أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي خضير - حوار مع الكاتب المسرحي العراقي عباس منعثر















المزيد.....



حوار مع الكاتب المسرحي العراقي عباس منعثر


علي خضير

الحوار المتمدن-العدد: 7557 - 2023 / 3 / 21 - 12:06
المحور: الادب والفن
    


حين تلتقي الكاتب والشاعر عباس منعثر فلا بد أن تراه مهموما بشيء جديد، سواء قراءات متعمقة في آخر مجريات الفكر والفن، أو في كتاب يؤلفه. ورغم فترة اشتغاله في الكتابة منذ التسعينيات من القرن العشرين حتى الآن إلا أنه لم ينتج إلا خمسة كتب هي على التوالي: مأساة روما 2003، كما تراني المرآة 2011، آخر الكتب المقدسة 2015، مونو 2016 وكتاب شيزوفرينيا 2021. في إطار الكتابة المسرحية، ينحت عباس منعثر شخصياته بصفتها العالمية ويضخّ النبض فيها بلا انغلاق على المحلية وبلا وقوع في الآنية. ورغم أن نصوصه تتفرد بلغة أدبية رفيعة تحمل أسئلة فلسفية جادّة وعلاقة وطيدة بالعلوم المجاورة إلا إنّها لا تفقد سمة التواصل مع قارئها، بل تستفزّه نحو التأمّل العميق. ومن أجل إلقاء الضوء على نتاجه المسرحي كان هذا اللقاء.
س1/ لماذا اخترت المسرح كوسيلة لإيصال افكارك الى الآخر؟
- أحياناً، لا نختار الأشياء بل هي التي تختارنا. بالنسبة لي، أمارس مختلف الفنون الأدبية من قصة قصيرة وشعر ومسرح ونص مفتوح. رغم ذلك، لا أحدد، لحظة الشروع في الكتابة، إلى أي شكل ستنتقل الفكرة وعبر أي وسيط. قد يتضح النمط الأدبي من خلال لحظات التأمل السابقة للكتابة، تماماً كما يكتشف النحات شكل منحوتته في الصخرة الصلدة. هذا من جهة الإختيار، أما فيما يتعلّق بالمسرح كوسيلة إيصال، فأظن أنه مجال حيوي للحوار وتبادل الأفكار وهي السمة التي يفتقر إليها عصرنا الذي يتكلم فيه الجميع في الوقت نفسه ولا يسمع أحدٌ أحداً. لذلك، وللتخفيف من وحشة العالم، ترى أنه حتى حينما أكتب المونودراما فإنك ستشعر بأصوات الآخرين وأفكارهم أيضا. في المسرح، قدرة على تعويض إنحسار التبادل بين البشر، وفيه كذلك، تلخيص للدراما البشرية لكن بصيغة فنية مكثفة وموجزة. قد نطرح في ساعة ما يمكن أن تعيشه الناس في قرون. وربما لأنني أميل إلى رؤية الصراع والتصادم بين مختلف الأفكار في كلّ شيء؛ فهذا دافع مضاف الى أن أعبر عن أفكاري عن طريق المسرح أكثر من أي فن آخر أزاوله، لكن يبقى لكلّ فن خصوصيته وأهميته، بالنسبة لي، وقدرته على التعبير.
س2/ هل تعتبر المسرح همّ أم وسيلة؟
- هو أيضاً حالة وجود. وربما أكون قد ترّحلت في عالم الخيال والصور أكثر من الحياة الواقعية. أنا أميل الى العزلة، الإيجابية كما أتمنى، فتكون الدراما هي فعل تعويضي عن التواصل مع العالم أو هي وسيلة للتواصل معه. مخيلة الإنسان فضاء مفتوح على عدد لا يحصى من الحبكات تتوغل في العالم بالقدر الذي تبتعد عنه، كي تعبر عنه بتوازن ودقة وعمق. إذا إعتبرت المسرح (همّاً) فهو هم لذيذ، وإذا إعتبرته مسئولية فهي أكبر المسئوليات جدية. ورغم أن بقية الفنون الأدبية لا تقلّ أهمية أو حضوراً، إلا أن الكتابة بالذات، والمسرح بشكل خاص، هي واحدة من ركائز وجودي كإنسان وكاتب لا يتصوّر حياته بدونها؛ لأنه الفنّ الأكثر مطاوعة لتجسيد رؤيتي للعالم.
