فكرة التلوث الفكري التي بحثها الأستاذ حسن التل في كتاب له بهذا العنوان. وهي الفكرة التي يناقشها كثير من المهتمين بشؤون الفكر عموما. فهل هناك تلوث فكري أم هي مغالطة أم هو فكر ملوث؟
هناك من يقول بالتلوث الفكري ويؤمن بهذا القول والقائلون بذلك في الأغلب الإسلاميون الذين ينظرون إلى الأمور بمنظور إسلامي مقنن على هواهم كما يشتهوا أن يروا الأمور. فهم يسعون ويجهدون للتحكم في مجراها وإعادة التاريخ إلى الوراء وقد سطت على مشاعرهم وعقولهم صورة عصر ذهبي مضى يعتبرون كل ما جاء بعده تدهورا وانحطاطا وإن شر الحياة الحاضرة وفسادها مصدرهما تحولها عن صورة ذلك العصر وابتعادها عنه.
قد يكون موقف هؤلاء مفيدا لو انهم يركزون اهتمامهم على الحيوية الفاعلة المنسوبة إلى ذلك العصر وعلى الدوافع الأخلاقية والعقلية والروحية التي أدت إلى الإنتاج والإبداع فيه. لكنهم في أغلب الأحيان يطمحون إلى أن يستعيدوا الأشكال التي اتخذتها الحياة في ذلك العصر والنظم الاجتماعية التي كانت سائدة فيه والأحكام والقوانين والتقاليد والأساليب التي تمثلت فيه. ولكن التجربة الإنسانية أظهرت استحالة تحقيق ذلك وأظهرت أن الإبداع لا يأتي عن الخضوع المطلق للتاريخ بل يتطلب نوعا من التحرر يتيح للمرء أن يرتفع فوق التاريخ وأن يحكم فيه فيميز بين الأصيل الباقي من تراثه والطارىء المتغير من أحواله.
فكل جديد عند هؤلاء هو فكر طارئ غريب يلوث "الفكر الإسلامي" فكأنهم بذلك يريدون للفكر الإسلامي أن ينغلق على نفسه ويتحصن في حجر صحي ويمنع عنه تيارات الفكر العاصر. فهل كان الأمر كذلك في عصور الإسلام الأولى؟
لقد كان الفكر الإسلامي الوليد عرضة لمختلف التيارات الفكرية الآتية من مختلف الجهات وتفاعل هذا الفكر مع الفكر الفارسي والهندي والرومي البيزنطي والمصري القبطي. والحضارة الإسلامية لم تعرف عصرا ذهبيا كما عرفته في القرن الهجري الرابع الذي سمي عصر النهضة في الإسلام. ففي هذا العصر بلغت الحضارة والعلوم والفنون الإسلامية ذروتها وتفاعلت مع مختلف التيارات الوافدة ولكنها صمدت ليس بقوة القانون وحماية الدولة ولكن بما فيها ذاتها من عناصر قوة وحق وصفاء.
كانت بغداد هي مركز العالم الإسلامي فكانت عاصمة بكل معنى الكلمة وفيها تلاطمت أمواج الحركات الدينية والفكرية جميعها كما كان فيها انصار واتباع للمذاهب الفقهية والدينية والفكرية كلها. وفي ظل هذه الأجواء نشطت حركة وضع الاحاديث المنحولة وكان هذا الأمر بدأ من قبل في القرن الهجري الثاني من جانب الشيعة وخصومهم حتى أن ابن اسحق واضع السيرة كان متشيعا وأدخل في كتابه أشعارا للشيعة. في حين أن عوانة بن الحكم المتوفي سنة 147 هجرية كان يضع أشعارا لبني أمية. ويذكر المقدسي أنه كان يوما في مسجد واسط فإذا برجل اجتمع عليه الناس فدنا منه فإذا هو يروي حديثا يسنده عن النبي ويقول " إن الله يدني معاوية يوم القيامة فيجلسه إلى جنبه ويغلق بيده ثم يجلوه على الناس كالعروس".
في ذلك العصر انتشرت الأفكار الصحيحة كما انتشرت الأفكار الضالة المضلة. وكثيرون يذكرون قصة ذلك الشيخ الذي يقال أنه علم ابنه أربعين ألف حديث فلما حفظها غيبا قال له يا بني فاعلم أن هذه أحاديث مكذوبة فلا تأخذ بها.
قد يبدو هذا الاسترسال والإسهاب في الحديث في غير موضعه وخروجا عن الموضوع ولكنه في الواقع ليس كذلك.
