أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علي مسعاد - في غرفة الإنعاش















المزيد.....

في غرفة الإنعاش


علي مسعاد

الحوار المتمدن-العدد: 1703 - 2006 / 10 / 14 - 09:07
المحور: سيرة ذاتية
    


ماذا حدث؟!
ماذا يحدث؟!
ماذا سيحدث؟!

أسئلة متداخلة ومتلاحمة ، تستفزني ، تلاحقني ، تلبسني ملء ذاتي ، حضور الطبيب إلى الغرفة ومغادرته لها رفقة آخرين ، بتلك الطريقة اللامفهومة ، حديثه المقتضب إلى الممرضات بشأني ، زاد من حدة الأسئلة وحرقتها ، قال لهن بفرنسية طليقة " أن إهتممن بالمريض جيدا وأن يلتزمن بمواعيد الأدوية ، الحقن و تغيير "الصيروم " والضغط الدموي ...وأن يسجلن في الدفتر كل صغيرة و كبيرة متعلقة بي وبتطورات حالتي المرضية ..، الطبيب كان ، برفقته طلبة /أطباء
، كان يشرح لهم حالتي المرضية ويتلقى أسئلتهم بشأنها ، لا يتردد في حثهم على عدم الخجل في طرح أي سؤال ، الأطباء /الطلبة كانوا يتهامسون ، أحدهم يحمل بين يديه ملفي الطبي فهو يتضمن كل شيء عني كمريض ، ومتى أصبت بهذا الداء والذي بالمناسبة ، يجهلون مصدره وسبب تمكنه مني ، حتى أرداني هكذا طريح الفراش لا حراك .وملاحظات الأطياء الآخرين ذوي التخصصات الأخرى ، نظراتهم إلي ، أيقظت بداخلي عالما من الأسئلة المحيرة، ماذا سيحدث ؟!
مشدود أنا إلى السرير لا قدرة لي على الحراك ، تحيطني العديد من الآليات والتجهيزات الطبية المعقدة والتي تتطلب العناية المركزة من لدن الممرضات حتى لا يسبب توقفها أو خللا بها إلى توقف نبضات قلبي ، الطبيب لا يفتىء يردد ،" أن يراقبن "الصيروم "و"الضغط الدموي " و"آليات جريان الدم "بشكل دقيق ، وأن عليهن الإلتزام بتعاليمه ...".
كانت كلمات الطبيب مختارة بعناية ، تحركاته محسوبة بدقة ، نظراته الموزعة بيني وبين ملفي الطبي ، كانت تنضح بالشيء الكثير ، لحظتها أحسست بشيء يمور بداخلي ، برعبة جياشة إلى البكاء ، إلى الصراخ ملء في ، لكنني أحس بالعياء القاتل ، وأن لاقدرة لي على فعل أي شيء، إنني أشعر بالعجز الكلي ، إلى جانبي مرضى بين الحياة والموت ، أو ليس "غرفة الإنعاش " تعني في أبرز معانيها " الموت " أو هي رديف له بشكل من الأشكال ، سحناتنا ، ولهجتنا ،لكل منا قصته مع المرض ، وحدي من لا يدخن ولا يشرب الجعة ، ةالحال أن أغلب الحالات المرضية هي نتيجة التعاطي المفرط للتدخين والشرب الزائد عن الحد ، أو الأهمال أو عدم الإمتثال لنصائح الطبيب ، أو في أقصى الحالات عدم تناول الأدوية في وقتها ، كانت الغرفة تضيق بآلامنا ولاتتسع لآهاتنا ، فقط ، كان الليل فضاء البوح والإعتراف بكل صغيرة وكبيرة في حياتنا ، كنا نتحدث في كل شيء ، تمتد الحكايات ، تتفرع ، لكن ، اليل ، بلا بداية ولانهاية ، تتناهى إلى مسامعنا الآهات وصراخ المرضى الذين قتلهم الملل ، من المكوث ، هكذا طويلا فوق السرير دون حراك ، بقضون حاجتهم الطبيعية بذات المكان ولاقدرة لديهم على مغادرة الغرفة ، لأن ذلك يعني أوتوماتيكيا "الموت" .
في غرفة "المستعجلات" كانت أسئلة الطبيبة دقيقة ، عن إسمي ، عن حالتي الإجتماعية ، وعن متى بدأت أشعر بالعياء و التعب ، وأخرى تمحورت حول حياتي الجنسية ، والأمراض التي سبق لي وأن عولجت منها وعن الأدوية التي أتناولها ...إلخ ، كانت أسئلتها المسطرة قبلا بالملف الذي تحمله بين يديها متعددة ومتشابكة ، كان نتيجتها " أن تحجز لي غرفة بالإنعاش ، فحالتي المرضية لا تسمح لي بالتأخير ..."
"التأخير" ، كان يعني في أبرز معانيه الموت المحقق ، كانت زيارة الطبيب إلى الطبيب إلى الغرفة لتفقد أحوالنا لا تتوقف ، فأغلب الحالات المتواجدة بها تستدعي العناية المركزة والدقيقة ، ولا تحتمل " التهاون " لأن ذلك يعني توقف الحياة بالنسبة إلينا كمرضى تدهورت حالتهم الصحية لدرجة الصفر.
