أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال قابيل - -حاجات صغيرة- قصة قصيرة















المزيد.....

-حاجات صغيرة- قصة قصيرة


منال قابيل

الحوار المتمدن-العدد: 7539 - 2023 / 3 / 3 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


حاجات صغيرة

ولدت سعدية في عام الجفاف، عام بخلت فيه الأرض بخيراتها. شحت المياه، مرضت البهائم وتلف المحصول؛ عكس ما حدث مع أخواتها الأربعة الذي جاء مع قدومهم الخير الوفير. فكانوا يطلقون على محمد "وش الخير" و على فاطمة "قدم السعد" و على الصغار، شمس وقمر "عين الغزال وفلقة قمر".
أما هي، بجسمها الهزيل وعينيها الزائغتين، اللتين تخفيان اكثر مما تفصحان، فكانت أمها تجتهد لتجمل حضورها، فتقول مثلا، دي خامستهم.. هي التي ستبعد عنا العين و الحسد.. وتفتح كفها في وجه محدثها وتقول: "خمسة و خميسة".
وكما لو أن الأم حدست ما ستكون عليه حال ابنتها.. فقد لاحظت انها، و مع صغر سنها، كان لها قدرة هائلة على إبطال النعمة. كانت عندما تنظر الى لعبة أخيها بتركيز، تنكسر اللعبة أو تُعَطل أو يزهد فيها أخوها فجأة. أو اذا جاءت احدى الجارات للزيارة ومعها طفلتها، يكفي أن تمعن سعدية النظر في الحلق المخروط الذي ترتديه الجارة حتى ينسلت من أذنها.. و لو علقت باعجاب على شعر الطفلة الحريري المنساب لا يمر يوم الا ويكون وصلهم خبر وعكة ألمت بالطفلة و الزمتها الفراش.

لم يكن ذلك هو سبب منح الابنة الى عمتها لتعيش في كنفها ولكنه احد الاسباب وان لم تعترف أمها بذلك قط. فكانت تقول عن العمة: "مسكينة لا يعيش لها وِلْد، و اهو تشيل معانا الحِمْل"

اتخذت العمة من سعدية ابنة لها و كانت تعلن بفخر انها لن تترك بيتها الا عند دخولها الى "بيت العَدَل" وكانت رتبت ان تزوجها من قريب لها يعمل في العاصمة. وبالفعل تزوجت سعدية مبيض نقاش وانتقلت الى حياتها الجديدة في القاهرة.
عندما اضطرت ظروف الحياة في المدينة الكبيرة سعدية الى الخدمة في البيوت، انفتح أمامها عالم جديد رحب، على الرغم من انها لم تفهم يومًا أهل المدينة ولم يفهموها.

أحيانا كانت تقص على احدى السيدات التي تعمل لديهن حادثة عابرة موضحة ان عمتها هي التي ربتها، فتعلق السيدة بتأثر: "يا عيني يا سعدية وكنت بعيدة عن ماما طول الوقت ده!" أو ان تذكر أمام أخرى انها كانت ترى أخواتها في الأعياد.. فتقول السيدة مندهشة، "معقول اتحرمتي من اخواتك طول السنة!".
بمرور الوقت بدأت تدرك ما يؤثر في سيدات المدينة ويتلاعب بعواطفهن.
مع استقرارها في المدينة وبداية بنائها وزوجها بيتا من الطوب اللبن في القرية، بدأت تختفي او تنقص أشياء صغيرة من البيوت التي تعمل فيها.

