أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مسعد عربيد - ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ الجزء الاول















المزيد.....

ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ الجزء الاول


مسعد عربيد

الحوار المتمدن-العدد: 1701 - 2006 / 10 / 12 - 10:16
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في ذكرى مقتل إرنستو تشى غيفارا:
ماذا تبقى من تشى غيفارا؟
الغيفارية في حقبة العولمة
(الجزء الاول)

"تشى، رمز العالم لامكانيات رجل واحد"
فرانز فانون

رغم وفرة ما كتب عن تشى غيفارا وإرثه، فان الفصل الاخير لم يكتب بعد. فهناك الكثير من أعماله التي لم تنشر، وهناك الكثيرون ممن شاركوه المسيرة، منذ التحاقة بالثوار الكوبيين عام 1955، واللذين لم يقولوا كلمتهم الاخيرة بعد. إلا أن الاهم، أن شعوب الارض ما زالت تعيش أوضاعاً تزداد سوءً في ظل العولمة وسياساتها النيوليبرالية وفي ظل الاحتلال العسكري الامبريالي "والحرب على الارهاب"، ولن تتوقف هذه الشعوب عن المقاومة وإستلهام الغيفارية، فكراً وممارسةً، في نضالها ضد الاستغلال والظلم.
أثارت الغيفارية على مدى أربعة عقود، وما زالت، الكثير من الجدل في الاوساط السياسية والفكرية الثورية. وحيث تضيق هذه الدراسة بتقييم الغيفارية بكافة مفاهيمها، فاننا سنتناول عرضاً موجزاً لها دون أن يخل ذلك بمرتكزاتها الاساسية، متوقفين عند المحطات المفصلية في المسار الفكري والسياسي لتشى غيفارا والانتقادات التي تعرض لها. ولا ننوي من وراء ذلك إستنساخ التجربة الكوبية أو الغيفارية، بل إستخلاص العبر والدروس لمشروع النهوض العربي من خلال رؤية ترفض الدوغما والصنمية وتستخدم القوانين العامة لحركة الشعوب والتاريخ، وتستوحي في الوقت ذاته خصوصيات وسمات الواقع العربي الذي يكتنز بالعديد من العوامل الموضوعية والذاتية (بما فيها الكامنة) للنهوض وإحداث التغيير الثوري.

حياة قصيرة الأجل
لقي تشى حتفه ولم يبلغ من العمر الاربعين. وبين عامي 1956 (إنطلاقة الثورة الكوبية) و1967 (إستشهاده) تولى مهام ومناصب حسّاسة ورفيعة شملت القائد العسكري الثاني في الثورة الكوبية بجانب فيدل كاسترو، مدير البنك المركزي ووزير الصناعة في كوبا، وممثل الحكومة والثورة الكوبية على المستوى العالمي وثائراً امميا في الكونغو وبوليفيا.
إلاّ أن حياة غيفارا تظل قصيرة بكل المقاييس ومهما بلغ التفاؤل بقدرة الفرد ومواهبه، مما يستوجب الاخذ بعين الاعتبار ان الرجل لم تسنح له فرصة إكتمال تجربته ومفاهيمه وأفكاره وصياغتها في نظرية ورؤية ناضجة متكاملة. وربما تصبح المسألة أكثر وضوحاً وموضوعيةً إذا ما طرحناحا على النحو التالي: لو أخضعنا الكثير من الساسة والقادة والثوار في التاريخ الحديث للمعيار الزمني إياه وقيّمنا إنجازاتهم خلال إحدى عشر عاماً من حياتهم، فمن منهم تسنى له ان ينجز ما انجزه تشى خلال الفترة ذاتها؟

