أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - نهاد ابو غوش - ليس بالصواريخ وحدها...















المزيد.....

ليس بالصواريخ وحدها...


نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)


الحوار المتمدن-العدد: 7618 - 2023 / 5 / 21 - 12:23
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


نهاد أبو غوش
تمكنت إسرائيل من "تمرير" مسيرة الأعلام الاستفزازية العنصرية، بعد أن استنفرت كافة منظومات دفاعاتها الجوية وجيشها وأجهزتها الأمنية، ونشرت الآلاف من أفراد شرطتها العلنية والسرية لتأمين المسيرة، لكن ذلك لم يكن ممكنا لولا فَرْض الأطواق المشددة حول القدس، ومنع عموم الفلسطينيين من وصول المدينة، وفرض الإغلاق التام على المحلات التجارية التي مرت مسيرة الكراهية والبغضاء بجانبها. وعلى الرغم من رسائل الثقة المزعومة بالنفس وادعاء المسؤولين الإسرائيليين بأن المسيرة جسّدت وحدة المدينة ورمزيتها للمحتلين باعتبارها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، فإن في طريقة إدارة هذه المسيرة والتوتر الذي صاحبها ودفع أطرافا دولية عديدة للتدخل وإبداء قلقها ومخاطبة الأطراف بضرورة ضبط النفس، ثم في استنكار الشعارات الشوفينية والعنصرية، وانتقاد مشاركة وزراء وأعضاء كنيست ومسؤولين في كل ذلك ما يؤكد أن المسيرة التي أوقفت إسرائيل على أعصابها، جلبت نتائج معاكسة تماما لما أراد لها مخططوها ومنفذوها والمسؤولون الحكوميون الذين سمحوا بها.
لم يكن بالإمكان إذن القيام بتجميع هذا الحشد الكبير، الذي غلبت عليه تركيبة من صبيان المستوطنين وشبيبة التلال وجماعات الصهيونية الدينية من المتطرفين والمهووسين دينيا وقوميا، بدون حشد كل تلك القوة العسكرية الغاشمة. يكفي أن نقارن بين هذا الحشد الذي لا يُتقن سوى إطلاق الشتائم وشعارات "الموت للعرب" وأغنية "أحرقوا قريتهم"، وبين الحشد الطوعي لمئات الألوف الذي يقوم به الفلسطينيون في كل أيام الجمع في رمضان فيحضرون للقدس والمسجد الأقصى من كل فج عميق مُتَحدّين كلَّ العوائق والجدران وقرارات المنع والأطواق، ليرسموا بعد ذلك لوحة إيمانية ووطنية رائعة يصل صداها ودلالات رسالتها البليغة إلى كل أصقاع الأرض.
هي إذن تظاهرة للقوة والعنف الفاشي والرغبة في محو الآخر العربي الفلسطيني، لكن خطرها لا يقتصر على مجرياتها في ذكرى احتلال القدس، إنما في كونها جزءا من الهجمة الشاملة التي تشنها حكومة اليمين واليمين الفاشي المتطرف على كل ما هو فلسطيني بهدف تصفية القضية الوطنية وحسم الصراع لتحقيق الأهداف التوسعية الإسرائيلية، والتنكر لحقوق الفلسطينيين السياسية والتي تتلخص في حقهم بان يعيشوا بحرية وكرامة على أرض وطنهم .
يمثل هدف تهويد القدس وفصلها عن محيطها الفلسطيني الحلقة المركزية لهذا المشروع التصفوي، فإلى الأهمية الدينية لمدينة القدس ومقدساتها التي تحتل مكانة مميزة في وجدان وقلوب مليارات المسلمين والمسيحيين على امتداد العالم ، فإن انتزاع القدس من الفلسطينيين وتهويدها هو بمثابة انتزاع الروح من الجسد الفلسطيني، وحرمان الفلسطينيين من أهم علامات هويتهم الوطنية وتراثهم الحضاري، وتحويلهم من شعب ذي حقوق وطنية إلى مجرد تجمعات سكانية متناثرة لكل منها همومه المعيشية الخاصة به والمنفصلة عن هموم التجمعات الأخرى.
وإذا كانت الهجمة على كل تجمعات الشعب الفلسطيني في غزة وجنين ونابلس تتخذ طابعا وحشيا عنوانه القتل والتدمير والاغتيالات والاعتقالات، فإن الهجمة على القدس تتخذ طابعا شاملا يشمل الأدوات الإجرامية عينها، إلى جانب سياسات التهويد والتطهير العرقي، والإغراق الاستيطاني والإحلال، ومحاولات تغيير طابع المدينة وهويتها التاريخية، وأسرلة التعليم، وتغيير أسماء الأماكن والمعالم، ومنع أي مظهر من مظاهر الحضور الفلسطيني حتى في الميادين الاجتماعية والثقافية والرياضية والخيرية، والقيود المشددة على السكن والإقامة وتسجيل المواليد وجمع شمل العائلات، والضرائب الباهظة على السكن وعلى المحلات التجارية والمهن، وتغيير شبكة المواصلات لتخدم الوحدة القسرية لشطري المدينة بدل خدمة حاجات التواصل الطبيعي بين المواطنين، والتضييق على المؤسسات الوطنية الصحية والتعليمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وقد باشرت إسرائيل بهذه الإجراءات بقرار ضم المدينة في حزيران عام 1967، بعد ثلاثة أسابيع فقط من الاحتلال.
لا ينبغي فصل معركة القدس عن باقي الحلقات والمعارك التي يخوضها الشعب الفلسطيني، ولا افتراض أن شكلا نضاليا معينا هو الكفيل بمنع مسيرة الأعلام وحماية القدس من التهويد مثلما انتشر مؤخرا وكأن صواريخ المقاومة في غزة هي وحدها القادرة على منع مسيرة الأعلام، فهذه المقولة تنطوي على كثير من المبالغة وخداع الذات، فقوة المقاومة لا تكمن في التوازن المادي، وما لديها من أسلحة وعتاد وقدرتها على إيقاع الخسائر في المحتلين، وإنما في ما تمثله من إرادة للقتال وقدرة على الصمود والتضحية واحتمال الضربات الأليمة والتمسك بالحقوق على الرغم من حجم المعاناة والتضحيات، وفي المقابل تبدو كل ترسانة الاحتلال الهائلة عاجزة عن فرض إملاءاته وشروطه السياسية على الشعب الفلسطيني، فهناك دائما حدود للقوة المادية بينما لا توجد للتضحية والفداء والإرادة الإنسانية حدود.
من المهم جدا أن تتكامل حلقات النضال الفلسطيني وأشكاله ليعزز بعضها بعضا، لا أن يكون أحدها بديلا عن الآخر، ولنتذكر دائما أن العبء الرئيسي في الدفاع عن القدس وهويتها وانتمائها يقع على المقدسيين أولا، الذين يدافعون عن مدينتهم وعاصمة شعبهم بصدورهم العارية وأجسادهم من خلال أشكال الرباط والاعتكاف والفعاليات الشعبية التي طوروها إلى جانب فعاليات "شد الرحال" التي أبدع فيها فلسطينيو الداخل، بهذه الأشكال الفذة خيضت معارك البوابات الاليكترونية وباب الرحمة وباب العامود والشيخ جراح وأمكن تحقيق نتائج مهمة فيها.
معركة القدس لا تُخاض من خلال الاكتفاء بمجيد صمود المقدسيين وتشجيعهم من بعيد، بل لا بد من دعم صمودهم الواقعي والمادي من خلال دعم المؤسسات والمستشفيات والتجارة والمدارس والأندية والجمعيات والإسكان، ومشاريع التوظيف، وابتداع وسائل للتغلب على القيود التي فرضها الاحتلال على السلطة والمؤسسات العربية والدولية للاستثمار والتنمية في القدس. وإلى جانب كل ذلك ينبغي أن تعود القدس إلى صدارة البرنامج الوطني الفلسطيني لكل الهيئات والمؤسسات والفصائل والاتحادات الشعبية (معظمها نقل مقراته إلى خارج القدس)، وأن تتكامل كل أشكال النضال وتتحد في مجرى واحد يمكن من استثمار تضحيات شعبنا وصموده، لكل ذلك نقول: صحيح أن الصواريخ مهمة ولكن ليس بالصواريخ وحدها نمنع تهويد القدس!



