أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بول مارسيال - السودان: «سَلِّمُ مفاتيح البلد»















المزيد.....


السودان: «سَلِّمُ مفاتيح البلد»


بول مارسيال

الحوار المتمدن-العدد: 7510 - 2023 / 2 / 2 - 00:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



تستمر التعبئة ضد سلطة ضعيفة ومنقسمة، بعد مرور عام على انقلاب الجيش ضد السيرورة الانتقالية في أعقاب إطاحة عمر البشير. استثمرت هياكل التنظيم الذاتي للسكان المجال السياسي وتكافح على حد سواء ضد الأحزاب التقليدية والدبلوماسية الغربية، التي تؤيد عودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً. يكمن جدول الأعمال في تعزيز تضامن لا يزال ضعيفا للغاية في ضوء ما قد تمثله إطاحة الجيش بالنسبة للبلدان العربية وقارة أفريقيا عموماً.

إطاحة عمر البشير

أدى انقلاب عام 1989، بزعامة عمر البشير ودعم جماعة الجبهة الإسلامية القومية بقيادة حسن الترابي، إلى إغراق السودان تدريجيا في أزمة عميقة. انخرطت هذه السلطة الجديدة باسم الجهاد في حرب باهظة التكلفة ضد سكان جنوب السودان، وفرضت أخلاقا رجعية على نمط حياة السودانيين والسودانيات، ويسرت استيلاء القيادات العسكرية على الثروات. كما أفضى هذا الانقلاب إلى تفاقم التمييز ضد سكان الهوامش، لدرجة أن البلد ظل منقسماً إلى حد كبير بين ما يسميه الأكاديميون «النخبة القائمة على ضفاف النهر»، أو منطقة الخرطوم الكبرى، وغيرها من المناطق التي تعاني الإهمال والاحتقار.

نظمت تظاهرات منذ عام 2010، ضد الأزمة الاقتصادية وسرعان ما اتخذت منعطفا سياسيا مناهضا للحكومة. استرشدت ثورة 2019 بهذه النضالات. كانت قوة التعبئة كبيرة إلى حد أن المخرج الوحيد الذي وجده الجيش هو إقالة البشير والاستيلاء على السلطة. عارض الثوريون فوراً هذه المناورة وطالبوا بحكومة مدنية. لن تجدي شراسة القمع نفعاً ضدهم، ما أجبر الجيش على الامتثال. إذ وافق على إنشاء مجلس سيادة مكون من عسكريين ومدنيين، برئاسة اللواء عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان وحكومة مدنية برئاسة الخبير الاقتصادي عبد الله آدم حمدوك الكناني.

سيشوب هذه الحكومة الضعف بسببين على مستوى الجيش والسكان على حد سواء. نهجت، من ناحية، سياسة تطهير ضد نشطاء إسلاميين في المراكز العليا من الوظيفة العام، وشرعت في تفكيك هياكل الجيش المالية. وطبقت، من ناحية أخرى، سياسة تقشف فرضها صندوق النقد الدولي والحكومات الغربية. سيستغل الجيش الإحباط وحتى الاستياء الشعبي بسبب سياسات حمدوك الاقتصادية والاجتماعية للاستيلاء على السلطة. أصبح اللواء برهان رئيس مجلس السيادة، ومحمد حمدان دقلو الملقب بـ حميدتي نائب الرئيس.

الحصيلة المخزية للسلطة العسكرية

لم يتمكن الانقلابيون من تعزيز سلطتهم منذ انقلابهم في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021. ولم يؤد رفض السكان سياسة حكومة عبد الله حمدوك إلى كسبهم أساسا اجتماعيا، خلافا لما كانوا يعتقدون. خاصة وأن كُثُرا يستحضرون تاريخ البلد، المعتاد على حكم السلطات العسكرية القمعية والفاسدة.

لم تضعف حدة التعبئة رغم ما خلف القمع من عشرات القتلى ومئات الجرحى والسجناء.

بدأ الجيش مناورة في محاولة تجاوز حالة الجمود. دعا في إعلان صادر في تموز/يوليو 2022، إلى تشكيل حكومة مدنية ومجلس أعلى دون تحديد معالمه بالفعل. بيد أن وزير المالية صرح (1) بأن مهام هذا المجلس ستكون الدفاع عن سيادة البلد، ومن ثم سيكون مسؤولا عن الدفاع والشؤون الخارجية ومراقبة البنك المركزي في البلد، وبعبارة أخرى معظم الوظائف السيادية في الدولة.