منظوران في قراءة الغيفارية
يتوقف الموقف من الغيفارية في حقبة العولمة، كما هو الحال في قراءة الماركسية والاشتراكية، على المنطلق والمنظور الذي يستخدم في قرائتها:
1) فهناك المنظور البرجوازي الذي يرى في الغيفارية نهجاً سياسياً قد مات وولى زمنه ولم يتبقى إلاّ أن نعلن مراسيم دفنه. وهو منظور يرى أن التاريخ قد إنتهى وان اللحظة لا تتسع إلا لمفاهيم وسياسات العولمة الرأسمالية والنيوليبرالية. وهذا النهج، عدا كونه أداة لرأس المال، لا يقدم سوى فهم آلي جامد بلا نبض ولا إبداع ولا يبقي من خيارات أمام الانسانية إلا أن تلفظ أنفاسها الاخيرة.
2) أما المنظور الآخر فيقوم على قراءة الغيفارية قراءة نابضة مكتنزة بالحيوية ويرى فيها رؤية وممارسة ترفضان الجمود العقائدي والتخشب الايديولوجي، قراءة تستشرف مفاهيمها تشى غيفارا الدينامية في تجارب الشعوب وترفض الركون الى علاقات الاستغلال والهيمنة القائمة وتقدم البديل لعالم افضل ومستقبل أسعد.
(1)
نقد الغيفارية بين الشخصنة والتدمير
خلافاً للانطباع العام، لم يحظى تشى في حياته ومماته بالافتتان والاسطورية والتمجيد فحسب، بل تعرض ايضاً، وما زال حتى يومنا هذا، لحملات عديدة من النقد والتجريح والتدمير التي إنهالت عليه من كافة قوى اليسار واليمين.
يجدر بنا هنا ان نلحظ ان الكثير من الانتقادات التي تعرض لها تشى في فكره وممارسته، قد طغت عليها العوامل والدوافع الشخصية والسيكولوجية لتشى غيفارا الفرد، وتجاهلت العوامل والظروف الخارجية والاجتماعية والاقتصادية ومجمل السياق العام في أميركا اللاتينية أو أفريقيا أو العالم الثالث. ولا داعي هنا للتيه في التبريرات والنوايا الطيبة لهذه الانتقادات، فالنوايا الطيبة هذه أمر لم تحظى بها الحركات الثورية وخصوصأ الماركسية عبر القرن الماضي الذي إحتقن بسموم الدعاية الرأسمالية المغرضة والسفيهة.
وبينما إنطلق الكثير من الانتقادات من مدافع اليمين الرجعي والآلة الاعلامية الرأسمالية في الغرب، فان "اليسار"، وخاصة المأجور منه لرأس المال وأوساطه الاكاديمية والاعلامية، لم يتواني عن الإدلاء بدلوه. وإلاّ فلمَ الإصرار، وبعد هذه السنوات الطويلة، على محاكمة تشى غيفارا وفكره وممارسته على أنه "تجربة أسطورة" أو مقاتل مغامر، أو ثوري حالم، وتحاشي تقييم الغيفارية في سياقها التاريخي والاجتماعي كتجربة من تجارب الشعوب ومساهَمة في التغيير الثوري الهادف الى إنسانيةٍ جديدة؟ ألم يكن تشى، كما كان كاسترو ولينين وإن شئتم فغاندي وغيرهم الكثيرون، نتاجاً للحقبة التي عاشوها ولسياق الظروف الاجتماعية والتاريحية التي أحاطت بهم؟ وعلى سبيل المثال، لماذ التقليل من دور الاتحاد السوفييتي (وتبعية الحزب الشيوعي البوليفي لموسكو وهيمنة النهج الستاليني على قراره وسياساته مثل العديد من الاحزاب الشيوعية في أميركا اللاتينية آنذاك) في فشل التجربة البوليفية، والاكتفاء باتهام تشى والقيادة الكوبية بعدم الاعداد السياسي والجماهيري الكفيل بتوفير المساندة للحملة في بوليفيا (1966 ـ 1967)، وأن تشى، وإن كان الامر صحيحاً، لم يتمكن من بناء قاعدة/حركة جماهيرية تدعم الثورة مما أدّى الى عزلته ورفاقه وتصفية العملية الثورية باسرها؟