س3/ إلى من تحيل مرجعياتك الأدبية والفكرية في الكتابة؟
- أنا قارئ نهم في جميع حقول المعرفة. أقرأ وأنا محمّل بالكثير من الأسئلة. وفيما يخصّ المسرح، لا أكاد أترك نصاً مسرحياً إلا وأطلقت السؤال التالي: ما بقي، كيف بقي؟ بمعنى ما هي خصائص هذا النص بحيث تجاوز زمن كتابته ووصلني وكأنه كتب البارحة. في تاريخ المسرح علامات مضيئة فيما يخصّ الكتابة المسرحية ابتداءً بالمسرح اليوناني وحتى هذه اللحظة. أما مرجعياتي الفكرية والفلسفية فهي من التنوع والسعة بحيث سيضيق المجال. لكنني بشكل عام لا أكتفي بالأدب وحده، بل أميل الى التوسع في حقلين محببين هما علم النفس والفلسفة. يجهزني علم النفس بأرضية متماسكة لفهم نفسي والآخر، وفهم الطبيعة البشرية. وتجهزني الفلسفة برؤية واسعة للوجود تتيح لي فرصة النظر من زاويا مختلفة لجوانب الحياة المتعددة. أنا مولع بتاريخ الأفكار وعمليات تشكلها حسب العصور والمهادات الثقافية، وربما كان لذلك أثره الجوهري في كتاباتي التي تميل إلى إطلاق الأسئلة والتأمل، كما يمكن أن تلاحظ ذلك في كتابي (شيزوفرينيا) و(مونو) أو في كتبي الأخرى.
س4/ عباس منعثر إنسان في هذا العالم ماذا يمثل لك ذلك؟
- ليس سهلا أن تكون إنساناً مع كل ما يعنيه ذلك من أعباء عقلية ونفسية كبيرة، وكأنك تحمل صخرة سيزيف التي لا يمكن احتمالها حتى باللوذ بالادب؛ مع ذلك، يبقى الزمن والزوال من جهة أخرى أحد أهم المساهمين في صناعة الخيال. وإذا تجاوزنا زاوية النظر الوجودية، وانتقلنا الى الدور؛ فإننا أمام بوابة أولى تؤدي الى الوجود الاجتماعي بكل ما يرافقه من قيود وارتباطات، وبوابة أخرى تنفتح على الحرية والخيال. كثيراً ما جذبتني بوابة الخيال التي هي في الواقع وجه آخر للبوابة الاجتماعية وإن بشكل مستتر. وفي جميع الأحوال أرى أن البحث عن المعنى هو أساس التحرك الإنساني، والذي وجدته شخصياً في الكتابة التي أعتبرها التعبير الأمثل عن المعنى والوجود ككل.
س5/ لماذا ولمن وكيف يكتب النص المسرحي، هل خالجتك هذه الأسئلة؟
- على الرغم من أنها أسئلة تقليدية إلا أنها عبقرية. فهي عميقة وعملية في الوقت نفسه. وأظن أن هاجس هذه الأسئلة قد رافق الكتاب على مختلف مستوياتهم وتوجهاتهم الفكرية والأدبية. بالنسبة لي أكتب لأسباب عديدة، أهمها الهرب من الزوال، فالكتابة طريقتي في الإجابة على سؤال الموت. أكتب تحت ضغط أفكار وصور لا قدرة، ولا رغبة، عندي لابقائها مكتومة في داخلي. أكتب حتى أصدر صوتاً يتحدث بالنيابة عن المسكوت عنه. أكتب لاسباب أدركها وأخرى لا أدركها. ومسألة الكيفية، تعتمد على الفن الأدبي من جهة وعلى المزاج الشخصي من جهة أخرى. تصور في يوم ما قرّرت ان أكتب بالقلم الحبر الأزرق كتابي القادم. فعلاً، انجزته. في مرة أخرى، دونته مباشرة الى الكمبيوتر. في مرة ثالثة، ملأت دفتراً كاملاً من المخططات الهندسية التي صارت أحد الكتب. هذا من ناحية الكيفية العملية، أما الكيفية الذهنية فمتعددة هي الأخرى. مرة تأتي الفكرة وتُترك في الذهن لتتخمر حتى تجبرني على تدوينها، ومرة تولد الأفكار في سيرورة الكتابة نفسها، ومرة يسبقها التخطيط والتأمل وفي أخرى أستسلم لفكرة وردزورث في الشعر كتعبير سلس وسيّال عن عاطفة جياشة. أما لمن أكتب، فإنني في الحقيقة أكتب لنفسي. ليس في ذلك إنغلاق على الذات أو تكبّر على الأخر؛ بل لأن في ذاتي قدرة على الإتساع لتكون كلّ ذات أخرى، وكأنني حينها أكتب للجميع.
