أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم بخشي - بين الخطيئة والغفران... (الماضي لا يعود)















المزيد.....

بين الخطيئة والغفران... (الماضي لا يعود)


سالم بخشي

الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 08:03
المحور: الادب والفن
    


قبل الخوض في قصة خطيئة وغفران، لكاتبها الأديب القدير محمد عبد الحليم عبد الله (رحمه الله) أحد رواد المدرسة الكلاسيكية العريقة في مصر، ربما يتساءل المتلقي الكريم، ما الذي يدعوني لانتخاب هذه القصة التقليدية التي كتبت في منتصف خمسينيات القرن الماضي للكتابة عنها، متجاوزًا الآلاف، وربما عشرات الآلاف غيرها. أليس في ذلك بعض الغرابة!
لكن سرعان ما تتبدد هذه الغرابة، حين يعلم موقع هذه القصة من نفسي، وما تثيره فيّ من أحاسيس؛ كونها أول قصة من أول كتاب طالعته في حياتي، بعنوان (الماضي لا يعود) منذ خمسة وأربعين عامًا عندما كنت طالبًا في الصف الخامس الابتدائي، بالتحديد العام 1976.
يبدو الأمر وكأني أجتر ذكرياتي، وأستذكر أول قبلة عاطفية نقلتني من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة والرجولة. لقد كانت هذه المجموعة القصصية، أول نافذة أطل من خلالها على عالم الأدب الحافل بالجمال والسحر... كذلك بالحلو والمر؛ لذا فهي أثيرة على نفسي، وربما حان الوقت لأرد لها بعض الفضل في الكتابة عنها. أو بالأحرى عن أبرز قصة ركز عليها القاص في مجموعته تلك.
ما ذكرته آنفًا لا يقلل من قيمة القصة، أو ينتقص منها، بقدر ما يمنحها التميز والخصوصية؛ كون الكاتب يتناول فيها ثيمة إنسانية مهمة، تندرج ضمن الأخلاقيات والسلوك البشري الذي لا يتبدل حتى قيام الساعة. الخيانة الزوجية، وما يتبعها من نتائج كارثية، تعصف بالأسرة.
ما ميز القاص البارع محمد عبد الحليم عبد الله؛ أنه اشتغل على هذه الثيمة من خلال وجهة نظر محايدة، وعادلة بين طرفي الموضوع؛ من خلال سرد الأحداث على لسان الابن البكر عوض، ليكون شاهد عدل، وحاكمًا منصفًا بين الطرفين، وهما والداه؛ ما منح مصداقية كبيرة للأحداث، والنتائج المترتبة على فعل الخيانة، بأسلوب سردي عاطفي، يجعلنا نتفاعل مع الشخوص، وكأننا نعرفها بالفعل، وربما التقيناها في مكان ما.
لقد مهد القاص للحدث الرئيس في القصة على مستويين:
1- مستوى عنصريّ المكان والزمان من جهة: ((كنا في الدار وحدنا. والدار على حدود القرية، أمامها الترعة وخلفها الحقول، وخط من الأشجار المختلفة النوع، يمنح الطريق الظل أثناء النهار، والوحشة أثناء الليل. والليل شديد السكون، يحرك الغرائز ويثير الرغبات، ويهيج الخوف في نفوس المنفردين)) ص 5. وكأن المكان هنا موحي بفعل الشر، إذا ما تضافر مع الزمن وقت الليل.
2- مستوى عنصر الشخصيات من جهة أخرى: شخصية الأم وبيئتها الاجتماعية، بالذات مرحلة الطفولة، وهي الطرف الجاني في القضية: ((كان أبوها رجلًا مسنًا، أنجبها على شوق بعد أن حرم الذرية طيلة أيام حياته.. وصارت في بيت أبويها كشمعة صغيرة يخاف عليها صاحبها أن تذوب. لكنها لم تبلغ العاشرة حتى فقدت أمها، وفي حدود الثانية عشر مات أبوها.. وأصبحت الطفلة الكبيرة منذ ذلك اليوم في رعاية عمها...)) ص 6. هنا قدّم الكاتب فجيعة اليتم من الأبوين لفتاة قروية مدللة تمهيدًا، وليس تبريرًا لطبيعة سلوكها اللاحق الذي اتسم بالأنانية، ومن ثم، الخيانة.
ووصف شخصية الطرف المقابل في القضية وهو الأب الضحية: ((كانت ليالينا خالية، خصوصًا في الشتاء، ففي هذا الفصل كان أبي يتأخر عن الحضور إلينا، لأنه كان شاقًا عليه؛ كان موظفًا صغيرًا أو عاملًا كبيرًا في إحدى محطات السكك الحديد على طريق الجبل، وكان يؤثر أن يعيش وحده هناك، فهذا أيسر عليه وأرخص له، وفي نهاية كل أسبوع أو أكثر، يأتي أبي إلينا محملًا بأشياء: عواطف، فواكه، عيدان قصب، خضروات...)) ص 6. قدّمه إلينا شخصًا متفانيًا نذر وجوده من أجل عائلته التي يحبها كثيرًا. كأنه يمهد لإدانة مبكرة لفعل الخيانة بهكذا أب مثالي.