والسخرية أيضاً
لا ضير في نقد الغيفارية، كحركة ثورية، طالما قام النقد على إرضية المقاومة ومقارعة الامبريالية. وعليه، فان تقييم الغيفارية يجب أن يقوم على ضوء المعطيات الخاصة لكل حالة، لا على محاولات التدمير والتشويه والتزييف. كما لا يجوز أن يقتصر نقد الغيفارية على تعداد الاخطاء والاخفاقات وتجاهل الانجازات التي حققتها الثورة والتجربة الكوبية على كافة المستويات، المحلية والاقليمية والاممية. لماذا النظر الى الفشل في بوليفيا، مثلاً، دون الاقرار بالانجازات في كوبا وأفريقياً؟
يقول خورخى كاستينييدا Jorge Castaneda "اليساري" السابق المرتد، أن كلاً من كاسترو وتشى قد فشلا ولم يعد هناك في عالم اليوم من يريد ان يقترب من فكرهما ويؤكد أنه "ليس هناك غيفاريون اليوم، كما أنه ليس هناك من هو معنيٌ بالاشتراكية". ويزعق أكاديمي أميركي، من حضن الاكاديمية الرأسمالية الناعم، ان تشى قد "فشل في بناء إقتصاد قويٍ متماسك كما فشل في نشر الثورة" وأن السياسات الاقتصادية والسياسية التي تبناها كانت "وبالاً" على العمال الكوبيين.
(2)
الفكر السياسي لتشى غيفارا:
المرتكزات ونقدها
البداية السياسية لتشى غيفارا
شكّل الانقلاب التي دبرته وكالة الآستخبارات الاميركية (سي آي إي) عام 1954 ضد الحركة الديمقراطية في غواتيمالا التي تزعمها يعقوب أربنز Jacobo Arbenz ، المواجهة السياسة الاولى لغيفارا (الذي كان آنذلك في زيارة لغواتيملا) مع الامبريالية الاميركية، وربما كان اللحظة الفاصلة بين تشى الرحّالة المتجول بحثاّ عن "معركته" وتشى الثائر. اتجه تشى، بعد ترحيله من غواتيملا، شمالاً نحو المكسيك حيث إلتقى فيدل كاسترو وأخاه راؤول في صيف 1955 وإلتحق هناك بالثوار الكوبيين.

البؤرة والثورة
رأى تشى أن الثورة في أميركا اللاتينية قد تأخرت لان حركاتها الثورية وقياداتها (بما فيها الاحزاب الشيوعية المرتبطة بموسكو والتيارات التروتسكية وغيرها) تبنت خطاً سياسياً خاطئاً ومستورداً ولم تنطلق من فهم موضوعي للواقع والظروف المحلية في تلك البلدان. أما الكفاح المسلح، فقد إسخدمته هذه الاحزاب إستخداماً لفظياً وإنتهازياً في معاركها البرلمانية ولتحقيق مكاسب سياسية آنية.
رأى غيفارا أن المفتاح الاساسي لانطلاق العملية الثورية في بلدان أميركا اللاتينية (بما فيها الوصول الى السلطة والاطاحة بالنظام الرأسمالي)، يكمن في إستراتيجية البؤرة الثورية (أو النواة الثورية المعروفة باستراتيجية أو نظرية الفوكو foco أو focoism من الاصل الاسباني) والتي لقيت نجاحاً في الحالة الكوبية كما دعا الى إستثمار الثورة الكوبية ونجاحاتها.
وتتلخص هذه الاستراتيجية في أن تقوم مجموعة صغيرة من الثوار بالمبادرة الثورية بإقامة قواعد عسكرية في الريف (القواعد الارتكازية) وبشكل منفصل عن الفلاحين، ثم تنطلق في عمليات عسكرية متصاعدة مع القوات العسكرية لنظام الحكم (المرتبط بالامبريالية)، عاملة على كسب دعم وتجنيد الجماهير التي تأخذ بالالتحاق بها وصولاً الى النصر النهائي. وتأسيساً على هذه الاستراتيجية، دعت الغيفارية الى إقامة العديد من هذه "البؤر" في أميركا اللاتينية والعالم كاستراتيجة للنضال.

