أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي الإمام - الاكتئاب والإبداع والجنون في التشكيل المعاصر: كيّالي والأتب نموذجاً















المزيد.....

الاكتئاب والإبداع والجنون في التشكيل المعاصر: كيّالي والأتب نموذجاً


غازي الإمام

الحوار المتمدن-العدد: 7560 - 2023 / 3 / 24 - 09:05
المحور: الادب والفن
    


لؤي كيالي فنانٌ تشكيليٌ سوري من مواليد حلب، بدأ أولى خطواته في الرسم في عام 1945، وتخرّج من أكاديمية الفنون الجميلة في روما في عام 1961 وعاد إلى بلده سوريا، حيث بدأ مسيرته المهنية كأستاذٍ للفنون الجميلة في جامعة دمشق، وكان الفنان فاتح مدرّس يعمل هناك كأستاذ في الفنون الجميلة أيضًا.
نظّم لؤي كيالي معرضاً شخصياً له في روما في عام ،1959 في صالة "لافونتانيلا" ومثّل بلده سوريا إلى جانب الفنان "فاتح مدرّس"، في معرض بعنوان "لابيناليه" في مدينة البندقية في عام 1960، وحضره العديد من الفنانين المشهورين حول العال، والذين امتدحوا تجربة كيّالي الفنية، وشبّه أحد الفنانين العالميين الوجوه التي يرسمها كيالي، بالوجوه التي يرسمها "موديلياني"، وهو أحد الفنانين الإيطاليين المشهورين، وتمّيزت لوحاته بأسلوبٍ متفردٍ من وجوهٍ طويلةٍ وأجسادٍ نحيلةٍ تنبعث من عيونها نظرات حزنٍ وبرود.
ولطالما ارتبط الفن بالجنون والإبداع، وبالشعور بالعظمة، وشكلت هذه الثنائية الاستثنائية لدى كل من سعيد الأتب ولؤي كيالي، مفتاحا لعوالم من الرسوم والخطوط والألوان، ساهمت في تكوين رؤية كل منهما عن عالم خاص بهما، عبر لوحات رائعة ،لن تفقد قيمتها الفنية بمرور الزمن.
يعتبر الرسام والفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي (1934-1978)، واحدا من أهم الفنانين في تاريخ الفن التشكيلي السوري الحديث نسبيا، كما لا يمكن الحديث عن حياته، دون أن نستحضر تفاصيل مشابهة في سيرة الفنان والرسام التشكيلي اللبناني سعيد الأتب.
بدأت ملامح الاضطراب النفسي، تظهر على الرسام والفنان التشكيلي سعيد الأتب، عندما أقدم على حرق لوحاته، بعد أن أصيب بالإحباط وخيبة الأمل من الجالية العربية، التي لم تعير معرضه في مدينة باترسون الاميركية، أي أهتمام. بل على العكس من ذلك ، فقد تعرض لانتقادات عديدة، وسيل من من التهكم والسخرية وصلت لحد الأزدراء من البعض، على أنه مجنون، ليس له من ملاذ في الحياة سوى الصور، والرسم، وهو - برأيهم - فن هابط....
قبل ذلك بسنوات، أقدم الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي، على إحراق لوحات معرضه الذي أطلق عليه مسمى "في سبيل القضية" عام 1967، وهي ثلاثون لوحة مرسومة بالفحم صوّر فيها المأساة الفلسطينية. وتزامن معرضه الذي جاب المدن السورية – آنذاك - مع تواتر سريع للأحداث، واشتعال حرب حزيران، ومما زاد الأمر سوءا أن أعماله قوبلت بالإزدراء، وبآراء سلبية من النقاد والصحافيين، ثم تلا ذلك وفاة والده (1970)، وهو ما شكل علامة فارقة في حياة كيالي، وأدى لدخوله في نوبات من الكآبة التي استدعت ذهابه إلى بيروت، لعرض حالته على طبيب نفسي.
أصيب لؤي كيالي باكتئابٍ شديد، بعد النقد اللاذع الذي تعرّض له من قبل الفنانين المحليين، إثر انتقال معرضه السابع بين المحافظات السورية، وتوقف نتيجة هذا الاكتئاب، عن الرسم والتدريس ، ومزّق العديد من لوحاته، واعتكف في مدينة دمشق، ثم عاد إلى مسقط رأسه في حلب.
سكن كيالي في اعتكافه الدمشقي في منطقة معلولا، وتأثّر بها، ورسم عن أبنيتها الحجرية، ثم عاش لفترةٍ قصيرةٍ في جزيرة أرواد السورية، حيث رسم العديد من اللوحات التي لها علاقةٌ بالبحر والجو الساحلي. وعلى الرغم من حدّة الإكتئاب والاضطراب النفسي، وخضوعه للعلاج، فإنه لم يتوقف عن المشاركة في العروض التي كانت تُقام في دمشق.
"يبدو أن الفنانين التشكيلين سعيد الأتب، ولؤي كيالي ، من خلال سيرتهما الذاتية المطروحة، و ما كتب عنهما من تفاصيل وسلوكيات، والمراحل التي قدماها في تجربتهما الفنية، أنهما كانا يمران بنوبات مرضية، وفيها أعراض اكتئابية وذهانية، يعقبها تحسن لحالتهم، ليعاودا نشاطهما وحيويتيهما وإنتاجهما في فترات أخرى. وربما يرجح ذلك، تشخيص اضطراب المزاج الثنائي القطب، حيث تحدث فيه نوبات كآبة، ونوبات أخرى فيها نشاط وحيوية، وأيضا نوبات مختلطة بينهما. لكن سعيد الأتب، وعلى رغم كون معاناته أكبر وأقسى.، تأتيه هذه المعاناة من تحديات صعبة، ومصادر كثيرة في الحياة التي عاشها، من خلال تجربة الزواج المتعددة والفاشلة. وكذلك المعاناة الحالية التي يعيشها في مدينة باترسون بولاية نيوجرسي، والتي كان لفقدان أبنه الصغير، وأبنته الوحيدة والشابة، أثر مروع على نفسيته وحياته، وظهر ذلك جليا في رسوماته.
