|
واقع التربية والتعليم في سورية
ميشال شماس
الحوار المتمدن-العدد: 1710 - 2006 / 10 / 21 - 07:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كان الفكر هو المحرك الفعلي لحركة المجتمعات الإنسانية والمحدد لاتجاهات تطورها المستقبلية، فإن التربية والتعليم هما الأساس الأول لتطور هذا الفكر ورقيه، فبقدر ما تتطور العملية التربوية والتعليمية وتقدمها في شتى المجالات، بقدر ما يرتقي هذا الفكر ويتطور على نحو يؤثّر تأثيراً عميقاً في عملية النمو الاقتصادي والسياسي والثقافي والحراك الاجتماعي وبناء الحضارة الإنسانية. وانطلاقاً من هذا المفهوم، حرصت جميع العهود والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان على ضرورة توفير التربية والتعليم لجميع الناس بصرف النظر عن الانتماء السياسي والطبقي والديني والعرقي، كما دعت إلى إلزامية التعليم الابتدائي وجعله متاحاً للجميع ومجاناً على الأقل في مراحله الأساسية، بصفته حقاً من حقوق الإنسان، وعلى كافة الحكومات والأنظمة العمل على تمكين مواطنيهم من التمتع بهذا الحق على قدم المساواة. /1/ وسورية لم تتردد مطلقا في إقرار مبدأ إلزامية التعليم ومجانيته في مختلف الدساتير المتعاقبة وحتى الدستور النافذ حاليا الذي أكد على أن التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في مرحلته الابتدائية وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج./2/ ومع مضى أكثر من أربعين عاماً على تطبيق مبدأ إلزامية التعليم ومجانيته، وبالرغم من إضفاء صفة الإلزام حتى مرحلة التعليم الأساسي في السنوات الأخيرة، إلا أننا مع الأسف نلاحظ وجود خلل كبير في تطبيق ما نص عليه الدستور السوري لجهة إلزامية التعليم ومجانيته وتراجع كبير في مستوى العملية التربوية والتعليمية، ويمكننا أن نشير باختصار إلى أبرز مظاهر هذا الخلل: 1- التزايد السكاني الكبير الذي يقارب 3% سنوياً وفشل الحكومات المتعاقبة في الحد من هذا التزايد الذي يعتبر الأعلى في العالم، مما انعكس سلباً على ازدياد الأمية بشكل كبير بين الأحداث خاصة الفقراء منهم، وعدم قدرة الحكومة على محوها بشكل فعَّال وشامل، على الرغم من الجهود المبذولة والأموال التي أنفقت في هذا المجال. ولابد هنا من إصدار تشريعات صارمة تحد من التكاثر وتعاقب بشدة على مخالفتها. 2- عزوف نسبة كبيرة من الطلاب عن متابعة التعليم خاصة في مرحلة التعليم الأساسي الإلزامية وانخراطهم في سوق العمل لتأمين لقمة العيش، وهذا الأمر يتطلب إصدار تشريعات جديدة تشدد في معاقبة من يساهم في عملية تسرب الطلاب. ويكفي أن نشير هنا إلى أن التقرير الوطني للتنمية البشرية أوضح في العام 2002 أن أكبر نسبة من إفراد القوة العاملة هم من حملة الشهادة الابتدائية ومادون، وأشار التقرير أيضاً إلى ضآلة الفرق بين دخل من يحمل الشهادة الجامعية فأكثر ودخل من يقرأ ويكتب، وهذا الأمر لايشجع كثيراً على التعليم، كما يشكل الانخفاض النسبي لدخل حملة الشهادة الثانوية الفنية مشكلة حقيقية لأنه يحد من إقبال الطلاب على الالتحاق بالمدارس الفنية ./3/ 2- ضعف مواكبة كثير من مناهج التعليم لتطورات العصر وتقنياته، وتخلّفها عن مجاراة التطورات التي يشهدها التعليم على المستوى الدولي ومتابعتها بانتباه واهتمام، مما زاد في اتساع الهوة بين التعليم في سورية والتعليم في العالم المعاصر. 3- اختلاف في تطبيق الأساليب التربوية والتعليمية بين التعليم العام والخاص وحتى بين مدرسة وأخرى، إضافة إلى ضعف مستوى عدد كبير من المعلمين، إذْ أن أصحاب النسب الضعيفة من حملة الثانوية العامة، هم الذين يتوجهون نحو كليات التربية وإعداد المعلمين، وهؤلاء من نتاج النظام التعليمي السائد القائم على التلقين للاستظهار بدلاً من التعليم للتفكير والإبداع، وهم يمارسون بعد التخرج تطبيق هذا النظام على الطلاب ، حين يلتحقون بمؤسسات التعليم المختلفة. 