س6/ اين تجد العلاقة الجدلية بين العالم والنص الأدبي..... هل تشكيل العالم المسرحي هو هروب من الواقع أم تكملة له أو اضافة جمالية؟
- الكتابة عملية خلق، قد تؤدي الى مخلوق مشوه أو قد تضيف كائناً جديداً إلى كائنات العالم مثل أوديب وهملت على سبيل المثال. وإذا كان الهروب من الواقع يتجسد في إنتاج الادب والفن فهو هروب إيجابي؛ إلا أنني أرى ان الكتابة مهما كانت سريالية او رمزية هي دخول في الواقع وتشابك معه. لا علاقة للتشابه أو الإختلاف الشكلي بين الأدب والحياة. فربما تعبّر مسرحية رمزية لا صلة شكلية لها بالواقع عن جوهره وعلاقاته المتشابكة أكثر مما تعبر مسرحية واقعية عن ذلك. الفهم لعلاقة الأدب بالواقع قد تغير على ضوء كل عصر وكل حقبة، وقد كان جهاداً حقيقياً للكاتب أن يتخلّص من عبء هوراس وكهنة معبد المسرح. دائماً ما أفكر بشيء يضيف للواقع زاوية نظر جديدة، وفي رأيي أن كل نص مبدع وخلاق هو نصّ واقعي في جوهره.
س7/ لماذا النص المسرحي، وما هي خصوصيته؟
- كانت المسرحية أكبر من كونها عرضاً صورياً يستجير بفن آخر كي يوجد؛ بل كيان مكتمل الشعرية، يُستقصى لجرسه الموسيقي وجمالياته البلاغية ودفق العواطف والأفكار التي يبثها. ورغم ان آباء المسرح الأوائل لم يكتفوا بالقاء قصائدهم الدرامية الطويلة ولجأوا الى تمثيلها؛ إلا أن أعمق ما في التجربة المسرحية يكمن في الاصغاء الى الشعر، إلى الأفكار، وإلى مرور الذات بتجربة التحول التي تنتجها الكلمات. ومن هنا ينبغي النظر إلى النص المسرحي كمنتج للرؤيا وليس مجّرد حلقة من حلقات العرض المسرحي والذي قد يُستغنى عنه في بعض التجارب. يُمكنك إذن أن تبث الفكر العميق، وتعكس الحياة الإجتماعية وتكشف خبايا النفس الإنسانية من خلال النص المسرحي. ولا يكفي بسبب طبيعته البنائية أن نستثني النص المسرحي مما نهبه للقصيدة والقصة والرواية ولا حتى الفلسفة، لأنه ببساطة يحتوي على جميع ما يوجد في تلك الفنون الأدبية وأكثر. يقع على عاتق المسرح أن يمنح جميع الكائنات التي يخلقها فرصاً متساوية في الوجود، وفي الوقت الذي يُتهم الخالق بعدم إعطاء الفرص بالتساوي بين مخلوقاته؛ إلا أن الفضاء المسرحي نفسه قابل لتساوي الفرص هذا؛ إنه فضاء ديمقراطي بامتياز. وعلى الرغم من أن الميول لا يمكن لها أن تنمحي عند الخالق بالتفضيل أو الدعم لموقف على حساب آخر؛ إلا أن أصدق الوسائل تعبيراً تلك التي تقف على الحياد وتترك الحكم الأخلاقي جانباً كي تعبر عن مكنون الكائن كما هو، وذلك أحد عناصر قوة النص المسرحي التي يتميز بها ويختلف عن باقي الفنون الأدبية جميعاً. فلا يُعطي النص للذات أن تمارس الديكتاتورية كما في الشعر، لأن التعبير ولأن الأفكار تأتي من ضمائر متعددة، رغم احتلال أنا المتكلم في كل مرة مركز الكون. في المسرح ثمة ذوات وليست ذاتاً واحدة قارّة، إنها تعبير عن مجلس الآلهة وليس عن الإله الواحد وعن تعدد الأصوات وبلبة اللغات كي تنتج كل هذه اللغات البشرية المختلفة. وهذا وحده مبررٌ كافٍ لحاجتنا الجوهرية إلى النص المسرحي.