لم تحظ هذه المناورة بأي دعم ذي دلالة في المجتمع (2). كان هدفها محاولة إلقاء مسؤولية الجمود على المعارضين واتاحة تدبير بلد منهك اقتصاديا لحكومة مدنية. يظهر من تقرير الأمم المتحدة الأخير (3)، الذي يعرض تقديرات صندوق النقد الدولي أن الناتج الداخلي الخام الفعلي لم يتجاوز نسبة 0.3٪ والتضخم نسبة 245.1٪ في عام 2022. ارتفع متوسط أسعار الذرة البيضاء والدخن بنسبة 150٪ و250٪ توالياً مقارنة بعام 2021 وبنسبة 550٪ و650٪ على مدى خمس سنوات الماضية. وأدى نقص الكهرباء والوقود والمواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى إلى عواقب وخيمة على أفقر السكان، كما أشار تقرير الأمم المتحدة المذكور أعلاه:

«من المتوقع أن يواجه ما يناهز ربع سكان السودان، جوعا حادا في ذروة الفترة البينية (بعد انتهاء محاصيل الموسم السابق وقبل جني محاصيل الموسم الجديد) بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر (…) وتشير التقديرات إلى أن 11.7 مليون شخص (أي زيادة بنحو مليوني شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي) عرضة للخطر ضمنهم 3.1 مليون نازح».

ضعف دعم الانقلاب

يعتمد الانقلابيون باطراد على الإسلاميين (4). كان أعضاء جماعة الجبهة الإسلامية القومية وأنصارها الإسلاميون يشكلون العمود الفقري لجهاز الدولة، ولكن أيضا للمقاولات (المنشآت) العامة في عهد عمر البشير. وبالتالي كانوا ينهجون استراتيجية ما دعا اليها زعيمهم حسن الترابي من دخولية إلى الإدارة العليا (5). تعرض كثير من هؤلاء الموظفين الكبار للفصل من العمل خلال الثورة. جرت إعادتهم إلى وظائفهم، تدريجيا مع الانقلاب، ما يدل على أن حكومة عبد الفتاح البرهان تتحرك في المسار الذي خططه البشير. أعاد الاصوليون هيكلة تنظيمهم، مستفيدين من هذا الانفتاح، بإنشاء حزب: التيار الإسلامي العريض(6).

والأكثر إثارة للدهشة للوهلة الأولى، أن الانقلاب حظي بدعم آخر، من بعض الميليشيات الإقليمية التي حاربت حكم البشير. وفي الواقع، لم يشن حكم البشير حربا ضد جنوب السودان الذي أصبح مستقلا عام 2011 وحسب، بل خاضها أيضا في دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق. عانى السكان خلال سنوات عديدة من تعديات ميليشيات الجنجويد بقيادة حميدتي في خدمة البشير. وسعت إلى ممارسة تطهير عرقي حقيقي ضد مجموعات معينة. وردا على ذلك، شكلت هذه الأخيرة جماعات مسلحة تحارب مرتزقة حميدتي. انضمت هذه الميليشيات خلال ثورة 2019، إلى تحالف قوى التغيير وشاركت في الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك. ولا يزال جبريل إبراهيم، زعيم حركة المساواة والعدالة، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، ويشغل ميني ميناوي، زعيم فصيل في حركة تحرير السودان، منصب حاكم إقليم دارفور. كيف يمكن تفسير دعم هاتين الميليشيتين للانقلاب؟ يمكن طرح عناصر إجابة عديدة. أولاً، لا يرى قادتهما إمكانية تمكن المدنيين من الاستيلاء على السلطة وصونها بسبب وزن الجيش وتاريخه. ثم قام حميدتي، العدو السابق، بدور أساسي في التفاوض مع هاتين الميليشيتين. راهن على الانقسام بين منطقة الخرطوم وأطرافها. دافع عن فكرة أن الثورة كانت بقيادة هذه النخبة القائمة على ضفاف النهر والتي لن تؤدي إلا إلى إدامة ما يعانيه سكان أطراف الخرطوم من إقصاء. ومن هنا جاءت فكرة تشكيل تكتل مؤلف من متحدرين من هذه الضواحي لإقامة ميزان قوى، ولم لا، الوصول إلى السلطة في يوم من الأيام. وأخيرا، كانت هذه الجماعات متأثرة بضرورة الانضمام على نحو أمثل إلى صفوف الجانب الأقوى، مما يدل على عدم استقرار معظم الجماعات المسلحة في المنطقة سياسياً.