نقد إستراتجية البؤرة الثورية
إشتد النقد لهذه الاستراتجية بعد مصرع تشى وفشل حملته في بوليفيا. ويظل النقد الماوي لهذ الاستراتيجية (وغيرها من مفاهيم الكفاح المسح والعلاقة مع الفلاحين والجماهير) الاكثر جدية وأهمية بالرغم من أنه لم يخلو من الدوافع الشخصية والحزبية الضيقة، وفيما يلي الخطوط العريضة لهذا النقد:
1) لم تستوعب الغيفارية، في نظر الماويين، ان نسبة كبيرة من هؤلاء الفلاحين كانوا من الهنود الاصلانيين الذين لا يثقون أصلاً بالثوار حيث كانوا ينظرون اليهم بخشية كدخلاء كما كانوا ينظرون الى الرجل الابيض.
2) فيما يتعلق بالقواعد الاتكازية، وجد الناقدون ان تشى غيفارا وفيدل كاسترو ركزا على الوظيفة العسكرية لهذه القواعد وأغفلا الجانب السياسي والتثقيفي في العمل الجماهير.
3) وحول العلاقة بين البؤرة الثورية والحزب، إتهموا الغيفارية بالتقليل من الصعوبات والعقبات التي تواجهه استراتيجة حرب العصابات في بلدان اميركا اللاتينية والعالم الثالث والمغالاة في دور التجربة الكوبية وإحتمالات تكرارها ونجاحها في تلك البلدان.
لا تستطيع الشعوب المضطهدة ان تقضي على الامبريالية بشكل تام في الاغلبية الساحقة من بلدان العالم الثالث، كما تؤكد الماوية، دون تجنيد الفلاحين، كما أنه لا يمكن "لوحدات العصابات الصغيرة" ان تحل محل الحزب الثوري ذي القاعدة الجماهيرية العريضة والذي يحظى بمساندة العمال والفلاحين.
أما رد الغيفارية على مثل هذه الانتقادات فقد تمحور حول النقاط التالية:
1) لم يزعم تشى ولا فيدل كاسترو أن إستراتيجية "البؤرة الثورية" هي الخيار الوحيد للشعوب، بل وجدا انها الوسيلة الانجع لنضال الشعوب المقهورة في أميركا اللاتينية والعالم الثالث في ظل ظروف موضوعية وذاتية محددة، وبالذات في الحالة الكوبية، وضمن سياقها التاريخي والاجتماعي.
2) كما رأت الغيفارية في هذه الاستراتيجية، البديل المرشح لانجاز أهداف الثورة في التحرير والتمية الاقتصادية وبناء الاشتراكية (تحرير الشعوب من نير الاستغلال والفقر وقمع الانظمة العميلة الحاكمة وسيدها الامبريالي اليانكي).
3) إعتمد النمط الماوي في حرب الشعب طويلة المدى بشكل أساسي على مشاركة طبقة الفلاحين وإقامة مناطق (قواعد) إرتكازية ينطلق منها الكفاح المسلح. ورأت الغيفارية إن مفاهيم حرب الشعب في التجربة الصينية لا تصلح للتطبيق في بلدان أميركا اللاتينية لاختلاف الظروف الموضوعية في تلك القارة وبشكل أساسي لان الريف هناك كان أكثر تطورا من الريف الصيني، إضافة الى ان الفلاحين (بما فيهم الهنود الاصلانيون) يتميزون بالسلبية وغير مؤهلين لخوض الثورة.

