|
العقل الخرافي ضاهرة سوسيوثقافية ايضا
سيزار الرحاب
الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:16
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لاشك ان البنية الذهنية وهي وبدون منازع المشكل الرئيسي لطبيعة النمط التفكيري للانسان مهمااختلفت هوية الحضارة او طبيعة الرقعة الجغرافية التي ينتمي اليهما ولهذا فان الانسان العربي لا يخرج عن هذا الاطار والتي يتحدد داخله خصوصيات ثقافية وملامح تفكيرية سلوكية. ولاشك ايضا ان هذه البنية العقلية لهذا الاخير تدخل فيها عوامل ثقافية وتاريخية تجعل منها خصوصية منزهة بذاتها عما حولها ولهذا فانه ليس من الغريب ان تكون لنا ردود فعل مختلفة عن غيرنا في نفس الاحداث والمواقف التي تواجه غيرنا فقراءتنا اذا للواقع وسلوكياتنا داخله لا تمر الى عبر هذا الجسر الذي يشكله الموروث الثقافي بالاضافة الى الخصوصية السيكولوجية الذي يحملها كل انسان في قرارة نفسه في العديد من الحالات تجد ان حتى الادراكات المعرفية التي قد تتوفر لشخص معين داخل هذه الثقافة عاجزة على ان تشكل الحصانة والمناعة المطلوبتين ضد الفكر الخرافي بل في بعض الحالات تكون هي المغذي والمطور له والاكيد في مسألة العقلية الخرافية لذى الانسان في بيئتنا وفي الثقافة العربية عامة انه لدينا قابلية ذهنية وأهلية نفسية جد عالية في صناعة الخرافة وممارسة السحر والتفاعل معهما والتصديق بهما. لقد كان للعرب قبل الاسلام اتصال بعالم الخرافة ولكن بطرق اقل تحضرا واكثر بدائية وحتى الدول العجمية التي دخلها الاسلام كشمال افريقيا مثلا كانت لها عاداتها ومراسيمها ومحافلها المرتبطة بالخرافة كباقي شعوب العالم الاخرى ويرجع السبب في ذلك الى طبيعة الانسان نفسه في صراعه مع الطبيعة واحتياجاته منها بل يكون احيانا الدافع الى التمسك والتنسك بالخرافة هو عجز الانسان امام قوة الطبيعة التي تفرض عليه نمط عيش اكثر قسوة او تحرمه من امتيازات مادية او نفسية مريحة ولذلك اخترع الانسان لنفسه عالما غيبيا تفوق قوته قوة الطبيعة لانه بات يعتقد ان هناك من هو ارفع درجة واكثر سلطة بل هو الذي يتحكم في قوانين الكون وشؤونه وبالتالي ومن الطبيعي جدا وجب اللجوء الى المتحكم وليس الى المتحكم فيه وهكذا تصور الانسان ان للشمس الاه يتحكم فيها كما للقمر الاه والمطر والارض والخير والشر والحرب والسلام ثم تفنن الانسان في اختلاق سبل التواصل مع هذه الالهة حسب الضروف والتحديات كأن يقام مراسيم تعبدية قبل وبعد الحصاد اوقبل او بعد الحرب وهكذا... وجعل على ادوات التواصل هده اناس كالكهنة مثلا كقيمين على هذه العلاقة بين الانسان وعالم الغيب فجاء الاسلام بمبادئ الربوبية ووحدانية الله كغيره من الديانات التوحيدية معتمدا في ذلك على ادلة عقلية وغيبية لاثبات انه لايصح ان يكون في الكون الهة متعددة وان الامر كله لله فالله هو الذي يرزق المال والبنون وهو الذي يمنح الامن والسلام وعليه فانه لا يليق بان يشرك في التوسل اليه معه احد اويحضى غيره بالشكر على نعمه ولكن الاسلام قدم الى جانب هذه الروؤية الاعتقادية التصحيحية معلومات اخرى عن عالم الغيب كالاقرار بخلق الله للجن وبوجود عوالم اخرى موازية لعالم الانس وغيرها من الامور الغيبية التي يخبرنا الله عنها في القراءن الكريم تطورت بعد ذلك تلك المبادئ القرءانية مع تطور التاريخ والتمست بها تفاعلا وتماشيا لمست الانسان اليها وفعله فيها فكان لهذا الاخير دور في تأويليها واخضاعها للصراع السياسي او الاجتهاد الفقهي حسب المتطلبات والتحديات الضرفية وترتب عن ذلك تعدد المفاهيم والاراء واختلاف وجهات النظر حول كل مسألة كبرأو صغر حجمها مما ادى الى تراكمات من المعلومات الاضافية الى جانب النص القرءاني الا ان هذه المعلومات لم تكن تخضع بالضرورة الى مناهج