#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)       Nihad_Abughosh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثأر الأحرار واستحالة إلحاق الهزيمة بالشعب
- عوامل خارجية وذاتية لإطالة أمد الانقسام
- الدفاع عن حرية الصحافة وحماية الصحفيين
- أصابع إسرائيلية تحرك الحرب في السودان
- عن رسالة محور المقاومة في يوم القدس
- العالم يتغير من حولنا
- مخاطر عبث الاحتلال بالمسجد الأقصى
- جولة من الصراع على القدس والأقصى
- وجود حكومة فاشية فرصة تاريخية لعزل إسرائيل وملاحقتها*
- نتنياهو يأخذ وقتا مستقطعا لاحتواء العاصفة
- إذن يستطيع بايدن الضغط على حكّام إسرائيل!
- شهوة السلطة أعمت نتنياهو عن إدراك الحقائق
- عملية حوارة وتصاعد المقاومة في الضفة
- تصاعد خطر المستوطنين وإجرامهم (2 من 2)
- تصاعد خطر المستوطنين وإجرامهم (1 من2)
- عن الاعتراف بدولة إسرائيل
- بن غفير فاشي أزعر ذو سوابق ونتنياهو أسير له
- بين حماية السلطة وحماية الشعب الفلسطيني
- هل تندلع حرب أهلية في إسرائيل ؟
- إسرائيل ولجنة مكافحة الإرهاب: حاميها حراميها


المزيد.....




- رجل يقتحم منزل عائلة لخطف فتاة.. شاهد رد فعل ممثل أمريكي في ...
- فيليبو: ماكرون مجنون ويسرع التصعيد نحو حرب عالمية ثالثة
- استقالة قاضيين بريطانيين من أعلى محكمة في هونغ كونغ
- لأول مرة منذ الحرب الباردة.. القوات الجوية السويسرية تتدرب ع ...
- -حرييت-: تركيا قد تبدأ عملية عسكرية في سوريا الصيف الجاري
- لأجل قضية عملت عليها أمل.. جورج كلوني ينتقد بايدن
- مسؤولون كوبيون: سفن حربية روسية تصل هافانا الأسبوع المقبل
- ماروتشكو: القوات الأوكرانية تنشر الألغام المغناطيسية الألمان ...
- -تسليح الانتخابات- في الولايات المتحدة يجب أن يتوقف!
- أم لثلاثة أطفال.. سوري يتجول بجثة زوجته في شوارع تركيا ثم يل ...


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - نهاد ابو غوش - ليس بالصواريخ وحدها...