س8/ في نصوصك الدرامية احتفاء بالفردي بينما يرتفع الصوت الجماعي في المونودراما... كيف تفسر ذلك؟
- نعم، صحيح، وهي مسألة مقصودة وغير مقصودة. ثمة مناخ من الوحدة ينتشر؛ يحاول الفنان أن يتخلّص منه أو يخففه على أقل تقدير. ففي ظلّ الفوضى والهذر الجماعي والصخب يظهر صوت يدعو الى التأمل والاستقرار كي تتضح الرؤية؛ وفي حالة التأمل الفردي نفسها يظهر الآخرون ليس شرطاً من خلال وجودهم الفيسيولوجي؛ بل عبر أفكارهم، عبر أثرهم فينا وعبر مخلّفات تفاعلنا المشترك. أحس، من جانب فني، أن الشخصية الموندرامية تبحث في عزّ وحدتها عن شخص آخر تحاوره لذلك تستدعي أفكاره؛ وأحس برغبة النصوص الدرامية نفسها أن تحتفي بالوحدة والتأمل. من هذه التركيبة الجدلية ينكشف الوجود الاجتماعي عن الوحدة وانكفاء الصوت الى داخله، وينكشف الوجود الفردي المنعزل عن قابلية للتواصل. في جميع نصوصي أثر من هذه الفكرة.
س9/ لماذا يواجه المخرجون صعوبة في التعامل مع نصوصك المسرحية؟
- ربما يكمن أحد الأسباب في نصوصي، وأسباب أخرى تخصّ الوسط الفني، وأخرى تتعلق بالعصر الذي نعيشه. أنا لا أكتب للخشبة، ولا أفكر أن تقدم أعمالي للجمهور. أكتبها بتجرد تام عن الفكرة التي تهيمن على أذهان العديد من الكتاب: العرض المسرحي. أعتبر النص متكامل الأدبية كالقصة والرواية لذلك لا تراني ملتزماً بأعراف الجمهور او الذائقة الفنية. ولكي نكون منصفين قد لا تكون نصوصي جذابة لخشبة المسرح؛ مع أنني أميل الى الإعتقاد أنها تحقق متعة القراءة وهذا هو المهم عندي. قد يتوازن النص بين فضاء الخشبة وفضاء الكتابة لكن ذلك قد يأتي أو لا يأتي لكنه ليس الهدف. أما ما يخصّ الوسط الفني فإن معظم المخرجين يقرأن النص وكأنه معد للخشبة ويتبعون حدسهم العملي لأن الإخراج المسرحي يخاطب جمهورا بعينه على عكس النص الادبي. هؤلاء المخرجون العمليون يفكرون بطرق برغماتية لطرح رؤاهم قد لا يجدونها في نصوصي. أحيانا نبحث عن السهل والمثير والآني وهي فكرة طرحها كوردن كريك بدقة حينما قال أن النصوص الضعيفة أقرب الى فنّ العرض المسرحي من النصوص المتماسكة. ومن ناحيتي، فإن تركيزي منصب على كيفية خلق نص معبر عن الحقيقة وقابل للحياة ولا أفكر بالعلاقات العامة أو الإنتشار. أما فيما يخصّ العصر الذي نعيشه، فإن التعبير الآني والإنفعالي عن الاحداث اكثر جاذبية من الطرح الفلسفي المتأمل. فرق شاسع بين من يخلق حالة التحوّل عن الذي يستقصي تصفيق الجمهور والإنبهار المؤقت. نصوصي تميل الى الأسئلة ولا تبحث عن الاثارة السطحية والطرح اللحظوي. أخيراً، عدم تقديم أعمالي يريحني من عبء الإنتشار ويجعلني أستمر في التجريب. على الأقل للموضوع حسنة واحدة أنك تخلّصت من كونك قطرة زيت في الماكنة وانفتحت أمامك مساحة هائلة من الحرية ولم تجعلك الأستمرارية تقع في خطأ التكرار والسطحية.