سلطة ذات طابع غير متجانس

تظل الانقسامات حادة بين الانقلابيين. يتمثل أبرزها في تلك القائمة بين رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان، وقائد القوات البريّة في الجيش السوداني التابع لنخبة الخرطوم الكبرى، وحميدتي، تاجر الإبل سابقاً، ونائب الرئيس، الذي تمكن من تحويل ميليشيات الجنجويد إلى قوة شبه عسكرية، تحمل اسم قوات الدعم السريع (7). إن هذه السلطة ذات الرأسين محكوم عليها بالتفاهم بسبب ميزان قوة سياسي وعسكري متوازن بين الزعيمين. لكل منهما مصادر تمويله. تمتلك القيادة العسكرية أكبر مؤسسة مصرفية، وهي بنك أم درمان الوطني، ومقاولات بناء وزراعة (8). وتتمثل مصادر تمويل قوات الدعم السريع في مناجم الذهب (9)، وابتزاز المهاجرين (10)، والاشتغال كجنود مرتزقة لصالح المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة في حربهما ضد اليمن (11).

تتجلى انشقاقات أخرى داخل الجيش نفسه، مثل وجود ضباط إسلاميين مقربين من حزب المؤتمر الوطني المتحدر من جماعة الجبهة الإسلامية القومية، ووحدات خاصة مثل جهاز الأمن والمخابرات الوطنية وهي وكالة الاستخبارات والشرطة السياسية المتمتعة باستقلال ذاتي واسع مع شبكات اقتصادية خاصة.

يشكل انعدام التجانس سبب ضعف السلطة وانعدام الاستقرار. يجب ألا يتجاوز استغلال طرف لمواطن ضعف طرف آخر مستوى مفرطا قد يتعرض فيه صرح السلطة برمته للانهيار. كل الأطراف المعنية واعية بذلك جيداً.

السودان في قلب واقع جيوسياسي

يستفيد الانقلابيون من روح تساهل وتسامح قسم كبير من بلدان المنطقة. قام البرهان برحلة إلى مصر، قبل يومين من الانقلاب. وكان الضوء الأخضر من جارتها القوية حاسما. كانت مصر تاريخيا مرتبطة بالسودان لأن البلد الأخير كان خاضعا للاستعمار تحت سيادة مشتركة بين مصر وانجلترا. كانت علاقات جيشي البلدين متينة جدا. تحتاج مصر إلى السودان حليفا في نزاعها مع إثيوبيا حول استخدام مياه النيل مع بناء سد النهضة. كما يوجد نزاع حدودي بين السودان وإثيوبيا، التي تطالب بحقوق الأراضي الخصبة في منطقة الفشقة. على الرغم من أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أدانتا الانقلاب، فإنهما لا تنظران سلبيا إلى سلطة مركزية قوية ومستبدة كمصدر استقرار، وهو عنصر هام لهذين البلدين. تأمل هاتان المملكتان الخليجيتان، علاوة على ذلك، مواصلة الاستفادة من مساعدة قوات الدعم السريع في حربهما ضد الحوثيين الشيعة في اليمن.

ويسعى الروس من جانبهم إلى تنفيذ استراتيجيتهم تدريجياً من خلال إحياء اتفاق مبدئي تم التوصل إليه في فترة حكم البشير لإقامة قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان. وهي موقع استراتيجي بوجه خاص:

«تعتبر بورتسودان في نظر روسيا موقعاً رئيسياً في البحر الأحمر، وممراً استراتيجياً يربط البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، الذي يشهد اختناقاً حيث تعبر نسبة 12٪ من التجارة العالمية، ويشكل صلة وصل بين أفريقيا والشرق الأوسط».

بالإضافة إلى ذلك، تتواجد مقاولة فاغنر في السودان منذ عام 2017، وتستغل مناجم الذهب بتحالف مع حميدتي (14). وتدعم روسيا الطغمة العسكرية دبلوماسياً.

أما بالنسبة للغربيين، فهم يحاولون فرض حلهم عبر القنوات الدبلوماسية. أي تفاوض مع الجيش يتيح عودة إلى الوضع السابق مع تقاسم السلطة بحكم الأمر الواقع بين العسكريين والمدنيين. يرفض الثوار هذا الحل رفضا باتا ويشبتون بشعارهم المتعلق بالمجلس العسكري: «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية». من الواضح انحياز مبعوث الأمم المتحدة، فولكر بيرتيس، إلى موقف الغرب، مما أثار سخط قسم من السكان (15).