نجاح الثورة الكوبية ليس دليلاً على صحة "البؤرة الثورية"
لقد نجحت نظرية الفوكو في كوبا، وعليه رأى تشى أنها مرشحة للنجاح ضمن ظروف (ذاتية وموضوعية) مشابهة، وإرتأت القيادة الكوبية أن الاستفادة من هذه التجربة وتكرارها وإستثمار عوامل النجاح والقوة فيها واجب على الثوريين الامميين وتجربة فيها مصلحة الشعوب المغلوبة على أمرها. فهل كان نجاح الثورة الكوبية دليلاً على نجاعة إستراتيجية البؤرة الثورية؟
يذهب بعض الماويين الى أن التجربة الكوبية لا تقدم الدليل على جدوى نظرية البؤرة الثورية (الفوكو)، وأن نجاحها يعود ويشير الى عوامل ذات دلالة أعمق: يعود نجاح الثورة الكوبية الى دور القوة الثورية المسلحة (العامل الذاتي) في النضال ضد واقع الاستغلال وما ينتجه هذا من أزمة سياسية (العامل الموضوعي) + دور طبقة فلاحية مستعدة وقادرة على حمل السلاح ضد قوى الاضطهاد والظلم (الى جانب البروليتاريا الفلاحية وأشباه البروليتاريا). بعبارة اخرى تؤكد التجربة الكوبية على التداخل الدياليكتيكي بين الذاتي (القوة المسلحة) والموضوعي (أزمة النظام ونضالات الجماهير ووجدانها) . وعليه رأت الماوية أن الغيفارية قد غالت في أهمية ودور الكفاح المسلح، وأكدت (أي الماوية) على ان الكفاح المسلح ضروري في مراحل النضال المختلفة، وأنه في حين يرتقي هذا الكفاح الى شكل النضال الرئيسي في مرحلة ما، فانه قد يتراجع ولا يعدو الشكل الرئيسي للنضال في مرحلة اخرى.

الفصل بين العسكري والسياسي
نادت الغيفارية بان تكون قيادة الثورة في الريف حيث يحتدم الكفاح المسلح وحيث يكون الالتحام التام معه وكي يتسنى للقيادة والكوادر الإفلات من قمع النظام الحاكم. أما الوحدة السياسية فستولد في أتون المعركة. وكذلك الامر فيما يتعلق بقضايا الاستراتيجية والتكتيك التي تتم صياغتها وإستخلاصها من خلال الاشتباك العسكري المباشر مع العدو.
رأت الماوية، على خلاف ذلك، أن هذا الخط ينذر بتناقضات عديدة تستفحل بين المدينة والريف، وبين الحزب والجيش، وبين أشكال النضال البرلمانية والسياسية والاخرى العسكرية. فقد ربط ماو، ربطاً دياليكتيكياً ومحكماً، بين أشكال النضال (ومنها العسكرية) من جهة، وعملية التثقيف السياسي وتجنيد وتنظيم الجماهير العريضة من جهة اخرى. وأقام هذه العلاقات على أساس مفاهيمه في التناقض الرئيسي والثانوي والإمساك بالعلاقة الدياليكتيكة بينهما (على سبيل المثال العلاقة بين العمل السياسي والعسكري، توزيع القوى العسكرية أو تجميعها وتركيزيها ...الخ).

الحزب والجيش
وهنا أيضاً إحتدم الخلاف مع الخط الماوي، إذ منحت الغيفارية الاولوية للكفاح المسلح، أما ماو فقد نادى بتزامن أشكال النضال السياسي والبرلماني مع الكفاح المسلح، أي الجمع بين كافة أشكال النضال في آن واحد.
أكد لينين وماو على الدور القيادي والمركزي للحزب الماركسي ـ اللينيني في إدارة النضال، مما يضمن الدور المستقل للبروليتاريا وقدرتها، من خلال الحزب، على قيادة الكفاح الثوري. وعليه أتهم المايون تشى بالمبالغة في أهمية الطلائعية العسكرية ومنح الثوار المسلحين دوراً مبالغاً فيه في حين قلل من دور الابعاد السياسية للنضال وأهمية التدريب والتثقيف السياسي والايديولوجي للكادر العسكري. وذهب البعض الى حد القول بان الثورة الكوبية كانت ثورة لقلة من رجال العصابات ولم تعنى بالجماهير (خصوصاً الطبقة العاملة) ودورها في الثورة.
في المقابل، أصرت الغيفارية على إستقلالية القرار السياسي للقوات المسلحة، ولم ترى تناقضاً بين مركزية الحزب وإستقلالية قيادة حرب العصابات.
يكمن التفسير لهذه الاشكالية، في تقديرنا، في أن الغيفارية جاءت في سياق أوضاع أميركا اللاتينية لترد على القوى السياسية هناك، وخاصة الاحزاب الشيوعية التي أمضت دهراً طويلا مستغلةً شعار الكفاح المسلح في مناوراتها السياسية والبرلمانية ولم تأخذه على محمل الجد وإعتبرته أمراً مؤجلاً ووسيلةً ثانويةً في النضال.