فما هو التلوث الفكري اذاً؟ هو ليس الفكر الوافد ولكنه في الحقيقة الفكر الملوث الذي يتخذ الدين ستارا فيدس فيه ما ليس فيه بما يوحي بالأصالة إلا أنه السم الزعاف. هذا الفكر المتستر بالدين المفعم بالنصرانيات وبالإسرائيليات والتأويلات المحرفة الباطلة يأتينا في الأغلب عن طريق ضعاف النفوس منا سواء كان ذلك بوعي أو بغير وعي، عن جاهلين يأخذون كل شيء مأخذ الجد، عن مفكرين كبار يسهون أحيانا فيستخدمون حديثا ضعيفا أو موضوعا لإثبات فكرة ما وهذا هو التلوث الفكري بل التلويث الفكري. ليس أخطر على الفكر الإسلامي من بعض المسلمين. ليس أخطر على الفكر الإسلامي من بعض الذين لا هم لهم سوى نبش الماضي وتشوية صورة المسلمين فكيف نرد عليهم؟ كيف نواجههم؟ الكلام سلاح ولكنه لا يكفي. لا بد من العمل الجاد المضني. ليس المطلوب إغلاق الأبواب والنوافذ ومنع التيارات الفكرية من الاحتكاك والتلاقح. ليس المطلوب توزيع الاتهامات يمينا ويسارا. ليس هذا المطلوب على الإطلاق.
هنا يمر في ذهني المستشرقون. انهم متهمون وبعضهم يستحق التهمة وبعضهم بريء. وبغض النظر عن نواياهم أخبيثة كانت أم ساذجة فقد درسوا الفكر الإسلامي واخذوا منه واشتغلوا فيه فأخرجوا منه الكثير المفيد. ولكن لم يعرف عنهم انهم اختلقوا حديثا ونسبوه إلى الرسول كذبا. بل أن كل حديث استشهدوا به كان من كتب التراث الإسلامي الموجودة سواء المطبوعة منها أم المخطوطة. فمن يقف بوجههم؟ ويحاسبهم؟ لا يكفي القول مثلا أن ما ذكره أو رواه المستشرق جولدتسيهر بأنه حديث منحول أو ضعيف لا يعتد به في الوقت الذي اعتمد فيه جولدتسيهر على كتب إسلامية وضعها مسلمون ويعترف بها المسلمون ويعتزون بها ويفاخرون.
لقد كان جولدتسيهر من أعمق العارفين بعلم الحديث النبوي وتناول في دراساته تطور الحديث بصورة مستفيضة باحثا في التطور الداخلي والخارجي له مما قاده أحيانا إلى الشك في الحديث وعدم الثقة فيه فاعتبر أن القسم الأكبر منه كان نتيجة تطور الإسلام الديني والتاريخي والاجتماعي في القرنين الهجريين الأول والثاني ويقدم مادة هائلة من الشواهد لمسار التطور الذي قطعه الإسلام في تلك العصور التي تم فيها تشكيله من بين القوى المتناقضة والتباينات الهائلة حتى أصبح في صورته التي نعرفها الآن.
ويصور التطور التدريجي للحديث ويبرهن بأمثلة كثيرة وقاطعة كيف راحت كل الأحزاب والاتجاهات تبحث لنفسها من خلال ذلك عن إثبات لشرعيتها بالاستناد إلى الرسول فأجرت على لسانه الأقوال التي تعبر عن شعاراتها وهكذا تم اختراع كم هائل من الأحاديث في العصر الأموي عندما اشتدت الخصومة بين الأمويين والعلماء الصالحين. ففي سبيل محاربة الطغيان الأموي راح العلماء يخترعون الحديث الذي يسعفهم في هذا الصدد. بينما راحت الحكومة الأموية تعمل في الاتجاه المعاكس فجندت بعض العلماء لذلك. ولم يقف الأمر عند الحدود السياسية بل تعداه إلى الأمور الدينية والعبادات.
هذا ملخص لما توصل إليه جولدتسيهر بعد دراسته العميقة للحديث. بعضهم يقول أن هذه النتيجة ما هي إلا مزاعم وبعضهم لا يرى ذلك بل يعتقد أنها الصواب ودليل ذلك الحديث السابق ذكره عن الشيخ الذي علم ابنه أربعين ألف حديث ليتجنبها. فهناك كم هائل من الحديث يصل إلى حوالي ستمئة ألف حديث لا يصح منها بحسب معايير الجرح والتعديل إلا حوالي خمسة آلاف فأين يذهب الباقي؟ والباقي موجود في الكتب والمخطوطات لا نفعل فيه شيئا ولا نقرر فيه رأيا فيصبح مطية للكثيرين من المغرضين والسفهاء الذين يحاولون النيل من الفكر الإسلامي بالاستناد إلى هذه الاحاديث لدعم موقفهم أو دحض آراء خصومهم.