تنظيم ذاتي يهز الأحزاب التقليدية

هناك حزبان تاريخيان رئيسيان في السودان: حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديموقراطي. يمتلكان قواسم مشتركة كثيرة. كانت هاتان المنظمتان بداية تعبيرا سياسيا عن طريقتين صوفيتين، أي الطريقة الختمية بالنسبة للحزب الاتحادي الديموقراطي والطريقة المهدية بالنسبة لحزب الأمة القومي. خاض أنصار الطريقة المهدية التابعين لحزب الأمة القومي حرب استقلال ظافرة عام 1885. ستنتهي هذه التجربة بعد 13 عاما بالقمع الرهيب الذي شنته القوات البريطانية. دعا أنصار الطريقة المهدية إلى سودان مستقل بينما كان أنصار الطريقة الختمية يناضلون من أجل خلق اتحاد مع مصر كحل للاستقلال، ومن هنا جاء اسم الحزب الاتحادي الذي يحملونه. تكتسي هذه الأحزاب طابع سلالة حاكمة، إذ لا يمكن أن يتحدر قادة حزب الأمة القومي إلا من عائلة محمد بن عبد الله المسمى المهدي وقادة حزب الاتحاد الديمقراطي إلا من عائلة الميرغني، أحد أحفاد النبي محمد. هم محافظون سياسياَ، وليبراليون اقتصادياً. وبصرف النظر عن التاريخ والمنافسة في الأجهزة، لا فرق جوهري كبير بينها ، ولم يقوما في السيرورة الثورية بدور رائد. ينتمي قادتهما إلى نخبة الخرطوم، مما سهل تقلدهم مناصب وزارية في الحكومة خلال الفترة الانتقالية. وسيكونون على استعداد لقبول وساطة الأمم المتحدة لعودة إلى الوضع السابق إذا غاب ضغط شعبي.

شهدت ثورة 2019 بروز هياكل تنظيم ذاتي يستمد معظمها جذوره من التعبئات السابقة. وهكذا تشكل تجمع المهنيين السودانيين عام 2012 ويضم مهن فكرية مثل المحامين والأساتذة الجامعيين، الخ. كان دوره حاسما في ثورة 2019 ولا يزال كذلك في التعبئات الجارية.

يتطور موازيا لذلك هيكل تنظيم ذاتي يسمى لجان المقاومة، اموجود في أحياء كبرى مدن البلد. وكان كُثر من قادتها ناضلوا رجالا ونساء في منظمات مثل حركة قرفنا أو التغيير الآن، أو الشرارة أو حركة الخلاص الهيكل القائم في مدينة القضارف عاصمة ولاية القضارف.

تشكل لجان المقاومة هذه صلب النضال ضد انقلاب عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان وحميدتي. تمثل هذه الهياكل أماكن تعبئة ونقاش وتضامن مادي، وتصبح مسيسة مع تقدم النضال. اعتمدت «ميثاق تأسيس سلطة الشعب» كحصيلة سيرورة طويلة من نقاش دار في جميع أنحاء البلد. يدافع برنامج هذا الميثاق عن المطالب الديمقراطية والعدالة، ويذكر بتفصيل كيفية ممارسة السلطة الجديدة. تكمن الفكرة الرئيسية في تعزيز سلطة شعبية بهياكل شعبية من أسفل تقرر وتنسق على مستوى البلد. يكتسي هذا الميثاق أهمية لأنه يقدم بديلا سياسيا في مساعي عقد المصالحة مع الانقلابيين.

وضدا على رغبة عقد اتفاق مع الطغمة العسكرية، تشكلت قوى التغيير الجذري بمشاركة تجمع المهنيين السودانيين ومنظمات نقابية ونسائية فضلا عن الحزب الشيوعي السوداني، الذي تمكن طوال تاريخه من صون تأثير معين في التعبئات.

أصبحت المطالب النسوية خلال الثورة رئيسية. كما أن إطاحة البشير هي أيضا جزئياً نتيجة نضال من أجل اقرار حقوق النساء المهضومة بسبب تحالف الجيش والإسلاميين منذ عقود.