س10/ لماذا يركز منعثر على الهامش؟
- قد يكون السبب في أنني واحد من الهامشيين الذين لم يجدوا من يعبر عنهم، وبهذا فأنا لا أكتب عن الهامش بل عن نفسي. والصورة الأولى من الهامشية التي تركزت في ذاكرتي وكتاباتي هي حياتنا التي عشناها أثناء الحكم الديكتاتوري السابق، ثم أضاف الوضع الفوضوي الحالي هامشية جديدة لهامشيتنا. هناك من ينسحق تحت الحروب والقتل والظلم والفساد، لهؤلاء نصيب كبير في نصوصي. لكن هناك أيضا هامشيتنا كبشر أمام قوى الطبيعة الهائلة. ينبع ذلك من الشعور الوجودي بالإنقذاف الى العالم والخضوع الى جمهرة من الحتميات مثل الولادة والموت والغرائز ومحدودية الكائن إزاء الكون. كلاهما، الهامشية الحياتية والهامشية الوجودية يشكلان عصب ما أكتب.
س11/ العنوان عتبة النص كيف يكتشف منعثر عتباته النصية؟
- يتحفُنا علم اللّغة أن في اللّغة قابليات لا حصرَ لها على التنوّع والنحت والتشكيل، فهي وعاء ضخم من الممكنات المُتاحة التي تنتظر منك أن تغرف منها حاجتك. وما يمكن أن نلحظه من إنغلاق يعود أحياناً الى محدودية المخيلة والكسل. وفي الوقت الذي كان فيه العنوان مفقوداً في بعض الفنون، مثل الشعر الذي يكتفي باللاعنونة أو إختيار البيت الشعري الأول، ظلّ المسرح يعتمد على أسماء الشخصيات الأسطورية ردحاً من الزمن. وحاله حال معظم العناصر، مرّ العنوان بمراحل عديدة منتقلاً من التحدد التام والوضوح الى الإنفتاح التأويلي والرمز. إلا أنه في كلّ الأحوال أحد عناصر البناء والمعنى، قد أخذ مكانة كبيرة ومؤثرة لموقعه كأول ما يظهر من النصّ ولإمكاناته غير المحدودة في توسيع تأويل النص او تحجيمه. من الناحية التركيبية، لا يُلتفتُ في الأغلب الى تنوّع أنماط العبارة ويُكتفى باختيار كلمة واحدة أو تركيب من صفة وموصوف أو الإضافة. تكاد هذا الصيغ الثلاثة تهيمن على ثلاثة أرباع العناوين حتى تلك التي تحتوي على جدّةٍ أو غرابة. وهناك إهمال كامل لشبه الجملة من الجار والمجرور والعطف والمفاعيل المنصوبة والجملة الفعلية. إذا كان الكاتب يتمتع بثراء في أنماط العبارة فإنه سيجعل من العنوان إضافة صياغية للنص. ويتبع هذا السؤال، سؤالٌ يتعلّق بعلاقة الصيغة التركيبية للعنوان بالصياغات التركيبية داخل النص وهي مسألة حساسة لا تتعلّق بالمعنى فقط؛ بل بنوع الكلمات وصياغاتها التي يتبناها النص. فإذا كان النص يميل إلى الجملة الفعلية فإن العنوان يُصادق على ذلك إن إقتضت الضرورة لإبراز أهم صيغة يتبناها النص، وفي حال تكرر فيه المعرف بأل أو الصفة والموصوف يمكن للعنوان أن يؤكد ذلك باختيار عنوان موازٍ من الصيغة نفسها. ورغم أن النحت والإبتكار مباح ومطلوب في جميع مفاصل النص، لكنه مطلوب بشكل أكبر في العنوان عنه في أي شيء آخر، فهو الإسم الذي سيتردد كثيراً ويكون اختصاراً لأفعال النص اللغوية كلها. من الناحية السيمانتيكية، قد يرتبط العنوان بمعنى النص بعلاقة منطقية تخص ثيمته الرئيسة، فإذا كان عن الخيل صار عنوانه (الخيول) أو تحدث ضياع شخصياته صار (الضياع). هكذا عنوان بلا شخصية لها خصوصيتها وسماتها المميزة ولا يعدو ان يكون كلمة إضافية لا تؤثر في حالة حذفها. وبشكل قريب من هذا الإستخدام، قد تكون العلاقة تلخيصية بحيث يعبر العنوان عن خلاصة يمكن أن يصل إليها القارئ بعد إتمام القراءة أو قد تكون مقدمة منطقية تسبق القراءة. على الناوين، برأيي، أن لا تصادر الحكم