التحليل العلمي النقدي والتطويري بل اتسمت بحصانة منيعة وحماية مطلقة اذ تمكنت هذه الاراء على اختلاف اصحابها وازمنتها وسياقتها التاريخية والضروف التي عاصرتها مخترقتا للتاريخ والصعاب بقوة لاتقهر تتجلى في ان "العالم هو وريث النبي" وانه اي العالم الصالح مخول له في فهم امور الدين والدنيا ولا عيب ان تكون افكاره وطروحاته مصاحبتا للنص القرءاني الذي هو "صالح لكل مكان وزمان" وهذا ما ميزالمنهج العلمي في ثقافتنا اذ يمكن القول بانه منهج وراثي متصل وغيرمنقطع ولايقبل بالثورة الفكرية في اعادة فهم اراء السابقين "الصالحين" وفي خضم هذا الهول من الاجتهادات الشخصية الابداعية والتبيانية للمقصود الاهي نمت العقلية الخرافية التي لم تكتفي بالمعلومات القرءانية ولكنها تعدت ذلك عن طريق العلماء في فهم امور غيبية غير متوفرة بل يصعب على الانسان ان يجزم بوجودها قطعا او يتعرض لها بالتوصيف والتحليل وهذا ما نجذه مثلا في كتيبات تتحدث عن عداب القبر وعالم البرزخ ووصف عالم الجن واقفة على ادق الامور فيها فكان لهذا الامر ان المؤمن يرتقي بايمانه مما هو متوفر من معلومات من القرءان والسنة الصحيحة الى ما هو غير متوفر مما قاد الانسان في ثقافتنا الى درجة تجعله اكثر قابلية للتفاعل مع الخرافة فنحن لا نؤمن بالله والملائكة والجن والرسل والقدرونقر بوجودهم من حولنا فحسب ولكننا ايضا نصنع الخرافة والاسطورة ثم نؤمن بها ونجعلها عقيدة في نفوسنا ويمكن القول اننا احيينا مرة اخرى العقل الانساني البدائي في فهم الكون والتعامل معه مقارنتا مع الغرب الذي قام بعدة محاولات تصحيحية داخل المؤسسة الدينية والمنضومة العقائدية وبالتالي فانه اذا ما طرحنا هده البنية العقلية التي تخصنا داخل المقاييس الغربية فان الحالة الثقافية العربية من هذه الزاوية لن تكون الى حالة مرضية شاذة ذلك ان العقل الخرافي لديهم لا يتعدى تجارب شخصية فردانية او بعض الجماعات التي لا يتوانى العقل الغربي في وصفها بالحمق والهلوسة وقد يتابع بعضها قضائيا من طرف المجتمع اذ هي تسببت في ضرر ما وبالتالي فان الايمان والتصديق والادعاء بعلاقة انسانية مع عنصر اخر ينتمي الى عالم الغيب لا يمكن اعتبارها خصوصية ثقافية كما هو الحال لدينا"" وفي نهاية هذا المقال المتواضع اريد ان اضرب مثلا من الواقع السوسيوثقافي في مجتمع نالت منه الخرافة الى حد بعيد حيث اصبح الفرد يؤمن بحصول البركة اكثر من الاخد بالاسباب ويقف عاجزا مطيعا مّسلما مسالما امام من يعتقد فيه ان له السلطة والارادة في الحاق الضرر به، لقد اتيحت لي الفرصة في اكثر من مرة بحكم انتسابي لهذه الثقافة ان اكون شاهدا على مضاهر الخرافة في مجتمعنا ولنتأمل جميعا واقعة يروي فيها شخص لطرف ثاني تجربته الخاصة في ملامسته لعالم الخوارق فتجده يلبس حكايته بنية مسرحية شكلا ومضمونا وكانه سناريو معد لهذا الغرض فيرتفع صوته تارة و تارة اخرى ينخفض ولا ينسى بين الفينة والاخرى ان يتخلل حديثه نصيب من القسم واليمين يجعل المتلقي الذي هو بدوره مهيئ تماما للتصديق بخرافة صاحبه، يدخل هذا الاخير في عوالم واحوال مختلفة وتجده اذا ما نظرت اليه يرتقي في مسالك التفاعل كتفاعل مشاهد في مسرحية برشتية يندمج فيها النص المسرحي بالممثل والجمهور الا انه في هذه الحالة بالذات يكون صاحب التجربة هو المسرح والنص والبطل ويكون فيها المتلقي قد وصل في ارتقاءه الى درجة تندمج وتنسجم فيها الحكاية مع خصوصية بنيته الذهنية لتفوق التصديق، تنتهي به الى عجز عن التحليل والنقد و التشكيك يتجسد هذا العجز ضاهريا في حركات رأسه الذي يهز به معلنا عن اتفاقه وايمانه وعينييه المنبهرتيين لهول الحدث ثم يأذن العقل للسان فينطق بخرافته "احنا مّسلّمين اسيدي
#سيزار_الرحاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|