إننا الآن في منتصف القرن الهجري الخامس عشر أي أكثر من ألف وأربعمئة وخمسين عاما من الهجرة فماذا فعلنا وقد استقام الإيمان وزال الشرك و تبين الرشد من الغي؟ ماذا فعلنا؟ لا شيء. فكل من يتصدى للفكر الإسلامي يحصر جهده في تبجيل وتكريم هذا الفكر بما فيه من غث وسمين فيدافع عنه على علاته كما هو. وإما مجرد راصد لما يدور حوله فيتصدى للخطأ حين وقوعه. فإذا جاء احدهم بحديث موضوع أم صحيح ليسند فكرة معينة ولا تعجب هذا الراصد فإنه يشرع بالتصدي له وتأكيد أن هذا الحديث إنما هو موضوع أو ضعيف أو مدسوس إلى آخر هذه الأسطوانة.
ليس هذا المطلوب. لقد بلغنا الآن من القدرات ما يكفي لعمل شيء ما تجاه هذا الكم الهائل المتراكم من الكتب الدينية والتفاسير والحديث والأصول. والمطلوب أن تنهض جهات رسمية وشعبية هدفها الاسمى الخير العام وخير الفكر الإسلامي الصحيح النقي فتعمل على حصر كتب التراث الديني سواء المطبوعة أو المخطوطة وتكون خطوتها الثانية دراسة هذه الكتب وتمحيصها وتنقيتها وفرزها. فيجمع الحديث النبوي الصحيح المسند المعتمد المتواتر ثم يعلن على الملأ كتاب الحديث الصحيح النهائي المعتمد لدى المسلمين الذي لا يسمح فيه بأي تغيير أو تعديل وكل حديث أو نص خارج هذا الكتاب الجديد يصبح منحولا ومدسوسا وغير مقبول ولا يؤخذ به.
ثم يأتي دور كتب التفسير للخروج بكتاب تفسيري جامع مانع لا يقبل التأويل ولا التحريف وكل ما عداه يظل في إطار التراث غير المعتمد. وبهذا نغلق الباب ونستريح فلا تأتينا ريح صفراء تحمل معها الأحاديث الضعيفة أو المدسوسة أو المنحولة. فاذا جاء احدهم برواية ما محصناها وراجعنا الكتاب المعتمد وعندها نتيقن إذا كانت الرواية صحيحة أو غير صحيحة.
الهدف من هذا السرد هو تنقية الفكر الإسلامي نفسه من الطارئ الغريب وبهذا نتحصن ضد التيارات الوافدة فلا تفعل فينا أكثر من فعل جرثومة في جسم محصن ضد الأمراض والأوبئة. فليس كل مرض وباء وليس كل وباء وخيم. فالجسم السليم المحصن ضد الأوبئة والأمراض لا تفعل فيه الجراثيم أي ضرر. والوعي سلاح فإذا تضافر الوعي والإيمان كان الإنسان قويا بهما قادرا على استيعاب كل جديد وصد كل غريب والتطهر من كل سوء.
وأخيرا لا يصح إلا الصحيح
"وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" (النحل 125)



#خليل_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردا على عبدالحكيم عثمان


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف منشآت عسكرية إسرائيلية بال ...
- فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه
- -بوليتيكو-: منظمات وشخصيات يهودية نافذة تدعم الاحتجاجات المؤ ...
- الأردن.. فتوى جديدة حول أخذ بصمة الميت لفتح هاتفه
- الاحتفال بشم النسيم 2024 وما حكم الاحتفال به دار الإفتاء توض ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل جمعا من مسؤولي شؤون الحج
- فتوى في الأردن بإعادة صيام يوم الخميس لأن الأذان رفع قبل 4 د ...
- “أغاني البيبي المفضلة للأطفال” ثبتها الآن تردد قناة طيور الج ...
- القمة الإسلامية بغامبيا تختتم أعمالها بـ-إعلان بانجول- وبيان ...
- قادة الدول الإسلامية يدعون العالم إلى وقف الإبادة ضد الفلسطي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - خليل ناصر - التلوث الفكري ام الفكر الملوث