على القارئ ولا توجه الفكرة باتجاه محدد. وقد يرتبط العنوان بعلاقة ليس فقط مع نصه بل مع قارئه بعلاقة تناقض وتعاكس وخداع، بحيث يصبح أشبه بمصيدة أو فخ يأخذ القارئ إلى تصورات مناقضة تماماً لفحوى النص. وهذا النمط يقترب أيضا من تلك العلاقة المفتوحة التي قد تحتوي على جميع العلاقات السابقة وتزيد عليها أنها عامة الى درجة قد تكون منفصلة أحياناً إنفصالا تاماً عن النص نفسه. يبقى العنوان المدهش، طري التركيب، ذو العلاقات المتشابكة مع النص والقادر على تحفيز القارئ على قراءة النص بالإضافة الى تعدد طبقات الإيحاء فيه من أفضل أحلام أي نص مسرحي. في كتابي (مونو) تجد العناوين التالية: صولو جماعي، الإسراء والمعراج، 1890، حديقة أوفيليا، الخنازير، بوذا في صومعة الخيزران. هذه العناوين منحوتة بحيث تلبي رغبة النص في إسمه وتلبي رغبة الكاتب في عدم الوقوع أسير الصياغات الجاهزة أو التركيبات اللغوية المستهلكة، وهي لا تكشف النص بل توسع فضاء قراءته.
س12/ ما هي فضاءات الحكاية لدى منعثر في نصوصه المسرحية؟
- أحاول أن أجعل حكاياتي قادرة على الإستمرار والتدفق بشكل سلس وطبيعي سواء كانت مُلتقطة من حادثة واقعية أو زلة لسان طفل أو قدحة في رواية أي أنها قد تكون مستلة من الواقع او الأسطورة او الخيال او الأدب. أبحث دائما عمّا يتخفى من الواقع، وما يبدو على غير صورته، وما يتقنّع. في مسرحية (أسنان الحصان: كم هي؟) يُحجز عدة أشخاص ويُطلق عليهم السؤال: كم يملك الحصان من أسنان؟ وتبحث الشخصيات عن إجابة. وفي مسرحية (لو كان للقطط سبعة أرواح) نحن أمام الشيطان وقد وصلته رسالة أن الله تاب عليه وسيعود الى موقعه السابق. وفي مسرحية (400 متر موانع) نحن أمام عائلة تريد أن تحتفل برأس السنة بشكل سري. من خلال إستعراض بعض الحكايات، تلاحظ أنني أميل إلى المزج ما بين الممكن والمتخيل. وما هو مهم: كيف تكون الحكاية منطلقا لكشف الحقيقة بصرف النظر عن شكلها أو مصدرها.
س13/ ما هو برأيك مدى تدخل الكاتب المسرحي في بناء شخصياته الدرامية وهل شخصياتك حرة طليقة أم مقيدة بنوايا الكتابة؟
- بالطبع الكاتب موجود في كتاباته بصورة أو بأخرى. لكن هناك نمط يميل إلى الديكتاتورية بحيث لا تنطق الشخصيات ولا تفكر إلا على وفق ميول الكاتب ومنطلقاته الآيدلوجية، وهناك نمط يتيح مساحة أكبر من الحرية. أنا كاتب ديمقراطي جداً الى درجة أمرّ بحالات من التمرّد. صحيح أنني أهيئ الفضاء للشخصيات بالوجود غير أن ذلك يشبه فكرة أرسطو عن الإله باعتباره المحرّك الأول وليس المتحكم بجميع التفاصيل. أنا أبدأ الحركة أيضاً ثم أراقب وأدون. هناك حالات كثيرة أردتُ من ناحية فكرية أو فنية أن تتصرف الشخصية س على هذا المنوال أو ذاك؛ إلا أنها في الأخير تصرّفت على منوال مغاير. لا يحدث ذلك دائماً لكنه يحدث عندما تتغلّب عندي نزعة السيطرة والهيمنة وحينما أغلّب الأعراف خارج الكتابة على شروط الكتابة الداخلية. مثلاً، الخوف والأخلاق وصورة المؤلف الإجتماعية قد تجبر الكاتب على أن يتجنب الخوض في بعض القضايا؛ إلا أن الشخصيات كائنات خيالية متحررة من كل هذا الفضاء القامع ولا يهمها إلا أن توجد بحضورها المستقل. لذلك تجد الصراع يتوّلد في داخلي بين السماح للحقيقة أن تظهر أو أن تقمع. في الغالب، تنتصر الشخصيات وأدون الحقيقة كما أراها من غير أي اعتبار خارجي وهو الأمر الذي كلّفني وسيكلفني الكثير.
