أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - حكاية حليمة الصومالية














المزيد.....

حكاية حليمة الصومالية


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 1702 - 2006 / 10 / 13 - 05:20
المحور: الادب والفن
    


ظلت تمسح بقطعة مبللة جبين زوجها المصاب وهو ينظر لها بعينين غائرتين شبه ميتتين وطفلتها الصغيرة الضامرة تجلس بينهما في الكوخ البائس في قرية نويا التي تقع علي بعد 15ميلا شمال مقديشو، وتمسك بيدها الأخرى الورقة التي أعطاها لها طبيب البعثة الإيطالية ، عندما مرت سيارة البعثة علي قريتهم . كان زوجها يعاني من الإصابة بطلق ناري في ساقه وهو من جنود التحالف الصومالي ، والعلاج لا يتوفر إلا في المدينة.
نهضت حليمة ومسحت بعينيها زوجها المستلقي علي الأرض وأبنتها رحيل ثم لبست الثياب وخرجت في الساعات الأولي من الفجر تشق الوهاد نحو الطريق المترب الذي يربط قريتهم بالمدينة . كانت هناك سيارة تلوح في الأفق البعيد، علي ما يبدو إنها من سيارات الأمم المتحدة.
اندفعت حليمة بنشاط نحو الطريق ، تقبض علي ورقة الدواء بقوة وتلوح للسيارة التي اقتربت . وبها جنديين أمريكيين . توقفت السيارة ونظر الجنديان الي المرأة المتشحة بالسواد في دهشة ، أشارت لهما حليمة أنها تريد الوصول الي مقديشو ، أشارا لها بالركوب والجلوس علي المقعد الخلفي وانطلقت السيارة الجيب علي الطريق . نظر أحد الجنديين الي حليمة في مرآة السيارة ، أهاله جمالها الساحر ، ألتفت الي صديقه باللغة الإنجليزية :
ـ " إنها جميلة جداً " !!
قطب صاحبه حاجبه وألقي نظرة خاطفة في المرآة وهي تجلس ساهمة تحدق في الأفق البعيد ، يبدو عليها عدم الاهتمام .
ـ هل تراهن يا صديقي ؟؟؟
ـ أراهن علي ماذا يا رميوا أفريقيا !!
تراهن علي أني سأنالها قبل أن نصل المدينة -.
ـ أمريكا بلد الحرية ، أما هنا لابد أن يتم ذلك برضاها ...
ـ نعم ..أوقف السيارة وأنظر الي المرآة وستري ..
أيقظ توقف السيارة المباشر حليمة من شرودها ...ونظرت بعدم اكتراث إلى الجندي الذي نزل من السيارة وأتجه نحو دغل قريب ... وتوقف بصورة غريبة يتبول ..أشاحت بوجهها إلى الجانب الأخر في امتعاض.
ـ تباً لهما ، إن هذا الرجل الضخم الجثة لا يذكرها إلا بجثة رجل شاهدتها يوما طافية علي نهر جوبا وقد تورمت أطرافها .. إنها حتى لا تحس به " ...
هناك صورة واحدة ظلت عالقة في ذهنها ...وجه زوجها عثمان المبلل بالعرق وأبنتها رحيل الجالسة عند رأس أبيها واللذان خلفتهما منذ لحظات في القرية ، خسر الأمريكي الرهان ..
عاد يركب في السيارة بعد أن ناول صديقه المائة دولار ، انطلقت السيارة من جديد ، أذعن الأمريكي للهزيمة وأكتفي بالنظر الي وجهها الأسمر من مرآة السيارة والذي تضئه أشعة الشمس المتسللة من الأفق البعيد فأصبح لونه كالخمرة في النور المذاب ، دخلت السيارة المدينة التي كانت شوارعها غاصة بالمصلين الذين خرجوا لصلاة الفجر ... أشارت حليمة للجنود بالتوقف ونزلت من السيارة . لم تلحظ حليمة أن هناك عين رجل يعرفها جيداً عبد الرشيد ، كان يريد الزواج منها في الماضي ورفضته وتزوجت من غريمه عثمان بعد أن جرعته كؤوس الذل . ومضت عينا الرجل في حيث لم تفلح لحيته الكثة التي جعلت وجهه أشبه بكلب يحمل في فمه غراب من إخفاء ابتسامة الظفر التي أضاءت وجهه المظلم .. صاح بأعلى صوته في جموع المصلين الذين يغض بهم الشارع :
ـ " زانية ! زانية ! ارجموها "
أشار بإصبعه عليها ، سري التوتر في وجه حليمة ، أوقف الأمريكيان السيارة وأخذا ينظران في دهشة إلى جموع المصلين الذين تجمعوا من كل حدب وصوب وهم يحملون الحجارة وبدأت المأساة الرهيبة ... أخذ المارة يرجمونها وهي تعدو من زقاق الي زقاق حتى أعياها العدو وسقطت عند الجدار وجسدها تغطيه الدماء أقترب منها عبد الرشيد وأنحني علي وجهها ... رغم الآلام المبرحة عرفته . اختفت صورة زوجها وأبنتها للحظة، كانت تنظر الي الوجه الدميم ... جمعت اللعاب الممزوج بالدم في فمها وبكل ما تملك من قوة بصقت في وجهه للمرة الثانية والأخيرة في حياتها وفاضت روحها ، أفلتت أصابعها الورقة ، حملتها الرياح .. وأخذت تعبس بها في شوارع مقديشو الكئيبة. أنفض الجمع ونزل الجندي الأمريكي في انكسار .. كان يغالب الدموع ومشي بتثاقل نحو الجسد المضرج بالدماء أخرج سترته وغطي بها الوجه الجميل ثم نهض خلف الورقة والتقطها ودسها في جيبه ، واستدار نحو السيارة .. حيث كان يجلس صديقه دافنا وجهه بين ساعديه علي المقود وأستدل الستار علي مأساة حليمة الصومالية التي جاءت الي المدينة تبحث عن الدواء لزوجها المريض... إنها الحرب تخرج أسوأ ما في النفس البشرية.
****************
(كاتب من السودان مقيم في اليمن القصة من مجموعة كل الوان الظلام صدرت من مركز عبادي للدراسات والنشر 2001 )






#عادل_الامين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والاخلاق عبر العصور
- نوستالجيا
- الانسان اولا
- .........الطاووس
- العراق وسباق المسافات الطويلة
- موت شاعر
- الرأسمالية ليست نهاية التاريخ
- قصة قصيرة:.........الكلب........
- الاصولية المزعومة والعلمانية المفترى عليها
- العراق والسودان في مخيلة النخبة العربية
- الدولة الدينية والدولة المدنية-الحلقة الاولى


المزيد.....




- مركز جينوفيت يحتفل بتخريج دورة اللغة العبرية – المصطلحات الط ...
- -وقائع سنوات الجمر- الذي وثّق كفاح الجزائريين من أجل الحرية ...
- مصر.. وفاة الأديب صنع الله إبراهيم عن عمر يناهز 88 عاما
- -وداعًا مؤرخ اللحظة الإنسانية-.. وفاة الأديب المصري صنع الله ...
- الحنين والهوية.. لماذا يعود الفيلم السعودي إلى الماضي؟
- -المتمرد- يطوي آخر صفحاته.. رحيل الكاتب صنع الله إبراهيم
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن عمر 88 عاما
- وزارة الثقافة المصرية تعلن وفاة -أحد أعمدة السرد العربي المع ...
- وفاة الكاتب المصري صنع الله إبراهيم عن 88 عاما


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الامين - حكاية حليمة الصومالية