يحدث فعل الخيانة من قبل الأم مع عشيقها السابق الذي خرج من السجن، بعد حكم دام سبعة أعوام، لاتهامه بجريمة قتل. تتكرر الخيانة كل ليلة تقريبًا، عندما يصطحبها خلسة على فرسه إلى الحقول القريبة، ومن ثم يعيدها بعد الانتهاء من التمتع بجسدها، وهو يشحن قلبها بالكراهية ضد زوجها الغافل.
((ثم انفرج باب الحجرة الشتوية علينا كما حدث في المرة السابقة، ودخلت أمي في جلبابها الأسود، وكان أول ما فعلته، إن دعت على الطفلة (بكسر الرقبة) وكان دعاؤها مشحونًا بنقمة، عرفت فيما بعد أنها نقمة الذين ينغص عليهم غيرهم شيئًا يجدونه لذيذًا. واستمهلتني حتى تغسل قدميها لأن الأرض كانت موحلة قليلًا. ثم ألقى المصباح ضوءه عليها والطفلة تمتص لبنها في صمت)) ص11.
يكتشف الأب خيانة الزوجة بعد قدومه في إحدى الليالي الشتوية الباردة محملًا بالمؤن، ولم يجد زوجته، وظل ينتظرها حتى قدمت؛ فيقوم بضربها ضربًا مبرحًا ويُطلّقها؛ لتنشطر العائلة إلى ثلاثة أقسام: الأم تحمل البنت الرضيعة على كتفها، وتجرجر بيدها صبي، وآخر يمشي وراءها، تقصد بيت خالها، لتعيش حياة التعاسة والعمل المضني؛ يتسبب فيما بعد بوفاة الابنة الصغيرة. والأب الذي آثر العزلة، واتخذ من مقر عمله في محطة القطار الصحراوية سكنًا دائمًا له. والابن البكر عوض السارد للقصة، يقيم عند عمته العطوفة في القاهرة التي تدخله المدرسة ليتعلم. يصور لنا الأديب ببراعة، ماذا يمكن أن تفعل خيانة الأم بعائلتها من تفكك، وضياع، ومصير مؤسف.
كان يمكن للكاتب إنهاء قصته هنا، أو في اللحظة التي يكتشف فيها الأب خيانة الزوجة، ولا بأس عليه؛ باعتباره أوصل الفكرة – الثيمة- بشكل مثالي للمتلقي. لكننا نتكلم عن قصة كتبت في زمن بعيد، ولكل عصر وأوان اشتراطات كتابية تفرض نفسها على الكاتب، ولا يحيد عنها بسهولة، ترتبط بالذوق العام، والمألوف. لم تكن النهايات المفتوحة سائدة حينها إلا ما ندر، والكاتب لا ينهي قصته، حتى يُعلمنا عن مصير الشخصيات الرئيسة فيها.
تمر السنون، يكبر عوض، ويتخرج من مدرسة الصناعات، يصبح موظفًا في أحد مصانع كفر الدوار، ويؤلف أسرة صغيرة. يرسل في طلب أخويه، ليستقرا في سكنه المتواضع، ويدخلهما المدرسة. والدهم يزورهم بن الفينة والأخرى. أما الأم فيموت خالها؛ ما يدعو أولاده إلى طردها وحيدة غريبة، فتلتقي ابنها عوض، تطلب منه العفو وبخلافه تعود إلى العمل المذل في الحقول، يسامحها عوض؛ فهي أمه في النهاية... وفي جملة حوارية مقتضبة بين عوض، والأب، ينهي محمد عبد الحليم قصته الشائقة، بكلمات حكيمة ذات دلالة كبيرة على لسان الابن: ((إن التوبة أرخص شيء يعطى، وأن الغفران أعز شيء يمنح)) ص33. بلغة أخرى: يمكن لنا أن نسامح من أخطأ بحقنا يومًا ما، لكننا لن نغفر له بسهولة.
رغم فهمي للنص، وأنا في السادسة والخمسين، يختلف– بالطبع- كثيرًا، عنه في سني الحادي عشر، لكن لا يمكن أبدًا نسيان مشاعري البكر، والغبطة الوجودية الساحرة، المفعمة بالدهشة، والانفعال، والجمال التي اجتاحتني حينها– وأنا أطالع كتابي الأول- قبل أن يتبدد عمرنا في آتون الزمن الغادر، وتتلاشى مشاعرنا البريئة بفعل صدمات النضوج وخيبات الأصدقاء باهظة الثمن. فمن يعيدنا إلى تلك الأيام الساحرة، وقد أعلنها محمد عبد الحليم عبد الله في كتابه القصصي الشائق، قبل أكثر من ستة عقود خلت: ((الماضي لا يعود))!



#سالم_بخشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع مكتشف قبر الامام الغزالي


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سالم بخشي - بين الخطيئة والغفران... (الماضي لا يعود)