س14/ تطرح فكرة اكتمال الادبية والتي تنقضها عبارة النص المسرحي ناقص حتى يجسد على الخشبة نقرئ لمنعثر دائما طروحات تخالف السائد والمألوف ومن ابرزها أدبية النص المسرحي الخالصة التي تكتفي بذاتها دون الحاجة الى الخشبة ما هو تعليقك؟
- كتبت دراسة تتحدّث عن هذا الموضوع. ملخصها: أن النص المسرحي بناء أدبي وعلاقته بالعرض المسرحي ليست جوهرية؛ بمعنى أن أحد عناصر العرض المسرحي ما يُسمّى بنصّ العرض الذي قد يُعدّ عن نص مكتمل أو فكرة أو حتى قصة قصيرة؛ بينما النص المسرحي هو نوع أدبي مستقل بذاته. وواحدة من أهم أسباب الإساءة إلى النص المسرحي أن القارئ يستعمل أدوات قراءة الجريدة أو القصيدة أو الرواية ويمارسها قسراً عليه، هذا من جهة. من جهة أخرى قد يسيء القارئ إليه حالما يراه بمخيلة المخرج، حابساً إياه في تابوت الخشبة بدل أمكنة الحدث وفضاءاته. هاتان الطعنتان تضافان إلى الإفتراض البربري أن النص المسرحي لا يكتمل إلا على خشبة المسرح جعلت مقروئيته في آخر سلّم التوجه الثقافي، مع الإنتباه إلى أن المؤلفين المسرحيين، عبدة الستيج، قد ساهموا هم أيضاً في ترسيخ نظرة الإزدراء هذه إلى منطلق الفكر الأول!
س15/ ترتكز نصوصك المسرحية بشكل رئيسي على الحوار كصائغ للأحداث وبان للطابع الدرامي؟
- ما يسبق الحوار وما يبني النصوص عندي هو الفضاء الذي يفرز الشخصيات وحوارها ومواقفها. وبالإضافة الى أهمية النص الموازي او ملاحظات المؤلف التي أعيرها اهتماما مركزياً، أكاد أعطي للحوار أهمية مضاعفة. وهي محاولة للكتابة على مبدأ ميزان الذهب، أي خطأ أو خلل قد يؤدي الى إنهيار البناء برمته. وبما أن الحوار في المسرح مصطنع وخيالي فإن الكتابة الحاذقة هي التي تبقي على عنصر الاقناع حاضراً في ثنايا الفضاء المصنوع والمختلق. أحياناً، لكي أعبر عن هيمنة فكرة ما او شخصية ما أميل إلى إعطائها مساحة أكبر في الحوار بينما تنضغط الشخصية المقموعة تحت نير شحّة حوارها. أظنّ أنني أميل كذلك الى الحوار المزدوج، ذلك الذي يؤدي مهمة وظيفية داخل الحبكة والذي يمكنه أن يحلّق وحده كتعبير شعري موح وملذ بحد ذاته. غالباً ما تميل حوراتي الى هذا الشكل وهو تحقيق التوازن ما بين الضرورة الدرامية والتعبير الشعري.