حدثت سعدية نفسها بان تلك الأشياء لابد أنها زوائد فائضة، ليست أساسية أو مؤثرة في حياة أصحابها. فالسيدة لديها بدل القرط عشرون وبدل السلسلة سبع وفكرت ان فقدان أحد الأقراط العشرين ليس بالأذى. وتأكد ظنها عند اختفاء سلسلة رفيعة و لم ينتبه أحد لفقدها. و كي تبرهن لنفسها على ذلك اخذت خاتما من الذهب لابد انه عيار 24 لانه شبيه بما كانت تضعه عمتها في إصبعها، و حكت لها انه الشيء الوحيد الذي ورثته عن امها وكان لجدتها. لم يشكْ أحد، عند اختفاء الخاتم، في الشابة المكافحة الغلبانه التي حرمت حنان الأم والأسرة. بدأت سعدية بإلتقاط الحلي بطريقة ممنهجة وكأنها في لعبة. فكانت لا تضع يدها على شيء في غياب سيدة الدار عن منزلها، تحب ان تحافظ على حرمة البيت في غياب اصحابه، فكانت تأخذ ما تريد عندما تكون الست موجودة.
تنتظر الفرصة حينما تكون السيدة منشغلة، تضع مياه التنظيف على بلاط الغرفة وفي تلك الأثناء وبخفة ريشة و لمسة فراشة تلتقط صيدها تخبئه في تلافيف جلبابها. بعد تجفيف الغرفة تبدأ حديثا مع سيدتها، تعرف انه يستهويها.
عندما تختلي بنفسها تفكر : "الست طيبة لو كنت طلبت كانت اعطتني، لو قلت اني محتاجة ما كانت تتأخر عني، لولا الحرج بس".
عندما بدأت السيدة تستشيرها في امورها الشخصية وتأخذ رأيها في بعض المشاكل التي تؤرقها، تأكد لسعدية احساسها القديم انه لولا الظروف ونشأتها في بيئة قروية من دون علام لكانت لها مكانة كبيرة في هذه الدنيا. تقاربها من بعض السيدات اعطاها ثقة هائلة جعلتها اكثر جرأة وحسما لدى التقاط صيدها بل انها و مع الوقت داخلها شعور بان لها حقا في ما تُحَصِّلُه وتلاشى اي شعور بالذنب قد يكون ساورها في لحظة ما.

قبل نزولها القاهرة كانت سعدية تتذكر طفولتها بحنين وشوق كبيرين. تسرح في ذكريات مفرحة مازالت حاضرة في خيالها.. تسترجع شقاوتها مع اطفال القرية كيف كانت تتقدمهم جميعا في سباقات الجري في الفضاء المحيط بالبلدة و كيف كانت تسبح في النهر وتصل إلى الضفة الاخرى قبلهم جميعا و تختبيء خلف تلة مرتفعة لتبدأ لعبة الاستغماية و البحث عنها بين جذوع الاشجار والنخل الساكنة في المكان.

تتذكر كيف كانت تبكي من الابتهاج عندما تهبط من الزحليقة المرتفعة التي صنعها حسن من أغصان الأشجار الغليظة و التي كانت تنحدر مباشرة الى مياه النيل، تغوص فيها وتقب منتشية.. تتخيل نفسها عروس البحر. كان قلبها يقفز من الفرح و لا تسعها الدنيا من السعادة.
تحكي ذلك لهدى بنت مدام نادية بمرح وفخر وتستغرب من رد فعلها عندما تعلق قائلة: يا خبر يا سعدية كنت بتنزلي في مياه النيل؟ والبلهارسيا!

تسترجع ذات مرة عندما كانت هي والصبية يبحثون عن نوى البلح للعب السيجا أوصلتهم الحيلة الى استخدام فضلات المعيز الجافة التي تتخذ شكل الكور الصغيرة بديلا عن النوى. اغرورقت عيناها وهي تحكي ضاحكة، بينما تلوي نهى بنت الست سناء شفتيها وهي تقول "يا دي القرف يا سعدية.. يادي القرف"!
كل مرة ترى فيها الهوة التي تفصلها عن هؤلاء الناس تتسع، كانت تمني نفسها بالبيت الذي أوشك على الانتهاء والذي أقامته و زوجها على ضفة النيل المواجهة للقرية حيث كانت تختبيء في طفولتها.

مع مرور الوقت اصبحت اكثر حساسية ازاء تعليقات البنات على حكاياتها، واكثر استعجالا لانهاء البيت في القرية وأقل حرصا عند اقتناص الغنائم. حتى ان هدى قالت لها لأول مرة وبشكل مفاجيء: "في حاجات ناقصة من دولابي يا سعدية، دوري عليها." بعد أيام قليلة تساءلت نهى وكأنها تحدث نفسها: اين البارفان! ثم التفتت اليها: شفت الزجاجة يا سعدية؟" وعندما قالت لها مديحة، أقرب السيدات مودة اليها و أكبرهن سنا، بنظرة فيها من التعاطف اكثر من اللوم: "لو محتاجة حاجة قولي لي."ردت سعدية بصوت أجوف لم تتعرف عليه: "انا مش محتاجة.. انا عندي بيت على النيل".



#منال_قابيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال قابيل - -حاجات صغيرة- قصة قصيرة