القاسم المشترك في أعمال كيالي والأتب
رسم لؤي كيالي اللوحات الزيتية بأشكالها، فأبدع في رسم الطبيعة الصامتة، والمعاناة الإنسانية، كما حلّق بفن البورتريه والكروكيه والرسم بالفحم عاليا. لكنه، لشدة حساسيته لم يستطع تحمل هجمات الناقمين الشرسة التي لم تكن في حينها مبررة إلا بكونها حاقدة، تدفعها الغيرة من فنان مقتدر، تملّك ناصية الفن، وقدّم الكثير، وأبدع في عالم الفن التشكيلي.
وعلى الرغم من أن كيالي ولد في بيئة برجوازية على عكس سعيد الأتب.. فإنهما كانا على اندماج كامل بالحياة الشعبية القريبة من واقع الفقراء، فقد تناولا في أعمالهما حياة البسطاء، إذ نجد أن لؤي كيالي ركز على الباعة المتجولين، كمجموعة لوحات "ماسحو الأحذية" التي رسمها بين عامي 1963 و1974، إلى جانب رسومات أخرى تناولت جوانب مختلفة من المأساة الإنسانية، كالبؤس والفقر وقضايا الطفولة.
كذلك تميز التشكيلي اللبناني سعيد، الأتب برسوماته الزيتية الرائعة، وأبدع في رسم المرأة العربية، وعبرعن معاناتها وآلامها وما تتعرض له من مصاعب الحياة والمجتمع الذي تعيش فيه، وأعطى الطبيعة جزءاً من أهتمامه في رسوماته، ولكن ليس بالقدر الكبير. والجدير بالذكر، أن جائحة الكورونا التي أجتاحت العالم بأسره، والولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة ولايتي نيويورك ونيوجرسي، والتي دمرت حياة البشر وحصدت أرواحهم، كان لها كبير الأثر في رسومات سعيد الأتب، وسار على خطى لؤي الكيالي في التعبيرعن قضايا الأنسان الفقير والبائس، فقد عاش فقيرا في مخيمات اللجوء والمهجرين داخل وطنه الأم لبنان، إبان الأجتياح الإسرائيلي والحرب الأهلية هناك.. وظهر ذلك جلياً، في العديد من لوحاته.....
ويمكننا القول أن سعيد الأتب، هو فنان الحزن النبيل أيضاً، ورسام الألم الصامت، ومبدع الجمال الحزين الهادئ.
انتهت حياة لؤي كيالي عن عمر ناهز 44 سنة، ففي عام 1978 بليلة العاشر من أيلول، احترق لؤي كيالي وهو في سريره، في ظل روايات تباينت بين حادثٍ سبّبه لفافة تبغ، أم أنه انتحار. احترق لؤي كيالي في غرفته في مدينته حلب، فنُقل إلى مستشفى جامعة حلب ثم إلى المستشفى العسكري بحرستا في دمشق، فأسلم الروح فيها يوم الثلاثاء 26 كانون الأول 1978 و دُفِن في حلب في مقبرة الصالحين.
هنا، السؤال يطرح الكثير من المخاوف والتساؤلات، عن المصير الذي سيؤول اليه سعيد الأتب، وكيف سيرسم القدر نهايته؟ ولعل سبب مخاوفي هذه ، تنبع من كون سعيد الأتب أنسان مرهف الشعور والأحساس، يمتاز بأخلاق الفرسان، ولا يقبل المهانة والمذلة التي تأتيه من عديمي الشعور والضمير، الذين لا يقدرونه، ولا يقدرون فنه. وأضيف إلى ذلك، تلك المأسي التي أعترضت مسيرة حياته، منذ الساعة التي ولد فيها ولغاية كتابتي هذه المقالة !
بالنسبة لسعيد الأتب، الحياة أصبحت رتيبة ومملة.. رسمت فوق تفكيره وشعوره، غيمة سوداء ، جعلت من أحلامه الوردية مجرد كوابيس يرافقها الخوف من الغد، وما يمكن أن يحمله من مصائب وكوارث وأمراض على كافة المستويات. ويردد سعيد على مسامعنا، قوله أن " الحياة التي نعيشها اليوم أصبحت مقرفة، لا تستحق الأنتظار ليوم الغد..لأن ذلك مضيعة للوقت، بل مصدر لمزيد من المعاناة والألم". وأن هذه الحياة مجرد وهم عبثي لا نعرف الى أين سينتهي بنا مشوارها..وهذا مستمد من أقوال الفيلسوف الألماني شوبنهور، الذي يعشق سعيد الأتب أفكاره فلسفته، ويواظب على قراءته.



#غازي_الإمام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة في الفن التشكيلي: سعيد الاتب نموذجا
- بين جبران خليل جبران وسعيد الأتب: هل ثمة تقمص في الفن التشكي ...
- المبدعون والجاليات العربية في الولايات المتحدة: تجاهل وغياب ...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي الإمام - الاكتئاب والإبداع والجنون في التشكيل المعاصر: كيّالي والأتب نموذجاً