4- اعتماد مناهج التعليم على النمطية و الاقتصار على المواد التقليدية " رياضيات ، علوم ، لغات ..الخ" بينما متطلبات العلوم الحديثة تطرح المداخل المتعددة للمواضيع الهامة التي تتطلب اهتماماً خاصاً لتضمينها في المناهج الدراسية:( كالتقانة والمعلوماتية والحاسوب والإلكترونيات، التربية الوطنية، وحدة المجتمعات وسلامتها واستقرارها،البيئة و التلوث و تدهور الموارد الطبيعية، التربية السكانية، الصحة و الجنس و الأمراض المصاحبة " مثال الإيدز"، المخدرات و الوقاية منها عن طريق التوعية. 5- ضعف المتطلبات الأساسية لإنجاح العملية التربوية، سواءً تعلق ذلك بالمباني أو التجهيزات الفصلية والمعملية،أوبضعف القدرات الإدارية من مديرين وموجهين والنزعة التسلطية في أساليب الإدارة القائمة على المحسوبيات، أو بفرص التعبير الحرّ عن الآراء، يضاف إلى ذلك المركزية الشديدة في الإدارة، مما يؤثّر تأثيراً سلبياً على العملية التعليمية، ويحدّ من حرية المبادرة والتصرف والتفكير في استنباط الحلول للمشكلات القائمة على مستوى الإدارات التعليمية، وعلى المؤسسة التعليمية في المدارس وهيئات التدريس وفي المعاهد والكليات أيضاً. 6- ضعف تقويم النظام التربوي للتعرف على كفاءة أدائه ومدى فعاليته ونجاحه في تحقيق أهدافه إضافة إلى اتخاذ قرارات كبيرة بدون أية دراسة كما في القرار القاضي بتحويل حوالي 70% من الطلاب الحاصلين على شهادة التعليم الإعدادية إلى الدراسة الفنية إجبارياً مما يؤثر عكساً على التخصصات الفنية. 7- عدم توفر الجو الديمقراطي بما يفسح المجال للهيئة التعليمية والطلاب بالمشاركة في صنع القرار التربوي المستقل، وذلك نتيجة خضوع المؤسسات التعليمية للهيمنة الحزبية وذلك من خلال منظمة الطلائع والشبيبة والاتحاد الوطني لطلبة سورية والتي تهمين على الطلاب ابتدءاً من المرحلة الابتدائية مروراً بمرحلة التعليم الأساسي والثانوي وانتهاءً بالمرحلة الجامعية. 8- إن سياسة الاستيعاب الجامعي، وطريقة إجبار معظم الطلاب على دراسة الفروع التي لايرغبونها بإتباع ما يسمى طريقة المفاضلة، كما إن منح بعض الطلاب امتيازات معينة لأسباب حزبية وسياسية قد انعكس سلباً على العملية التربوية والتعليمية، وعلى عطاء الطلاب وفشلهم في متابعة التحصيل العلمي. 9- ازدياد نسبة الطلاب الذين يتبعون دورات خصوصية ،وهذا دليل على أن مؤسسة التعليم بشقيها الرسمي والخاص لاتقوم بدورها بالشكل المطلوب. فأي مصير ينتظر طلابنا إذا كان المعلم الموكل إليه مهمة تعليم أولادنا، ينتظر بفارغ الصبر انتهاء فترة دوامه في المدرسة ليبدأ عملاً أخر لتأمين لقمة العيش، وكثير من المدرسين وخريجي الجامعات تراهم يعملون كسائق أجرة، أو محاسباً في سوق الهال، أو حارس ليلي، وسعيد الحظ ذلك الذي يحصل على فرصة عمل خارج البلاد.. الخ. صحيح أن قطاع التربية والتعليم توسع توسعاً كبيراً أواخر القرن الماضي إلا أن هذا التوسع كان كمياً على حساب النوع، وسبب ذلك أن قطاع التعليم في بلادنا اعتمد على التلقين والحفظ على حساب المفهوم التعليمي التفاعلي والتواصلي ما بين المعلم وطلابه، وهذا أدى بدوره إلى انخفاض وتدني في مستوى الكفاءات خاصة في مجال التعليم المهني والتقني. فبعد أن كانت بلادنا تصدر الملاكات التعليمية في الستينات وحتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي إلى الدول العربية، أصبحنا بدلاً من ذلك نصدر يد عاملة أمية متخلفة تعمل في مجال الأعمال العضلية التي لاتحتاج إلى أي تفكير:" القمامة والزراعة وأعمال البناء والحراسة والعمل في الكازيات والأفران..