تاريخ الحركة النسوية في السودان مديد. تشكل الاتحاد النسائي السوداني عام 1952. واستمرت النضالات منذ ذلك الحين، على الرغم من أشكال قمع شرس. اعتمدت زهاء خمسين منظمة بياناً نسوياً. ونظمت تظاهرات ضد أشكال العنف ضد النساء، وخاصة المادة 146 من دستور السودان، الذي ينص على الحكم بالإعدام رجما على النساء المدانات بممارسة الزنا.

كما تجري النضالات النسوية في الثورة ضد المواقف الجنسوية التي لا تزال شائعة. وبالتالي تتيح هذه المعارك تغيير المجتمع بشأن هذه المسائل (16).

طغمة عسكرية عنصرية وذات طابع إثني

إن تشكيل سودان غير عادل، مؤلف من مناطق هامشية تحتقرها نخبة منطقة الخرطوم الكبرى، عاقبة جزئيا لسياسة الاستعمار البريطاني. حاولت الإدارة البريطانية منع بلوغ تأثير الحماس القومي إلى جنوب البلد من خلال عزله على نحو محكم تقريبا. لم تتوقف هذه النخبة الواقعة على ضفاف النهر عن فرض رؤيتها على البلد برمته، بمجرد استقلال السودان. لكن قوى مثل الحزب الشيوعي السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق عارضتها. ما كان هدف جون قرنق، زعيم جنوب السودان، بتاتاً انفصال الجنوب عن الشمال، بل بناء سودان موحد ومتعدد الطوائف منفتح على الجميع. بعد وفاته في عام 2005، توجه سالفا كير ورياك مشار خليفتاه نحو استقلال الجنوب من خلال خوض معارك بينهما للاستيلاء على موارد البلد الجديد.

انتشر سم النزعة النخبوية لمنطقة الخرطوم الكبرى في السودان الراهن:

«كانت المناطق الهامشية في السودان في صلب النزاعات المستمرة تقريبا في البلد منذ الاستقلال عام 1956. ويمكن حتى اعتبار أن سبب هذه الصراعات الأساسي يكمن في علاقتها اللامتساوقة مع «سلطة مركزية» متسمة بتمركز شديد. كما أن عجز «المركز» عن إنهاء هذا اللاتساوق وتوحيد البلد يفسر أيضا طول أمد هذه النزاعات في «منطقتي» جبال النوبة والنيل الأزرق، ما زاد حدة النزاع في دارفور وأدى إلى انفصال جنوب السودان في عام 2011». (17).

يتمثل أحد رهانات النضال الثوري في دمج هذا البعد المناهض للنزعة النخبوية والمطالبة بمساواة بين جميع المواطنين والمواطنات، بغض النظر عن أصولهم. ةتجد هذه الأفكار طريقها إلى الوعي الشعبي. لذلك عندما اتهم البشير في عام 2018 المتظاهرين بأنهم يتلقون التعليمات من متمردي دارفور الذين يستغلونهم، رد هؤلاء الأخيرون بصوت واحد: «كلنا دارفوريون» (18). ومع ذلك، فإن هذه الأيديولوجية ذات الطابع الاثني التي تجعل بعض المواطنين من الدرجة الثانية، وفقا لمنطقتهم، لا تزال مستمرة على الرغم من جهود أكثر شرائح الثوار وعياً.

توطيد السيرورة الثورية

لم ينجح الانقلاب، على الرغم من قمع الطغمة العسكرية ومناورات البلدان الغربية، في النيل من كفاحية الشعب. قد تتفاوت كثافة المشاركة في التظاهرات، لكن درجة التعبئة تظل إجمالا عالية. ومع مضي الوقت برز نضج سياسي، وتشكلت لجان المقاومة باطراد على الساحة السياسية ما أثار إلى حد كبير احباط الأحزاب التقليدية. هناك تآزر شديد بين مختلف هياكل النضالات التي تغذي تنوع سمات الثورة. وسيكون كسبا للثوار توعية الجنود. إذا ظلت القيادة العسكرية، مهما كانت مناوراتها، إلى جانب السلطة، فليس الأمر كذلك بالنسبة لجنود قاعدة الجيش. إذ يتحدر معظمهم من مناطق فقيرة، وغالبا ما يتم بخس قدرهم، وقد يتأثرون بخطابات العدالة الاجتماعية. طبعاً، ليس نسج علاقات في ظل القمع أمراً سهلاً، لكنه قد يكون فعالا لاستمرار الحركة.