"عليك بإجراء عملية جراحية على القلب ، حتى يتسنى لنا تغيير "صمامات " قلبك فهي لم تعد تقوم بدورها والأكيد هي السبب في هذا الإنتفاخ الذي طال بنيتك الجسدية وهذا العياء الذي تحسه أثناء مشيك أو قيامك بأي حركة ...فما عليك إلا بتوفير مستلزمات العملية من أدوية وحاجيات الطبيب الجراح ..بالإضافة إلى "صمامة لبقلب " .
هذا الصباح لا يشبه باقي الصباحات ، الطبيب يتحدث لغة الإرقام ، والتي تقافزت أمامي ، لتتحول إلى جبل من المتطلبات الضرورية والتي لا مناص منها ، مد لي ، قبل مغادرته الغرفة ، ورقة من المطالب ، لحظتها أحسست كأن الأرض تميد بي ، حاولت أن أشرح له ، لكن ، " لست وحدك " قال الطبيب ، كل المرضى مطالبون بتوفير مستلزمات العملية الجراحية ، صحيح ، أن الظروف الإجتماعية ، لأغلب المرضى إن لم أقل معظمهم ، مزرية ، ومتردية ، بحيث أنه في معظم الحالات المحسنون ذوي الأريحية من يتكفلون بالمرضى ، في المستشفيات العمومية ، كانت المدة الزمنية التي قضيتها متنقلا بين " ميريزكو" "و"المستشفى الجامعي إبن رشد" و20 غشت ، كافية لاعرف الشيء الكثير عن واقع مستشفياتنا ، زرت مختلف المصالح ، إختلفت على العديد من الأجنحة ، وكنت أرى إلى الواقع الصحي ببلادنا ، صحيح أنني قضيت معظمها في غرفة الإنعاش ، ورأيت " الموت " بأم عيني ، مات كثيرون أمامي ، لحظتها أحسست أن دوري قد إقترب ، رغم تطمينات الطبيب ، و الممرضات وعائلتي الصغيرة وأهلي ، رغم كلماتهم المواسية ، كان الموت يراقصني ، يصاحبني في كل لحظة ، حتى إستحال جزء من كياننا ، أصبحنا نتحدث في كل شيء ، عن الماضي ، عن أخطائنا ، وزلاتنا ، كان البوح ملجئنا الوحيد لإنتظار الموت ، فالزيارة ، كانت ممنوعة عن الكل وليس لأحد الحق في الدخول إلى الغرفة بإستثناء الطبيب والممرضة والمكلفة بالتنظيف ، والتي كانت تنقل إلينا ما يحدث بالخارج ، والذي لا يصلنا منه منه إلا الصراخ والعويل والبكاء ، فلولا "الهاتف النقال" الذي ينقل إلينا أصوات الأهل والأحبة وأخبارهم المتقطعة ، لكنا كمن يعيش في جزيرة ، لا تلفاز ، لا مذياع ، لا جرائد ، لاشيء على الإطلاق ، يشعرنا أننا ما زلنا نعيش فوق هذه الأرض ، فقط ، الآليات الطبية والتجهيزات المعقدة من تشدنا إليها والألم الشديد الذي نحسه جراء ذلك ، كانت فترة عصيبة تستعصي على الوصف ، ولو بحث عن الكلمات المناسبة لترجمة كل الوقائع والأحداث لما وجدتها ، فمن يعش ليس كمن يسمع ، في كل الأحوال ، كأن ماحدث لم يكن إلا أضغاث أحلام ، الأهل والأصدقاء ، لم يصدقوا تفاصيل ما حدث ، أن أموت مرتين وأن تدخل القدرة الإلاهية مع مجهودات الأطباء لإعادتي إليها بمعجزة كبيرة ، فبين قسم المستعجلات ، بالمستشفى الجامعي إبن رشد وغرفة الإنعاش 20 غشت ومختلف الأجنحة التي وجدت نفسي أختلف إليها بأمر من الطبيب المشرف على حالتي الصحية وغرفة "الجراحة" ، كشفت لي الحياة عن وجهها الآخر ، الوجه الأكثر عمقا وجرحا لأن كل العوالم التي إرتدتها وعشت تفاصيلها ، كل دقيقة وثانية من عمري المرضي ، كانت مناسبة ، للإقتراب أكثر من واقعنا الصحي الذي نجهل عنه الشيء الكثير رغم كل ما كتب وكشفت عنه المنابر الإعلامية .

* أوراق عن تجربتي المرضية إخترت لها من العناوين "لا أريد أن أموت".



#علي_مسعاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يعني أن تكون مهاجرا سريا ، اليوم ، في أوروبا ! ؟‍‍‍‍‍‍‍


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علي مسعاد - في غرفة الإنعاش