الخ". إن العصر الذي نعيشه هذه الأيام هو عصر المعرفة القائم على الاستثمار المكثف لرأس المال البشري الذي يشكل التعليم محور عملية بناء قدراته/4/. وحتى نستطيع الدخول إلى هذا العصر بأمان لابد لنا من الاهتمام بالتربية والتعليم وتحسين نوعيته خاصة في مجال العلوم الحديثة كالتقانة والمعلوماتية والحاسوب والإلكترونيات، التربية الوطنية، وحدة المجتمعات وسلامتها واستقرارها،البيئة و التلوث و تدهور الموارد الطبيعية، التربية السكانية، الصحة و الجنس و الأمراض المصاحبة " مثال الإيدز"، المخدرات و الوقاية منها عن طريق التوعية، وذلك بدءاً من المرحلة الابتدائية مروراً بمرحلة التعليم الأساسي والثانوي وصولاً إلى التعليم الجامعي والعالي، وربط ذلك بسوق العمل وبما يتناسب ومتطلبات التنمية الوطنية القادرة على المنافسة. والاهتمام بالمعلم الأساسي في العملية التربوية بما يضمن كرامته ومستقبله ومستقبل أسرته. ومن الأهمية بمكان هنا تضمين المناهج الدراسية مواد تتدرج في أفق التربية على الأخلاق واحترام القانون وحقوق الإنسان، وإنشاء مقاعد في الجامعات تهتم بالقضايا الفكرية والسياسية والقانونية التي يطرحها موضوع حقوق الانسان في بلادنا والعالم، علنا نساهم في تكوين وعي حقوقي وأخلاقي ذو محتوى إنساني لدى الناس جميعاً، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والمعمل ودور العبادة. لقد حان الوقت لكي نتحرر من الخوف وأن ندرك حقيقتنا مهما كانت هذه الحقيقة مرة وقاسية، وأن نخرج من تقوقعنا على ذاتنا، بالمصارحة والمكاشفة، وأن نعمل على توفير الجو الملائم لجميع المواطنين للمشاركة في بناء الوطن سواء من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو المنظمات الأهلية والسياسية، فالوطن هو وطننا جميعاً ومن حق جميع المواطنين وبصرف النظر عن أي انتماء ديني أو سياسي أو عرقي أو طبقي المشاركة في صياغة مستقبل الوطن. هوامش: 1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مادة 26- وكذلك المادتين 14و15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية. 2- الدستور السوري الصادر 1973 المادة 37/. 3- صحيفة الفرات الصادرة في ديرالزور29/8/2006 4- محمد جمال باروت – محاضرة ألقيت في ندوة حال المعرفة بدمشق
#ميشال_شماس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمعيات الأهلية في سورية
-
كيف نواجه مخاطر الفساد.؟
-
الرئاسات العربية نزولاً عند رغبة الجماهير
-
كما نحن يولّى علينا
-
عن أي شيء نكتب؟
-
ليس بالتخوين تُبنى الأوطان
-
من أين يأتي الخطر على سورية ؟
-
ويلي على أمةٍ ضَحِكتْ من جَهلِها الأممُ
-
من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
-
ليس بالجمعيات والمدارس الدينية تتطور الأوطان وتتقدم
-
حرية المراسلات والاتصالات
-
تحية إلى قضاة مصر
-
حماية الحياة الخاصة للإنسان
-
دمشق العريقة تستغيث.. فمن ينقذها؟
-
لا للهدم.. نعم للبناء
-
عرب ولانخجل
-
عذراً سيادة الوزير.. قضاؤنا ليس مستقلاً
-
الحوار اللبناني وطني أم طائفي؟
-
-الزعيم- يتبرأ من القوميين
-
أحبّته .. فطلقها
المزيد.....
-
مصر.. بدء تطبيق التوقيت الشتوي.. وبرلمانية: طالبنا الحكومة ب
...
-
نتنياهو يهدد.. لن تملك إيران سلاحا نوويا
-
سقوط مسيرة -مجهولة- في الأردن.. ومصدر عسكري يعلق
-
الهند تضيء ملايين المصابيح الطينية في احتفالات -ديوالي- المق
...
-
المغرب يعتقل الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني
-
استطلاع: أغلبية الألمان يرغبون في إجراء انتخابات مبكرة
-
المنفي: الاستفتاء الشعبي على قوانين الانتخابات يكسر الجمود و
...
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
الحرس الثوري الإيراني: رد طهران على العدوان الإسرائيلي حتمي
...
-
الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال الألماني بسبب إغلا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|