لا يسع المرء إلا أن يتأسف لضعف التضامن العالمي. وحتى يومنا هذا، يظل السودان البلد الوحيد الذي يدافع شعبه عن ثورته. والتضامن الدولي ليس في المستوى المطلوب. ما يجب اتباعه من نموذج وتوسيع مجاله هو ما تقوم به منظمات مختلفة في بريطانيا من عمل (19). ينبغي أن يكون التضامن على أوسع نطاق، وخاصة في المعسكر الغربي، الذي يمارس ضغوطا هائلة للعودة إلى الوضع السائد من قبل. من الضروري والحالة هذه مواجهة هذه الضغوطات بشدة عن طريق خلق جهات معارضة داخل حتى هذه البلدان.

إن انتصار الثوريين على أساس برنامج قطيعة كما طرحته لجان المقاومة من شأنه فتح ثغرة في عملية إخضاع العالم العربي وعلى نطاق أوسع في أفريقيا.

ردا على انقلاب البشير في عام 1989، قام محمد وردي، أحد أبرز فناني الغناء والموسيقى في السودان، بأداء أغنية «سَلم مفاتح البلد». وبعد ثلاثين عاما، ردد عشرات آلاف السودانيين هذه الأنشودة، تعبيراً عن مواصلة ما جاء في هذه الأبيات الشعرية من نضال (20):

«سَلّْمُ مفاتح البلد»

كلمات: محمد المكي ابراهيم

الحان وغناء: محمد وردي



عليك الزحف متقدم

وليك الشعب متلملم ومتحزم

يقول سلم

سلم وما بتسلم

رحمت متين عشان ترحم؟

سلم مفاتيح البلد

سلم عباياتنا وملافحنا

مصاحفنا ومسابحنا

جوامعنا وكنايسنا

سلم مفاتيح البلد

تراث أجدادنا سلمنا

عقول أولادنا سلمنا

بنادقنا البتضربنا

الموجهة لي صدورنا

وبرضو حقتنا

سلمنا

سلم مفاتيح البلد

سلمنا الزمان الضاع

ليل الغربة والأوجاع

أحزانا العشناها

مع الوطن العزيز الجاع

سلم مفاتيح البلد

حتهرب وين من الألم الكبير والجوع

من تعليمك المدفوع

ومن شعبا سقاك لبنو سقيتو من الهوان والجوع

يا ساقي سمك المنبوع

سلم مفاتيح البلد

حتهرب وين من الذكرى وعذاباتها

ومن لبن الأمومة ومن حساب الرب

حتهرب وين وانت ايدينك الإتنين ملوثة دم

فصيح الدم ينضم وبتكلم يقول سلم

8 تشرين الأول/أكتوبر 2022

ترجمة المناضل-ة


بول مارسيال مسؤول عن موقع «Afriques en lutte » ومناضل الأممية الرابعة في فرنسا

إحالة

1https://www.da
2https://www.lo
3Situation au Soudan et les activités de la Mission intégrée des Nations Unies pour l’assistance à la transition au Soudan 19 août 2022 réf. S/2022/667
4https://www.le
5A Theology of Modernity: Hasan al-Turabi and Islamic Renewal in Sudan Author(s): Abdullahi Ali Ibrahim Source: Africa Today , Summer – Autumn, 1999, Vol. 46, No. 3/4, Islam in Africa (Summer – Autumn, 1999), pp. 195-222 Published by: Indiana University Press
6https://www.le
7https://sudant
8How military control of the economy obstructs democracy in Sudan Breaking the Bank C4ADS.
9“Exposing the RSF’s secret financial network.” Global Witness, 9 Dec. 2019, https://www.gl
10The Enough Project Border Control from Hell: How the EU’s migration partnership legitimizes Sudan’s “militia state”
11https://www.mi
12Un « choke point » désigne un goulet d’étranglement et en matière de transport un passage stratégique
13https://www.ge
14https://adf-ma
15https://fr.afr
16Zeinab Mohammed Salih Letter from Africa: ‘We’re not cleaners’ – sexism amid Sudan protests https://www.bb
17https://cedejs
18La formule exacte : يا عنصري و مغرور كل البلد دارفور : toi le raciste et l’arrogant, nous sommes tous darfouris (littéralement : tout le pays est le Darfour).
19http://menasol
20Vers traduits par le site https://www.su



#بول_مارسيال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا هدنة في مواجهة السلطة العسكرية في السودان


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بول مارسيال - السودان: «سَلِّمُ مفاتيح البلد»