س16/ تتميز نصوصك المسرحية بلغة ادبية رفيعة تحمل في طبيعتها اسئلة فلسفية فأين يتموضع الحد بين اللغة العالية والتواصل؟
- لغة التواصل ذات طابع عملي وهدفها وظيفي براكماتي، واللغة العالية كما طرحها كوهن تتطلّب رؤيا وصياغة مختلفة تماماً. وكلما اقترب الأدب من التواصل فقد قليلاً من جماله وطبقاته التأويلية؛ بينما إغراقه في اللغة يفقده التواصل. في الحقيقة، أنا دائم الـتأمل في هذا الموضوع وأجدني أميل الى هذه اللغة بالطبيعة وحسب متطلبات الحال؛ ولا أفرضها أو أتقصاها أو أستعرض بها. أعبر عن أي حالة بما يتيسر لي في قاموسي من كلمات تضيء الفكرة ولا أسطحها باستخدام المستهلك سواء في ذلك الصياغة أو إنتقاء الكلمات. كما يقولون، على الكاتب أن يعبر عن أوضح ما يعنّ له. وهو ما أفعله ولا أفكر فيما إذا كان هذا التعبير مقبولاً أو لا؛ بل هل يعبر بشكل صادق وحقيقي عن طبيعة الموقف ومتطلبات الصورة. وسواء في كتابي (مأساة روما) أو (مونو) او (شيزوفرينيا) حاولت أن لا يكون هناك تضحية بالتواصل ولا بالصياغة الجمالية. أظن أن نصوصي تحتاج إلى رؤيتها بمدخل مختلف. أي أن لا يُنظر إليها على أنها مسرحيات مكتوبة للخشبة؛ بل كحالات تحول في الوعي. في نهاية المطاف، النص المسرحي أدب حتى إن إنتقل عن طريق فن العرض المسرحي الى شكل جديد ومختلف؛ وهذا هو اختلاف من يكتب من منظار العرض عن ذلك الذي يكتب من منظار الكتابة. وأتمنى أن لا تكون نصوصي قد ضحت بالتواصل تماماً لأن الغرض الأساسي هو التواصل مهما إتخذ الكاتب من طرق أو إستخدم من وسائل.
س18/ الكتابة المسرحية عند منعثر تمثل هاجسا هل لديك تصور عن نهاية هذا الهاجس؟ وما هي مشاريعك الأدبية القادمة؟
- أظنّ ان حالتي فيها شيء من الغرابة. فمع إتمام أي كتاب أحسّ بالفراغ وأنه آخر ما سأكتب. حدث هذا بعد ان صدرت (مأساة روما) ولم أكتب بعدها نصوصا مسرحية وملت الى النص المفتوح فنشرت كتابي (كما تراني المرآة) ثم (آخر الكتب المقدسة). إلا أن فنا جديداً لم أكتب فيه من قبل هو الموندراما فرض علي كتابة ثمانية نصوص ظننت أنها ستكون الأخيرة؛ لكن كتابا جاء بعنوان (شيزوفرينيا) ليكذب ظني. وفي غمرة إحساسي بالنضوب، هلّت مجموعة كاملة من النصوص في زمن قياسي، فيها تجريب لا أظنّ أنه سينال رضا الذائقة الفنية السائدة. والآن، أشعر أنني غير قادر على كتابة أي شيء، ربما تصادق الأيام القادمة على ذلك، أو قد تدحضه ببرهان جديد. بالنسبة لمشاريعي المستقبلية، هناك كتاب مترجم بالتعاون مع الراحل فاضل الموسوي عنوانه (مسرحيات العشر دقائق) أتمنى أن يكون إضافة الى المكتبة المسرحية حال نشره لأنه يطرق نوعا من النصوص الجديدة على الساحة المسرحية العربية.
س19- اخيراً النص المسرحي، الى أين؟
- على المدى المنظور سيتحرك النص المسرحي برأيي على وفق رؤيتين عامتين: الإبسنية والسترنبركية. أي ما ينسب الى أسلوب وغايات إبسن وسترندبرك على التوالي. بمعنى أن هناك فعل تحرك الى الخارج وفعل تحرك الى الداخل. فعل يستقصي الجمهور والانتشار والتواصل وفعل آخر يستقصي البث الروحي والإيحاء والشعرية. أميل الى أن الابسنية بالمعنى الموضح هنا تطغى على السترندبركية تماما في جلّ ما ينتج من نصوص مسرحية. ابسن يكتب داخل الستيج وفي فضاء العرض حتى إن كان ذلك من خلال الحدث والشخصية وعناصر الكتابة الأخرى؛ بينما يتجاوز سترندبرك كل ذلك للتعبير عن حقيقة الأشياء لا مظهرها الخارجي. إنطلاقاً من تشخيصي هذا فقد أخذت عن إبسن الاتقان في الصنع والابحار في نحت الحوار العميق المتماسك ومن سترندبرك حرية التعبير عن الصورة ونحت جمالياتها ومحاولة توسيع مديات الكتابة المسرحية.



#علي_خضير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضاعت افراحهم بين الامريكان !والاحكام العرفية العشائرية


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي خضير - حوار مع الكاتب المسرحي العراقي عباس منعثر