تحالف العمال والفلاحين
أمسك ماو بالعلاقة الوثيقة بين العمال والفلاحين:
1) تكمن جذور هذه العلاقة في الترابط بين النضال الثوري ضد الاقطاع (والعلاقات الاقطاعية وشبه الاقطاعية في الريف) من جهة، والنضال من أجل التحرير الوطني من جهة اخرى، حيث رأى ماو في هذين البعدين من كفاح الشعوب كلاً واحداً لا يمكن الفصل بينهما.
2) أكدت الماوية على التحالف الطبقي بين العمال والفلاحين.
3) حلل ماو طبقة الفلاحين بعناية فائقة فوجد في ثناياها فئات مختلفة وتفاوتات إجتماعية وإقتصادية أدت، بطبيعة الامر، الى تناقضات في المصالح.
4) حدد ماو موقفه من هذه الفئات والتناقضات بينها أي "التناقضات ضمن الطبقة الواحدة" فاستطاع ان يمسك بها وأن يضعها في خدمة الثورة.
5) عمل ماو على كسب فقراء الفلاحين الى صفوف الثورة وإعتبرهم عمودها الفقري (المادة الاساسية)، كما عمل وبشكل متزامن، على كسب تأييد الفئة الوسطى. أما الاغنياء والميسورون من طبقة الفلاحين فقد عمل على تحييدهم إن لم يستطع كسب تأييدهم.
على هذه الاسس أقام الماويون نقدهم للغيفارية والذي جاء مكثفاً في النقاط التالية:
1) إتهموا غيفارا بانه قلل من أهمية الفلاحين وما يختزنوه من كامن ثوري.
2) لم تستوعب الغيفارية العلاقة بين العمال والفلاحين، وقللت من أهمية التحالف الطبقي بين هاتين الطبقتين ومن قدرة البروليتاريا على خوض النضال وقيادته.
3) لم يهتم تشى بالثورة الزراعية في الريف ولم يعمل على جذب البروليتاريا لتصبح الطبقة القائدة بل صبت الغيفارية جل إهتمامها في "الوصول الى السلطة وتوسيع قطاع الدولة باسم الشعب".
لم يتجاهل تشى، في الحقيقة، دور العمال والفلاحين ولا التحالف بين هاتين الطبقتين ، ولكنه رأى أنه، ضمن ظروف معينة، فان الطليعة الثورية تستطيع ان تاخذ المبادرة للانطلاق بالثورة ومن خلال الممارسة الثورة نفسها، أي أنه ليس من الضروري الانتظار لاكتمال كافة الظروف الذاتية والموضوعية قبل إطلاق الرصاصة الاولى، لان هذه الظروف ستكتمل من خلال العملية الثورية كما يتم كسب دعم الجماهير وبناء الحزب الثوري. بعبارة اخرى كان شعار الغيفارية، وربما كانت الاولى بين الحركات الماركسية التي بادرت الى هذا النهج: الفعل الثوري أولاً ثم صياغة النظرية.

كنعان النشرة الألكترونية
السنة السادسة ـ العدد 959
9 اكتوبر (تشرين الاول) 2006



#مسعد_عربيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيبال: الثورة المنسية
- العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: مفاهيم وخلفيات
- العرب الاميركيون والانتخابات الاميركية: إشكاليات وتحديات
- الانتخابات الاميركية ـ الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟
- مشاهدات مغترب في إشكاليات الانتخابات الاميركية ـ الحلقة الاو ...
- بين ناصر ولينين تأملات في الموت المبكّر وإغتيال الحلم
- الانتفاضة الساباتية بعد عشرة اعوام: مرحلة جديدة أم خيار بين ...
- في رحيل إدوارد سعيد مفكراً وإنساناً
- الهيمنة المطلقة...خواطر في اسلحة الدمار -الاشمل
- تشى غيفارا ... والحضور الدائم خواطر في الغيفارية في زمن العو ...
- مستقبل الاشتراكية في كوبا: اشكاليات الحاضر وتحديات المستقبل


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مسعد عربيد - ماذا تبقى من تشى غيفارا؟ الجزء الاول